آن ماري جاسر لـ«الشرق الأوسط»: «فلسطين 36» مقاومة فنية ضد الاحتلال

المخرجة أعربت عن سعادتها لتمثيل الفيلم بلادها في «الأوسكار»

المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر (الشرق الأوسط)
المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر (الشرق الأوسط)
TT

آن ماري جاسر لـ«الشرق الأوسط»: «فلسطين 36» مقاومة فنية ضد الاحتلال

المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر (الشرق الأوسط)
المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر (الشرق الأوسط)

قالت المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر إن رحلتها مع فيلمها الجديد «فلسطين 36» لم تكن مجرد مغامرة سينمائية، بل كانت أقرب إلى مقاومة طويلة النفس، حملت خلالها عبء الذاكرة ومرارة الحاضر.

الفيلم الذي ينطلق عرضه العالمي الأول ضمن عروض «الجالا» في مهرجان «تورونتو السينمائي» الشهر المقبل في كندا، هو دراما تاريخية تستحضر لحظة مفصلية من تاريخ فلسطين، وتضيء على مرحلة الانتداب البريطاني من خلال قصة إنسانية كثيفة المشاعر والتفاصيل، ورشحته فلسطين مؤخراً لتمثيلها في مسابقة «الأوسكار».

ظافر العابدين في مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)

أوضحت جاسر لـ«الشرق الأوسط» أن العمل على الفيلم استغرق ثماني سنوات، بدأت خلالها بالكتابة والبحث، مستعينةً بخيط رفيع من الذكريات، ومحاولة التعمق في سنوات الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1936، مشيرةً إلى أن السنوات الأولى خصصت للتأمل وتكوين صورة داخلية عن ذلك الزمن، بينما استغرق التحضير العملي نحو عشرة أشهر متواصلة، شملت بناء مواقع التصوير، وتصميم الأزياء، وتجهيز المشاهد التفصيلية، قبل أن تقف الحرب في وجه المشروع.

وكشفت المخرجة أن الاستعدادات كانت توشك على الاكتمال حين اندلعت الحرب، فتوقف كل شيء فجأة، تتذكر هذه اللحظات قائلةً: «بدا وكأن الريح أطاحت جهد السنين في لحظة واحدة، ثم عاد المشروع ليُستأنف بعد أشهر، قبل أن يتوقف مجدداً لأسباب أمنية ولوجستية، إلى أن أصبح الفيلم واقعاً بعد محطات طويلة من التوقف والاستئناف، امتدت لعامين».

وأشارت إلى أن المواقع الأصلية التي خُطط لتصوير الفيلم فيها كانت كلها داخل فلسطين، وقد تم اختيارها بدقة كبيرة لتتناسب مع روح المرحلة، مضيفة: «بُنيت مواقع تصوير كاملة داخل القرى، وتمّت زراعة الأرض، وحيكت الملابس يدوياً لتواكب تفاصيل تلك الفترة، غير أن الظروف السياسية والعسكرية دفعت الفريق إلى استكمال التصوير في الأردن، ثم العودة مجدداً إلى فلسطين لتصوير المشاهد الختامية».

الفيلم شهد مشاركة نحو مائة ممثل (الشركة المنتجة)

ورأت أن فقدان المكان الأصلي كان جرحاً يصعب التئامه سريعاً، لأن جزءاً من جوهر الفيلم يكمن في تفاعله مع الأرض الفلسطينية نفسها، لكنها في الوقت ذاته أكدت أن الغربة لم تضعف الروح، بل شددت من عزيمة الفريق ورفعت من حس التحدي.

وأشارت إلى أن اختيار طاقم الفيلم كان بمثابة تحدٍ كبير، لكنها أصرت على أن يحمل المشروع روحاً عربيةً خالصةً في التمثيل. تشكّل الطاقم من ممثلين من أنحاء مختلفة في العالم العربي، فإلى جانب صالح بكري، الذي تربطها به علاقة فنية طويلة، شارك في الفيلم يافا بكري، وردة عيلبوني، ورد حلو، وكريم عناية داود، وبعضهم خاض تجربته الأولى أمام الكاميرا.

أما الفنان التونسي ظافر العابدين، فتقول المخرجة الفلسطينية إنها اختارته لدور «أمير» لامتلاكه مزيجاً نادراً من الطيبة والجاذبية والبراءة، وهي الصفات التي كانت تبحث عنها في الشخصية مشيرة إلى أن تعدد اللهجات كان من أبرز التحديات، إلا أن العابدين تمكن من تجاوزها بمساعدة مدرب لهجات من القدس رافقه طوال فترة التحضير.

وفي قلب الفيلم، تتبع القصة خط يوسف، الشاب الذي يتنقل بين منزله الريفي ومدينة القدس المتأججة، باحثاً عن مخرج من واقع يزداد تعقيداً تحت الاحتلال البريطاني. يوسف ليس مجرد شخصية درامية، بل يمثل حالة رمزية لجيل من الفلسطينيين الذين حلموا بوطن حر ومستقبل أفضل.

يعرض الفيلم للمرة الأولى عالمياً بمهرجان تورنتو (الشركة المنتجة)

وتؤكد المخرجة الفلسطينية أن بناء شخصية «يوسف» تم بروح روائية قريبة من الشعر، وإن الفيلم حرص على أن يُظهر هذا التناقض بين الحنين إلى حياة بسيطة والاصطدام بواقع سياسي متفجر. من خلال هذه الشخصية، يطرح الفيلم أسئلة عن الهوية والانتماء والمعنى، في لحظة حاسمة من التاريخ.

وأكدت أن فيلم «فلسطين 36» لم يكن مجرد إنتاج سينمائي ضخم، بل مشروع حياتها، مشيرةً إلى أن الفريق أعاد بناء قرية فلسطينية بالكامل من الصفر، وصنع مركبات تعود لتلك الحقبة، واهتم بأدق تفاصيل الديكور والأزياء، التي حيكت يدوياً لتناسب روح الثلاثينيات، لافتةً إلى أن العمل ضم أكثر من مائة ممثل، بالإضافة إلى 300 فني خلف الكاميرا ما جعل تجربة الإنتاج واحدة من أصعب وأضخم التجارب التي خاضتها على الإطلاق.

وكشفت المخرجة أن الصعوبات لم تكن لوجستية أو فنية فقط، بل كانت نفسية وإنسانية أيضاً، مشيرة إلى أن صنع فيلم بهذا الحجم في ظل ما وصفته بـ«الإبادة الجماعية» التي تطول الفلسطينيين، كان أمراً بالغ القسوة، فلم تكن تتوقع أن تضطر إلى استكمال مشروعها بينما وطنها يُقصف، وحياتها مهددة، والذاكرة تُسحق يوماً بعد يوم.

وقالت إن الألم رافقها في كل لحظة، من التحضيرات حتى المونتاج، ومع ذلك، كان الفيلم بالنسبة لها شكلاً من أشكال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشهادة بصرية على زمن لا ينبغي أن يُنسى معربة عن سعادتها بانطلاق الفيلم من مهرجان تورونتو السينمائي، ورأت أن عرض الفيلم في قسم «الجالا» يُعد تتويجاً لرحلة شاقة، وفرصةً لإيصال الصوت الفلسطيني إلى جمهور عالمي متنوع.

تم تصوير الفيلم بين فلسطين والأردن (الشركة المنتجة)

ورغم الترحيب العالمي، شددت على أن الظروف السياسية لم تكن يوماً عاملاً مساعداً في عرض الرواية الفلسطينية. مؤكدةً أن هناك جدراناً من العزلة والممانعة تُقام باستمرار لإسكات أي سردية فلسطينية حقيقية، خصوصاً إذا خرجت من قلب الأرض المحتلة.

وتطرقت إلى الدعم الذي تلقاه الفيلم من «صندوق البحر الأحمر»، والذي كان له تأثير بالغ الأهمية، إذ مثّل أول دفعة تمويل حقيقية ساعدتها على الانطلاق بثقة نحو تنفيذ المشروع، مؤكدةً أن هذا الصندوق أثبت نفسه بوصفه منصة داعمة للسينما العربية، قادرة على احتضان مشاريع طموحة وغير تقليدية.

واعتبرت أن دعم الصندوق لم يكن مادياً فقط، بل كان رسالة رمزية بأنها ليست وحدها، وأن هناك من يؤمن بضرورة أن ترى هذه الحكاية النور.

وعبرت المخرجة الفلسطينية عن سعادتها بترشيح فيلمها لتمثيل فلسطين في «الأوسكار» ليكون معبراً عن جانب من معاناة الفلسطينيين التاريخية.

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

سليم الترك لـ «الشرق الأوسط» : هيفاء وهبي مُلهمتي الأولى

الوتر السادس تألقت هيفاء وهبي في مجموعة إطلالات مختلفة (حسابها على {إنستغرام})

سليم الترك لـ «الشرق الأوسط» : هيفاء وهبي مُلهمتي الأولى

عندما يتعلّق الأمر بعمل يجمع بين المخرج سليم الترك والفنانة هيفاء وهبي، يترقّب الجمهور النتيجة بحماسٍ لافتٍ. فمنذ أول فيديو كليب جمعهما في أغنية «أقول أهواك»

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق محمد بكري تلقى سابقاً جائزة في «مهرجان دبي السينمائي» 2017 (أ.ف.ب)

رحيل مؤسف لصوت فلسطين السينمائي محمد بكري

محمد بكري، ممثلاً ومخرجاً، أكد قضيته الفلسطينية في أفلام مثل «حيفا» و«جنين... جنين».

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))
سينما كريس همسوورث وهالي بَري في «جريمة 101» (أمازون - م ج م)

2026 آتٍ بكثير من الأفلام المقتبسة عن روايات أدبية

من حسن الحظ أن المخرج مروان حامد وكاتب السيناريو المفضّل لديه أحمد مراد لم يعتمدا على كتاب واحد يقتبسان منه سيرة الراحلة أم كلثوم في فيلم «الست»،

محمد رُضا (لندن)
سينما «أصدقائي غير المرغوب فيهم» (أرغوت فيلمز)

5 أفلام تسجيلية سياسية تتنافس لدخول الأوسكار

هذا الفيلم هو الجزء الأول من اثنين حققتهما الروسية لوكتڤ. الثاني من المنتظر له أن يعرض في مهرجان برلين المقبل الذي كان استقبل هذا الجزء في مطلع هذا العام

يوميات الشرق الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)

علي ناموس لـ«الشرق الأوسط»: فقداني للذاكرة أفادني في «رقية»

يرى علي ناموس أن فيلم «رقية» يجمع بين الرعب والذاكرة، حيث يجسد شخصية «أحمد» المنقسمة بين ماضٍ مظلم وحاضر ملتبس، ويعكس تجربة شخصية وتاريخية عميقة للجزائر.

أحمد عدلي (القاهرة )

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

عبر أكثر من 100 لوحة في فن الجرافيك والرسم بالأبيض والأسود، وكذلك الأعمال الملونة التي ترصد تفاصيل الحياة الشعبية بالشارع المصري، استضاف متحف محمود مختار بالجزيرة (وسط القاهرة)، معرضاً استعاديّاً للفنان الراحل وحيد البلقاسي، الملقب بـ«شيخ الحفارين»، تضمن رصداً لأعماله وجانباً كبيراً من مسيرته الفنية.

المعرض الذي انطلق 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر حتى 28 من الشهر نفسه في قاعتي «نهضة مصر» و«إيزيس» رصد مراحل فنية متنوعة للفنان الراحل، وبرزت خلاله فكرة الأسطورة الشعبية من خلال رموز بعينها رسمها ضمن اللوحات، مثل: العين الحارسة، والأجواء الأسطورية، للحكايات التي تتضمنها القرية المصرية.

وبينما تضمنت إحدى القاعات الأعمال الملونة والغرافيك المميز الذي قدمه الفنان وحيد البلقاسي، والتي تعبر عن الأسرة المصرية بكل ما تمثله من دفء وحميمية، كذلك ما يبدو فيها من ملامح غرائبية مثل القصص والحكايات الأسطورية التي يتغذى عليها الخيال الشعبي.

البورتريه الملون من أعمال الفنان وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

ولد وحيد البلقاسي في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) عام 1962، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، قسم الغرافيك عام 1986، واشتهر بأعماله في فن الغرافيك، وله عشرات المعارض الفردية والجماعية، كما أسس جماعة فنية باسم «بصمات»، وكان لها دور فاعل في الحياة الفنية عبر معارض وفعاليات متنوعة.

يقول عمار وحيد البلقاسي، منسق المعرض، نجل الفنان الراحل، إن المعرض يمثل تجربة مهمة لشيخ الحفارين وحيد البلقاسي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار اسم المعرض للتأكيد على أن أعمال الفنان لا تموت وتظل خالدة للأبد، تحمل اسمه وتحيي أعماله الفنية»، وتابع: «قبل وفاة الفنان عام 2022 كان يتمنى أن يعرض هذه المجموعة المتنوعة من أعماله الفنية، بما فيها الحفر على الخشب في دار الأوبرا المصرية، واستطعنا أن نعرض من مجموعته 100 عمل فني تصوير، من بينها 30 عملاً فنياً بطول مترين وعرض 170 سنتمتراً، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الصغيرة».

وأشار إلى أن الأعمال في مجملها ترصد القرية والحياة الريفية بمصر، وتتضمن موتيفات ورموزاً شعبية كثيرة تدل على الأصالة وعشقه للقرية والحياة الشعبية بكل ما تتضمنه من سحر وجمال.

ويصف الإعلامي المصري والفنان طارق عبد الفتاح معرض «لون لا يموت» بأنه «يعبر عن مسيرة الفنان وحيد البلقاسي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «أعدُّ الفنان الراحل فناناً عالمياً؛ لأنه جمع بين الإغراق في المحلية ومفردات التراث في لوحاته، واللوحات التي تنطق بالتعبيرية وتمثل الروح المصرية الأصيلة، واستخدم الأبيض والأسود في أغلب أعماله، لكن له مجموعة أعمال بالألوان مبهرة، ويظهر في أعماله مدى اهتمامه بالجمال والاحتفاء بالمرأة وبالمفردات الشعبية وتفاصيل القرية المصرية».

الفنان الراحل وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

وتابع عبد الفتاح: «لوحات المعرض سواء الكبيرة، التي يصل ارتفاعها إلى مترين، أو الصغيرة، فيها طاقة تعبيرية تبهر المتلقي الذي ينجذب فوراً للتفاصيل الموجودة بها».

وإلى جانب أعماله الفنية المتميزة، فقد شارك وحيد البلقاسي في الحركة التشكيلية عبر أنشطة عدّة، وأُنتج فيلم تسجيلي عن مسيرته الفنية بعنوان «شيخ الحفارين»، من تأليف علي عفيفي، وإخراج علاء منصور، سجل رحلته الفنية وعلاقته بالقرية والمفردات التي استقى منها فنه.


«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
TT

«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

تحت عنوان «روح ومحبة» أطلق المتحف القومي للحضارة المصرية احتفالية بمناسبة رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد، تضمّنت معرضاً أثرياً مؤقتاً يستمر لمدة شهرَين بالتعاون مع المتحف القبطي في القاهرة.

ورأى الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، الدكتور الطيب عباس، أن تنظيم هذا المعرض يأتي في إطار الدور الثقافي والمجتمعي الذي يضطلع به المتحف، مشيراً في بيان للمتحف، الجمعة، إلى أن رسالة المتحف لا تقتصر على عرض القطع الأثرية فحسب، بل تمتد إلى إبراز القيم الإنسانية والروحية التي أسهمت في تشكيل الهوية الحضارية لمصر عبر العصور. وأكد أن المعرض يعكس رسالة مصر التاريخية بوصفها حاضنة للتنوع الديني والثقافي، ومركزاً للتسامح والتعايش.

وافتُتح المتحف القومي للحضارة المصرية عام 2021 بالتزامن مع احتفالية «موكب المومياوات»، حيث نُقلت «المومياوات الملكية» من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، ويضم المتحف 1600 قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر عبر العصور.

ويضم المعرض الأثري المؤقت مجموعة متميزة ونادرة من روائع الفن القبطي تُعرض لأول مرة، تشمل أيقونات ومخطوطات قبطية ومشغولات فنية كانت تُستخدم في الأديرة والكنائس، من أبرزها أيقونة لميلاد السيدة العذراء، ومنظر حجري يُجسّدها وهي تُرضع السيد المسيح، بما يعكس ثراء هذا التراث وقيمته الفنية والرمزية، وفق تصريحات للدكتورة نشوى جابر، نائبة الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية.

وقالت، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض الأثري جاء بالتعاون مع المتحف القبطي، وهي المرة الثانية التي يتعاون فيها المتحف مع آخر، حيث تم التعاون من قبل مع المتحف الإسلامي خلال احتفالات المولد النبوي الشريف».

جانب من معرض أثري مؤقت بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

وأكدت أن «القطع المعروضة فريدة من نوعها فلم تُعرض من قبل، ومن بينها 15 قطعة من المتحف القبطي، و8 قطع من متحف الحضارة، تعود إلى القرون الميلادية الأولى»، وأهم القطع التي تضمنها المعرض وفق نائب الرئيس التنفيذي للمتحف «أيقونة ميلاد السيدة العذراء نفسها، فالشائع والمنتشر هي أيقونات ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ولكن من النادر وجود لوحة أيقونية تصور ميلاد السيدة العذراء. كما توجد قطعة حجرية منقوش عليها رسم للسيدة العذراء والسيد المسيح، وتُعدّ امتداداً للفن المصري القديم الذي كان يجسّد في لوحات مشابهة لإيزيس وهي تُرضع الطفل حورس».

من جانبه، أكد رئيس قطاع المتاحف في وزارة الآثار المصرية، الدكتور أحمد حميدة، أن «المعرض يُجسّد نموذجاً للتعاون المثمر بين المؤسسات الثقافية»، مشيراً إلى أن «اختيار السيدة العذراء مريم محوراً للمعرض يحمل دلالات إنسانية وروحية عميقة».

بينما أشارت مديرة المتحف القبطي، جيهان عاطف، إلى أن المعرض يُبرز تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية، لإظهار ثراء الموروث الحضاري المصري وتعدد روافده عبر مختلف الحقب التاريخية.

وحسب بيان للمتحف القومي للحضارة، تضمّنت الفعاليات الاحتفالية الكثير من الأنشطة، من بينها معرض للتصوير الفوتوغرافي، تضمن 22 صورة فوتوغرافية لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في مصر، وهو ما عدّته نائبة رئيس المتحف «ضمن خطة للربط بين الاحتفالات والأعياد الكبرى من جهة عرض القطع الأثرية التي تعبّر عنها، وكذلك توثيق مظاهرها الحديثة والمعاصرة وحضور هذه الأعياد ومظاهرها في الشارع المصري المعاصر للربط بين التاريخ والحاضر».

وشهدت الاحتفالية فعاليات فنية، مثل عروض لفرقة كورال «أغابي» التي قدمت مجموعة من الأغاني القبطية احتفاء بقيم المحبة والسلام، إلى جانب عروض لكورال الأناشيد بالتعاون مع كنيسة القديس بولس الرسول بمدينة العبور.

وتضمنت الاحتفالية أيضاً أنشطة تفاعلية متنوعة لتنفيذ أعمال فنية ورسم حي لأيقونات المعرض، وممارسة ألعاب تفاعلية، وتوزيع هدايا الميلاد.


شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
TT

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

كشفت مغامرة تاريخية جريئة عن وجود شارع فيكتوري كامل مدفون تحت إحدى المدن البريطانية، يضم محالاً تجارية وطريقاً قديماً، بعد أن قرر المؤرخ ديفيد ستيفنسون النزول إلى الأعماق لتوثيق ما عثر عليه بعدسته ومصباحه اليدوي.

على مدى سنوات، أثار الشارع الواقع أسفل منطقة «لورانس هيل» في مدينة بريستول قصصاً وشائعات عدّة، من بينها رواية عن رجل يُقال إنه سقط في حفرة بعد خروجه من إحدى الحانات ليجد نفسه فجأة في شارع «متجمد في الزمن». كما تحدثت الروايات عن بقايا واجهات محال قديمة ومصابيح غاز تعود للقرن الـ19، دون أن تتأكد صحتها.

ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض (إنستغرام)

لكن ستيفنسون تمكن من وضع حد للتكهنات، وعاد بمجموعة مذهلة من الصور التي أعادت إحياء ماضٍ ظل طي النسيان لعقود. ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض، يضم أقبية سرية وغرفاً مخفية، بينها ملهى ليلي تحت حانة «ذا باكهورس»، ومخزن استخدمه متعهدو دفن الموتى، وإسطبل قديم تابع لشركة «كو - أوب»، وموقع استُخدم ملجأً خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة «ذا ميرور».

كما اكتشف ستيفنسون نفقاً تحت أحد المصارف أُغلق بعد محاولة اقتحام، وتعود أجزاء من هذه الممرات لأكثر من قرنين، إلى فترة إدارة عائلة هيراباث لمصنع الجعة المرتبط بحانة «ذا باكهورس إن»، الذي امتد من شارع «لينكولن» حتى شارع «داك ستريت».

في عام 1832، مر خط سكة حديد تجره الخيول عبر لورانس هيل، ومع توسع السكك الحديدية البخارية لاحقاً، طُمرت الحانة والمحلات المجاورة تحت الأرض بعد تشييد أقواس جديدة لدعم الطريق. باع ويليام هيراباث معظم ممتلكاته لشركة سكة الحديد مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني، وبحلول عام 1879، رُفع مستوى الطريق واستُبدل الجسر الخشبي، ما أدى إلى اختفاء الحانة القديمة والمحلات تحت الطريق الجديد، في حين بُنيت الحانة الحالية مباشرة فوقها مع الاحتفاظ بالسلالم المؤدية إلى الموقع الأصلي.

بعد أكثر من عقدين، تذكَّر ستيفنسون مغامرته حين رفع شبكة حديدية وأنزل سلماً داخل بئر ليصل إلى الشارع المدفون. واكتشف 4 أنفاق، كان أحدها فقط ممتداً عبر الشارع بالكامل، وأُغلقت الأخرى بالطوب لمنع السرقة.

في أحد المتاجر المدفونة، عثر ستيفنسون على إطار نافذة فيكتورية قديمة، وأنقاض بناء، وأغراض متفرقة مثل حوض للخيول وكرسي متحرك مهجور. ولم تُشاهد أعمدة الإنارة خلال رحلته، إذ أُزيلت في خمسينات القرن الماضي حسب أحد تجار الخردة.

إحياءُ ماضٍ ظل طي النسيان لعقود (إنستغرام)

اليوم، أُغلقت هذه الأنفاق نهائياً نظراً لخطورتها، لكن ستيفنسون سبق أن انضم إلى بعثة منظمة لاستكشاف الغرف الواقعة أسفل الحانة، برفقة فريق متسلقين ذوي خبرة. ويستعيد ذكرياته قائلاً: «كانت خيوط العنكبوت كثيفة، والمدفأة لا تزال مغطاة بالغبار، وعارض فولاذي ضخم محفور عليه حروف (GWR) لتدعيم المبنى».

ويضيف: «الطريق أعلاه بُني أساساً للخيول والعربات. ورغم حركة المرور الكثيفة اليوم، بما في ذلك مئات الحافلات والشاحنات الثقيلة، لا يزال الطريق صامداً، ولا يدري كثيرون ما الذي يرقد تحت أقدامهم».