أمسية لبنانية بامتياز أمضاها الحضور على الواجهة البحرية لمدينة صيدا في افتتاح مهرجاناتها الدولية. وبدت عاصمة الجنوب لؤلؤة متوهجة بحفل أعادها إلى الخريطة الفنية بعد طول غياب. وعلى مسرح عائم على مرفأ صيدا القديم، وقف الفنان غسان صليبا البحر أمامه وقلعة صيدا الأثرية وراءه. وفيما راحت زوارق صيادي الأسماك الذين يمثلون أحد رموز شاطئها، تجول في عرض البحر، كانت الأوركسترا الوطنية الشرقية بقيادة المايسترو أندريه الحاج تغمر الحضور بأمواج من الموسيقى اللبنانية. وبين مقطوعات للرحابنة ومعزوفات على إيقاع الدبكة انطلق الحفل. واستهل بلفتة تكريمية للراحل زياد الرحباني من خلال موسيقى مسرحية «نزل السرور».

ويعدّ المكان الذي أقيم فيه الحفل جزءاً من المنطقة التي كانت تشكّل مرفأ المدينة القديم. وقلعة صيدا الأثرية، إلى جانب البحر وجزيرة «الزيرة»، بدت خلفية طبيعية للمهرجان.
وبعد التحية الأوركسترالية، أطلّ الفنان غسان صليبا نجم الحفل ليلقي التحية على الجمهور وفي مقدمهم السيدة الأولى نعمت عون، وزوجة رئيس الوزراء نواف سلام.
وعلى الرغم من حرارة طقس مرتفعة ونسبة رطوبة تخطّت الثمانين درجة، لم يفقد كل من المايسترو أندريه الحاج وصليبا قدرتهما على تحفيز الحضور للتفاعل معهما. فترك المايسترو له مرات عدة المساحة كي يكون نجم الحفل ويغني كلمات من مقطوعات يعزفها. وكما في «هيلا يا واسع» كذلك في معزوفة «طريق النحل» للرحابنة صدح صوت الجمهور يردد كلماتها. وكانت في الوقت نفسه تجري عروض سريعة وسط البحر لزوارق ومراكب بحرية، بينها ما يحمل أعلاماً لبنانية.
وفيما كانت مشهدية المسرح العائم تخطف الأنفاس، فإن الحضور استمتع أيضاً بمنظر قلعة صيدا وطريقها القديم وطول الساحل المتلألئ بالأضواء. فكانت بمثابة ديكورات طبيعية تفرض بجماليتها على المشهد. فكل مهرجان فني يجري في لبنان تطبعه ملامح المكان الذي يحضنه. وتميّزت «مهرجانات صيدا الدولية» بخصوصية مدينة عريقة تعدّ من بين الأقدم عالمياً، وذات شهرة واسعة ضمن دويلات الفينيقيين.
وكانت مهرجانات صيدا الدولية قد غابت عن الخريطة الفنية اللبنانية، وشكّلت حفلة الموسيقي غي مانوكيان في عام 2023 نسخة خجولة منها لا يمكن مقارنتها بالسابقة عليها. ومن خلال «راجعين بلحن كبير» شعار سهرة الافتتاح، تم تنظيم الدورة السادسة برعاية وزارتي الثقافة والسياحة.

وبدت السيدة الأولى التي جلست بين الناس في الصفوف الخلفية في غاية الحماس. فكانت تردد كلمات أغاني صليبا كما في «يا حلوة شعرك داريه» و«وطني بيعرفني» و«زيّنوا الساحة». وبدت في غاية الانسجام مع صوت الفنان اللبناني خلال أدائه «الله معك يا بيت صامد بالجنوب» للراحل وديع الصافي.
فالمعروف أن رئيس الجمهورية اللبنانية الجنرال جوزيف عون هو في الأصل من بلدة العيشية الجنوبية. وخصص صليبا مجموعة أغنيات للفنان المذكور ومن بينها «على رمش عيونها» و«بترحلك مشوار».
واحتضنت صيدا «هياكل بعلبك» وهي فرقة الدبكة التي استعان بها صليبا لمصاحبة أغنيات من خزانة الفولكلور اللبناني. ولم يتردد بعض الحضور في ملاقاة الفريق الراقص مؤلفاً معه حلقة دبكة نثرت الحماس في الأجواء. وأدّى خلالها غسان صليبا الميجانا والعتابا، وتوجه بكلمة إلى أهالي صيدا مشيراً فيها إلى حبّه لهم على طريقة الموال اللبناني العريق. ولتستلم الأوركسترا بعدها زمام مشهدية فنية تألفت من معزوفات «قتلوني عيونا السود» و«من وادي لوادي» و«يا مية هلا» و«قديش كان في ناس».
ومن الأغاني التي قدّمها غسان صليبا ابن مسرح الرحابنة في الحفل «يا مهايرة العلالي» و«غريبين وليل» و«شو هم القمر لو غاب».

استغرق الحفل نحو 80 دقيقة ختمها غسان صليبا ببعض الأغاني الوطنية «تعلا وتتعمّر يا دار» و«لمعت أبواق الثورة». وفي النهاية شكر صليبا رئيسة الكونسرفاتوار اللبناني هبة قواص، والمايسترو أندريه الحاج لمشاركة الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، وكورال القسم الشرقي للكونسرفاتوار في الحفل، مما أضاف إلى السهرة ألقاً وتميزاً.
يذكر أن «مهرجانات صيدا الدولية» تستمر لغاية 9 أغسطس (آب). ويتضمن برنامجها في 7 منه سهرة مع الفنانة نانسي عجرم، في حين حفل الاختتام يحييه الفنان مارسيل خليفة في 9 أغسطس.


