أكثر من 100 فنان زينت لوحاتهم معرض «مبدعون خالدون»، لوحات وأعمال فنية متنوعة يزيد عددها على 200 عمل تحمل الملامح المصرية. في وجوه البشر. في التفاصيل الصغيرة من الشارع، والرموز الشعبية الممتدة عبر السنين، أعمال فنية تحكي مسيرة الراحلين، وترسم طريقاً للقادمين.
المعرض المقام حالياً لمدة شهر في غاليري «ضي» بالزمالك (غرب القاهرة) يضم أجيالاً متنوعة، بعض اللوحات عليها توقيع من عشرينات القرن الماضي، وبعضها الآخر يعود لراحلين غادرونا قبل وقت قريب، لكن تظل الملامح والسمات المصرية هي الأكثر حضوراً في معظم الأعمال.

جاءت فكرة «مبدعون خالدون» في دورته الرابعة «لترد الاعتبار لفنانين منسيين، سقطوا سهواً أو عمداً من ذاكرة الفن»، وفق تصريحات هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة أتيليه العرب للثقافة والفنون (غاليري ضي)، منظم المعرض، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أسماء مهمة في الحركة التشكيلية المصرية أعمالهم في غاية البراعة والجمال والكثيرون لا يعرفونهم، نقبنا وبحثنا عن أسماء كثيرة مثل محمود أبو المجد ووديع شنودة ومصطفى عبد الفتاح وجمال المرسي واستطعنا أن نحصل على مجموعة لا بأس بها من أعمالهم».
يبدو الطابع الشعبي والتأثر بالمعتقدات والعادات والثيمات المصرية غالباً على العديد من الأعمال، سواء التصوير أو النحت أو الخزف، فالألوان الزاهية والبيوت البسيطة، وحتى ملامح الوجوه تحتفظ بطابعها وسمتها الذي يحيل الرائي إلى لوحات مصرية قديمة.

ويرى الفنان التشكيلي المصري، سامي البلشي، أن «في معرض (فنانون خالدون)، يبرز الخلود ليس مكافأة للتميز، بل خاصية متأصلة في الفن نفسه. كل خط، كل لون، وكل شكل يحمل في طياته شذرات من روح الفنان، تتجسد في المادة لتتخطى فناء الجسد. اللوحة في هذا السياق ليست مجرد قماش وألوان، بل هي وعاء يضم جزءاً من وعي المبدع، ينبض بالحياة كلما تأملها المتلقي، إنها حوارٌ صامت بين الماضي والحاضر، يكسر قيود الزمن ويُعيد تعريف مفهوم الوجود».
ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «معرض (مبدعون خالدون) بمنزلة فضاءٍ للتأمل الفلسفي العميق في ماهية الفن، جوهر الخلود، وتلاقي الروح الإنسانية مع أبعاد الزمان والمكان. هو مرآة تعكس أجيالاً من الشغف، والرؤى، والبحث الدائم عن الحقيقة والجمال».

عندما نتجول بين أعمال أسماء مثل حامد عبد الله، إنچي أفلاطون، حسين بيكار، حسن سليمان، سيد عبد الرسول، سمير رافع، الدسوقي فهمي، وغيرهم من عمالقة الفن المصري، نشعر بأننا نستمع إلى حوارٍ أزلي، وفق البلشي الذي يضيف: «تجد العين نفسها تتوقف أمام لوحة تحمل تفاصيل من الحياة اليومية في مصر القديمة أو الحديثة، لتدرك أن الهموم الإنسانية، التطلعات الجمالية، والأسئلة الوجودية لم تتغير كثيراً على مر العصور. كما يعكس المعرض أيضاً علاقة الفن بالهوية الوطنية والذاكرة الجمعية. ففنانو مصر الخالدون لم يكونوا مجرد رسامين، بل كانوا مؤرخين بصريين، سجلوا بفرشاتهم تحولات مجتمعهم، آماله، وآلامه. أعمالهم هي بمثابة وثائق تاريخية وفنية في آنٍ واحد».

وتتعدد المدارس الفنية التي يضمها المعرض والأساليب التي برع فيها كل فنان، ما بين التعبيرية والتجريدية والتأثيرية والسريالية والتكعيبية و«المودرن آرت»، بل والمزج بين هذه المدارس وبعضها بعضاً للخروج بطابع خاص يميز أسلوب الفنان ليعبر عن بصمته الخاصة.
يشير هشام قنديل إلى بداية فكرة «مبدعون خالدون» مع الفنان الراحل عز الدين نجيب، الذي يضم المعرض عدداً من أعماله، ويوضح: «بدأت الفكرة في الدورة الأولى بـ11 فناناً من الراحلين، ثم زاد العدد إلى 30 ثم إلى 50 حتى وصلنا إلى 100 فنان، بعضهم منسيين والبعض الآخر من رموز ورواد الحركة التشكيلية مثل تحية حليم وإنجي أفلاطون وسيف وأدهم وانلي».

ويلفت قنديل إلى وجود مجموعات كاملة وليس لوحات مفردة للفنانين مثل شاكر المعداوي وأحمد نبيل سليمان وعز الدين نجيب وصلاح طاهر وعصمت داوستاشي، كأنها معارض مستقلة داخل المعرض، بحيث يتمكن المشاهد من التعرف على مراحل الفنان المختلفة.
وأشار إلى ضم المعرض أعمال فنانين رحلوا في الفترة الأخيرة مثل أحمد نبيل وعز الدين نجيب ومصطفى الفقي وحلمي التوني وعصمت داوستاشي.

ووصف المعرض بأنه «بمثابة ذاكرة للحركة التشكيلية المصرية، وهو مهم للباحثين والدارسين الذين يبحثون عن ذاكرة الفن التشكيلي المصري المعاصر، وغن كانت هناك أسماء مهمة غائبة مثل حامد ندا وعبد الهادي الجزار ومنير كنعان فهي لا شك أسماء سنحرص على إضافتها في المرات المقبلة».

«يتسم هذا المعرض باحتوائه على أعمال نادرة»، وفق تعبير الفنان التشكيلي المصري محمد غانم، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هناك لوحتان لحسن سليمان لم أرهما من قبل، كذلك هناك لوحات نادرة لصلاح طاهر وفنانين كثيرين، كما أن المعرض يعبر عن الحالة الفنية المصرية على مدى عقود، ويعبر عن المجتمع المصري بتفاصيله وعاداته وتقاليده وجمالياته المتنوعة بشكل لافت».


