عبر لوحات تفيض بالبهجة والحركة، جسَّدت الفنانة المصرية ياسمين جامع طائر الديك بألوانه الزاهية ووقفته المهيبة، في معرضها الذي يستضيفه، راهناً، مركز محمود مختار الثقافي بالقاهرة.
لم تكتفِ الفنانة بالتعبير عن سماته الخارجية فحسب، وإنما تناولت الديك بكونه رمزية فلسفية حظيت، على مرّ التاريخ وفي مختلف الثقافات، باهتمام بالغ.
فمثل الشمس، يرتبط الديك لدى البشر بالوقت، فهو يعلن بصيحته بداية نهار جديد، كأنه ساعة حيّة تعطي إشارة طبيعية في صباح كل يوم؛ ولذلك فإنّ عدداً من الثقافات تعدّه تجسيداً لإله الشمس.
ووفق الأساطير والمعتقدات الشعبية، تختفي أشباح الليل والأرواح والشياطين مع أول صيحة للديك، ويغدو هذا الطائر، الذي يُبدّد الأرواح الشريرة بصيحته، موضوعاً لكثير من الحكايات الشعبية.

من هنا، يمثّل الديك موضوعاً مثيراً فنياً، وفق ياسمين جامع، فتقول: «للديوك مكانةٌ في تاريخ الفنّ، وكثيراً ما صوّره الفنانون في أعمالهم بسبب شكله المميّز، وصلته الوثيقة ببداية يوم جديد، فضلاً عن دلالته الرمزية العميقة».
وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «اخترتُ أن أجسّده من خلال رصد حضوره القوي في البيئة المصرية؛ ففي القرى، وبعض الأحياء في المدن، نجده مع أول تباشير الفجر يعلن نهاراً جديداً، فارداً جناحيه، وفيه من الزهو والشموخ ما يجعله قائماً على أسراب عشيرته».
يضمّ المعرض الذي يحمل اسم «حكاية السيد الديك» نحو 25 لوحة واسكتشاً، تعكس مفهوم السيطرة والقوة، وتبرز مجموعة إسقاطات على حياة البشر، لا سيّما العلاقة بين المرأة والرجل.
تقول التشكيلية المصرية: «تُمثّل اللوحات لقطات من حياة الديوك والدجاج، التي أرى أنها تتشابه مع حياة البشر؛ فهناك لوحة، على سبيل المثال، تُعبّر عن حالة الوفاق، وأخرى تبرز الصراع. تتّخذ معظم اللوحات شكلاً دائرياً، في إشارة إلى أنها في دائرة تشبه دائرة الحياة المستمرة، والروتين التقليدي للإنسان، الذي يستيقظ صباحاً، ويأكل، ويمارس مَهمّاته، وينام، ويعود للنقطة نفسها مرة أخرى... وهكذا».

وربما أراد المعرض التأكيد على سطوة المجتمع الذكوري؛ ذلك أنّ الفنانة التي جعلت من الديك عنواناً وثيمة لمعرضها، لم تجعله هو العنصر الفنّي الطاغي لجهة الكمّ على لوحاتها، إنما تركت المساحة الأكبر فيها للدجاجة!
لكن، رغم ذلك، يُسجّل الديك حضوراً لافتاً في المعرض بشكل عام. وفق ما تقول: «تعمّدتُ ذلك لأؤكد على قوّته؛ فهو، ولو قلَّ عدده، يظلُ فارضاً سيطرته وسطوته من دون منافس».
وهكذا، فإنّ «السيد ديك» ليس اسماً ولا ذاتاً، بل مرآة مكسورة تنعكس فيها وجوهنا، وتتفكك تعقيدات علاقاتنا جميعاً؛ فهو خلاصة حكاية لم تُكتب بعد، حكاية نعيشها جميعاً دون أن نعي أننا شخوصها»، وفق الفنانة.

أسهم اللون الأحمر الذي استخدمته في «عُرف الديك» في تأكيد قوّة هذا الطائر وحيويته؛ فلم تبخل الفنانة في اللمسات التأثيرية ذات الطاقة العالية لخدمة العمل التعبيري، والتي استمدّت طاقتها من عناصر لوحاتها ذات الحيوية اللونية.
وهي تستخدم تقنية غير تقليدية تقوم على الشفافيات، من خلال قماش التول الذي تعدّه باليتة الألوان الأساسية لها. وتمرّ هذه التقنية التي تستخدمها بمراحل عدّة، تبدأ بالرسم باستخدام الفحم، ثم الاستعانة بمجموعة كبيرة من طبقات التول، ويتبع ذلك قيامها بالحياكة أو التطريز بخيوط سميكة من الكروشيه.
توضح ياسمين: «منحتني هذه التقنية، التي استلهمتها خلال حضوري سمبوزيوم في الهند، المعروفة بتوظيف الأقمشة في الفنّ، القدرة على طلاقة التعبير بشكل أكثر سرعة ووضوحاً عن الحركة في اللوحات؛ وهو أمر مهم، لأنه ليس ثمة ديك ثابت بطبيعة الحال. من هنا، ورغم صعوبة تلك التقنية وما تتطلّبه من وقت طويل في التنفيذ، فقد أصبحت أتمسّك بها في أعمالي».


