مصر: الغلاء يجعل من «العزومات العائلية» عبئاً و«هماً ثقيلاً»

المسلسلات الدرامية وأفلام السينما المصرية جسدت العزومات العائلية (مشهد من فيلم «الحفيد» على «يوتيوب»)
المسلسلات الدرامية وأفلام السينما المصرية جسدت العزومات العائلية (مشهد من فيلم «الحفيد» على «يوتيوب»)
TT

مصر: الغلاء يجعل من «العزومات العائلية» عبئاً و«هماً ثقيلاً»

المسلسلات الدرامية وأفلام السينما المصرية جسدت العزومات العائلية (مشهد من فيلم «الحفيد» على «يوتيوب»)
المسلسلات الدرامية وأفلام السينما المصرية جسدت العزومات العائلية (مشهد من فيلم «الحفيد» على «يوتيوب»)

اعتادت آية عوض (36 عاماً) أن تجتمع بشقيقاتها السبع كل يوم جمعة في منزل العائلة بمنطقة الجيزة، بعدما باعدت بينهن المسافات، حيث تقطن في مدينة 6 أكتوبر (جنوب القاهرة)، فيما يسكن الباقون مناطق أخرى متفرقة. في هذا اليوم تعدّ الأم أصنافاً متنوعةً من الطعام تلبي أذواق بناتها وأحفادها المختلفة، ومن مائدة الطعام تمتد جلسات السمر. كان ذلك قبل نحو 3 أعوام، قبل أن تتبدل الأحوال بفعل الغلاء.

تنعكس الأزمة الاقتصادية في مصر منذ عام 2016 على أسعار السلع والخدمات، حتى قفزت نسبة التضخم على أساس سنوي في يونيو (حزيران) من عام 2023 إلى 41 في المائة، فيما سجلت نسبته الشهر الماضي 14.9 في المائة، دون أن تؤدي النسبة إلى تراجع في الأسعار.

تقول آية لـ«الشرق الأوسط»: «ميزانية والديّ بسيطة، تعتمد على المعاش، ولأن عددنا كبير، كانت هذه التجمعات تفوق قدرتهما». بدأت آية كلامها لـ«الشرق الأوسط» موضحة أنها كانت تلاحظ كيف تقل أصناف الطعام على المائدة، فتكتفي الأم بصنفٍ واحدٍ يحبه الجميع مع اللحوم، وبعد فترة تقل اللحوم وتختفي أحياناً.

حاولت الشقيقات التخفيف عن حمل لقائهن على والديهما، دون أن يقطعن العادة، فاقترحن أن تشتري كل واحدة لأبنائها طعاماً جاهزاً، بحجة عدم تضييع الوقت في الطبخ وادخاره للحديث، وتعلق آية: «كان ذلك حلاً لكنه ليس جذرياً، فانتقل إلينا عبء شراء الطعام، ومن النادر أن نجتمع كلنا مثل السابق؛ كل مرة تعتذر من لا تتحمل ميزانيتها عبء شرائه».

العزومة هم ثقيل

أما هويدا عبد المعبود (54 عاماً)، فتنتظر يوم الجمعة بلهفة، حتى ترى نجلها الأكبر وحفيدها خلال زيارتهما الاعتيادية، حتى وإن كانت هذه الزيارة تكلفها تقليل جودة الطعام طيلة 4 أيام قبل «العزومة»، إذ تقول لـ«الشرق الأوسط»: «ندخر إعداد اللحم والطعام المميز ليوم الجمعة خلال زيارة نجلي، وباقي الأيام نأكل أي شيء، سواء طعاماً دون لحوم أو أكلاً سريع التحضير غير مكلف».

أظهرت دراسة تراجع استهلاك أسر مصرية للحوم (الشرق الأوسط)

ووفق دراسة أجراها معهد السياسات الغذائية الدولي (IFPRI) عام 2022 على 6 آلاف أسرة فقيرة وشبه فقيرة في مصر، لقياس تأثيرات ارتفاع الأسعار على النمط الغذائي، اتضح أن 85 في المائة من هذه الأسر قلصت استهلاك اللحوم، و75 في المائة منها خفّضت استهلاك الدجاج والبيض منذ مارس (آذار) 2022 بسبب ارتفاع الأسعار.

تقطن هويدا منطقة العمرانية الشعبية (في محافظة الجيزة)، ويقتصر دخل عائلتها على معاش زوجها، وبعض المدخرات، موضحةً أن «عبء العزومات يزداد كل يوم عن سابقه بسبب ارتفاع الأسعار، خصوصاً لو كان المدعوون ليسوا من المقربين ممن لا تتحرج معهم من إعداد أنواع محدودة»؛ توضح: «بعض العزومات تتطلب التنوع في الأصناف، وهذا هم ثقيل».

«الأزمة الاقتصادية تضرب قلب الحياة الاجتماعية المصرية، والمتمثلة في المائدة بما تحمله من دلالات اجتماعية وثقافية عميقة»، وفق الباحث الإنثربولوجي، وليد محمود، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «عزومات الطعام ليست مجرد تناول وجبة، بل نسيج اجتماعي معقد يحمل معاني الكرم والضيافة والتواصل الاجتماعي».

وأضاف: «في الماضي كانت العزومات تُقام في المناسبات الدينية والاجتماعية لتعبّر عن مكانة الأسرة، لكن التضخم الحالي يعيد تشكيل العادة، فتجد الأسر نفسها مضطرةً لتقليل عدد العزومات، وتغيير نوعية الطعام المقدم، وتقليل عدد المدعوين، في تغيير يحمل تداعيات اجتماعية ونفسية عميقة».

عزومة لأسرة مصرية توازن بين لمة العائلة والتوفير (الشرق الأوسط)

حيل للتعايش

تبحث الأسر المصرية عن حيلٍ للتعامل مع عبء الأسعار، دون الحرمان من «بهجة التجمعات»، فالبعض لجأ إلى إعداد وجبات تتداخل في تكوينها اللحوم مع الخضروات مثل «الطاجن»، وتقسيم اللحوم أو الدواجن لقطع أصغر، فتبدو الكميةُ أكبر.

آخرون ابتكروا طرقاً أفضل لتعويض الأسرة صاحبة العزومة عما أنفقته خلالها، الذي قد يكلفها طعام باقي الشهر، واحدة من هؤلاء رحاب إدريس (34 عاماً) مسؤولة كتابة محتوى في إحدى شركات «السوشيال ميديا» تقول لـ«الشرق الأوسط»: «الآن أي عزومة لأسرة مكونة من 3 أفراد فقط تتكلف نحو 1000 جنيه (الدولار يساوي نحو 50 جنيهاً) وهو مبلغ (ثقيل) على أي ميزانية، لذا لا نتحرج أنا ودوائري الصغيرة التي أتبادل معها العزومات في استبدال المواد الغذائية أو الملابس أو الأحذية بالحلويات أو الفواكه التي كنا نحضرها في السابق».

وتوضح أن «المعاناة المشتركة من الأسعار تجعلنا نحاول تخفيف آثارها على بعضنا البعض»، مشيرةً إلى أن ذلك يأتي جنباً إلى جنب مع «تقليل العزومات بشكل عام واختلاف أشكالها؛ فقبل سنوات كانت عزومةً لعيد ميلاد أو فرح تعني ضمنياً فقرة للطعام، الآن نكتفي بالحلوى».

زيادات مستمرة في الأسعار بأسواق مصرية (الشرق الأوسط)

ويُبدي الباحث الإنثربولوجي قلقاً من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية على المدى البعيد إلى «تفكك تدريجي في النسيج المجتمعي»، قائلاً إن «العزومات كانت تلعب دوراً حيوياً في تقوية العلاقات وبناء الشبكات الاجتماعية. وتراجع هذه العادة قد يؤدي إلى تفكك تدريجي في النسيج الاجتماعي، حيث تقل فرص التواصل المباشر بين العائلات، وزيادة الشعور بالعزلة الاجتماعية، خصوصاً بين كبار السن الذين يعتمدون على هذه التجمعات للحصول على الدعم الاجتماعي والنفسي».

ولفت إلى تغير ملحوظ في «سلم القيم الاجتماعية»، «حيث تصبح القيم المادية أكثر أهمية من القيم الاجتماعية التقليدية، فقيم مثل الكرم والضيافة، تتراجع لصالح التوفير والادخار».

لكن آية، التي حُرمت من تجمع عائلتها الكرنفالي كل جمعة، تقاوم حتى لا تفقد وهج عزومات أخرى محدودة في منزلها، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إنها تعتمد على «حصالة» نجليها الصغيرين في ذلك.

تخصص الأم، وهي ربة منزل، كل شهر مبلغاً من الميزانية في الحصالة، لشراء حاجات أبنائها، وخلال العزومات كلما نقصت ميزانيتها، اقترضت أموالاً من الحصالة وتعدّه ديناً عليها أن ترده فيما بعد، وفق تعبيرها. ومع ذلك لا تُخفي قلقها من ألا تصمد حيلتها البسيطة أمام القفزات المتتالية في الأسعار.


مقالات ذات صلة

مصر: تجدد الجدل حول «طقس البشعة» ومدى شرعيته

يوميات الشرق دار الإفتاء المصرية تصدر بياناً يؤكد تحريم البشعة شرعاً (دار الإفتاء المصرية)

مصر: تجدد الجدل حول «طقس البشعة» ومدى شرعيته

جدّد مقطع فيديو تظهر فيه فتاة تقوم بما يُعرف بـ«طقس البشعة» الجدل حول هذه الممارسات الشعبية ومدى توافقها مع الشرع والقانون

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق سمير الإسكندرني قدم أعمالاً جديدة ومختلفة في الموسيقى العربية (صفحة محبي سمير الإسكندراني على فيسبوك)

قرار بإزالة مقبرة سمير الإسكندراني يعيد جدل هدم مدافن المشاهير

أدى إخطار وصل لأسرة الفنان سمير الإسكندراني «1938 - 2020» يدعوهم لنقل رفاته قبل إزالة مقبرته الموجودة في منطقة السيدة نفيسة، لتجديد أحزانهم.

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق ارتفاع معدلات الطلاق في مصر (الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء)

تغيرات اقتصادية وتكنولوجية تقلص معدلات الزواج في مصر

قادت تغيرات اجتماعية وتكنولوجية واقتصادية حادة ومتسارعة معدلات الزواج والطلاق إلى التغير في مصر؛ في الوقت الذي تراجعت فيه أعداد المتزوجين.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مسؤولون مصريون في جولة بأحد منافذ بيع السلع (وزارة الزراعة المصرية)

مصر: القبض على «بلوغرز» بسبب «التشكيك» في سلامة الغذاء

أوقفت أجهزة الأمن المصرية اثنين من «البلوغرز» يُدعيان «الأكيلانس» و«سلطانجي» تحدثا عن عدم نقاء المياه المعدنية، وهو ما اعتبرته السلطات «تشكيكاً» بسلامة الغذاء.

عصام فضل (القاهرة )
يوميات الشرق وزرة الداخلية المصرية رصدت مخالفات صُنَّاع محتوى (وزارة الداخلية)

أحكام قضائية تجدد أزمات صُنّاع المحتوى في مصر

تجددت أزمات صُنّاع المحتوى في مصر بعد صدور حكمين قضائيين، السبت، بالحبس والغرامة لاثنين من صناع المحتوى على «تيك توك» بتهم من بينها «خدش الحياء».

محمد الكفراوي (القاهرة )

ثلاثة أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
TT

ثلاثة أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)

نال الفيلمان العربيّان اللذان عُرضا في اليوم الأول من مهرجان البحر الأحمر (الجمعة) استحساناً جيداً من قِبل جمهور غفير.

الفيلمان هما «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، و«اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، وكلاهما في المسابقة الرسمية ضمن 18 فيلماً تتنافس على الجوائز الأولى.

وضع دائم

محمد بكري (يساراً) وصالح بكري في «اللي باقي منك» (مهرجان البحر الأحمر)

يُؤلّف «اللي باقي منك» مع «صوت هند رجب» و«فلسطين 36» ثلاثية من الأفلام الجديدة التي وجّهت اهتمامها، وفي الوقت المناسب، إلى الموضوع الفلسطيني.

يختلف الفيلم هنا بامتداد أحداثه إلى ثلاثة أجيال متعاقبة، من عام 1948 حتى سنة 2022. بداية الفيلم مفتاح للذاكرة، تسردها حنان (شيرين دعيبس) في سنة 1988 قبل الانتقال، في «فلاشباك»، إلى عام النكبة عندما تحوّل التعايش بين الفلسطينيين واليهود من ثقافتين تعيشان فوق أرض واحدة إلى احتلال رسمي عقب حرب لم يُتح للفلسطينيين فيها فرصة الانتصار.

وكما في فيلمها السابق «أميركا»، تبني المخرجة عملها على مزيج من العلاقات الأسرية الحميمة ومفردات الوضع السياسي. هناك مشاهد كثيرة في «اللي باقي منك»، تتناول الاحتلال خلال تلك السنوات: حاجز عسكري يُوقف أباً ويهينه أمام ابنه، عائلة تهرب من بيتها تحت القصف، وغيرها من اللقطات التي تعكس تاريخ الاعتداءات على الفلسطينيين بصرف النظر عن وجودهم فوق أرض توارثوها.

على الرغم من أن ما ترويه المخرجة معروف وصحيح من حيث ممارسات الإسرائيليين، فإن أثر ما نراه يترجم عبر لغة فنية صحيحة. بذلك لا يترك الفيلم تأثيره من خلال المشاهد فحسب، بل يُوازي ما حدث ولا يزال يحدث في غزّة من أهوال.

رسالة الفيلم واضحة بلا التباس، ومعالجتها الفنية جيدة، ولو أنّ بعض الأجزاء يفتقد إلى تماسك أكبر في السرد؛ وهو أمر شائع في الأفلام التي تمتد أحداثها عبر أزمنة متعددة.

نظرة إلى حياة صعبة

مُنيا عقل وحسن عقيل في «نجوم الأمل والألم» (مهرجان البحر الأحمر)

يلتقي «اللي باقي منك» مع «نجوم الأمل والألم» (A Sad and Beautiful World) في كونهما مؤلفين من 3 محطات زمنية. في الفيلم اللبناني الذي أخرجه سيريل عريس، نجد حكاية عاطفية - رومانسية في الأساس، مع خلفيات عن الحرب الأهلية وما بعدها ومصائر البيروتيين خلالها.

عدا ذلك، يختلف الفيلمان تماماً، خصوصاً في أسلوب المعالجة بين دعيبس وعريس. ففي فيلم دعيبس الكاميرا محسوبة الحركة وذات تأطير يتناسب مع الموقف، أما المخرج عريس فيؤم إلى كاميرا متحركة حتى في اللحظات التي تستدعي شيئاً من التأني لتمكين الحكاية من الانتقال من السطح إلى العمق.

سيناريو عريس لا يخلو من صعوبة تبرير مفارقات مثل افتراض أن نينو (حسن عقيل) وياسمينة (مُنية عقل)، الواقعين في الحب منذ تعرّفهما على بعضهما، وُلدا في المستشفى نفسه وفي اليوم نفسه. هذه المفارقة تبقى صدفة غير ضرورية، كما يبدو أن المخرج نفسه يعترف بها ضمناً.

لكن عريس يُعوّض هذه المفارقة بالتركيز على تطوّر العلاقة وتقاطعاتها، وعلى ما يعانيه كلّ من البطلين من ماضٍ عائلي حزين (وفاة والدي حسن، وطلاق والدي ياسمينة)، ما يترك تأثيراً على كُنه المشاعر التي يعايشها كلٌّ منهما منفرداً ثم، بعد الإفصاح عنها، على نحو مشترك.

بصرياً، يحفل الفيلم بترجمة الخلجات العاطفية بصور مناسبة. يلعب هذا العنصر دوراً مهماً في تشغيل محرك الحكاية منذ اللقاء الأول عندما يصدم حسن بسيارته «كشكاً» تملكه والدة ياسمينة، مما يؤدي إلى تعارفهما الحقيقي الأول. هناك لقطات كثيرة يعمد إليها المخرج للخروج من تقليد استخدام الحوار للتعبير: لقطات للعيون، وللوجهين، وللمسافة والنظرات بين العاشقين، بديلاً من الكلمات التي لم تكن لتنجح في التعبير عن تلك المواقف إلا بحدود، أو قد لا تنجح مطلقاً.

شيء آخر مشترك بين هذين الفيلمين اللذين عُرضا متتابعين في اليوم الأول. ففي «اللي باقي منك» يتحدّث الممثل البارع محمد بكري (مؤدّياً دور الأب) ردّاً على عبارة تَرِد على لسان الابن (صالح بكري): «أخدوا أرضك ومصاريك... هيدي بتسمّيها حياة؟ ما تكنش أهبل يا ابني».

وفي «نجوم الأمل والألم» تطرح بطلة الفيلم على صديقها الذي يريد الزواج منها: «بدّك تجيب ولاد بهالعالم؟». كلا العبارتين تعكسان في حياة أبطالهما وبيئاتهم ما يُنبئ بفقدان الأمل في احتمالات حياة أفضل؛ نظرة سوداوية ضمن بيئة سياسية مقنعة.

تعكس العبارتان أيضاً أن حياة الأفراد تمرّ من خلال أحداث لا يد لهم فيها؛ ضحايا من صنع آخرين يشكّلون سحابة سوداء فوق كلّ حياة كان يمكن لها، في ظروف أخرى، أن تكون سعيدة وطبيعية.

أمير بلا إمارة

أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)

فيلم الافتتاح، «عملاق»، هو عمل مختلف تماماً لا عن هذين الفيلمين فقط، بل عمّا قد يتوقعه المرء من فيلم مُفترض به أن يدور حول الشخصية التي يتحدّث العنوان عنها. فإذا بالسرد يتولّى ناصية حكاية متماوِجة: حين يقترب من الشخصية يكون اقترابه محدوداً، وحين يبتعد يتّضح أن الموضوع يدور، غالباً، حول شخص آخر.

يتولّى الفيلم الإعلان عن أنّه قصّة حياة الملاكم اليمنيّ الأصل نسيم، منذ صباه حتى نيله بطولة العالم في الملاكمة وقد مُنح لقب «برِنس». لكن التركيز في الواقع ينصبّ على شخصية المدرّب براندن (بيرس بروسنان)، وكيف اكتشف منذ لقائه بذلك الشاب الصغير موهبةَ الملاكمة فيه، ثم أسّسه ومنحه المستقبل الناجح الذي حقّقه فوق الحلبة.

بذلك تحدث استدارة شبه كاملة من الموضوع المفترض إلى حكاية تفرض نفسها، فتتحدّث عن حياة المدرّب وليس عن حياة الرياضي. ليس لأن حياة الرياضي نسيم (يؤديه أمير المصري) خالية مما يستوجب السرد (فالفيلم يتحدّث عن خلفيّته ولا يعرضها)، بل لأن المخرج وكاتب السيناريو روان أتهال لديه خطة عمل تقتضي ذلك. تصبح حياة الملاكم (محور الفيلم) جانبية باستثناء استغلالها تذكرة لنجاح الفيلم. في ذلك ممارسة لما يتطرّق إليه الفيلم في بداياته حين يفصح عن معاملة عنصرية يتلقّاها نسيم في صباه.

الفيلم بذلك يختار أن يمارس قدراً من عنصرية التفكير حول مَن يستحقّ التركيز عليه أكثر: الملاكم العربيّ الأصل أم المدرّب الأبيض.


عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
TT

عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)

انتشر عمل فني من معرض «آرت بازل» يضم كلاباً آلية تحمل رؤوساً شمعية لوجوه شخصيات بارزة؛ مثل جيف بيزوس وإيلون ماسك ومارك زوكربيرغ، انتشاراً واسعاً، إذ يتناول تأثير رواد التكنولوجيا على الطريقة التي نرى بها العالم.

وتتجول الكلاب الروبوتية ذات اللون الجلدي، والمزوّدة برؤوس شمعية دقيقة تشبه مستوى متحف «مدام توسو» لعدد من المليارديرات والفنانين - من بينهم جيف بيزوس، وإيلون ماسك، ومارك زوكربيرغ، وآندي وارهول، وبابلو بيكاسو - داخل حظيرة صغيرة، وتقوم بـ«إخراج» صور فوتوغرافية.

ويحمل العمل الفني عنوان «حيوانات عادية» من إنتاج استوديو «بيبِل» في تشارلستون، وقد عُرض هذا العام في «آرت بازل» خلال انطلاق الفعالية السنوية في ميامي بولاية فلوريدا.

وقال مايك وينكلمان، المعروف باسم «بيبِل»، في مقطع نُشر من بورتوريكو على «تيك توك»: «الصورة التي يلتقطونها، يعيدون تفسير الطريقة التي يرون بها العالم. لذا فهي تضم فنانين، ولديها أيضاً إيلون وزوكربيرغ». وأضاف: «وبشكل متزايد، هؤلاء التقنيون والأشخاص الذين يتحكمون في هذه الخوارزميات هم الذين يقررون ما نراه، وكيف نرى العالم».

وتتجول الكلاب الروبوتية، وتجلس، وتصطدم بعضها ببعض، وبين الحين والآخر يومض ظهرها بكلمة «poop mode» قبل أن تُخرج صورة رقمية تُترك على الأرض، وفق ما أفادت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية.

وكتب أحد مستخدمي «تيك توك»: «شكراً، لم أكن أخطط للنوم الليلة على أي حال»، وقال آخر: «هؤلاء مقلقون تقريباً مثل الأشخاص الفعليين»، وعلّق مستخدم على حساب «آرت بازل» في «إنستغرام»: «هذا عبقري ومرعب في الوقت نفسه»، فيما تساءل آخر: «هل هذا حقيقي أم ذكاء اصطناعي؟».

مشهد من معرض «حيوانات عادية» في ميامي (أ.ف.ب)

ويهدف العمل الفني، بحسب الناقد الفني إيلي شاينمان الذي تحدث لـ«فوكس نيوز»، إلى إعادة النظر في كيفية تمكّن الفنانين العاملين في البيئات الرقمية من إحياء مفاهيمهم وأفكارهم عبر الروبوتات، والنحت، والرسم، والطباعة، والأنظمة التوليدية، والأعمال الرقمية البحتة.

وقال وينكلمان لشبكة «سي إن إن»، إن الروبوتات صُممت للتوقف عن العمل بعد 3 سنوات، على أن تكون مهمتها الأساسية تسجيل الصور وتخزينها على سلسلة الكتل (البلوك تشين). وأكد معرض «آرت بازل» لـ«فوكس نيوز ديجيتال»، أن كل نسخة من روبوت «حيوانات عادية» بيعت بالفعل مقابل 100 ألف دولار.

وقال فينتشنزو دي بيليس، المدير العالمي والمدير الفني الرئيسي لمعارض «آرت بازل»، لـ«فوكس نيوز ديجيتال»: «نهدف من خلال معرض (زيرو 10) إلى منح ممارسات العصر الرقمي سياقاً تنظيمياً مدروساً، وخلق مساحة للحوار بين الجمهور الجديد والحالي، مع الإسهام في بناء بيئة مستدامة للفنانين والمعارض وهواة الجمع على حدٍ سواء».


نقابات هوليوود تنتفض ضد صفقة «نتفليكس - وارنر» البالغة 72 ملياراً

«زلزال اندماج» قد يُغيّر معايير المنافسة في السينما (رويترز)
«زلزال اندماج» قد يُغيّر معايير المنافسة في السينما (رويترز)
TT

نقابات هوليوود تنتفض ضد صفقة «نتفليكس - وارنر» البالغة 72 ملياراً

«زلزال اندماج» قد يُغيّر معايير المنافسة في السينما (رويترز)
«زلزال اندماج» قد يُغيّر معايير المنافسة في السينما (رويترز)

دقَّت نقابات هوليوود وأصحاب دُور العرض ناقوس الخطر بشأن صفقة الاستحواذ المُقترحة من «نتفليكس» على شركة «وارنر براذرز ديسكفري» بقيمة 72 مليار دولار، مُحذّرين من أنّ الصفقة ستؤدي إلى خفض الوظائف، وتركيز السلطة، وتقليل طرح الأفلام في دُور العرض إذا اجتازت مراجعة الجهات التنظيمية.

ووفق «رويترز»، من شأن الصفقة أن تضع العلامات التجارية التابعة لشركة البثّ العملاقة «إتش بي أو» تحت مظلّة «نتفليكس»، وأن تسلّم أيضاً السيطرة على استوديو «وارنر براذرز» التاريخي إلى منصة البثّ التي قلبت بالفعل هوليوود رأساً على عقب، عبر تسريع التحوّل من مشاهدة الأفلام في دُور السينما إلى مشاهدتها عبر المنصة.

وقد تؤدّي الصفقة إلى سيطرة «نتفليكس»، المُنتِجة لأعمال شهيرة مثل «سترينجر ثينغز» و«سكويد غيم»، على أبرز أعمال «وارنر براذرز»؛ مثل «باتمان» و«كازابلانكا».

وقالت نقابة الكتّاب الأميركيين في بيان: «يجب منع هذا الاندماج. قيام أكبر شركة بثّ في العالم بابتلاع أحد أكبر منافسيها، هو ما صُمّمت قوانين مكافحة الاحتكار لمنعه».

وتُواجه الصفقة مراجعات لمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة وأوروبا، وقد عبَّر سياسيون أميركيون بالفعل عن شكوكهم.

الصفقة تواجه أصعب امتحان تنظيمي (د.ب.أ)

وتُمثّل النقابة الكتّاب في مجالات الأفلام السينمائية والتلفزيون والقنوات الخاصة والأخبار الإذاعية والبودكاست ووسائل الإعلام عبر الإنترنت. وأشارت إلى مخاوف تتعلَّق بخفض الوظائف وتخفيض الأجور وارتفاع الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين، وتدهور ظروف العاملين في مجال الترفيه.

وقالت «نتفليكس» إنها تتوقع خفض التكاليف السنوية بما يتراوح بين مليارَي دولار و3 مليارات دولار على الأقل، بحلول السنة الثالثة بعد إتمام الصفقة.

وحذّرت كذلك «سينما يونايتد»، وهي منظمة تجارية تُمثّل 30 ألف شاشة عرض سينمائي في الولايات المتحدة و26 ألف شاشة حول العالم، من أنّ الصفقة قد تقضي على 25 في المائة من أعمال دور العرض محلّياً.

وتُصدر «نتفليكس» بعض الأفلام في دور العرض قبل إتاحتها للمشتركين على المنصة، وقالت الشركة إنها ستحافظ على طرح أفلام «وارنر براذرز» في دُور السينما، وتدعم محترفي الإبداع في هوليوود. ووصف رئيس منظمة «سينما يونايتد» مايكل أوليري، الاندماج بأنه «تهديد لم يسبق له مثيل»، مُتسائلاً عمّا إذا كانت «نتفليكس» ستحافظ على مستوى التوزيع الحالي.

وقالت نقابة المخرجين الأميركيين إنّ لديها مخاوف كبيرة ستناقشها مع «نتفليكس». وأضافت: «سنجتمع مع (نتفليكس) لتوضيح مخاوفنا وفَهْم رؤيتهم لمستقبل الشركة بشكل أفضل. وفي الوقت الذي نقوم فيه بهذه العناية الواجبة، لن نصدر مزيداً من التعليقات».