ابتكر فريق علمي، بقيادة باحثين من كلية بايلور الأميركية للطب، أداة ذكاء اصطناعي يُمكنها تحديد نوع الخلية العصبية التي تُنتج الإشارات الكهربائية بالدماغ في أثناء حدوث السلوك البشري، الأمر الذي يُتيح فهماً جديداً لكيفية حدوث الاضطرابات الدماغية، مثل الرعشة وعدم التوازن وصعوبات الكلام.
وتصف الدراسة، المنشورة في مجلة «سيل (Cell)»، الأداة الجديدة بأنها من مُصنِّفات تقنيات التعلم العميق التي تُمارس دور المراقب على ما يحدث بالدماغ، وبأنها تُتيح للباحثين فهم دور المخيخ في عدد من السلوكيات.
والمخيخ، وهو جزء من الدماغ يلعب دوراً مهماً وأساسياً لأداء حركات الجسم بالدقة المطلوبة، ويتطلَّب فهم وعلاج الاضطرابات الدماغية معرفةً عميقة به، وبالكيفية التي يعمل بها.
ولطالما تمكَّن العلماء من التنصت على الإشارات الكهربائية التي تنقلها الخلايا العصبية (خلايا الدماغ) في المخيخ وتسجيلها، ما يسمح لهم بمراقبة الإشارات الداخلة والخارجة من هذه المنطقة. لكن العمليات الحسابية التي يجريها الدماغ بين المدخلات والمخرجات ظلت غامضة إلى حد كبير.
يقول الدكتور خافيير ميدينا، مدير مركز علوم الأعصاب والذكاء الاصطناعي بكلية بايلور للطب، والمؤلف الرئيسي للدراسة: «عندما نُسجِّل نشاط الخلايا العصبية باستخدام أقطاب كهربائية خارج الخلية، يُشبه الأمر الاستماع لمحادثة بين مجموعة من الأشخاص، كلٌّ منهم يتحدث لغة مختلفة -بعضهم بالإسبانية، وبعضهم الآخر بالإنجليزية أو الألمانية- ويبدو الأمر كما لو أنهم جميعهم يتحدثون في آنٍ واحد».
ويُضيف في بيان نشر الجمعة: «تُتيح لنا أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة تحديد المجموعة التي تنتمي إليها كل خلية عصبية مُسجَّلة من خلال تحديد (اللغة) التي تستخدمها، بناءً على بصمتها الكهربائية هي فقط».
ويوضح: «يُمثل هذا تقدماً ثورياً لأنه يُمهد الطريق للخطوة الأولى نحو فك شفرة محتوى المحادثات العصبية، أي فهم من يتحدث. وبهذا، يُصبح الباب مفتوحاً لاكتشاف ما تقوله الخلايا العصبية المختلفة لبعضها».
قال الدكتور ستيفن ليسبرغر، من جامعة ديوك، وأحد المؤلفين الرئيسيين المشاركين بالدراسة: «لم نتمكن في الماضي من فهم كيفية تحول الإشارات الواردة للدماغ إلى إشارات مخرجة. ولم نتمكن من تحديد كيفية قيام الدماغ بذلك».
وأضاف: «إذا استطعنا الإجابة عن كيفية عمل تلك الدائرة الدماغية، يمكننا عندئذٍ تحديد كيفية توليد الدماغ للسلوك، ويُمثل هذا الاكتشاف نقطة تحول واعدة».
ووفق نتائج الدراسة فإن هذا التطور في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ثمرة عمل فريق من 23 باحثاً من عدد من الجامعات الدولية، عملوا معاً منذ عام 2018 لإنشاء أداة التصنيف تلك، والتحقق من دقتها.
ولبناء هذا المُصنِّف التقني الجديد، كان على العلماء أولاً قياس البصمات الكهربائية المميزة لأنواع مختلفة من الخلايا العصبية داخل المخيخ.
وبالفعل، نجح الباحثون في «تمييز» النشاط الكهربائي لكل نوع من أنواع الخلايا العصبية المخيخية. وباستخدام هذه البصمات الكهربائية، درّبوا مُصنِّف التعلم العميق على فرز النشاط المُسجَّل من المخيخ وفق كل نوع من أنواع الخلايا العصبية.
قال الدكتور ديفيد هيرزفيلد، من جامعة ديوك الأميركية، وأحد المؤلفين المشاركين بالدراسة: «تُمثل هذه الأداة تقدماً كبيراً في قدرتنا على دراسة كيفية معالجة المخيخ للمعلومات».
وأضاف: «آمل أن تلهم تقنياتنا الباحثين الذين يدرسون مناطق أخرى من الدماغ لبناء أدوات تطابق النشاط العصبي، ما يُساعد في الكشف عن كيفية عمل الدوائر المختلفة، وفي نهاية المطاف تمهيد الطريق لطرق جديدة لعلاج الاضطرابات العصبية».