«تمارين الصباح الرياضية»... علاج بريشة تشفي

يلوّنها وسام بيضون بلوحات تعبق بالذكريات والحنين

مجموعة لوحات بيضون تعكس مزاجه الصباحي (الشرق الأوسط)
مجموعة لوحات بيضون تعكس مزاجه الصباحي (الشرق الأوسط)
TT

«تمارين الصباح الرياضية»... علاج بريشة تشفي

مجموعة لوحات بيضون تعكس مزاجه الصباحي (الشرق الأوسط)
مجموعة لوحات بيضون تعكس مزاجه الصباحي (الشرق الأوسط)

وقع الصمت يلمس زائر معرض وسام بيضون «تمارين الصباح الرياضية»، في غاليري «آرت أون 56»، في بيروت. لاشعورياً ينتاب ناظر لوحاته هدوء بالغ، ينقله من حالة صاخبة إلى أخرى يسودها السُّكون التام. ومن مجموعة إلى أخرى يقوم الزائر برحلة علاج بالألوان والأشكال.

أما ولادتها فترتبط ارتباطاً وثيقاً بلحظات الصباح الباكر عند الفنان بيضون. «كنت في الماضي القريب أقصد نادياً رياضياً أمارس فيه تمارين صباحية. ومن ثَمّ وجدت في رسم هذه اللوحات رياضة من نوع آخر. ومن خلالها أمرّن نظري وروحي وأفكاري، وأفرّغ وجدانيات أرسمها بالريشة».

الفنان بيضون أمام إحدى لوحاته (الشرق الأوسط)

ولأن الحياة هي عبارة عن مجموعة ألوان نصادفها يومياً، فإن بيضون أغدقها على لوحاته لتكون بمثابة جرعات حب وفرح وحزن وأمل. وكما الأصفر والليلكي والزهري والأزرق الفاهي يطبعها كذلك بأخرى مشبّعة بالدفء، فيمزجها بالبني والبرتقالي والتنوري الداكن مع الأخضر الزيتي، وكذلك الأسود المنثور على مساحة بيضاء. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «بالرسم واستخدام هذه الباقة من الألوان، تأخذ الحياة مشهدية أجمل، تحضّنا على الانفصال عن عالم الشرِّ والهموم لتطير بنا إلى آخر مشبع بالسَّكينة».

هذه اللحظات الصباحية التي يمضيها الفنان مع ريشته تكون بمثابة علاج لصفاء الذهن. ويترجم فيها ذكريات من الطفولة ومشهدية لطبيعة تغرّد بعيداً، يقول: «الطبيعة تعني لي كثيراً، وتولّد عندي الحلم. وغالبية لوحاتي يسودها الفن التجريدي. فتكر ريشتي على المساحة البيضاء لألحق بها تلقائياً. لا أخطط ولا أضع أفكاراً مسبقة لموضوعاتها، فتولد هادئة كما لحظات الصباح الهانئة تماماً».

يمزج الألوان مع الماء ويتركها تنساب على اللوحة وحدها (الشرق الأوسط)

ويتابع: «لدي صور في ذاكرتي عن الطبيعة أخزّنها منذ الصغر. أمزج اللون مع المياه وأتركه ينساب وحده على اللوحة. ومن ثَمَّ أحاول ضبطه. أما الألوان فتعكس طبيعة مزاجي. لذلك بعض لوحاتي فيها القلق والحزن كما الفرح والتأمل».

يقولب وسام بيضون صخور الطبيعة بأشكال تتراءى له. فيجمعها وكأنها كومة أحجار أو يمدها على طول اللوحة مثل شخص يستلقي بين أحضانها. ومرات أخرى تجمع اثنين في غمار طبيعة مزهرة. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أسعد بخيال زائر معرضي الذي تتراءى له موضوعات لا أقصدها، فيلفت نظري لها، وكأنها المرة الأولى التي أشاهدها فيها».

التحية بالألوان عند وسام بيضون في لوحات معرضه. ويستخدمها عنواناً لبعضها. «برتقال الصين»، و«مراحب أرجوانية»، و«أوبرا زهرية» وغيرها. وفي أخرى يركن إلى الألوان الترابية يركّبها ضمن مشهدية لطبيعة تغفو على كتف أفق بعيد. «عادة ما أبدأ بلون واحد ومنه أستوحي الألوان الأخرى؛ فالرمادي

مثلاً يأتي نقطة نهاية هادئة، والزهري الذي يحلّق في السماء يذكّرني بجبال صنين عند المغيب. هي مجموعة قصص لأماكن مررت بها بالجسد أو بالنظر. وأجمل ما عندي تركيبة الصخور. صباحاً يطبعها الأزرق وظهراً تتلون بأشعة الشمس، لتأخذ بعدها الرمادي ملاذاً».

الطبيعة يستلهم منها بيضون معظم لوحات معرضه (الشرق الأوسط)

ممرات طويلة تنبثق من الطبيعة وأرضٍ مزهرة في لوحات أخرى تدعوك إلى الاسترخاء. يوضح بيضون: «هي قصص أرويها على طريقتي لتؤلف حكاية تطبعها الرومانسية والتفاؤل وخزّان من الذكريات. وقد حملتها معي من بلدتي المتنية بولونيا، وأماكن أخرى رسخت مشهديتها في ذهني».

أما الرسالة التي يريد وسام بيضون إيصالها من خلال لوحاته فيختصرها: «أرغب في القول إن الحياة حلوة رغم شوائب عدة تحاول تشويهها. وبعيداً عن الهمّ والغمّ والاستياء نتيجة أفعال الإنسان، الطبيعة كفيلة بمحو كل ذلك بلحظة تأمل».


مقالات ذات صلة

بين الواقع والتجريد... بيروت كما تراها ليلى داغر

يوميات الشرق التشكيلية ليلى داغر أمام مجموعتها «لاند سكايب» (الشرق الأوسط)

بين الواقع والتجريد... بيروت كما تراها ليلى داغر

في «حوار غير متوقّع»، تُعيد ليلى داغر تشكيل بيروت بخيال تجريدي وتقنيات مُتعدِّدة، ناسجة حواراً بصرياً بين الواقع واللاوعي.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق جانب من جناح سلطنة عمان (الجناح)

أبراج الرياح البحرينية والسبلة العُمانية تجيب عن تساؤلات حول البيئة والعمارة

نجح جناح البحرين الذي يحمل عنوان «موجة حر» في تقديم معطيات مقنعة للتعامل مع التغيرات المناخية القاسية وارتفاع درجات الحرارة المتزايد.

عبير مشخص (فينيسيا)
يوميات الشرق بورتريه للمُصوّر السويسري فريد بواسونا (الشرق الأوسط)

مجموعة «فريد بواسونا» توثق ملامح الحياة المصرية قبل مائة عام

ترصد عدسة الكاميرا التفاصيل الثرية لمصر قبل مائة عام. بعد أن دعا الملك فؤاد الأول أشهر مصور سويسري لزيارة مصر.

منى أبو النصر (القاهرة )
عالم الاعمال الرياض تحتضن معرض «جواهر العالم»

الرياض تحتضن معرض «جواهر العالم»

افتُتح رسمياً معرض «جواهر العالم» في فندق ماندارين أورينتال الفيصلية بالعاصمة السعودية.

يوميات الشرق «قمصان فارغة... طفولة ضائعة» (جامعة بريستول)

القميص المدرسي يتحوَّل صرخة فنّية في بريستول

يُقام معرض فنّي يضم قمصاناً مدرسية تحمل رسائل مناهضة لجرائم السكاكين، وذلك ضمن فعاليات أسبوع التوعية بجرائم السكاكين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل المخرج الجزائري محمد لخضر حمينة... صاحب السعفة الذهبية بمهرجان «كان»

المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة (أ.ف.ب)
المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة (أ.ف.ب)
TT

رحيل المخرج الجزائري محمد لخضر حمينة... صاحب السعفة الذهبية بمهرجان «كان»

المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة (أ.ف.ب)
المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة (أ.ف.ب)

توفي (الجمعة) المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة، العربي والأفريقي الوحيد الذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي: «عن عمر ناهز 95 عاماً»، على ما أعلنت عائلته.

وكتب أولاده في بيان إنّ لخضر حمينة «توفي في منزله بالجزائر العاصمة عن عمر ناهز الخامسة والتسعين، تاركاً وراءه إرثاً سينمائياً لا يقدر بثمن»، مشيدين «برؤيته الفريدة التي طبعت تاريخ السينما».

وأشارت العائلة إلى أن محمد لخضر حمينة تمكن من إقامة «جسر ثقافي فعلي بين الجنوب والغرب، فأصبح بذلك صوت العالم الثالث وبلده، على مدى أربعين عاماً تقريباً».

ومحمد لخضر حمينة هو أحد المخرجين الأفارقة والعرب القلائل الذين نافسوا 4 مرات في مسابقة مهرجان كان السينمائي، وفاز بجائزتين رئيسيتين، هما جائزة أفضل فيلم أول عن «ريح الأوراس» (Le Vent des Aures)، وجائزة السعفة الذهبية العريقة عن فيلم «وقائع سنوات الجمر» (Chronique des annees de braise) عام 1975.

المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة والممثل اليوناني يورغو فوياجيس والممثلة المغربية ليلى شنا في صورة جماعية خلال مهرجان كان السينمائي بفرنسا في 23 مايو 1975 (أ.ف.ب)

وفي رسالة تعزية، أبدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون «بالغ الحزن والأسى» لوفاة مَن وصفه بـ«عملاق السينما العالمية» الذي ترك «بصمة خالدة في تاريخ السينما».

وشهد مهرجان كان هذه السنة لفتة تكريمية لحمينة من خلال عرض نسخة «4 كاي» من فيلم «وقائع سنوات الجمر» ضمن برنامج فئة «كان كلاسيكس».

وبفضل فيلم «وقائع سنوات الجمر»، حقق المخرج الجزائري شهرة على المستوى العالمي، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأشار تبون إلى أن «رائعة» لخضر حمينة هذه «فتحت عيون العالم على قطعة من معاناة الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار».

وأكدت عائلة المخرج في بيانها أن المخرج كان «أحد آخر عظماء السينما الملحمية والشاعرية، وترك بصمة لا تُمحى على مهرجان كان السينمائي الدولي، وعلى السينما عموماً».

بطولات

شكَّل النضال من أجل استقلال الجزائر محور فيلم «وقائع سنوات الجمر» الذي يتناول من عام 1939 إلى عام 1954، ولادة أمّة، ورحلة الشعب الجزائري، وصولاً إلى اندلاع الحرب ضد الاستعمار الفرنسي وحرب الاستقلال (1954- 1962).

وقال تبون: «قبل أن يكون مخرجاً عالمياً مبدعاً ترك بصمة خالدة في تاريخ السينما العالمية، كان مجاهداً أبياً، ساهم في تحرير بلاده بما نقل من صور ومشاهد عرَّفت البشرية ببطولات الثورة التحريرية المظفَّرة».

المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة خلال مؤتمر صحافي لمناقشة فيلمه «وقائع سنوات الجمر» في مهرجان كان عام 1975 (أ.ف.ب)

وُلد محمد لخضر حمينة في 26 فبراير (شباط) 1934 في المسيلة في الأوراس (شمال شرق)، في عائلة فلاحين متواضعة الحال. وقد تلقى دراسته في كلية زراعية، ثم درس في فرنسا وتحديداً في أنتيب؛ حيث التقى بزوجته، أم أولاده الأربعة.

خلال حرب الجزائر، خطف الجيش الفرنسي والده وعذَّبه قبل قتله. وانضم حمينة شخصياً عام 1958 إلى صفوف المقاومة الجزائرية في تونس.

تعلَّم حمينة السينما بالممارسة، عن طريق تدريب في إحدى القنوات التونسية قبل الشروع في أفلامه القصيرة الأولى.

بدأ مسيرته مخرجاً عام 1964 مع فيلم «لكن في أحد أيام نوفمبر» (Mais un jour de novembre) الوثائقي. خلال مسيرته الفنية الممتدة على 50 عاماً (1964- 2014)، أخرج فيلماً وثائقياً و7 أفلام أخرى، هي: «رياح الأوراس» (1966)، و«حسان طيرو» (Hassan Terro) (1968)، و«ديسمبر» (Decembre) (1973)، و«وقائع سنوات الجمر» (1975)، و«رياح رملية» (Vent de sable) (1982)، و«الصورة الأخيرة» (La derniere image) (1986)، و«شفق الظلال»(Crepuscule des ombres).