«إعلانات رمضان»... نافذة على التمايز الطبقي في مصر

من العقارات والسلع الترفيهية إلى التبرعات

كريم عبد العزيز ومنى زكي في أحد إعلانات العقارات (الشركة المنتجة)
كريم عبد العزيز ومنى زكي في أحد إعلانات العقارات (الشركة المنتجة)
TT
20

«إعلانات رمضان»... نافذة على التمايز الطبقي في مصر

كريم عبد العزيز ومنى زكي في أحد إعلانات العقارات (الشركة المنتجة)
كريم عبد العزيز ومنى زكي في أحد إعلانات العقارات (الشركة المنتجة)

مع زيادة جرعة الإعلانات في موسم الدراما الرمضانية، تتباين الصورة بين إعلانات العقارات الفاخرة والسلع المنزلية والترفيهية، وإعلانات التبرع للجمعيات الخيرية والمستشفيات؛ ليصبح هذا التباين سمة أساسية من سمات التلفزيون في موسم رمضان.

فخلال الشهر تابع المشاهدون أكثر من 20 إعلاناً على قنوات مختلفة يروّج لمساكن فاخرة في مجمعات سكنية (كمبوندات) لكبرى الشركات العقارية بأرقام مليونية، بعض تلك الإعلانات استعانت بعدد من نجوم الفن مثل آسر ياسين وكريم عبد العزيز ومنى زكي، أو بأصوات مطربين من بينهم تامر حسني وإليسا وتامر عاشور وأنغام وويجز.

على الجانب الآخر، تظهر إعلانات لمؤسسات خيرية مثل مستشفيات علاج أمراض السرطان ومستشفى مجدي يعقوب لأمراض القلب، و«مصر الخير» و«بنك الطعام» ومؤسسات الزكاة والصدقات وغيرها، وهي مؤسسات تدعو للتقرب إلى الله بإخراج الصدقات والتبرعات إلى الحالات الأكثر فقراً في القرى والنجوع المصرية.

أحد إعلانات التبرع لمؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب (الشركة المنتجة)
أحد إعلانات التبرع لمؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب (الشركة المنتجة)

ووفق الدكتورة سامية خضر صالح، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس المصرية، فإن «هذه الإعلانات تعكس الفجوة الطبقية في مصر»، وترى خضر هذه الفجوة «أمراً طبيعياً، بل سنة الحياة»، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «انعكاس هذه الفجوة في الإعلانات وخلال شهر رمضان على وجه الخصوص ربما يستهدف إعلاء قيمة التضامن والتكافل بين الفئات المختلفة، فأصحاب العقارات الفخمة أو زبائنها، ربما يتحمسون لدعم الطبقات المادية الأقل». على حد تعبيرها.

ويصل معدل الفقر في مصر إلى نسبة 32.5 في المائة، وفق أحدث تقرير للبنك الدولي عن حالة الفقر في مصر والصادر العام الماضي، وأكد التقرير وجود تفاوتات بين المناطق الحضرية والريفية، وأن 66 في المائة من الفقراء يعيشون في الريف، ونسبة التضخم في المناطق الريفية تصل إلى 42.6 في المائة.

وترى الدكتورة سارة فوزي، المتخصصة في الإعلان الإبداعي، بقسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن «الإعلانات المعاصرة تعرض صورة إما مثالية مفرطة، أو صورة مغايرة للواقع تركز على طبقة اجتماعية في مناطق معدمة. على خلاف إعلانات الثمانينات والتسعينات التي كانت تعكس إلى حد كبير الطبقة المتوسطة المصرية».

أحمد سعد في إعلان لإحدى شركات العقارات (الشركة المنتجة)
أحمد سعد في إعلان لإحدى شركات العقارات (الشركة المنتجة)

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الإعلانات تنطلق من فكرة تحديد وترسيخ المكانة الاجتماعية على أساس استخدام المنتج»، محذرة من أن «التمايز الطبقي الذي يظهر في الإعلانات خلال رمضان تحديداً، لما يشهده من زخم، قد يولّد شعوراً باليأس والإحباط لدى المواطن البسيط، ويؤدي إلى مقارنات اجتماعية شديدة الاستقطاب»، وفق قولها.

وإن كانت لا توجد إحصاءات موثقة لحجم الإنفاق الإعلاني في مصر، إلا أن الخبير الإعلامي المصري عمرو قورة يقدر حجم الإنفاق ما بين 3 و5 مليارات جنيه (الدولار الأميركي يعادل 50.5 جنيه مصري) خلال شهر رمضان فقط.

وتشهد سوق العقارات في مصر نمواً مضطرداً خلال السنوات الأخيرة، ويساهم القطاع الخاص بالنسبة الكبرى فيه التي تصل إلى 69 في المائة بحسب تقارير من مؤسسات متخصصة في سوق العقارات، فيما تصل قيمة سوق العقارات إلى نحو 22 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تتصاعد إلى نحو 37 مليار دولار خلال 2029، وفق تقرير لوكالة «موردر إنتليجنت».

ويرى رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، الدكتور خالد الشافعي، أن «الفجوة الطبقية التي تعكسها إعلانات رمضان تشير إلى وجود طبقتين فقط؛ الطبقة الثرية الميسورة التي تستطيع امتلاك عقارات بأرقام مليونية، والطبقة التي تتوجه إليها التبرعات»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «فيما تآكلت الطبقة الوسطى تماماً نتيجة ارتفاع الأسعار وارتفاع معدل التضخم والكثير من العوامل الأخرى».

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري في شهر مارس (آذار) الماضي، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 12.8 في المائة في فبراير (شباط) مقارنة بـ24 في المائة في يناير (كانون الثاني).

وتتراوح بعض أسعار العقارات المعلن عنها بين 4 ملايين جنيه و50 مليوناً، وفق ما يؤكده رئيس مركز «العاصمة للدراسات الاقتصادية»، موضحاً أن «هذا القطاع لا يستهدف السكن ولكن الاستثمار، لأن قيمة العقارات لا تتراجع مع الوقت».

جانب من إعلان لبنك الطعام المصري (الشركة المنتجة)
جانب من إعلان لبنك الطعام المصري (الشركة المنتجة)

ويؤكد الخبير الاقتصادي المصري مصباح قطب أن «إعلانات رمضان هذا العام تعكس الطبقية الشديدة التي يتم تمويهها، وهي ليست المرة الأولى هذا العام»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تزايداً واضحاً لإعلانات العقارات شديدة الفخامة والرفاهية التي لا تخص 99 في المائة من سكان المحروسة موجهة لطبقة معينة، فيما تراجعت إعلانات التبرعات هذا العام عن معدلها المعتاد، ويبدو أن السبب يعود إلى شعور المعلنين بالأزمة المادية التي يعاني منها المتبرعون».

لكن الخبير الإعلامي عمرو قورة يعترض على ربط الإعلانات الرمضانية بـ«التمايز الطبقي»، مشيراً إلى أن «80 في المائة من مشاهدي التلفزيون ليست لديهم أموال يدفعونها في هذه العقارات، ولكن الأمر يتعلق بانتشار العلامة التجارية (البراند)، وربما لذلك حصلت (السوشيال ميديا) على جزء كبير من (كعكة الإعلانات)، لكن أصحاب العقارات يفكرون بطريقة أخرى، فهم يبيعون المشاهد حلماً، يتمنى أن يتمكن من امتلاكه ذات يوم».


مقالات ذات صلة

انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

يوميات الشرق انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

من مصر إلى لبنان وسوريا مروراً بالخليج، جولة على أكثر أغاني المسلسلات جماهيريةً واستماعاً.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق العمل أهلٌ بتصنيفه بين الأفضل (البوستر الرسمي)

«بالدم»... مخاطرةٌ رابحة مع ملاحظات ضرورية

العمل لم ينل التنويه لمجرّد عواطف وطنية، فذلك مُعرَّض لأنْ تفضحه ثغر ويدحضه افتعال. أهليته للإشادة به مردُّها أنه أقنع بكثير من أحداثه، ومنح شخصيات قدرة تأثير.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق ياسمين صبري ونيكولا معوض في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

هل استطاعت ياسمين صبري الخروج من عباءة «الفتاة الأنيقة» درامياً؟

قدَّمت الفنانة المصرية من خلال العمل شخصية «زينب»، الفتاة التي تقع ضحية لزوجها النرجسي، المحامي «أسامة».

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق فؤاد المهندس في الإعلان المثير للجدل (يوتيوب)

مصر: أزمة إعلانية لاستعانة شركة حلويات بنجوم الزمن الجميل

الإعلان المثير للجدل صُمِّم بالذكاء الاصطناعي بشكل كامل، يُظهر مجموعة من نجوم الزمن الجميل كأنهم يعملون في المحل الشهير ويقدِّمون الحلوى للزبائن...

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق مليونان ونصف المليون مصلٍ شهدوا ختم القرآن بالمسجد الحرام في مكة المكرمة ليلة 29 رمضان (واس)

ملايين المصلين يشهدون ختم القرآن بـ«الحرمين الشريفين»

شهد ملايين المصلين في «الحرمين الشريفين»، ختم القرآن الكريم، مساء الجمعة، حيث أدوا صلاة العشاء والتراويح في ليلة 29 رمضان، وسط أجواء روحانية.

«الشرق الأوسط» (مكة المكرمة - المدينة المنورة)

البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: لستُ مع فكرة البطل الذي لا يُقهر

سامر البرقاوي
سامر البرقاوي
TT
20

البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: لستُ مع فكرة البطل الذي لا يُقهر

سامر البرقاوي
سامر البرقاوي

وضع سامر البرقاوي رؤيته الإخراجية لمسلسل «تحت سابع أرض» الرمضاني، وبحرفيته المعهودة حبك العمل بعصارة خبراته، وتوّجها بتناغم بارز بينه وبين تيم حسن. فأكّد مرَّة جديدة أن هذه الثنائية كلَّما طال عمرها زاد نضجها.

ويعلّق البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: «منذ 3 سنوات نعمل معاً بجهد من أجل كل جديد، واتجهنا نحو الدراما السورية بامتياز. ومع الكاتب عمر أبو سعدة وشركة (الصبّاح) سرنا بخطى ثابتة. وبعد (الزند) و(تاج) نكمل المشوار مع (تحت سابع أرض)». ويضيف: «إننا بمثابة خليّة عمل نبحث ونُناقش للوصول إلى ما نرغب في قوله».

لأول مرة أطلَّ تيم حسن بصورة البطل الفاسد، فغاب عنه عنوان: «البطل الذي لا يُقهر»، الذي طالما رافقه سابقاً. فهل تطلّب الأمر جُرأة من قبل الثنائي؟ يوضح البرقاوي: «لستُ مع فكرة البطل الذي لا يُقهر».