سوزان فالادون... أول فنانة ترسم الرجل «مجرَّداً»

آخر معرض قبل إغلاق «مركز بومبيدو» الباريسي للترميم

من لوحاتها في المعرض (موقع المعرض)
من لوحاتها في المعرض (موقع المعرض)
TT
20

سوزان فالادون... أول فنانة ترسم الرجل «مجرَّداً»

من لوحاتها في المعرض (موقع المعرض)
من لوحاتها في المعرض (موقع المعرض)

كانت رسامة متفردة وامرأة مختلفة عن نساء عصرها. قد تسبقهن أو تتأخر عنهن. لكن سوزان فالادون (1865 - 1938)، وضعت ريشتها رهن إشارة كل امرأة وجدت في ملامحها شيئاً منها.

وفي المعرض الذي يُخصِّصه لها «مركز بومبيدو» في باريس، حالياً، تُطالع الزائر وجوه عشرات النماذج النسائية التي يبدو بعضها متمرداً؛ بل ومتهتكاً، وبعضها الآخر مترفعاً في قمة الأناقة والاحتشام. مَن هي تلك الرسامة التي لا نعرف عنها كثيراً على الرغم من أنها كانت غزيرة الإنتاج، بارعة الموهبة، عاشت في القرن الـ19 وتجاوزته حتى مشارف أربعينات القرن العشرين؟

سوزان فالادون رسامة النساء (موقع المعرض)
سوزان فالادون رسامة النساء (موقع المعرض)

في سن الحادية عشرة، عملت سوزان، واسمها الأصلي ماري كليمانتين فالادون، خيَّاطةً ونادلةً وبهلوانةً تلعب على الحبال في السيرك، قبل أن تعرفها أوساط حي مونمارتر الباريسي بوصفها «الموديل» المفضلة للرسامين. كانت قد تعرضت لسقطة من فوق منصة عالية في السيرك سبَّبت لها أوجاعاً حرمتها من تلك المهنة. وجدت التعويض في الاستلقاء أمام رسامي عصرها الذين كانوا يومذاك نكرات قبل أن يصبحوا نجوماً. رسمها أوغست رينوار، ودو شافان، وهنري دو تولوز لوتريك... وغيرهم. وكان تولوز لوتريك هو من منحها اسم «سوزان».

سوزان فالادون (موقع المعرض)
سوزان فالادون (موقع المعرض)

وكما يقول المثل، فإن «مَن عاشر القوم 40 يوماً صار منهم أو صاروا منه»، وهي «صارت منهم»، فالشابة التي عاشت عمرها في أزقة مونمارتر وكانت تستلقي على منصة الرسم، راقبت أولئك الذين كانوا يرسمونها، ونهضت ذات يوم من أريكتها ووقفت أمام قماش اللوحة... تناولت الفرشاة وراحت ترسم وتقلِّد ما كانت تراهم يفعلون. صارت «الموديل» رسامة مثلهم، بيد أن الأمر استغرق وقتاً حتى الاعتراف بها من جانب النقاد بصفتها فنانة تستحق حمل هذا اللقب. وكان من بين مشجعيها الرسام البارز ديغا، على الرغم من أنه لم يرسمها مثل غيره.

رسمت صديقاتها (موقع المعرض)
رسمت صديقاتها (موقع المعرض)

تآلفت الفنانة مع تلك الحمَّى التي كانت تلفُّ المجتمع الباريسي عشية انتهاء قرنٍ وبزوغ قرن جديد. ارتادت الحفلات الراقصة وسهرات الكباريهات، ليلاً، وكانت زبونة مقيمة في المقاهي نهاراً. إنها الأماكن التي احتضنت ثورة فنية وثقافية واجتماعية ومنحت أسماءً مغمورة ألقاً سيدوم ولا ينطفئ. ووسط كل تلك الأسماء المبهرة، برزت سوزان رسامةً ذات خطوط حديثة وجريئة. فإلى جانب شغفها برسم النساء، كانت أول امرأة ترسم لوحة لرجل عارٍ.

لوحة تعاطف (موقع المعرض)
لوحة تعاطف (موقع المعرض)

عانت الرسامة من التجاهل وقلة التقدير. لم تدرس الفن في «معهد بوزار (Institut Bozar)» بل صنعت نفسها بنفسها، وكانت على هامش الحركات المجدِّدة منها التكعيبية والتجريدية. بيد أن هذا المعرض يُعيد لها الاعتبار بوصفها من الأسماء التي ساهمت في ولادة الحداثة الفنية. لم تجد حَرجاً في تصوير الجسد البشري مجرَّداً؛ سواء الرجل منه والمرأة، بل وضعته في قلب أعمالها، عارضة الجسد من دون نيِّة في التلصُّص أو الاستعراض. كما برعت سوزان فالادون في رسم الوجوه «البورتريه» لكثير من النساء اللاتي كانت تصادفهنَّ في الحياة الباريسية. وحين لا تجد وجهاً يستثير حماستها، كانت ترسم نفسها. وكانت في العشرين؛ خارجة من ولادة طفل مجهول الأب، حين صوَّرت نفسها أول مرة. وبهذا، فإن في رصيدها عدداً من اللوحات التي تصوِّر ملامحها على امتداد السنين؛ من الصبا حتى ما بعد الكهولة. وفيما بعد، اعترف المهندس والرسام والناقد الإسباني ميكيل أوتريلو بأنه والد الطفل موريس ومنحه اسمه.

من لوحاتها (موقع المعرض)
من لوحاتها (موقع المعرض)

اقترنت سوزان بسمسار البورصة بول موسيس، الأمر الذي منحها استقراراً مادياً سمح لها بالتفرغ لفنها ولتربية ولدها. بيد أن تلك الزيجة انتهت بعد مشاركتها في «صالون الخريف» بباريس ودخولها شريكة في تنظيمه. وفي العقود الأخيرة من حياتها اقترنت برسامٍ شابٍ كان صديقاً لولدها، وعاشت معه حياة صاخبة استمرت 30 عاماً.

ورسمت نفسها مع زوجها في لوحة «آدم وحواء» التي تُعدُّ من أشهر أعمالها. واللوحة اليوم من مقتنيات «متحف الفن الحديث» في باريس. وخلال تلك المدة صار ابنها موريس أوتريلو رساماً أيضاً، بيد أنه بات مدمناً على الكحول. ولمساعدته على الخروج من هذه الدوامة، اشترت مع زوجها قصراً في مدينة ليون عاشوا فيه وكان تحت رقابتها. وقد ترك الابن لوحات ذات قيمة للقصر وللطبيعة المحيطة به.

في كل امرأة شيء منها (موقع المعرض)
في كل امرأة شيء منها (موقع المعرض)

فرضت سوزان فالادون نفسها رغم كل شيء، وها هي لوحاتها تتجاوز المتاحف في باريس، وليون، وغرينوبل، وتصل إلى مركز «متروبوليتان» للفن في نيويورك، وعشرات المتاحف الصغيرة في المدن الأوروبية، بالإضافة إلى متحف مخصِّص لها في مسقط رأسها.

وهذا هو ما تكشفه لنا 200 لوحة، ورسم، وغرافيك، من الأعمال المعروضة في «مركز بومبيدو»، يتسابق الزائرون والسائحون لرؤيتها قبل الإغلاق المقرر للصرح الفني من أجل تصليحات تستغرق 5 سنوات.


مقالات ذات صلة

«سينسبري» تسحب قطعاً للشوكولاته لاحتوائها على قطع معدنية

يوميات الشرق قد تحتوي شوكولاته البريتزل المصنوعة من العسل من «سينسبري» على معدن (غيتي)

«سينسبري» تسحب قطعاً للشوكولاته لاحتوائها على قطع معدنية

أصدرت شركة «سينسبري» تحذيراً بعد أن اشتبهت في احتواء قطعة شوكولاته شهيرة على قطع معدنية. وقد سحبت شركة السوبر ماركت العملاقة لوح الشوكولاته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك المزاج قد يؤثر على فاعلية بعض اللقاحات (أ.ف.ب)

المزاج الجيد قد يحسّن فاعلية بعض اللقاحات

كشفت دراسة جديدة أن المزاج الجيد يمكن أن يُعزز فاعلية بعض اللقاحات، التي تعتمد على  تقنية الحمض النووي الريبي المرسال أو«mRNA»، مثل لقاح «كوفيد-19».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك المتزوجون أكثر عرضة للإصابة بالخرف مقارنةً بالعزَّاب والمطلقين والأرامل (رويترز)

الزواج قد يزيد فرص إصابتك بالخرف

كشفت دراسة جديدة عن أن الأشخاص المتزوجين يكونون أكثر عرضة للإصابة بالخرف مقارنةً بالعزّاب والمطلقين والأرامل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق هيلين ميرين تحضر العرض الأول لفيلم «موبلاند» في لندن (أ.ب)

الممثلة هيلين ميرين: سلسلة جيمس بوند لا تثير إعجابي

قالت الممثلة البريطانية هيلين ميرين إنه لا ينبغي أبداً أن تُجسّد امرأة شخصية جيمس بوند، لأن سلسلة أفلام التجسس «وُلدت من رحم التمييز الجنسي العميق».

صحتك الغرسة الجديدة (أ.ب)

غرسة دماغية تترجم الأفكار إلى كلام مسموع بشكل فوري

أعلن باحثون أميركيون -أمس الاثنين- أن جهازاً معززاً بالذكاء الاصطناعي زُرع في دماغ امرأة مشلولة، مكَّنها من ترجمة أفكارها إلى كلام بصورة فورية تقريباً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

مخرج «لام شمسية» يدافع عن استعانته بنشيد «اسلمي يا مصر»

مشهد من مسلسل «لام شمسية» - الشركة المنتجة
مشهد من مسلسل «لام شمسية» - الشركة المنتجة
TT
20

مخرج «لام شمسية» يدافع عن استعانته بنشيد «اسلمي يا مصر»

مشهد من مسلسل «لام شمسية» - الشركة المنتجة
مشهد من مسلسل «لام شمسية» - الشركة المنتجة

دافع المخرج المصري كريم الشناوي عن اختتام حلقات مسلسله الرمضاني «لام شمسية» بالنشيد الوطني المصري «اسلمي يا مصر»، عبر بيان نشره عبر حسابه على «فيسبوك» الأربعاء.

ونفى كريم تدخل الرقابة في نهاية العمل وفرض الأغنية عليه، مؤكداً أن الأمر «قرار فني خالص ولم يكن نتيجة أي ضغوط رقابية أو إنتاجية».

وأوضح أن استخدام «اسلمي يا مصر» في نهاية المسلسل جاء تعبيراً عن مشاعر فريق العمل وفخرهم بإتمام هذا المشروع، رغم التحديات التي واجهوها أثناء الإنتاج. لافتاً إلى أن «اختيار الأغنية كان بدافع الإحساس العفوي بضرورة تقديم ختام يحمل دلالة رمزية تتماشى مع روح العمل».

وجاء نفي الشناوي للتدخل الرقابي بعد جدل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي بجانب تسريب لأغنية بصوت الفنان هاني عادل تردد أنها كان يفترض وضعها بنهاية الحلقة الأخيرة ونشر عادل تدوينة بشأنها عبر حسابه على «فيسبوك».

وأكد مخرج المسلسل أن صُنّاع المسلسل لم يتوقعوا أن يتم تفسير هذا الاختيار على أنه «خضوع لضغوط رسمية أو محاولة لفرض رؤية بعينها»، مشيراً إلى أن «حالة التفاعل والتعاطف والتفهم الكبير من الجمهور أشعرتهم وبشكل خاص خلال وضع اللمسات الأخيرة على الحلقة الأخيرة، بأنهم أوصلوا رسالة معينة يعتبروها وطنية بالمعنى العميق والواسع».

المخرج المصري كريم الشناوي - حسابه على فيسبوك
المخرج المصري كريم الشناوي - حسابه على فيسبوك

وكان رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، الكاتب عبد الرحيم كمال، قد نفى في تدوينة عبر حسابه على «فيسبوك» تدخل جهاز الرقابة في العمل، مؤكداً عدم وجود اعتراضات على العمل، وهي التدوينة التي كتبها عبر حسابه الشخصي.

ودارت أحداث المسلسل حول العلاقة الأسرية التي تجمع «وسام» صديق الأب (محمد شاهين) بأسرة الطفل «يوسف»؛ ومع توالي الأحداث تتّهم الأم «نيللي» (أمينة خليل)، «وسام»، بالتحرُّش بابنها، وتُخبر زوجها «طارق» (أحمد السعدني)، لكنّ «وسام» ينكر التهمة، فيندفع الأب نحوه للانتقام، بعد تأكيد زوجته فعلته التي يتبين أنه ارتكبها مع أطفال آخرين.

المسلسل من بطولة أمينة خليل وأحمد السعدني ومحمد شاهين ويسرا اللوزي والطفل علي البيلي، ومن تأليف مريم نعوم (ورشة سرد)، وإخراج كريم الشناوي.

مشهد من المسلسل - الشركة المنتجة
مشهد من المسلسل - الشركة المنتجة

من جانبه، رأى الناقد الفني أحمد سعد الدين أن المشكلة الأساسية لا تكمن في مسألة تدخل الرقابة، بل في عدم توفيق صُنّاع العمل في اختيار الأغنية المناسبة للنهاية، موضحاً أن «اسلمي يا مصر» لم تكن متناغمة مع اللحظة الدرامية المؤثرة التي اختتم بها المسلسل، مما أفقد المشهد الأخير قوته وأضعف التأثير الذي كان يمكن أن يتركه لدى الجمهور.

الملصق الدعائي للمسلسل - الشركة المنتجة
الملصق الدعائي للمسلسل - الشركة المنتجة

ويرى كريم الشناوي أن «لام شمسية» نجح في كسر الحواجز المعتادة وفتح نقاشات أوسع حول قضايا اجتماعية حساسة، مما قد يشجع على تقديم أعمال أكثر جرأة مستقبلاً.

وهو ما يتفق معه أحمد سعد الدين الذي يشير إلى المعالجة الجيدة لإحدى القضايا الحساسة درامياً وبصورة جعلت الجمهور يتابعه بشكل كبير ويتفاعل معه، معرباً عن أمله في تكرار العمل على مشاريع درامية مماثلة والتحضير الجيد لها بما يضمن خروجها من دون استعجال حتى تصل رسالتها للجمهور.