لقاء الماضي والحاضر... عرض أدائي ساحر تحت سماء العلا

ثمرة تعاون ما بين مصمم الرقصات العالمي أكرم خان والفنانة السعودية منال الضويان

من عرض "ذكرى، حين يلتقي الماضي بالحاضر" (الهيئة الملكية للعلا)
من عرض "ذكرى، حين يلتقي الماضي بالحاضر" (الهيئة الملكية للعلا)
TT
20

لقاء الماضي والحاضر... عرض أدائي ساحر تحت سماء العلا

من عرض "ذكرى، حين يلتقي الماضي بالحاضر" (الهيئة الملكية للعلا)
من عرض "ذكرى، حين يلتقي الماضي بالحاضر" (الهيئة الملكية للعلا)

لم يكن «ذكرى - حين يلتقي الماضي بالحاضر» الذي عُرِض للمرة الأولى في العلا في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي عرضاً تقليدياً في مكان إقامته؛ فقد أُقيم في الهواء الطلق، وتحت سماء مرصعة بالنجوم. أما المسرح، فكان دائرياً شُيِّد مقابل المنحدرات الضخمة في الوادي الصحراوي، بينما جلس الجمهور على سجاد من السدو التراثي.

العرض نفسه لم يكن تقليدياً أيضاً؛ فهو عرض أدائي حركي اعتمد على المجموعات، وعلى موسيقى شرقية تحمل نغمات ونوتات من الهند ومن السعودية. ما لم يكن تقليدياً أيضاً أن العرض جاء نتيجة لتعاون ما بين المصمم الكوريغرافي المشهور عالمياً الحائز على كثير من الجوائز، أكرم خان، مع الفنانة السعودية، منال الضويان، نتج منه قصة أسطورية الوقع تمد خيوطها من الماضي السحيق لمدينة العلا، وتنتهي عند ترددات تلك القصص القديمة في الوقت الحاضر.

يرى أكرم خان أن العرض يمثل إعادة تصور الأساطير القديمة (الهيئة الملكية للعلا)
يرى أكرم خان أن العرض يمثل إعادة تصور الأساطير القديمة (الهيئة الملكية للعلا)

بدايةً، العرض كان ساحراً جداً من الناحية الجمالية فبرزت الديكورات والأزياء التي صممتها الضويان والرقصات المعبرة التي صممها أكرم خان، غير أن العنصر الأهم كان برأيي صحراء العلا التي شكلت الإطار والخلفية الموحية للعرض.

انطلق العرض من خارج الخشبة، حيث انتظم موكب من المؤدين من أهالي العلا حاملي المشاعل اتخذوا طريقهم عبر الصحراء، ليستقروا على خشبة المسرح. بداية درامية مبدعة جذبت نظر الجمهور للأجواء المحيطة لتدمجها بعد ذلك مع خشبة المسرح.

استوحى المصمم أكرم خان الحركات المعاصرة من المناظر الطبيعية والقصص القديمة في المدينة عبر ورشات عمل وجلسات تدريبية نظمها هو ومنال الضويان مع أهالي العلا. وتضمنت المقطوعات الموسيقية تسجيلات لعازفي الإيقاع المحليين وأهالي العلا، الذين لعبوا دوراً رئيسياً في الموكب الافتتاحي للعرض.

موكب افتتاح عرض "ذكرى، حين يلتقي الماضي بالحاضر" (الهيئة الملكية للعلا)
موكب افتتاح عرض "ذكرى، حين يلتقي الماضي بالحاضر" (الهيئة الملكية للعلا)

الضويان وخان وقصة تعاون

يشرح أكرم خان لـ«الشرق الأوسط» تجربته مع العلا وزيارته الأولى لها: «عندما دُعيتُ لرؤية طبيعة العلا، أثّر بي ذلك حقاً. دُهشتُ من صغرنا في هذا العالم الواسع. شعرتُ فجأة بتواصل حقيقي مع مفهوم الروحانية. أنا شغوفٌ جداً باستكشاف السرديات الروحية، لكن الوجود في مكان مثل العلا أثار اهتمامي حقاً، وشعرتُ برغبة في التفاعل مع هذا الفضاء». يقول إنَّ التعاون مع الضويان كان عاملاً جاذباً: «(منال) إنسانة مُستنيرة، مليئة بالحكمة والأسئلة. شعرتُ وكأنني أعمل مع فنانة لديها عددٌ من الأسئلة يُضاهي عدد أسئلتي، وفي الوقت نفسه تُجيب عليها. هذا التعاون هو جوهر المشروع».

منال الضويان وأكرم خان (الهيئة الملكية للعلا)
منال الضويان وأكرم خان (الهيئة الملكية للعلا)

من جانبها، تحدثت الفنانة منال الضويان لـ«الشرق الأوسط» عن دورها في العرض قائلة إنها تولت تصميم المشاهد والمكونات البصرية على خشبة المسرح من المكياج والملابس إلى أجزاء الديكور، مثل الدرج والأحجار المنقوشة. كذلك أسهمت في كتابة القصة كأساس لتصميم الرقصات، وتضيف: «قصة (ذكرى - حين يلتقي الماضي بالحاضر)» كتبتُها عن العلا، وكيف تعرفنا إلى تاريخ العلا، وهو تاريخ إنساني يشملنا؛ فمن دون الماضي لن يكونا لنا حاضر، ولا مستقبل».

وهو ما يشير إليه أكرم خان بقوله: «أعتقد أنه من الضروري جداً النظر إلى الماضي وإعادة تصور الأساطير القديمة ومساءلتها. يمكننا أن نتعلم من هذا، لأنه إذا أغمضنا أعيننا عن الماضي، ونظرنا إلى المستقبل، فإن الإجابات لا تكمن في المستقبل، بل تكمن في الماضي لأنه حدث بالفعل».

أهالي العلا

كعادة الضويان التي دأبت على لقاء سكان العلا دائماً عبر ورش العمل واللقاءات المختلفة لمساعدتها بعملها القادم في وادي الفن بالعلا «واحة القصة»، لجأت إلى أهالي المدينة مرة أخرى، معتبرة أن لقاءاتها معهم تمثل تعميقاً لاستكشافها لـ«أصوات العلا».

تعتبر الضويان أن لقاءاتها مع أهل المدينة تمثل تعميقا لاستكشافها ل"أصوات العلا" (الهيئة الملكية للعلا)
تعتبر الضويان أن لقاءاتها مع أهل المدينة تمثل تعميقا لاستكشافها ل"أصوات العلا" (الهيئة الملكية للعلا)

تفاجئنا الضويان في العرض بتصميمها للأزياء والديكورات، وتعدّ ذلك «إنجازاً شخصياً»، وتضيف: «أتاحت لي هذه الفرصة الفريدة دمج الأداء في ممارستي الفنية، والجمع بين الأداء والصوت والأزياء والفنون المحلية للاحتفاء بالماضي، وإلهام المستقبل».

تعاونت الفنانة أيضاً مع الحرفيين من مختلف أنحاء العلا لتصميم الأزياء واللافتات، وجمعت بين تِقْنِيَّات الحرف التقليدية والجماليات المعاصرة، مستخدمة الأصباغ والألوان الطبيعية المصنوعة في مدرسة الديرة أول مركز للفنون والتصاميم في العلا، لتعكس درجات ألوان المناظر الطبيعية في المنطقة. وتشمل الجماليات البصرية تصاميم الأزياء واللافتات والمكياج والحلي التي تستلهم من الزخارف النبطية والهندسية للدلالة على أدوار المؤدّين ورموزها.

تصميمات الفنانة منال الضويان للأزياء (الهيئة الملكية للعلا)
تصميمات الفنانة منال الضويان للأزياء (الهيئة الملكية للعلا)

التعاون مع المجتمع المحلي ثبت أقدام العرض في المكان والتاريخ؛ فقد شارك المهنيون السعوديين في ورش العمل والجلسات التدريبية التي نظمتها فرقة أكرم خان ومنال الضويان. وظهر ذلك التعاون أيضاً في الموسيقى المصاحبة للعرض التي تضمنت تسجيلات لعازفي الإيقاع المحليين وأهالي العلا.

وتختصر الضويان سبب قوة المشروع بقولها «الأساس هو التعاون وتبادل الأفكار». وهو ما يؤكده أكرم خان بقوله: «من المهم جداً بالنسبة إلى التفاعل مع سكان العلا. الكثير من أعمالي مستمدة من المجتمع، وترتكز على الفن. ولتحقيق فكرة العمل مع مجتمع مُدمج في عرض لراقصين عالميين، كنا بحاجة إلى إيجاد من سيكون جسر التواصل. من يمتلك الخبرة اللازمة لجذب المجتمع المحلي، وتوجيهه نحو القصة التي نحاول أنا ومنال سردها. وهكذا، كان هناك تبادل مستمر بين ما كنتُ أبحث عنه، الذي نقله مديرا حركتنا المجتمعية، بلال علاف وجمانة الرفاعي، وما يمكن أن يقدمه المجتمع. وهذا موجود في أجسادهم، وفي الذكريات التي سنحملها معنا أكثر من العرض نفسه. نعم، لقد شاركوا في الأداء، لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير - يتعلق الأمر أكثر بما سيأخذونه من هذه التجربة، وبالتأكيد ما أخذته منهم».

اعتمدت تصاميم الأزياء واللافتات والمكياج والحليعلى الزخارف النبطية والهندسية. (الهيئة الملكية للعلا)
اعتمدت تصاميم الأزياء واللافتات والمكياج والحليعلى الزخارف النبطية والهندسية. (الهيئة الملكية للعلا)

نظم العرض بتكليف من وادي الفن ضمن إطار برنامج العروض الأدائية المخصصة للموقع. وبعد هذا العرض الأول في العلا، سيشرع عمل «ذكرى»، في جولة عالمية، باعتباره إنتاجاً رئيسيّاً جديداً لفرقة أكرم خان لعام 2025. مع إعادة تكييفه كعرض داخلي، مما سيوصل ثقافة العلا وتراثها وفنونها إلى الجماهير في كل أنحاء العالم.



ميدان «المصليات» معلم تاريخي يقصده أهالي وزوّار المدينة المنورة

ميدان «المصليات» في المدينة المنورة (واس)
ميدان «المصليات» في المدينة المنورة (واس)
TT
20

ميدان «المصليات» معلم تاريخي يقصده أهالي وزوّار المدينة المنورة

ميدان «المصليات» في المدينة المنورة (واس)
ميدان «المصليات» في المدينة المنورة (واس)

يعدّ ميدان «المصليات» الواقع في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد النبوي، أحد الأماكن التاريخية بالمدينة المنورة، وكان يصلي فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته رضوان الله عليهم، صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء، ويسمى بالمناخة، ويبعد قرابة 150 متراً من ساحات المسجد النبوي. ويحوي ميدان «المصليات» الذي كان مجمع المسلمين في الأعياد، العديد من المساجد التاريخية، التي أنشئت بعد ذلك، منها مسجد الغمامة ومسجد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وتعد من المناطق الحيوية بالمدينة المنورة، باعتبار موقعها القريب من المسجد النبوي.

وشهدت هذه المساجد التي يعود بناؤها للقرن الثالث عشر الهجري، الكثير من الإصلاحات والترميمات على مر العصور، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - حظيت بمزيد من الرعاية والعناية والاهتمام من خلال إدراجها ضمن مشروع تطوير وتأهيل المواقع التاريخية الإسلامية، وإعادة تأهيلها بأعلى المعايير التي تحافظ على شكلها المعماري الفريد، أسوة بالأماكن الدينية والمعالم التاريخية التي تزخر بها المنطقة، وتعزيز قيمتها التاريخية المرتبطة بالسيرة النبوية.

ووثقت عدسة «واس» مشاهد للمساجد التاريخية والميدان المحيط بها، وتناسق الألوان الخارجية للمساجد التي بُنيت بالأحجار البازلتية السوداء، وطُليت قبابها وجدرانها الداخلية باللون الأبيض، مما أعطت مظهراً جمالياً وسط الميدان، إلى جانب تهيئة مواقع مخصصة للجلوس، ومساحات واسعة للمشي، ومسطحات خضراء تتزين بأشجار النخيل، إضافة إلى اللوحات التعريفية بالمنطقة وتاريخها، وارتباطها بسيرة النبي - عليه الصلاة والسلام - مما جعلها من المعالم التاريخية التي يحرص الزوّار على زيارتها والاطلاع عليها.