في حياة «سيدة الغناء العربي» أم كلثوم الكثير من المواقف والقصص المثيرة، بعضها تناولته الصحافة والإعلام في حينه، والبعض الآخر ورد في مذكرات من عاصروا «الست» واقتربوا منها. وفي كتابه الجديد «أم كلثوم... من الميلاد إلى الأسطورة» يرصد الكاتب المصري حسن عبد الموجود 50 حكاية يرى أنها ساهمت في صناعة الهالة الأسطورية التي أحاطت بـ«كوكب الشرق».
وقال عبد الموجود إنه جمع حكايات كثيرة عن «الست» وظل لنحو 9 أشهر يتقصى ويفرز الحكايات ويعيد سردها بأسلوبه الخاص، مضيفاً في حفل إطلاق الكتاب بـ«مكتبة ديوان» بالزمالك (غرب القاهرة)، الثلاثاء، أن ما جاء في الكتاب هو قصص منتقاة، بغرض التعبير عن الحالة الخاصة والمميزة و«الأسطورية» التي جسَّدتها أم كلثوم.

ونوَّهت المخرجة المصرية هالة خليل، التي أدارت الحفل بالقيمة الكبيرة التي تمثلها أم كلثوم ليس في التاريخ الغنائي المصري والعربي فقط، بل في الوجدان الجمعي، وأشارت صاحبة أفلام «أحلى الأوقات» و«نوارة» و«قص ولزق» إلى أن «الكثير من القصص التي وردت في الكتاب تصلح مشاريع لأفلام تسجيلية قصيرة».
وتناول الكتاب حياة أم كلثوم إبراهيم البلتاجي منذ ميلادها في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية (دلتا مصر) عام 1898 وبداية غنائها التواشيح مع والدها، ثم توجهها إلى القاهرة وتعرفها على كبار الملحنين والمؤلفين بعد تشجيع من الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا محمد لتبدأ رحلة فنية طويلة قدمت خلالها عشرات الأغاني المنتشرة حتى اليوم.
ويوضح المؤلف أن «القصص تم اختيارها بناءً على دورها في صناعة الأسطورة، بداية من قصة ميلادها التي تتضمن أبعاداً أسطورية، فوالدها الشيخ إبراهيم البلتاجي الذي كان مؤذناً بمسجد القرية بخلاف أنه كان من المنشدين الذين يسافرون للقرى المجاورة ويمتع الناس بصوته الجميل، وجاءته رؤيا أثناء تواجده بالمسجد دفعته لتسمية ابنته أم كلثوم وعرف من الرؤيا أنها جوهرة يجب أن يحافظ عليها».

وعن قصص الكتاب وطريقة اختيارها قال عبد الموجود لـ«الشرق الأوسط»: «الكتاب تضمن قصصاً كثيرة حول خلاف أم كلثوم مع الشيخ زكريا أحمد الذي وصل إلى المحاكم وكيف تصالحا، وكذلك خلافها مع الموجي الذي انتظرت منه تلحين (للصبر حدود)، لكنه تأخر في وضع اللحن فأقامت ضده قضية تطالبه بإنهاء اللحن الذي استغرق شهوراً طويلة».
ولفت إلى دور بليغ حمدي في تجديد شباب أم كلثوم، وحرصها الدائم على مواكبة كل جديد، وهو دليل على أنها لا تنغلق على ما اعتادت عليه وإنما تبحث عن ملحنين شباب كان أهمهم بليغ حمدي والموجي.
وأوضح المؤلف أن «فكرة الكتاب جاءت من الناشر أحمد القرملاوي، الذي رأى أن حلول الذكرى الخمسين لرحيل أم كلثوم في فبراير (شباط) الحالي يستحق إصدار كتاب تذكاري عنها، وبقدر ما كان البحث صعباً، لكنه كان ممتعاً لاكتشاف مناطق جديدة في حياة أم كلثوم».
وتابع: «عشت فترة طويلة مستغرقاً في أغاني أم كلثوم، سمعت حوارات لمقربين منها، وقرأت الكثير من المصادر، وأهمها كتاب (عصر من الفن) للدكتورة نعمات أحمد فؤاد، إلى أن توصلت للطريقة التي أقدم بها قصص الكتاب التذكاري».

وتناول الكتاب الكثير من القصص المثيرة والطريفة عن عشاق ومحبي أم كلثوم، وعن علاقتها بكبار الموسيقيين في زمنها، وخصومتها مع السنباطي ومع الموجي وعلاقتها بمحمد فوزي والملحن الشاب بليغ حمدي، وفق عبد الموجود.
ويتناول الكتاب قصصاً طريفة في حياة أم كلثوم مثل قصة أخيها خالد وهو يحكي لها عن تعجب منيرة المهدية من الناس التي تغني أمام الميكروفون، فالعادة وقتها أن المطرب يغني مباشرة أمام الجمهور، فترد أم كلثوم بما يؤيد رأي منيرة المهدية؛ معتبرة أن حلاوة الصوت تتجلى في توجهه المباشر للجمهور.
وفي إحدى حفلاتها حدث أن تعطل الميكروفون ويرجع البعض ذلك إلى «قوة صوتها الذي أحرق الميكروفون» بحسب ما ورد بالكتاب، فما كان منها إلا أن أكملت الحفل بصوتها الذي رفعت طبقته ليستمع إليها كل الحضور.

ومن القصص المثيرة أيضاً تعرّض أم كلثوم للسرقة في إحدى الحفلات، حيث فقدت معطفاً من الفرو وبعض المتعلقات التي كانت تركتها في غرفة التحضير للحفل، وفي فترة قريبة من هذه الواقعة تعرَّض منزلها للسطو أيضاً، وكانت تشك في شاب غامض تراه في الكواليس، لكنها بعد أن عرفت حكايته تأكدت من براءته، بل وطلبت منه أن يكون حارسها الشخصي، بحسب الكتاب.
وتركت أم كلثوم التي رحلت عن عالمنا في 3 فبراير (شباط) 1975 ما يزيد على 300 أغنية، بعضها تصدّر استطلاعات حول أجمل الأغاني في القرن العشرين، مثل أغنية «الأطلال»، وتعاونت مع كبار الملحنين والشعراء في زمانها، مثل محمد عبد الوهاب، ورياض السنباطي، وكمال الطويل، وأحمد رامي وأحمد شفيق كامل، وبيرم التونسي ومرسي جميل عزيز، وحصلت على الكثير من الجوائز والأوسمة، وقدمت للسينما 6 أفلام في أربعينات القرن الماضي، من بينها «فاطمة» و«سلّامة» و«دنانير»، بالإضافة إلى أغاني فيلم «رابعة العدوية».