فك لغز قوة الخلايا السرطانية

خلية ورمية مصبوغة بالفلورسنت الأحمر محاطة بخلايا مناعية مصبوغة باللون الأخضر (جامعة نيويورك).
خلية ورمية مصبوغة بالفلورسنت الأحمر محاطة بخلايا مناعية مصبوغة باللون الأخضر (جامعة نيويورك).
TT

فك لغز قوة الخلايا السرطانية

خلية ورمية مصبوغة بالفلورسنت الأحمر محاطة بخلايا مناعية مصبوغة باللون الأخضر (جامعة نيويورك).
خلية ورمية مصبوغة بالفلورسنت الأحمر محاطة بخلايا مناعية مصبوغة باللون الأخضر (جامعة نيويورك).

اكتشف علماء من جامعة نيويورك بالولايات المتحدة، أن الخلايا السرطانية تتعاون من أجل البقاء، ما يسمح لها بالاستمرار في التكاثر في ظل الظروف الصعبة. وتعمل الخلايا السرطانية معاً للحصول على العناصر الغذائية من البيئة المحيطة بها - وهي عملية تعاونية تجاهلها العلماء سابقاً، ولكنها الآن قد تصبح هدفاً واعداً لعلاج السرطان.

وقال كارلوس كارمونا فونتين، أستاذ مشارك في علم الأحياء بجامعة نيويورك والمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة، الأربعاء، في دورية «نيتشر»: «لقد حددنا تفاعلات تعاونية بين الخلايا السرطانية تسمح لها بالاستمرار في التكاثر»، مشدداً على أن «التفكير في الآليات التي تستغلها الخلايا السرطانية للاستمرار في الحياة يمكن أن يفيد العلاجات المستقبلية».

وعرف العلماء منذ فترة طويلة أن الخلايا السرطانية تتنافس مع بعضها البعض على العناصر الغذائية والموارد الأخرى، مما يؤدي إلى أن يصبح الورم أكثر عدوانية، مع مرور الوقت، مع بقاء هيمنة أقوى الخلايا السرطانية عليه.

وتحتاج الخلايا السرطانية إلى العناصر الغذائية لتزدهر وتتكاثر في أورام تهدد حياة ملايين المرضى، لكنها تعيش في بيئات قد تكون العناصر الغذائية فيها نادرة. فهل من الممكن أن تتعاون الخلايا السرطانية معاً للبحث عن الغذاء من أجل البقاء؟

للإجابة عن هذا السؤال، تتبع الباحثون نمو الخلايا من أنواع مختلفة من الأورام. وباستخدام المجاهر الآلية وبرامج تحليل الصور التي طوروها، قاموا برصد ملايين الخلايا في ظروف مختلفة مع مرور الوقت.

سمح لهم هذا النهج بفحص مزارع الأورام في مجموعة من الأطباق المخبرية ذات الكثافة المنخفضة إلى تلك المزدحمة بالخلايا السرطانية، ومع وجود مستويات مختلفة من العناصر الغذائية في البيئة المحيطة بها.

ومن المعروف أن الخلايا تمتص الأحماض الأمينية مثل الجلوتامين بطريقة تنافسية. ولكن عندما تم حرمان الخلايا السرطانية التي دُرست من تلك الأحماض الأمينية، أظهرت جميع أنواع الخلايا حاجة قوية للعمل معاً للحصول على المتاح من العناصر الغذائية.

نتائج مهمة

«ومن المدهش أننا لاحظنا أن الحد من الأحماض الأمينية أفاد مجموعات أكبر من الخلايا، مما يشير إلى أنها عملية تعاونية تعتمد على أعداد وكثافة الخلايا»، كما قال كارمونا فونتين، الذي أضاف: «لقد أصبح من الواضح أن هناك تعاوناً حقيقياً بين الخلايا السرطانية».

ومن خلال تجارب إضافية على خلايا سرطان الجلد والثدي والرئة، حدد الباحثون أن المصدر الرئيسي للمغذيات للخلايا السرطانية يأتي من الببتيدات - قطع من البروتينات تتكون من سلاسل صغيرة من الأحماض الأمينية - الموجودة خارج الخلية.

وأوضح كارمونا فونتين: «بدلاً من الاستيلاء على هذه الببتيدات وابتلاعها داخلياً من جانب بعض الخلايا، وجدنا أن الخلايا السرطانية تفرز إنزيماً متخصصاً يهضم هذه الببتيدات ويحولها إلى أحماض أمينية حرة، والنتيجة أن تصبح منفعة مشتركة».

كان تحديد الإنزيم الذي تفرزه الخلايا السرطانية، والذي يسمى CNDP2، اكتشافاً مهماً. حدد الباحثون الإنزيم من خلال اختبار عقاقير مختلفة لمعرفة ما إذا كانت تمنع الخلايا السرطانية من هضم الببتيدات القليلة وتحويلها إلى أحماض أمينية حرة.

وعند تطبيق عقار بيستاتين على الخلايا السرطانية، تم تثبيط وظيفة CNDP2، ما أدى إلى أن الخلايا لم تتمكن من التغذية على الببتيدات القليلة ودُفعت إلى الانقراض.

والآن بعد أن علم الباحثون أن CNDP2 كان عاملاً وراء العملية التعاونية لتغذية الخلايا السرطانية، فقد تمكنوا من اختبار ما يحدث أيضاً عندما يكون الإنزيم مفقوداً.

قال كارمونا فونتين: «نظراً لأننا أزلنا قدرتها على إفراز الإنزيم واستخدام الببتيدات القليلة في بيئتها، فإن الخلايا التي لا تحتوي على CNDP2 لم تعد قادرة على التعاون، ما يمنع نمو الورم». مشدداً على أنه: «لا تزال المنافسة حاسمة لتطور الورم وتقدم السرطان، لكن دراستنا تشير إلى أن التفاعلات التعاونية داخل الأورام مهمة أيضاً ومن المهم استهدافها».

ويأمل الباحثون أن تساعد نتائجهم في تطوير علاجات جديدة للسرطان تستهدف عمليات التعاون بين الخلايا السرطانية، «مساهمة مفاهيمية سيكون لها تأثير مستقبلي في العيادة»، كما قال كارمونا فونتين.


مقالات ذات صلة

مناعتك تدفع الثمن... احذر الطعام النيء وغير المغسول لهذه الأسباب

صحتك الأمراض المنقولة من الغذاء قد تتسبب في مشكلات صحية مدمرة (رويترز)

مناعتك تدفع الثمن... احذر الطعام النيء وغير المغسول لهذه الأسباب

يمكن أن تؤدي الأمراض المنقولة من الغذاء إلى عواقب وخيمة ومشكلات صحية مدمرة، قد تستمر لفترة طويلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مدخنو الحشيش أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية (رويترز)

تدخين الحشيش يزيد خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية

كشفت دراسة جديدة أن تدخين الحشيش يزيد خطر الإصابة بنوبة قلبية بستة أضعاف، وبسكتة دماغية بمقدار 4 أضعاف، حتى بين الشباب والبالغين الأصحاء.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق تقوية العضلات تُبطِّئ تطوُّر السرطان (جامعة إديث كوان)

تقوية العضلات تُساعد في النجاة من السرطان

وجدت دراسة أسترالية أنَّ تحسين اللياقة البدنية وزيادة قوة العضلات يمكن أن يقلّلا من معدل الوفيات بين مرضى السرطان ويعزّزا فرص النجاة من المرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك كيف يمكن أن تؤدي بعض البكتيريا إلى سرطان القولون والمستقيم

لهذا السبب... باحثون يحذرون من اتباع الحميات منخفضة الكربوهيدرات

أجرى باحثون من جامعة تورونتو في كندا، مؤخراً، دراسة لاستكشاف كيفية تأثير الحميات الغذائية منخفضة الكربوهيدرات على البكتيريا المرتبطة بسرطان القولون والمستقيم.

«الشرق الأوسط» (تورنتو )
صحتك شرب عصير الليمون مع الخبز يقلل من ارتفاع سكر الدم (رويترز)

هل صحيح أن خل التفاح يحارب ارتفاع السكر في الدم؟

تؤثر تقلّبات وانخفاضات مستويات السكر في الدم على طاقتنا طوال اليوم، فارتفاعها يمنحنا دفعة معنوية، في حين يُشعرنا انخفاضها بالإرهاق.

«الشرق الأوسط» (لندن)

 مواقع تصوير «بالدم»... مزارات سياحية في «البترون» اللبنانية

خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)
خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)
TT

 مواقع تصوير «بالدم»... مزارات سياحية في «البترون» اللبنانية

خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)
خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)

«وينك يا روميوووو؟ وينك يا جانيت؟ طلّوا علينا»، يصرخ الشاب الواقف تحت شرفة بَطلَي مسلسل «بالدم» في بلدة البترون الشمالية وهو يضحك، آملاً أن يظهر أحدهما ويلوّح له بيده أو يسقي على الأقل الزهور، كما يفعل في العادة. وعماد الذي عبّر لـ«الشرق الأوسط» عن سعادته وهو يكتشف عن الحي الذي صوِّر فيه المسلسل الشهير، ويتعرّف على بيوت أبطاله، هو واحد من زوار كثر يتدفقون على البلدة، ويتقصّدون البحث عن أماكن باتت جزءاً من سهراتهم التلفزيونية خلال رمضان، وهم يتابعون أحداث «بالدم» المشوّقة.

الحارة الشعبية بمحاذاة المرفأ حيث يبدو دكان المختار مغلقاً (الشرق الأوسط)

وكما تحوّلت بلدة «دوما» الجبلية في شمال لبنان مزاراً للسياح بعد تصوير فيلم «هلأ لوين» للمخرجة نادين لبكي، صارت البترون البحرية محبَّبة للمتابعين بعد أن اكتشفوا أن مسلسل «بالدم» الذي يحظى بأكبر نسب مشاهدة قد صُوِّر هنا.

اختار المخرج فيليب أسمر موقعين أساسين في البلدة، حصر فيهما تصوير غالبية المشاهد، ممّا يُسهِّل مهمة الفضوليين الذين يأتون، لتتّبع أثر أبطالهم، واقتفاء خطاهم.

الموقع الأول شعبي، على مرفأ البترون، حيث المكان الذي تجلس فيه عدلا (سينتيا كرم) مع دميتها التي استعاضت بها عن ابنها المفقود «غدي»، وهناك نرى القوارب وشباك الصيادين وسلالهم. وعلى مبعدة خطوات، دكان المختار الذي أصبح مغلقاً، وبجانبه بقايا لأحجار وأكياس ومخلفات مهملة. ومقابل الدكان الركن الذي كان يفترش فيه بائع الخضار في المسلسل بضاعته، والممر الذي يؤدي إلى بيت حنين (ماريلين نعمان).

جانب من الحي (الشرق الأوسط)

لم يعمد فريق التصوير إلى تنظيف المكان أو ترتيبه، أو إزالة أي مخلفات بلاستيكية أو حجرية مرمية على الطريق، قبل التصوير. تقول ريتا التي تسكن هنا: «تركوا كل شيء على ما هو عليه، وفهمنا حين شاهدنا المسلسل، أنهم يريدون الاحتفاظ بالروح الشعبية للحي».

دكان «جانيت» يستعد لأن يصبح مطعماً وقد افتُتحت فيه ورشة بعد انتهاء التصوير (الشرق الأوسط)

كان المارة يعبرون غير عابئين، إذ لا شيء يستدعي التوقف هنا، بيد أنهم الآن يأتون باحثين، متشوِّقين لاكتشاف التفاصيل، ويتبادلون فيما بينهم الأحاديث عن المشاهد التي لا تزال عالقة في أذهانهم. ويحوز دكان المختار اهتمام الزوار، الذين يُصرُّون على النظر إلى داخله عبر الزجاج المغلق، ليكتشفوا أنه أُفرغ من أثاثه بالكامل بعد التصوير.

بائعة إكسسوارات حرفية، تفرش بسطتها قريباً من دكان المختار، أخبرتنا أنها كانت هنا طوال فترة التصوير، وأن فريق العمل كان حريصاً على أن يبقى كل شيء على حاله، وألا يتسبَّب بأي إزعاج للأهالي. وشرحت البائعة الشابة التي لم ترد ذكر اسمها: «عرضت عليهم أن أُخلي مكاني، لكنهم رفضوا». مؤكدةً أنهم كانوا فقط يغلقون الطريق لفترة وجيزة، لحظات التصوير، ومن ثَم يعود كل شيء إلى حاله». وتشرح أن العمل انتهى من مدة قصيرة جداً، وتُثني على الممثلين الذين صوَّروا مشاهدهم في البرد القارس وتحت المطر. بل كانوا يُنهون عملهم بسرعة، وينتقلون إلى طرابلس، لتصوير أحداث الملهى الليلي هناك.

منزل حماة غالية «فدوى» بشرفته الجميلة (الشرق الأوسط)

وحين نسألها عن باقي الأماكن التي تم التصوير فيها، تقول: «عدة خطوات إلى الأمام وتجدون بيت الدكتورة آسيا، والدَّرج الذي يتكرَّر مشهد نزولها منه وصعودها إلى بيتها».

هذه المنطقة الشعبية الجميلة على مرفأ البترون فيها مطاعم السَّمك وفنادق استُخدم جانب صغير منها ببراعة مدهشة. ولم يحتج المخرج، الذي له عين ثاقبة، إلا إلى بعض الإضافات القليلة ليحوِّل مساحة صغيرة جداً على البحر، إلى عالم، ومكان مثاليين لتصوير أحداث قصته.

وبينما نتحدث مع البائعة، وقد انضم ابنها إلينا، تمرُّ بقربنا البجعة سوسن التي تظهر في المسلسل كإحدى شخصياته اللافتة. ومن الطريف «أن هذه البجعة تعيش في البترون. وأحبَّ فريق العمل إضافتها إلى المسلسل»، حسب البائعة. هي من الطيور التي تعبر سماء البلدة، وصادف أن كانت جريحة، فاهتمّ بها أهل الحي وطبَّبوها وأطعموها، وصاروا يقصُّون ريشها لتبقى معهم. وبعد ذلك، نبت ريشها واستعادت حريتها، فطارت بيد أنها عادت، ولا تريد المغادرة. وهي دائمة التجوال على المرفأ. وقد أصبح الزوار يعرفونها ويبحثون عنها، لأنها الأثر الحي الوحيد من المسلسل الذي يمكن التقاط الصور معه.

مرفأ البترون ومراكب الصيادين التي كانت ضمن مشاهد المسلسل (الشرق الأوسط)

البترون بلدة تمارس غوايتها على السياح خصوصاً في فصل الصيف، حيث يرتادون شواطئها ومقاهيها. وتحوَّلت في السنوات الأخيرة إلى وجهة لا تُفوَّت بعد بيروت. وأتى تصوير «بالدم»، مع القسط الذي ناله من النجاح، ليشكِّل حافزاً إضافياً لزيارة البلدة. لكن أهالي البترون لا يهتمون، ويعدُّونها مسألة عابرة. «هي فورة، تنتهي بانتهاء عرض المسلسل، ليعود كل شيء إلى حاله»، تقول صاحبة أحد المقاهي.

الأمر قد لا يكون كذلك. فموقع التصوير الثاني الذي اختير للمسلسل هو بقرب بيت المغترب، الذي أُنجز في البترون على النَّمط الهندسي العتيق وصار تجمعاً سياحياً مهماً، ومركزاً لأنشطة على مدار العام.

مقابل مدخل بيت المغترب، نكتشف البيت الجميل ببوابته الحديدية وأدراجه الأنيقة الذي تسكنه غالية (ماغي غصن)، مع زوجها (بديع أبو شقرا) وابنتيها.

الدَّرَج الشهير المؤدي إلى بيت «الدكتورة آسيا» (الشرق الأوسط)

وفي حين يحيط الزوار في المنزل ويصوِّرون جوانبه، وصل أحد سكان البيت الأصليين وتسلَّل من البوابة وصعد الدرج، كأنه يذكِّرنا أن التصوير قد انتهى، والممثلون قد غادروا، وعلينا أن ننصرف. حقاً يختلط العام بالخاص، والتمثيل بالواقع في البترون، ومنازل السكان بديكورات التصوير.

خطوات من بيت غالية، يوجد منزل والدها روميو (رفيق علي أحمد) ووالدتها جانيت (جوليا قصّار) بشرفتها البيضاء. وتحتها دكان جانيت الذي أصبح فارغاً هو الآخر، وثمَّة ورشة في داخله استعداداً لتحويله إلى مطعم. ملاصق له بيت حماة غالية، فدوى (نوال كامل) وفي الطابق الأرضي منه حيث يسكن ابنها وليد (باسم مغنية) مع زوجته ليان (رولا بقسماتي).

رفيق علي أحمد وجوليا قصّار في موقع التصوير (الشركة المنتجة)

تنتبه وأنت تتجوَّل، كم أن البترون هي بالفعل استوديو طبيعي للتصوير. يكفي أن يأتي مخرج ويختار الموقع ويفتح كاميرته ليسجِّل مشاهد ساحرة. كل شيء جاهز، من المعمار التقليدي القديم بقناطره ونوافذه الخشبية وأبوابه الحديدية، إلى الأزقة المزدانة بالأشجار والشرفات العابقة بالزهور، إلى شاطئ البحر بمداه الأزرق. وقد أدرك المخرج الفذ فيليب أسمر، وهو يطوِّع «الاسكريبت» العبقري للكاتبة نادين جابر، أن المكان بسحره، قادر على أن يمنحه مفاتيح الصورة وجماليتها. هكذا بدل أن يُسقِط ما يريد على المشاهد، ترك البترون تُغْني المسلسل بما فيها من عفوية، وألوان، وأسلوب عيش، وبهاء.