شهد مهرجان برلين افتتاحاً مثيراً للجدل يوم الخميس، الثالث عشر من هذا الشهر، وذلك احتفاء بدورته الجديدة (الخامسة والسبعين) التي تدوم حتى الثالث والعشرين من هذا الشهر.
كانت حفلة افتتاح قصيرة نسبياً قياساً بحفلات الأعوام الماضية، لكن هذا لم يعنِ غياب حضور السياسة فيه، فيما يمكن اعتباره الآن امتداداً لما حدث في نهاية الدورة السابقة (2024) عندما طفت القضية الفلسطينية على منصّة حفل الختام عبر خطب ألقاها بعض الفائزين بجوائز تلك الدورة.
هذه المرّة حضرت السياسة من مطلع الدورة عبر خطاب قبول الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون الناري الذي ألقته بمناسبة تسلمها جائزة «الدب الشرفي» في قاعة المهرجان الرئيسية.
وضوح
خطاب سوينتون كان سياسياً انتقلت إلى مضمونه بمجرد الانتهاء من شكر للمهرجان على هذا الاحتفاء المُستحق. يمكن اعتباره انتهاز فرصة مواتية لنقد شمل الرئاسة الأميركية والوضع «غير الإنساني» الذي تعانيه مجتمعات مختلفة، وصولاً إلى معاناة الفلسطينيين تحت قبضة بنيامين نتنياهو. كل هذا من دون اللجوء لذكر أسماء، كون ما تتحدّث فيه واضح تماماً، تبعه تصفيق حاد من قبل قاعة قصر المهرجان المسماة بـ«بوتسدامر بلاتزي» التي امتلأت عن آخرها.
ومما قالته إن «تأسيس وضع غير إنساني فعل يُرتكب في زمننا»، وأكملت: «أنا هنا لأسمي من دون تردد أو شك ولإضفاء كل تضامني لكل أولئك الذين يدركون الغرور الذي تدمن عليه الحكومات الجشعة».
سوينتون التي تعتبر نفسها «مقيمة في دولة السينما» التي تجابه «الاحتلال والاستعمار والسطو وتملك تطوير مشروع الريڤييرا» وهذا في إشارة واضحة لما كان الرئيس الأميركي قاله حول رغبته في إخراج الفلسطينيين من غزة وتحويلها إلى «ريڤييرا جديدة».
وختمت بأنها تضع كل إيمانها بالثقافة المناهضة من خلال «تنوير السينما التي تلهم عالماً متحضراً».
دعوات مقاطعة
خطاب سوينتون الذي تناقلته وكالات الأنباء واستقبل بحفاوة من قِبل الحاضرين لم يكن النشاط السياسي الوحيد الذي بدأ المهرجان البرليني به، فقد انتشرت دعوات لمقاطعة المهرجان كونه لم يتّخذ موقفاً مؤيداً للقضية الفلسطينية وضد حكومة نتنياهو. قادت هذه الدعوات مؤسسات من بينها «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» و«العاملون السينمائيون لأجل فلسطين»
في المقابل، هناك «وقفة» تقوم بها مجموعة من السينمائيين مطالبة بإطلاق سراح المعتقل الإسرائيلي ديڤيد كونيو المعتقل من قِبل «حماس». كونيو ممثل إسرائيلي أنتج عنه فيلم تسجيلي بعنوان «رسالة إلى ديڤيد» تم عرضه مساء البارحة (الرابع عشر من هذا الشهر).
الكوفية مقبولة
وعلى صعيد آخر قام المهرجان بإيضاح مهم عبر بيان ذكر أن «ارتداء الشارات والأزياء للتعبير عن التضامن مع فلسطين هو حرية تعبير مكفولة قانونياً».
والجدير بالذكر أن فيلم الافتتاح للألماني توم تايكوَر «الضوء» يتعامل مع وضع عائلة ألمانية ممزقة بخلافاتها وأحلام الأمس غير المحققة. ما ينقذها هو مشرفة بيت سورية مهاجرة (تقوم بها تالا الدين) تنبري لمساعدة العائلة على الوئام والالتئام من جديد.
ما سبق يتّصل بما وقع في العام الماضي من مواقف سياسية أحرجت الحكومة الألمانية حينها. الواضح، وتاريخ المهرجان مليء بالتيارات والمواقف السياسية المختلفة حتى من قبل توحيد ألمانيا، أن المهرجان (وسواه من المهرجانات الرئيسية حول العالم) سيحفل دوماً بالمزيد من المواقف السياسية كون صانعي الأفلام من مخرجين وممثلين وكتّاب في عمومهم يتبنون دوماً تأييد مسائل التحرر والمساواة والإبداع من أجل عالم أفضل.