عند كلِّ جيلٍ جديدٍ ملاحظات على الذي قبله، والعكس بالعكس. الفرق بين جيل وآخر عادة هو مدى التأثّر بالزمن الذي يعيش فيه كل منهما. لذلك تحضر الاختلافات وفق التَّطورات الاجتماعية. فتتأثّر بالاختراعات والتقنيات المتقدمة التي من شأنها أن تُعيدَ ترتيب الحياة برمّتها. وهو ما يُحدِث فجوة كبيرة بين الأجيال تترجَم بتغيّر عادات وتقاليد وأسلوب عيش. وفي مسرحية «كوما» يعلو صوت جيل يُعرف باسم «ألفا»، ويشمل المولودين منذ عام 2010 حتى اليوم، فيقدّم حكاية تجمع بين الكوميديا السوداء والمشاعر العميقة، ويحاول عبرها لفت انتباه كلَّ من يغضُّ النظر عن سماع آرائه. وخلالها يروي 6 شبان وفتيات كيفية تأثُّرهم بالخسارات وبالحب والوطن. وتأتي ضمن برنامج «كواليس مسرح زقاق (جيل زد)» للإرشاد المسرحي.

تحكي المسرحية عن «ياسمينا»؛ الإطفائية الجريئة... كانت في الصّفوف الأمامية عندما هزّ انفجار بيروت العاصمة. نراها على المسرح تحكي عن تلك اللحظات مع أصدقائها، ومعهم تُترجم انعكاساتِ حدثٍ هزَّ مشاعرها. يتبادلون الأحاديث حول العلاقات بالجيران وصاحب الدُّكان الصغير... وغيرهما. فالحدث طبع أهل بيروت وترك بصمته السلبية عليهم. ولكن في الوقت نفسه تُوصّل المجموعة المشاركة في المسرحية أفكارها بأسلوبٍ ساخرٍ ومضحكٍ. وهو ما يلوِّن العمل بمشاهدَ تكسرُ النمط التراجيدي. وهو يُعرض على مسرح «زقاق» بمنطقة الكرنتينا في 8 و9 فبراير (شباط) الحالي.
كتَب المسرحية بهاء الرّافع وياسمينا شيّا؛ ومع 4 من زملائهما يُطلُّون على المسرح. ويشير جنيد سري الدين، المُشرف على تدريب المجموعة، إلى أن أعمار الممثلين تتراوح بين 13 و19 عاماً. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «هذا البرنامج الإرشادي المسرحي نُنظِّمه سنوياً للناشئين. نُرافق مواهبهم ونطوِّرها ونُسهم في ولادات جديدة، فنبني معهم عملاً فنِّياً مسرحياً مختلفاً، وندعمه مادياً وتقنياً وفنياً».

يُترجم البرنامج أولى خطوات جيلٍ فتيٍّ على المسرح، وينظمه «زقاق» منذ نحو 5 سنوات، فيستفيد من أفكارٍ ومحاولاتٍ كتابية لمجموعة من التلامذة والطلاب. ويتألف محور العمل من استيقاظ فتاة بعد فترة «غيابٍ عن الوعي (كوما)» لتكتشف أن كلَّ شيء تغيّر حولها.
على مدى 6 أشهر واكب سري الدين المجموعة في جلسات وورشات عمل متتالية... «حاولتُ قدر الإمكان توضيحَ أفكارهم ووضعَها في نصٍ مسرحيٍّ محبوكٍ بشكل جيّد. والأهم كان الحفاظ على لغتهم الشبابية في كيفية تناولهم الموضوع. وبعدها تأتي مرحلة التطبيق على المسرح والمتابعة والإخراج».
مُدّة المسرحية 40 دقيقة، وتترجم العلاقات الاجتماعية بين جيل «ألفا» والمحيطين به. ويُوضح سري الدين: «غالباً ما توجد مسافات تفصل بين أفكار جيل قديم وآخر جديد. وهذا الأخير يشعر في معظم الوقت أن كلامه غير مسموع. فالجيل الأكبر منه لا يُولي لملاحظاته وانطباعاته الاهتمام الكافي. وتأتي المسرحية لتمدّ هذا الجسر بين الأجيال بأسلوب سلس وفعّال، فتُخرِج المجموعة معاناتها وأوجاعها على الملأ. ويدور ذلك ضمن قالب مسرحي خفيف (لايت) ومرح في الوقت نفسه، فيعكس شخصيتهم الحقيقية والواضحة في التعبير عن هواجسها».
بالنسبة إلى جنيد، فإن المشاركة في العمل مع جيل شبابيٍّ تُزوِّده بمعلومات كثيرة... «هناك نواةُ قوةٍ تبرز عندهم من خلال شخصية واثقة بأدائها. يبوحون بكل ما يخالجهم من مشاعر من دون خوفٍ وبأسلوبهم المباشر».

وتحاول المسرحية الحدّ من استخفاف بعضهم بقدرات جيل فتيٍّ. ويُعلّق سري الدين قائلاً: «هذه الفجوة تحضر دائماً بين الأجيال. وأنا شخصياً عندما كنت أصغر سنّاً كانت لديّ حساسية من نظرة الكبار تجاهي. وأعتقد أن هذا الجيل يتمتَّع بقدرة استيعاب ومعرفة كبيرة. وقد استغرقت منا، نحن الجيل القديم، سنوات طويلة لنُدركها. فهم يمتازون بسرعة استيعابهم الموضوعات. ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تفتُّحهم وتطوِّر أفكارهم بشكل ملحوظ».
مرّ جيل «ألفا» بمراحل صعبة شهدَها لبنان، وتركت أثرها على شباب وُلدوا في عام 2010، وعاشوا انهيارات متتالية، وتفتّحت أعينهم على أحداثٍ أكبر منهم؛ من بينها انتشار جائحة «كورونا»، وانفجار بيروت، والحرب الأخيرة... عاشوا فترة انعزال ووحدة وتساؤلات كثيرة حول مصيرهم. ويُوضح جنيد سري الدين: «لقد واجهوا تحدّيات كثيرة على مستوى النُّمو الفردي والاجتماعي. وساهم المسرح في تفتُّح شخصيتهم. فالخشبة تزوِّد من يقف عليها بالثقة. هذه التغيّرات لاحظتُها في نبرات أصواتهم وتصرفاتهم وكيفية تعاملهم مع الآخر. وهذا هو الهدف الرئيسي من (برنامج الإرشاد المسرحي) الذي ننظمه سنوياً».