قصة جرّاح دماغ «محارب» أنقذ شارعه من الحرائق واللصوص في لوس أنجليس

الطبيب العجوز أعد السيناريو منذ سنوات... ونفذه بمشاركة ابنه وجاره

تشيستر غريفيث وابنه أثناء محاولات إخماد الحرائق التي اجتاحت شارعهما (التلغراف)
تشيستر غريفيث وابنه أثناء محاولات إخماد الحرائق التي اجتاحت شارعهما (التلغراف)
TT

قصة جرّاح دماغ «محارب» أنقذ شارعه من الحرائق واللصوص في لوس أنجليس

تشيستر غريفيث وابنه أثناء محاولات إخماد الحرائق التي اجتاحت شارعهما (التلغراف)
تشيستر غريفيث وابنه أثناء محاولات إخماد الحرائق التي اجتاحت شارعهما (التلغراف)

أنهى الطبيب تشيستر غريفيث إجراء عملية جراحية في الدماغ، ثم ركب سيارته وسافر إلى لوس أنجليس لإنقاذ منزله الواقع على شاطئ البحر في ماليبو من حرائق الغابات المستعرة في جميع أنحاء المدينة.

لقد كان هذا سيناريو يعدّه الجرّاح البالغ من العمر 62 عاماً لسنوات، فقد أجرى التدريبات اللازمة لذلك، وزوّد منزله بخراطيم إطفاء الحرائق، وأطلع ابنه وجاره على مسار العمل. و«الآن حان الوقت لوضع السيناريو موضع التنفيذ»، وفق ما ذكرته صحيفة «التلغراف» البريطانية.

ما تلا ذلك كان مهمة جريئة شهدت مواجهة الرجال الثلاثة لـ«أسوأ جحيم» في تاريخ المدينة لينجحوا في حماية 6 منازل أخرى في شارعهم، بينما انهارت المنازل من حولهم وتحولت إلى فوضى من الرماد والأنقاض.

«لن أترك منزلي يحترق مهما حدث»

ومع تفاقم الحريق الذي ابتلع آلاف المنازل وترك آثاراً مشتعلة عبر آلاف الأفدنة، رفض الرجال الثلاثة التراجع، وحتى عندما جلبت الرياح التي تبلغ سرعتها 80 ميلاً في الساعة صفائح من الجمر بحجم كرات القدم، واصلوا القتال.

واتّسع نطاق الحرائق الكثيرة المستعرة في لوس أنجليس منذ 5 أيام، التي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 16 قتيلاً، السبت، لتطول مناطق كانت بمنأى من النيران. وأتت هذه الحرائق على أجزاء كاملة من ثاني كبرى المدن الأميركية، مدمّرة أكثر من 12 ألف مبنى و15 ألف هكتار من الأراضي. ووصف الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال اجتماع في البيت الأبيض، المشهد بـ«ساحة حرب».

وقال كلايتون كولبيرت، جار غريفيث، لصحيفة «التلغراف»: «في مرحلة ما، بدأت بتجهيز سيارتي للرحيل، ثم قررت أنني لن أترك منزلي يحترق، مهما حدث». وأضاف: «بلا شك، لو لم نكن هنا، لما كان أي من منازلنا موجوداً». وتمكن الثلاثي، المسلحين بأقنعة الوجه وخراطيم إطفاء الحرائق والمجارف، من إبقاء الجحيم بعيداً لمدة أربعة أيام وخمس ليال.

كلايتون كولبيرت يعرض لجارته التي أنقذ منزلها فيديو يوضح مدى اقتراب الحريق من ممتلكاتها (التلغراف)

اللحظة الأكثر خطورة

جاءت اللحظة الأكثر خطورة بالنسبة للرجال، ليلة الأربعاء، عندما انطلقت النيران نحوهم من الغرب، واجتاحت اثنين من المنازل الخشبية لجيرانهم وأشعلت النيران فيهما في غضون 20 دقيقة. وقال كولبيرت: «لم نكن نعرف متى سينتهي الأمر. وربما كان هذا هو الشيء الأكثر رعباً». وقام الرجال الثلاثة بالقفز على الأسطح المجاورة ورش النيران بالمياه، واستخدموا التراب والرمل لإخماد أي حرائق على الأرض، وتمكنت المجموعة من إخماد النيران ومنعها من الانتشار نحو المنازل الأخرى.

وأكد الطبيب غريفيث، وهو أب لطفلين، أنه لم يكن خائفاً. وقال: «أنا جراح... أنت تتدرب وتستعد، وبعد ذلك عندما تكون في خضم الأمر، فإنك تعتمد على تدريبك واستعدادك». وأضاف ابنه، الطالب البالغ من العمر 24 عاماً، الذي يُدعى أيضاً تشيستر غريفيث: «لقد كان كل هذا، بصراحة، تحت قيادة والدي... لقد كان يستعد لهذا لفترة طويلة. إنه بطل، ويتمتع بعقلية المحارب».

جراح الدماغ تشيستر غريفيث يقف مع ابنه أمام أحد المنازل التي أنقذاها (التلغراف)

بدوره، لم ينم كولبيرت لعدة أيام. وفي حديثه لصحيفة «التلغراف»، الجمعة، اعترف بأنه لا يعرف ما هو اليوم الذي يعيشه. وأنه يتذكر أنه كان من المفترض أن يخضع لجراحة في الكلى في 10 يناير (كانون الثاني)، وأنه تفاجأ أنه يوافق يوم الجمعة! وفي مرحلة ما خلال المهمة الجريئة، اشتعلت النيران في شعر كولبيرت، لكنه ليس مستاءً، حيث قال مازحاً: «أبدو وكأن رأسي ممتلئ بالشعر الآن، أليس كذلك؟ إنه لشيء رائع، لكن كل ذلك رماد».

مطاردة اللصوص

واضطرت المجموعة أيضاً لمطاردة اللصوص الذين جاءوا لمداهمة المنازل الخالية من سكانها، الخميس. وقال كولبيرت: «بدأت بالصراخ عليهم فهربوا. ثم نزلت إلى سيارتي، وقمت بتشغيل سيارتي والأضواء، حتى يعلموا أننا هنا».

وقال غريفيث إنه إذا كان هناك شيء واحد يمكن تعلمه من هذه المأساة المُدمِّرة، فهو يريد أن يتعرف الناس على جيرانهم. وشدد: «لم نتمكن من القيام بذلك إلا لأننا مجتمع متماسك».

وختم كولبيرت حديثه قائلاً: «عندما يكون لدي الوقت، أعتقد أنني سأكون عاطفياً». أما بالنسبة لغريفيث، فيمضي عطلة نهاية الأسبوع «في الخدمة» مرتدياً مشدات رجل الإطفاء حامياً منزله ومنازل جيرانه، وسيعود يوم الاثنين إلى وظيفته اليومية جراح دماغ.


مقالات ذات صلة

إطفائيو لوس أنجليس يسابقون الزمن لاحتواء الحرائق

الولايات المتحدة​ مبان أتت عليها النيران في حي  باسيفيك باليسادس بلوس أنجليس أمس (رويترز)

إطفائيو لوس أنجليس يسابقون الزمن لاحتواء الحرائق

تسابق فرق الإطفاء الزمن لاحتواء حرائق لوس أنجليس، وسط تحذيرات من عودة الرياح العاتية، ومخاوف من اتساع رقعة النيران ومعها حصيلة الضحايا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ عملية إجلاء الحيوانات الكبيرة جراء حرائق الغابات بولاية كاليفورنيا (رويترز)

مئات الحيوانات لم تَسلم من حرائق لوس أنجليس

عندما اجتاحت النيران بلدة ألتادينا في شمال لوس أنجليس، حافظت جانيل غروس على هدوئها، نظمت عملية نقل 25 حصاناً وخنازير وأبقار كانت تتولى رعايتها.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
الولايات المتحدة​ تُظهر صور التقطت بالأقمار الاصطناعية الخاصة بشركة «ماكسار» منازل ومباني بمنطقة ألتادينا بولاية كاليفورنيا... على اليمين التقطت في 8 يناير 2025 وعلى اليسار التقطت في 6 يناير 2025 قبل الحرائق (أ.ف.ب)

قبل وبعد... هكذا حوَّلت الحرائق أحياء لوس أنجليس إلى أنقاض ورماد (صور)

تلتقط صور الأقمار الاصطناعية الدمار من الأعلى لحرائق لوس أنجليس؛ حيث تظهر أحياء بأكملها وقد تحولت إلى أنقاض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ اتساع رقعة الحرائق في لوس أنجليس (أ.ف.ب) play-circle 01:43

ترمب ينتقد «عدم كفاءة» مسؤولي ولاية كاليفورنيا بعد حرائق لوس أنجليس

شنَّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الأحد، هجوماً جديداً على المسؤولين في ولاية كاليفورنيا، في وقت يواصل فيه رجال الإطفاء مكافحة الحرائق في لوس أنجليس.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
الولايات المتحدة​ عنصرا إطفاء يتابعان حريقاً في باليساديس بلوس أنجليس (رويترز)

اتّساع نطاق الحرائق في لوس أنجليس... وحصيلة القتلى ترتفع إلى 16

اتّسع نطاق الحرائق الكثيرة المستعرة في لوس أنجليس منذ 5 أيام، التي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 16 قتيلاً، السبت، لتطول مناطق كانت بمنأى من النيران.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

علاج فعّال وآمن لطفيليات تصيب 1.5 مليار شخص

التجربة السريرية أجريت على أطفال في 3 دول أفريقية (معهد برشلونة للصحة العالمية)
التجربة السريرية أجريت على أطفال في 3 دول أفريقية (معهد برشلونة للصحة العالمية)
TT

علاج فعّال وآمن لطفيليات تصيب 1.5 مليار شخص

التجربة السريرية أجريت على أطفال في 3 دول أفريقية (معهد برشلونة للصحة العالمية)
التجربة السريرية أجريت على أطفال في 3 دول أفريقية (معهد برشلونة للصحة العالمية)

أظهرت دراسة سريرية دولية فاعلية وأمان علاج مبتكر لعدوى الديدان الطفيلية المنقولة عبر التربة، التي تؤثر على نحو 1.5 مليار شخص حول العالم.

وقاد الباحثون من معهد برشلونة للصحة العالمية في إسبانيا هذه الدراسة؛ حيث أثبتوا أن العلاج الجديد يُعدّ أداة فعّالة لمكافحة الطفيليات المعوية المسببة لأمراض تؤثر سلباً على صحة الأطفال ونموهم العقلي والجسدي، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «The Lancet Infectious Diseases».

وتُعد الديدان الطفيلية المنقولة عبر التربة العدوى الأكثر شيوعاً عالمياً؛ حيث يصاب بها نحو 24 في المائة من سكان العالم، لا سيما في المناطق الفقيرة والمحرومة من المياه النظيفة والصرف الصحي مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا وأميركا الجنوبية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

وتنتقل العدوى من خلال البيوض المُعدية الموجودة في براز البشر، الذي يلوث التربة في المناطق ذات الصرف الصحي الضعيف. ويعاني الأطفال المصابون من ضعف جسدي وتغذوي، بينما تؤدي العدوى لدى الفتيات والنساء في سن الإنجاب إلى تفاقم فقر الدم وزيادة مخاطر وفيات الأمهات والرضّع، فضلاً عن انخفاض الوزن عند الولادة. وتعتمد تدابير المكافحة الحالية على العلاج الدوري للتخلص من الديدان، مع التثقيف الصحي وتحسين الصرف الصحي.

ويهدف العلاج الحالي إلى القضاء على هذه الديدان باستخدام دواء «الألبيندازول» بشكل منتظم، ولكن تواجه هذه الاستراتيجية تحديات تتعلق بمقاومة الديدان لبعض الأدوية.

وللتصدي لهذه المشكلة، اختبر الباحثون فاعلية علاج مبتكر يتكون من تركيبة ثابتة من «الألبيندازول» و«الإيفرمكتين» في حبة واحدة.

ويتميز الدواء الجديد بكونه سهل الاستخدام؛ إذ يأتي في شكل حبة واحدة يمكن تناولها من دون الحاجة لتعديل الجرعة بناءً على وزن الطفل. كما يدمج بين آليتين مختلفتين للحد من خطر مقاومة الطفيليات للأدوية.

وقد أظهرت الدراسات أن هذا العلاج أكثر فاعلية في القضاء على الطفيليات، ويحتوي على مزايا إضافية مثل تقليل مقاومة الطفيليات للأدوية بفضل آلية العمل المتكاملة بين المركبين.

وأُجريت التجربة السريرية في 3 دول أفريقية هي إثيوبيا وكينيا وموزمبيق على 4353 طفلاً تراوحت أعمارهم بين 5 و18 عاماً.

وأظهرت النتائج أن تركيبة «الألبيندازول» و«الإيفرمكتين» أكثر فاعلية من «الألبيندازول» بمفرده؛ حيث بلغت معدلات الشفاء 97 في المائة مع العلاج المزدوج في 3 جرعات مقارنة بـ36 في المائة مع «الألبيندازول» فقط.

وأكد الباحثون أن حبة الدواء المركبة، التي تتمتع بنكهة مانجو قابلة للذوبان في الفم، تُعد خياراً واعداً لتحسين النتائج الصحية في المناطق المتضررة بالأمراض المدارية المهملة، كما تمثل نقطة تحول مهمة نحو تحقيق أهداف السيطرة على تلك الأمراض.

ويتوقع الباحثون أن تُساهم هذه الحبة الجديدة في تحسين استراتيجيات العلاج الجماعي في المناطق المتأثرة، مما يُسهم في تحقيق الأهداف العالمية لمكافحة الطفيليات بحلول عام 2030.