الذكاء الاصطناعي يُنبِّه الأطباء حول المرضى المعرّضين للانتحار

يودي قتل النفس بحياة 14.2 من كل 100 ألف أميركي سنوياً

يودي الانتحار بحياة 14.2 من كل 100 ألف أميركي سنوياً (جامعة إسيكس)
يودي الانتحار بحياة 14.2 من كل 100 ألف أميركي سنوياً (جامعة إسيكس)
TT

الذكاء الاصطناعي يُنبِّه الأطباء حول المرضى المعرّضين للانتحار

يودي الانتحار بحياة 14.2 من كل 100 ألف أميركي سنوياً (جامعة إسيكس)
يودي الانتحار بحياة 14.2 من كل 100 ألف أميركي سنوياً (جامعة إسيكس)

أظهرت دراسة أجراها باحثون من المركز الطبي لجامعة «فاندربيلت» الأميركية، أنّ التنبيهات السريرية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد الأطباء في تحديد المرضى المعرّضين لخطر الانتحار، مما قد يحسّن جهود الوقاية في البيئات الطبية الروتينية.

وقارنت الدراسة المنشورة، الجمعة، في دورية «جاما نت وورك أوبن»، بين نهجَيْن مختلفَيْن للإبلاغ عن الأشخاص المعرّضين للانتحار: تنبيهات ذكية تظهر بشكل تلقائي في أثناء سير عمل الطبيب مع المرضى، مقابل نظام آخر سلبي يعرض فقط معلومات المخاطر في الرسم البياني الإلكتروني للمريض.

ووجدت الدراسة أنّ التنبيهات التلقائية المتقطّعة كانت أكثر فاعلية بكثير؛ مما دفع الأطباء إلى إجراء تقويمات لمخاطر الانتحار فيما يتعلّق بنسبة 42 في المائة من تنبيهات الفحص، مقارنةً بنسبة 4 في المائة فقط مع النظام السلبي.

واختبر الفريق البحثي، بقيادة الأستاذ المُشارك في المعلوماتية الطبية الحيوية والطب النفسي، كولين والش، ما إذا كان نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بهم، المُسمَّى «نموذج محاولة الانتحار واحتمالية الأفكار» في فاندربيلت (VSAIL)، يمكن أن يساعد الأطباء بشكل فعّال في 3 عيادات لأمراض الأعصاب؛ لفحص المرضى بحثاً عن خطر الانتحار في أثناء زياراتهم الدورية للعيادة.

وركّز البحث على عيادات الأعصاب، نظراً إلى أنّ بعض الحالات العصبية تكون مرتبطة بزيادة خطر الانتحار. ولكن يرى الباحثون أنه يمكن اختبار أنظمة مماثلة في بيئات طبية أخرى.

وشدَّد والش على أن «معظم الأشخاص الذين يموتون منتحرين زاروا مقدّمي الرعاية الصحية في العام السابق لوفاتهم. لكن الفحص الشامل ليس عملياً في كل مكان. لقد طوّرنا تقنية (VSAIL) للمساعدة في تحديد المرضى المعرّضين لخطر كبير وتحفيز الأطباء على إجراء محادثات الفحص بشكل أكثر تركيزاً».

وتُظهر البيانات ارتفاع معدلات الانتحار في الولايات المتحدة، ويُقدَّر أنه يودي بحياة 14.2 من كل 100 ألف أميركي كل عام، مما يجعله السبب الـ11 للوفاة في البلاد.

وأظهرت دراسات سابقة أنّ 77 في المائة من الأشخاص الذين يموتون منتحرين كان لديهم اتصال بمقدّمي الرعاية الأولية في العام السابق لوفاتهم.

ودفعت الدعوات لتحسين فحص المخاطر الباحثين إلى استكشاف طرق لتحديد المرضى الأكثر حاجة إلى التقويم.

في هذا الإطار، يحلِّل نموذج «VSAIL» الذي طوّره فريق والش في فاندربيلت، المعلومات الروتينية من السجلات الصحية الإلكترونية لحساب خطر محاولة الانتحار لدى المريض لمدة 30 يوماً.

وكانت الدراسة قد شملت 7732 زيارة للمرضى على مدى 6 أشهر؛ مما أدّى إلى 596 تنبيهاً إجمالياً للفحص.

77 % من الأشخاص الذين يموتون منتحرين كان لديهم اتصال بمقدّمي الرعاية (بلوس)

لقد أثبت النموذج الجديد فاعليته في تحديد المرضى المعرّضين لخطر كبير؛ إذ أبلغ واحد من كل 23 فرداً وُضعت علامات تنبيهية عليهم بواسطة النظام لاحقاً عن أفكار انتحارية. وهو ما علَّق عليه والش بالقول: «وضع النظام الآلي علامة على نحو 8 في المائة فقط من جميع زيارات المرضى للفحص. هذا النهج الانتقائي يسهّل دور العيادات المزدحمة في تنفيذ جهود منع الانتحار».

وأضاف: «تشير النتائج إلى أن الكشف الآلي عن المخاطر، جنباً إلى جنب مع التنبيهات المصمَّمة جيداً، يمكن أن يساعدنا في تحديد مزيد من المرضى الذين يحتاجون إلى خدمات الوقاية من الانتحار».


مقالات ذات صلة

انتحار اللاعب الأوروغواياني أكونيا في الأكوادور

رياضة عالمية ماتياس أكونيا (وسائل إعلام إكوادورية)

انتحار اللاعب الأوروغواياني أكونيا في الأكوادور

تُوفي المهاجم الأوروغواياني ماتياس أكونيا لاعب نادي موشوك رونا ضمن الدوري الإكوادوري لكرة القدم السبت عن عمر يناهز 32 عاماً، مع ترجيح فرضية الانتحار.

«الشرق الأوسط» (كيتو )
يوميات الشرق رجل يمر أمام شعار تطبيق إنستغرام بالهند (رويترز)

دراسة: «إنستغرام» يساعد في انتشار محتوى إيذاء النفس بين المراهقين

أكدت دراسة علمية جديدة أن شركة «ميتا» تساعد بشكل ملحوظ في انتشار محتوى إيذاء النفس بين المراهقين على موقع «إنستغرام».

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
شؤون إقليمية يتم تداول أكثر من 13.2 مليون قطعة سلاح ناري في تركيا معظمها بشكل غير قانوني (أ.ف.ب)

في تركيا... رجل يقتل سبعة بينهم ستة من أفراد عائلته ثم ينتحر

قتل رجل تركي (33 عاماً) سبعة أشخاص بالرصاص في إسطنبول، الأحد، من بينهم والداه وزوجته وابنه البالغ 10 سنوات، قبل أن ينتحر، على ما أفادت السلطات التركية.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)
الولايات المتحدة​ جنود أميركيون (رويترز - أرشيفية)

ارتفاع حالات الانتحار في الجيش الأميركي عام 2023

قال مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأميركية، إن حالات الانتحار في الجيش الأميركي زادت عام 2023، وهو ما يمثل استمراراً لاتجاه طويل الأمد كافح البنتاغون للحد منه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق نجومٌ في الصغر... ضحايا في الكبر

نجومٌ في الصغر... ضحايا في الكبر

من مايكل جاكسون إلى ليام باين، مروراً بماثيو بيري وغيرهم من النجوم... خيطان جمعا ما بينهم؛ الشهرة المبكّرة والوفاة التراجيدية التي تسببت بها تلك الشهرة.

كريستين حبيب (بيروت)

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».