المخرجة رويا سادات: نساء أفغانستان صوت النضال في وجه التحديات

الفن الأفغاني في مواجهة القمع

المخرجة الأفغانية رويا سادات أثناء حضورها مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (الشرق الأوسط)
المخرجة الأفغانية رويا سادات أثناء حضورها مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (الشرق الأوسط)
TT

المخرجة رويا سادات: نساء أفغانستان صوت النضال في وجه التحديات

المخرجة الأفغانية رويا سادات أثناء حضورها مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (الشرق الأوسط)
المخرجة الأفغانية رويا سادات أثناء حضورها مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (الشرق الأوسط)

في عالم تُقمع فيه الأصوات النسائية أحياناً تحت وطأة النزاعات السياسية وفي أحيان أخرى جراء القيود والاجتماعية، إلا أن المرأة الأفغانية تبقى رمزاً للصمود والقوة، رافضة أن تُهمّش أو تُغيب، ومن بينهن المخرجة الأفغانية رويا سادات، التي أخرجت أعمالاً سينمائية تسلط الضوء على معاناة وطنها، والتي مثلت أيضاً نموذجاً مشرقاً للمرأة الأفغانية التي تحارب من أجل الحرية والمساواة.

قوة من أعماق التاريخ

في حديث لها مع «الشرق الأوسط» تؤكد رويا أن نضال المرأة الأفغانية ليس وليد اللحظة أو نتيجة دعم خارجي عقب عام 2001، بل هو امتداد لمسيرة طويلة بدأت منذ عقود. وأضافت سادات: «منذ بداية التاريخ وحتى الآن، كانت النساء الأفغانيات القوة الحقيقية التي تناضل من أجل الحرية والمساواة. حتى في ظل حكم (طالبان)، كانت الأفغانيات دائماً في الخطوط الأمامية، رافعات أصواتهن ضد الظلم والقمع».

تستمد رويا سادات قوتها من تجربة شخصية جعلتها نموذجاً للأمل والمثابرة. في حقبة الاحتلال الأول لـ«طالبان»، حين كانت رويا ممنوعة من التعليم، لكنها درست السينما في منزلها من خلال كتب والدها. واليوم، أصبحت واحدة من أشهر المخرجات عالمياً، وهو ما تعتبره رسالة أمل للنساء الأفغانيات مفادها بأنه «حتى في أحلك الظروف، يمكن للمرأة أن تصنع الفرق. وإذا استطاعت المخرجة الأفغانية أن تصل إلى العالمية من داخل جدران منزلها، فإن لكل امرأة أفغانية الحق في الحلم والسعي لتحقيقه».

في صميم ذاتها تؤمن رويا بأن نضال النساء الأفغانيات لا يقتصر على النخب السياسية أو الاجتماعية، بل يمتد إلى كل النساء، حتى ربات المنازل. عن هذا تقول: «حتى والدتي، التي كانت ربة منزل، تمثل رمزاً للقوة. الجيل الذي سبقني كان هو الملهم لفكرة فيلم أغنية سيما. هؤلاء النساء كن وما زلن يناضلن من أجل الحقوق والمساواة، ولم يتوقفن أبداً».

الفن في مواجهة الظلم

أول أعمال رويا السينمائية كان بمثابة بداية مسيرتها في تحويل معاناة النساء الأفغانيات إلى قصص تنبض بالحياة على الشاشة. ففي عام 1995، كتبت سيناريو أول أفلامها «رسالة إلى الرئيس» أثناء زيارتها الأولى لأفغانستان. وتم تصوير الفيلم في مدينة هرات، التي تُعد من أكبر 3 مدن في البلاد. وبعد سنوات من العمل على المونتاج، كان الفيلم جاهزاً للعرض عام 2003. فيما تصف رويا تلك التجربة قائلة: «كان هذا الفيلم بداية جيدة جداً لي. لم يكن مجرد فيلم، بل كان صرخة سمعت في كثير من المهرجانات السينمائية».

الصراعات لا تنهي الصمود

ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه النساء الأفغانيات، بدءاً من القمع السياسي والاجتماعي، ووصولاً إلى المخاطر الأمنية والتحديات الاقتصادية، فإن رويا تؤمن بأن النساء الأفغانيات سيبقين رمزاً للنضال. وتتابع: «لم تكن النساء الأفغانيات يوماً صامتات أو مستسلمات، بل دائماً القوة الحقيقية والقوية في وجه التحديات».

تجسد تجربة رويا سادات جانباً مشرقاً من نضال النساء الأفغانيات اللواتي رغم كل التحديات أثبتن أن أصواتهن لا يمكن أن تُكتم. فمن مدينة هرات إلى مهرجانات السينما العالمية، تحمل أفلامها رسالة تنبض بالحياة، مفادها بأن المرأة الأفغانية ستظل رمزاً للصمود في وجه كل الصعاب.

وفي ختام كلامها، ترى المخرجة رويا سادات أن السينما يمكن أن تكون أداة تغيير قويّة، حيث تعكس القضايا الاجتماعية والسياسية التي تعيشها المجتمعات المهمشة. وبالنسبة لها، فإن فيلم «أغنية سيما» ليس مجرد عمل درامي، بل هو صيحة مدوية في وجه عالم أدار ظهره للنساء الأفغانيات.


مقالات ذات صلة

الفنان المصري عمر الشناوي: البطولة المطلقة لا تشغلني

يوميات الشرق الفنان عمر الشناوي شارك في العديد من الأعمال الدرامية (الشرق الأوسط)

الفنان المصري عمر الشناوي: البطولة المطلقة لا تشغلني

قال الفنان المصري عمر الشناوي إنه يستمتع بتمثيل أدوار مختلفة بعيدة عن شخصيته الحقيقية، مؤكداً أنه يأنس للعمل الفني حين يستحوذ عليه أثناء قراءته ولا يستطيع تركه.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق لقطة من فيلم «سنووايت» (الشركة المنتجة)

الفيلم المصري «سنووايت» يُراهن على جمهور الخليج

يُراهن صناع الفيلم المصري «سنووايت» على عرضه بالصالات السينمائية بالخليج وتحقيقه نجاحاً عقب طرحه الشهر الماضي في مصر إذ تنطلق العروض من السعودية نهاية الأسبوع.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان اللبناني جورج خباز والممثلة الألمانية هانا شيغولا في فيلم «يونان» المرشّح لجائزة الدب الذهبي (إنستغرام)

جورج خبَّاز و«يونان» ينافسان على «الدب الذهبي»

يسافر الفنان اللبناني جورج خباز بعد أيام إلى برلين للمشاركة في مهرجانها السينمائي، حيث ينافس فيلم «يونان» الذي أدَّى بطولته على جائزة «الدب الذهبي» العريقة.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق إليان أغلقت الأدراج على مشروعات أفلامها (الشرق الأوسط)

المخرجة اللبنانية إليان الراهب: لا أحب الأفلام الروائية

قالت المخرجة اللبنانية إليان الراهب، إن أعمالها الوثائقية تحمل طابعاً سياسياً، وإن الأفلام الوثائقية قامت بالتأريخ للحرب الأهلية.

انتصار دردير (الإسماعيلية (مصر))
يوميات الشرق الممثلة ديمي مور تتلقى جائزة أفضل ممثلة خلال توزيع جوائز اختيار النقاد «كريتيكس تشويس» في لوس أنجليس (رويترز)

ديمي مور تفوز بجائزة «اختيار النقاد»... وتقترب من الأوسكار

فازت ديمي مور بجائزة أفضل ممثلة خلال توزيع جوائز اختيار النقاد «كريتيكس تشويس» الجمعة في لوس أنجليس.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس (الولايات المتحدة))

أيمن زيداني يُعيد تأهيل علاقة الإنسان بالأرض فنّياً

يُصوّر علاقة الإنسان بالطبيعة على أنها عملية متواصلة من إعادة التفاوض (الصور بإذن من الفنان)
يُصوّر علاقة الإنسان بالطبيعة على أنها عملية متواصلة من إعادة التفاوض (الصور بإذن من الفنان)
TT

أيمن زيداني يُعيد تأهيل علاقة الإنسان بالأرض فنّياً

يُصوّر علاقة الإنسان بالطبيعة على أنها عملية متواصلة من إعادة التفاوض (الصور بإذن من الفنان)
يُصوّر علاقة الإنسان بالطبيعة على أنها عملية متواصلة من إعادة التفاوض (الصور بإذن من الفنان)

تُقدِّم أفلام الفنان السعودي أيمن زيداني وأعماله التركيبية البيئية والعضوية، مثل الأشجار والبكتيريا والنباتات، منظوراً بديلاً للعالم البشري. فممارساته الفنّية تُصوّر علاقة الإنسان بالطبيعة على أنها عملية متواصلة من إعادة التفاوض. حضر في بينالي الشارقة بفيلمه التجريبي «عودة القدماء»؛ ومن خلاله شكَّل مقاربة لطبقات الحياة العميقة المُتجسِّدة في النفط منذ عصور ما قبل التاريخ، بالتوازي مع تناوله العنف الكامن في عملية استخراجه.

أفلامه وأعماله التركيبية البيئية والعضوية تُقدّم منظوراً بديلاً للعالم البشري (أيمن زيداني)

عبر فطر عملاق يُدعى «بروتوتاكسيتس»، يروي القصة. ورغم ندرة الحصول على أحافير هذا الفطر، فإنه اكتُشِف في السعودية والولايات المتحدة. بالتعاون مع الباكستانية سايرا أنصاري، كتب أيمن زيداني فيلماً يَحبكُ الواقع بالخيال العلمي لفَهْم حياة الفطر وموته وعودته. تحاوره «الشرق الأوسط» في ارتكاز فنّه على الموارد وهاجس فناء الكوكب.

حضر في بينالي الشارقة بفيلمه التجريبي «عودة القدماء» (الصور بإذن من الفنان)

فيلمه المُشارك في بينالي الشارقة بدورته الـ16، عملٌ جاهز أنتجه عام 2020 ضمن معرض «2139» الذي استضافته جدة. يرى في استباقه للجائحة، أهميةً أو ماركةً نظراً لِما حلَّ بالأرض والإنسان في ذلك العام المرعب. ومن خلال ولادة أحد أنواع الفطريات القديمة وفنائه، فعودته إلى الحياة، يُسجِّل الفنان الشاب موقفاً من عالم يُفرط في الاستهلاك. وجود الفطر المذكور في أماكن محدودة، منها الجوبة في الجوف، رفَعَ ضرورة استخدامه هذا العنصر، الذي سبق أن تمركز في الأرض وعُدَّ من أكبر المخلوقات بطول 800 متر، لسرد القصة وتشغيل إنذار الخطر.

فيلمه مقاربة لطبقات الحياة العميقة المُتجسِّدة في النفط منذ أقدم العصور (الصور بإذن من الفنان)

يتحدّث الفطر بصيغة الجمع في الفيلم، ويتساءل: «كيف أشرح لكم ما أصبحنا عليه الآن؟ تقطعون كوكبكم بالحرق والنهب، مُبيدين كلَّ شيء للوصول إلينا». بهذه الصرخة أو المجاهرة، يشدّ الانتباه إلى المصير العالمي إنْ واظب الإنسان على التمادي والاستهانة بالمستقبل. والإنسان يعني السيستم والشركات والأطماع والحروب وسطح الأرض وباطنها؛ وأيّ تهديد يتسبَّب به يُسرِّع التهلكة.

كتب أيمن زيداني فيلماً يَحبكُ الواقع بالخيال العلمي (الصور بإذن من الفنان)

لـ15 دقيقة، مدّة العرض، يُقدِّم الفنان محاولةً لإعادة إنتاج قصص تُحاكي إشكالية الغد. يقول: «البشرية في حالة يُرثى لها بما يتعلّق بمصير الأرض. الموضوع مهم جداً، فالتوجّه واضح نحو الانحدار الشديد على مستوى التغيُّر المناخي أو خسارة التنوّع البيولوجي. مستقبل الأرض يؤرقني فنّياً. نحن في منطقة حسّاسة. ففي الخليج، تُلامس الحرارة درجات مهولة. إننا من أوائل الذين سيتأثّرون بالمتغيّرات المناخية المُتسارعة، مقارنة بشعوب الأماكن الباردة. يصبح الموضوع أكثر إلحاحاً اليوم، ويتّخذ طرحه مرتبة الضرورة القصوى».

جميع ممارسات أيمن زيداني الفنّية محورها علاقة الإنسان بالأرض، بتعقيداتها وتشعّبها. هو في وضعية تأهيل هذه العلاقة طوال الوقت. وبإنتاجه قصصاً جديدة، يُعيد رواية الموضوعات البيئية من مُنطلق هَمّ إنساني وقلق وجودي. ولا يحصر أبطال موضوعاته بالمخلوقات الأخرى، فالفرد يُشكِّلها أيضاً. يخصُّ إنسان الجزيرة العربية؛ إذ يسكن أفكاره ويحرّضه على الصرخة ورفعها إلى مستوى الصدمة، بكونه بطل الحكايات الأول.

جميع ممارساته الفنّية محورها علاقة الإنسان بالأرض (الصور بإذن من الفنان)

وراكم تجارب موضوعها الأبطال غير البشريين، وميَّز أعمالاً سابقة له بطغيان أشكال المخلوقات، منها حيتان بحر العرب في عُمان، أو الفطريات في الجوف، أو النباتات الفطرية في العُلا والمساحات الصحراوية. يقول: «أُوجّه ممارساتي الفنّية مؤخراً نحو الممالك العربية القديمة، وتستوقفني مملكة الأنباط واللحيانية. تلك محاولاتي لاستعادة الذاكرة وتاريخ الأرض. إرث البشرية يعنيني. نشأتُ في عسير وبين جبالها، فشكَّلت طفولتي ومسارات حياتي. للجبال هيبة، وجميع التصميمات القديمة، منها الأهرامات، مُستوحاة منها. الجبال مقدَّسة عموماً، وموضوع ألهم تقليدَه والتشبُّه به. لنأخذ جبال السروات مثلاً، المُمتدّة من اليمن حتى السعودية، فإلى الأردن وما بعده. هذه جبال السروات أو السراة، لكنها في الأردن تُبدّل اسمها إلى الشراة. هي نفسها السروات، بامتدادها الهائل. وفي عُمان والشارقة أيضاً جبال تُلهمني فنّياً. أعمل ليبقى إرث الجزيرة العربية عظيماً».

يُقدّم أيمن زيداني محاولة لإعادة إنتاج قصص تُحاكي إشكالية المستقبل (الصور بإذن من الفنان)

أقام في الرياض، فأرغمه الانتقال إليها إعادة صوغ علاقته بالمنطقة بأسرها: «لستُ صحراوياً. لم أنشأ في الصحراء ولم أختبر العيش فيها. علاقتي بها مولودة من التعلُّم. منها استقيتُ دروساً وعمّقتُ نظرتي إلى الحياة. وأقمتُ هنا في الشارقة 5 سنوات. هذه الإقامة وطَّدت علاقتي بالبحر. وذلك مكَّن فَهْمي للتضاريس، وسهَّل بناء علاقتي الخاصة بالجزيرة العربية. نتاج مجموع تلك العلاقات، شكَّل مشاركاتي الفنّية السابقة واللاحقة».

يُعيد رواية الموضوعات البيئية من مُنطلق هَمّ إنساني وقلق وجودي (الصور بإذن من الفنان)

وفنُّ أيمن زيداني هذا يتطلّب اطّلاعاً وقراءة ومحاولة تعمّق في مسارَي الأرض التاريخي والجغرافي: «نجهل مسائل كثيرة، منها مثلاً المجسَّمات المستطيلة، وتُسمَّى المستطيلات، الموجودة في خيبر البالغة 9 آلاف سنة. لا ندري مَن بُناتها. محاولة تعلّمي تترافق مع متابعة نتائج البحوث والاكتشافات الآثارية والأنثروبولوجية». فممارساته في النهاية تُعدُّ بحثية قبل اللمسة الفنّية. اعتمادُها جوهري على التقصّي وخَلْط المعلومة الواقعية بالخيال، ليملأ الجانب الخيالي فراغ الواقع غير المُكتَشف بعد. يتأسّف للجهل الإنساني حيال التفسير الكامل للمسارَيْن الجغرافي والتاريخي لاستمرار البشرية، ويُكمل إنتاج القصص لتقليص الجوانب المجهولة.