دريد لحّام لـ«الشرق الأوسط»: انقضت سنوات القهر وأنا لم أكن مع النظام بل ضد الفوضى

الفنان السوري يقول للنظام السابق: «الله لا يسامحكم»

الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)
الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)
TT

دريد لحّام لـ«الشرق الأوسط»: انقضت سنوات القهر وأنا لم أكن مع النظام بل ضد الفوضى

الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)
الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)

يطوي دريد لحّام بعد أسابيع عامه الـ90 وفيه طاقة شابٍ ما زال يعمل ويخطّط ويحلم بسوريا جديدة. أمضى أكثر من نصف تسعينه في بلدٍ كان يُعرف بـ«سوريا الأسد». أما اليوم فقد تبدّلت التسميات والرايات والوجوه، ويبدو الممثل العابر للأجيال مستعداً هو الآخر للعبور إلى فصلٍ مختلف من تاريخ وطنه. ذهب الأسد وبقي مَن علقَ في ذاكرة أجيالٍ من المشاهدين العرب باسم «غوّار الطوشة».

من قلب دمشق، يطلّ عميد الفنانين السوريين متحدّثاً إلى «الشرق الأوسط» عن أمله بغدٍ أفضل، تتّسع فيه البلاد للآراء كلّها. يعبّر عن ارتياحه إلى التحوّل الجذري الحاصل. يختصر انطباعه حول أحداث الأسبوعَين اللذَين تليا سقوط نظام بشار الأسد بالقول: «أشعر بأنّ هناك حياة مختلفة عمّا كانت عليه سابقاً خلال سنوات القهر». يذهب في تفاؤله أبعد من ذلك ليعلن أنه على استعداد لتجهيز عملٍ مسرحي أو تلفزيوني جديد. يودّ أن يطلق عليه عنوان «مبارح واليوم»، وهي العبارة ذاتها التي يعتمدها لوصف ما تعيشه سوريا حالياً.

«لم أكن مع السُّلطة»

كان لحّام من أوّل المباركين للشعب السوري من خلال فيديو نشره عبر صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي. تلك الحماسة إلى «هروب الأسد» كما سمى، وصفها الرأي العام بـ«التكويعة»، على أساس أنّ لحّام كُرّم من قِبَل بشار الأسد وهو عُرف بدعمه النظام، لا سيّما خلال سنوات الحرب في سوريا.

يعترض لحّام على ذلك وعلى «التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي»، موضحاً موقفه السابق بالقول: «أنا مع النظام بمعنى أنني ضد الفوضى، ومع بلدي سوريا لكني لم أكن مع السلطة، والفرق كبيرٌ بينهما». يدعّم رأيه المناهض للسُلطة بمفهومها الذي كان سائداً في سوريا، مستشهداً بأعمالٍ له انتقدت النظام القائم على مرّ الأجيال. يعود مثلاً إلى مسلسل «وادي المسك» (1982) الذي «مُنع بسبب انتقاده السلطة بمسائل كثيرة»، لا سيّما منها الفساد والإثراء غير المشروع. «كان ممنوع نقول إنو في مسؤولين فاسدين»، يضيف لحّام.

لحّام المعروف بدعمه للنظام السابق يقول إنه كان ضد الفوضى وليس مع السلطة (أ.ف.ب)

انتقاد الأحصنة ممنوع...

يشكو الفنان السوري من مقصّ الرقيب الذي لم يوفّر سيناريو مسلسل ولا نصاً مسرحياً. «في أحد المسلسلات كتبتُ حواراً بين حمارٍ وإنسان يشكو فيه الحمار من أنه مظلوم ويعمل كثيراً لينال القليل من التبن، فيما الحصان يركض ربع ساعة ويحصل على الدلال والاهتمام». يتابع لحّام: «تصوّري أن الرقيب منع تلك المقارنة بين الحمار والحصان، مبرّراً ذلك بأنّ باسل الأسد يحب الأحصنة، ولا يجب بالتالي انتقادها».

يؤكّد لحّام أنه لطالما لجأ إلى الاستعارات والتسميات المخترَعة في مسرحياته، وأفلامه، ومسلسلاته، تفادياً للمَنع أو الرقابة. في مسرحية «غربة» (1976)، يقول إنه هرب إلى جغرافيا أخرى كي يمرّر أفكاره: «حتى إذا أتى مَن يحاسبنا نقول له إننا نتحدث عن قرية غربة وليس عن بقعة جغرافية في سوريا». كذلك حصل في فيلم «الحدود» (1982)، حيث «استبدلتُ سوريا ولبنان بواسطة شرقستان وغربستان».

ملصق فيلم «الحدود» الذي جمع دريد لحّام ورغدة في الثمانينات (فيسبوك)

«دريد بدّو قطع لسان»

في النصف قرن الماضي من حُكم آل الأسد، أكثر ما أقلقَ لحّام على سلامته وأمنه، وأَشعرَه بأنّ القمع الفني تحوّل إلى تهديد شخصي، كان قول أحد المسؤولين في مجلسٍ خاص: «دريد بدّو قطع لسان». وفق تعبيره: «كانت تلك أصعب فترة».

وتوجّه بالكلام لمَن حكموا سوريا خلال السنوات الـ50 الماضية، حيث قال: «الله لا يسامحكم». يذكّر هنا بالقول المأثور حول السلطة: «لو دامت لغيرك لما آلت إليك»، مضيفاً: «لقد ظنّوا أنهم باقون إلى الأبد، ولم يعرفوا أن الأبد ليس سوى لربّ العالمين».

دريد لحّام بشخصية «أبو سامي» من مسلسل «سنعود بعد قليل» (فيسبوك)

صهاريج المازوت والأسلحة

وهو الذي سبقَ أن دخل إلى «قصر الشعب» وقابلَ الأسد، ويؤكّد أنه حاول مرة وخلال لقاءٍ جمع الرئيس السابق بالفنانين في بداية الحرب، ولفتَ نظره إلى أمرٍ أقلقَه، حيث حذّر لحّام حينذاك «من خروج صهاريج مازوت من سوريا إلى لبنان وعودتها ممتلئة بالأسلحة تحت عيون المسؤولين عن المعابر الحدودية، وهذه قمّة الفساد». يُذكر أنّ سامعَه اكتفى بالاستماع ولم يحاوره.

أما للسلطة الحالية وتلك التي ستحكم سوريا في المستقبل، فيقول لحّام: «انتبهوا قبل أي شيء إلى مسألة الرأي والرأي الآخر، لأن لا مجتمعاً يعيش برأي أحاديّ». وأكثر ما يريحُه «أننا انتهينا من الحُكم الأحادي»، راجعاً في هذا السياق إلى فظاعة ما تكشّف خلف أسوار السجون السورية: «يمكن بالعالم كلّه ما في سجن مخصص لأصحاب الرأي إلّا عندنا بسوريا».

حتى الآن، هو لم يلتقِ بمَن هم على رأس السلطة الجديدة، إلّا أنه يلفت إلى أنّ «الأشخاص الموجودين في الشارع والذين يتولّون حراسة البلد، تعاملوا معنا بودٍّ منقطع النظير. شعرتُ بأنهم أصدقاء وأحبّاء لنا ولسوريا».

يقول لحّام إن أكثر ما يريحه بسقوط النظام هو نهاية الرأي الأحادي (فيسبوك)

«تفسير أعوَج»

ويبدو لحّام مطمئناً إلى أنّ سوريا الجديدة ستكون دولة مدنيّة تتّسع للآراء كلّها، ولا تخضع للحُكم الطائفي، على قاعدة أنّ «البلدَ لطالما كان بعيداً عن الطائفية». ويراهن على شعبٍ عانى الأمرَّين خلال العقود الماضية، وهو يتمنّى على أبناء بلده «أن يكونوا سوريين مائة في المائة، وألّا ينتموا سوى إلى وطنهم».

ويتأسف على أجيالٍ من السوريين «أضاعوا زهرة شبابهم في الغربة أو قضوا في رحلات العبور البَحري هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية، حيث كانوا يُرغمون على تأديتها لـ8 أو 10 سنوات». وهذا الموضوع تطرّق إليه لحّام خلال لقاءٍ جمعه في الماضي بوزير دفاع النظام السابق؛ حيث قال له حين ذلك: «حرام تتركوهم بالخدمة كل هالسنين». وأجابه أنهم بذلك يقضون على البطالة. ويعلّق لحّام على ذاك الموقف الذي سمعه بالقول: «يا له من تفسيرٍ أعوج!».

وبالحديث عن عبور الحدود، أكثر ما يَحضُر لحّام حالياً هي شخصية «عبد الودود» من فيلم «الحدود». ويرغب في تصوير جزءٍ ثانٍ منه، حتى يتمكّن عبد الودود من قول ما لم يستطع قوله خلال العهد السابق. أما بخصوص المشاريع الجاري التحضير لها، فيحلّ دريد لحّام ضيف شرف على مسلسل رمضاني، كما يستعدّ لخوض تجربة سينمائية جديدة إلى جانب المخرج باسل الخطيب في فيلم بعنوان «زيتونة». ويتطرّق العمل إلى شخص معروف تاريخياً في المجتمع الدمشقي يُدعى زيتونة، وهو كان يجمع المال من المقتدرين ليوزّعه على الفقراء، رغم أنه كان أكثر منهم فقراً.


مقالات ذات صلة

الشرع يتفق مع قادة الفصائل السورية على الاندماج بوزارة الدفاع

المشرق العربي خلال اجتماع للقائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع مع قادة فصائل، 21 ديسمبر 2024 (رويترز)

الشرع يتفق مع قادة الفصائل السورية على الاندماج بوزارة الدفاع

توصل قادة الفصائل السورية إلى اتفاق مع القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، اليوم (الثلاثاء)، يقضي بحل جميع الفصائل ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي أسماء الأسد مع زوجها بشار (أرشيفية - أ.ب)

وسط شائعات طلاقها... بريطانيا قد تفرض حظراً دائماً على دخول أسماء الأسد أراضيها

تلقت الحكومة البريطانية تحذيرات بشأن ضرورة فرض حظر دائم على دخول أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري السابق بشار الأسد، المملكة المتحدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي المطران يوحنا إبراهيم (متداولة)

منظمة غير حكومية تفيد بأن المطران يوحنا إبراهيم كان معتقلاً لدى نظام الأسد

قالت منظمة غير حكومية إن المطران السوري - الأميركي يوحنا إبراهيم الذي خُطف خلال الحرب بسوريا سنة 2013، شوهد في سجن تابع لسلطات بشار الأسد بعد خمس سنوات على ذلك.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي صورة من مقطع فيديو يُظهر سوريين يحاولون إخماد النيران المشتعلة في شجرة عيد الميلاد قرب حماة (المرصد السوري)

مسيحيون يتظاهرون في دمشق بعد إحراق شجرة عيد الميلاد قرب حماة

خرجت تظاهرات عدة في عدد من أحياء دمشق المسيحية اليوم (الثلاثاء) احتجاجاً على إضرام النار في شجرة خاصة باحتفالات عيد الميلاد، قرب حماة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع بصحبة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمّد الخليفي في دمشق 23 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 00:37

وفود عربية تزور دمشق دعماً لبناء سوريا الجديدة

التقى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، في دمشق، الاثنين، مسؤولين عرباً قدموا تباعاً دعماً للشعب السوري.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الأراجوز والماريونت والحرف اليدوية في يوم مصري - نيبالي

جانب من الأعمال المشاركة في اليوم المصري - النيبالي (وزارة الثقافة المصرية)
جانب من الأعمال المشاركة في اليوم المصري - النيبالي (وزارة الثقافة المصرية)
TT

الأراجوز والماريونت والحرف اليدوية في يوم مصري - نيبالي

جانب من الأعمال المشاركة في اليوم المصري - النيبالي (وزارة الثقافة المصرية)
جانب من الأعمال المشاركة في اليوم المصري - النيبالي (وزارة الثقافة المصرية)

بفنون استعراضية متنوعة وأزياء تقليدية شعبية، وعروض لمسرح العرائس من الأراجوز والماريونت، أطلقت مصر، الاثنين، احتفالية بعنوان «يوم مصري - نيبالي» في حديقة الطفل بحي السيدة زينب وسط القاهرة.

الاحتفالية التي جرى تنظيمها بالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية وسفارة نيبال في القاهرة، تضمنت كثيراً من الفعاليات والأنشطة مثل حفلات غنائية وموسيقية وورش الحكي والورش الفنية.

وأشار أمين عام المجلس الأعلى للثقافة في مصر، الدكتور أشرف العزازي، إلى روابط الصداقة القوية بين مصر ونيبال، ورحب بالسفير النيبالي في القاهرة، سوشيل كمار لاسيل، معتبراً أن يوم الصداقة المصري - النيبالي فرصة لتعزيز التفاهم المتبادل بين الشعبين اللذين يعتزان بإرثِهما الحضاري العريق وثرائهما الثقافي. وفق بيان لوزارة الثقافة، الاثنين.

وشهد اليوم مسابقات في الرسم وفن الأركيت والتصوير الفوتوغرافي، وتجربة الزي النيبالي التقليدي. وأعقب الاحتفالية مجموعة من الفقرات الفنية مثل عرض استعراضي لفرقة «بنات وبس»، وعرض لفريق «بنكمل بعض» لذوي الهمم، وعرض عرائس ماريونت. وعرض الأراجوز، وورشة حكي عن نيبال.

معرض مصري - نيبالي في القاهرة (الشرق الأوسط)

وعلى هامش اليوم أُقيم كثير من المعارض الفنية، من بينها معرض «رسومات نيبال في عيون أطفال مصر»، ومعرض «اللعبة اليدوية»، ومعرض «أشغال يدوية»، بالإضافة إلى معرض لأحدث إصدارات المركز القومي لثقافة الطفل، ومعرض «أركت»، ومعرض تراثي من سفارة نيبال، ومعرض الحرفي الصغير (الرسم على الزجاج - صناعة الشمع)، وكذلك معرض الحرف البيئية.

وقال رئيس المركز القومي لثقافة الطفل، أحمد عبد العليم، إن «المركز حرص على تنظيم احتفالية مميزة بمناسبة يوم الصداقة بالتعاون مع سفارة نيبال»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الاحتفالية بهدف تعزيز قيم السلام والمحبة بين الشعوب، وقد شهدت حضوراً واسعاً من الأطفال وأسرهم».

وأوضح أن برنامج الاحتفالية تضمّن فقرات ثقافية وفنية تعكس التراثين المصري والنيبالي، إلى جانب أنشطة تفاعلية تُعزز روح التعاون والتفاهم بين الأجيال. وتؤكد أهمية دور الثقافة في بناء جسور التواصل بين الشعوب، خصوصاً بين الأطفال بوصفهم صناع المستقبل، كما تأتي هذه الاحتفالية تأكيداً لالتزام المركز القومي لثقافة الطفل بنشر قيم التسامح والسلام، وفق قوله.

كانت سفارة نيبال بالقاهرة قد نظمت من قبل معرضاً جماعياً فنياً بعنوان «المنحنيات والأسلاك» تشمن لوحات لوجوه آسيوية تبدو وافدة من عالم الأساطير، عبر رؤية 18 فناناً شاركوا في المعرض الذي استهدف تصوير الفنانين المصريين للوجوه النيبالية، وصرح منسق المعرض وقتها بأن هذا المعرض كان فرصة للتعرف على الثقافة النيبالية من خلال وجوه رموزها من المشاهير في كثير من المجالات.

فيما شهدت الحديقة الثقافية بالسيدة زينب كثيراً من الأنشطة السابقة، من بينها الملتقى السادس للأراجوز وخيال الظل والعرائس التقليدية، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بهدف حماية هذه العرائس من الاندثار، بوصفها من فنون الفرجة الشعبية بمصر.