عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

سعيد بن زقر لـ«الشرق الأوسط»: القصة بدأت بمحاولة بناء مسجد في فنلندا بعد الحرب العالمية الثانية

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
TT

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

في حالة استثنائية تجسد عمق الالتزام والإرث الدبلوماسي، حملت أسرة بن زقر التجارية العريقة في مدينة جدة (غرب السعودية) شرف التمثيل القنصلي الفخري لجمهورية فنلندا عبر 3 أجيال متعاقبة، في مسيرة دبلوماسية وتجارية متواصلة امتدت لأكثر من 7 عقود.

بدأت القصة كما يرويها الحفيد سعيد بن زقر، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما علم الجد سعيد بن زقر، بوجود جالية مسلمة في فنلندا تعاني من غياب مسجد يجمعهم، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بالسفر إلى هناك لبناء مسجد يخدم احتياجاتهم الدينية.

لكن الشيخ سعيد واجه بعض التحديات كما يقول الحفيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، تتمثل في منع القانون الفنلندي تنفيذ المشروع في ذلك الوقت، وأضاف: «بعد تعثر بناء المسجد، تقدمت الجالية المسلمة هناك بطلب رسمي إلى الحكومة الفنلندية لتعيين الجد سعيد قنصلاً فخرياً يمثلهم، وهو ما تحقق لاحقاً بعد موافقة الحكومة السعودية على ذلك».

وفي وثيقة مؤرخة في السابع من شهر سبتمبر (أيلول) 1950، اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تظهر موافقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، على تعيين الشيخ سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة.

وجاء في الوثيقة: «فلما كان حضرة صاحب الفخامة رئيس جمهورية فنلندا، قد عيّن بتفويض منه السيد سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة، ولما كنا قد وافقنا على تعيينه بموجب ذلك التفويض، فأننا نبلغكم بإرادتنا هذه أن تتلقوا السيد سعيد بن زقر بالقبول والكرامة وتمكنوه من القيام بأعماله وتخوّلوه الحقوق المعتادة وتمنحوه المميزات المتعلقة بوظيفته».

وثيقة تعيين الجد سعيد بن زقر صادرة في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه (الشرق الأوسط)

وأضاف الحفيد سعيد، القنصل الفخري الحالي لفنلندا: «أعتقد أن جدي كان من أوائل القناصل الفخريين في جدة، حيث استمر في أداء مهامه حتى عام 1984، لينتقل المنصب بعد ذلك إلى والدي، الذي شغله حتى عام 2014، قبل أن يتم تعييني خلفاً له قنصلاً فخرياً».

وفي إجابته عن سؤال حول آلية تعيين القنصل الفخري، وما إذا كانت العملية تُعد إرثاً عائلياً، أوضح بن زقر قائلاً: «عملية التعيين تخضع لإجراءات دقيقة ومتعددة، وغالباً ما تكون معقدة، يبدأ الأمر بمقابلة سفير الدولة المعنية، يعقبها زيارة للدولة نفسها وإجراء عدد من المقابلات، قبل أن تقرر وزارة الخارجية في ذلك البلد منح الموافقة النهائية».

الأب محمد بن زقر عُين قنصلاً فخرياً على مستوى مناطق المملكة باستثناء الرياض مقر السفارة (الشرق الأوسط)

وتابع قائلاً: «منصب القنصل الفخري هو تكليف قبل أن يكون تشريفاً، حيث تلجأ بعض الدول إلى تعيين قناصل فخريين بدلاً من افتتاح قنصلية رسمية، لتجنب الأعباء المالية، وعادةً ما يتحمل القنصل الفخري كل التكاليف المترتبة على أداء مهامه».

ووفقاً للأعراف الدبلوماسية فإن لقب القنصل الفخري، هو شخص من مواطني الدولة الموفد إليها، بحيث تكلفه الدولة الموفِدة التي لا توجد لديها تمثيل دبلوماسي بوظائف قنصلية إضافة إلى عمله الاعتيادي الذي عادة ما يكون متصلاً بالتجارة والاقتصاد.

يسعى الحفيد سعيد بن زقر إلى مواصلة إرث عائلته العريق في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية وفنلندا، والارتقاء بها إلى مستويات متقدمة في شتى المجالات. يقول بن زقر: «منذ تعييني في عام 2014، حرصت على تأسيس شركات وإيجاد فرص استثمارية في فنلندا، خصوصاً في مجالات تكنولوجيا الغذاء والوصفات الصناعية، إذ تتميز فنلندا بعقول هندسية من الطراز الأول، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة للتعاون والابتكار».

الحفيد سعيد بن زقر القنصل الفخري الحالي لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

ويرى القنصل الفخري لجمهورية فنلندا أن هناك انفتاحاً سعودياً ملحوظاً على دول شمال أوروبا، ومن بينها فنلندا، وأوضح قائلاً: «تتركز الجهود بشكل كبير على شركات التعدين الفنلندية التي تُعد من بين الأكثر تقدماً في العالم، إلى جانب وجود فرص واعدة لم تُستغل بعدُ في مجالات صناعة السيارات، والطائرات، والصناعات الدفاعية».

وفي ختام حديثه، أشار سعيد بن زقر إلى أن القنصل الفخري لا يتمتع بجواز دبلوماسي أو حصانة دبلوماسية، وإنما تُمنح له بطاقة تحمل مسمى «قنصل فخري» صادرة عن وزارة الخارجية، وبيّن أن هذه البطاقة تهدف إلى تسهيل أداء مهامه بما يتوافق مع لوائح وزارة الخارجية والأنظمة المعتمدة للقناصل الفخريين بشكل رسمي.


مقالات ذات صلة

انطلاق «مسابقة المهارات الثقافية» لصقل المواهب السعودية

يوميات الشرق تعمل المسابقة على اكتشاف وتطوير المواهب الثقافية من الطلبة (وزارة التعليم)

انطلاق «مسابقة المهارات الثقافية» لصقل المواهب السعودية

انطلقت في السعودية «مسابقة المهارات الثقافية» الثالثة، التي تهدف لبناء جيلٍ قادر على إثراء القطاع الثقافي والفني بإبداعاته وتميّزه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الرئيس ترمب في حديث ودي مع الأميرة ريما بنت بندر خلال حفل تنصيبه (السفارة السعودية بواشنطن)

السعودية تتطلع لاستمرار التعاون مع أميركا في مختلف المجالات

أعربت السعودية عن تطلعها إلى استمرار التعاون مع الولايات المتحدة في مختلف المجالات، خاصة مع التحديات الراهنة التي تواجه منطقة الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق كان العبيد من أهم داعمي مجتمعه الإبداعي (واس)

150 لوحة توثق المسيرة الإبداعية للتشكيلي السعودي سعد العبيّد

عشرات اللوحات التشكيلية، إلى جانب 8 رسومات، أبدعها فنان سعودي رائد أثرى الساحة الفنية بحضوره ومساهماته على مدى أكثر من نصف قرن، يحتضنها معرض فني بالرياض.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق «جمعية خدمات الحجاج والمعتمرين» قصة إنسانية ومبادرات مبتكرة (الشرق الأوسط)

كرم السعوديين… من التقاليد العريقة إلى خدمة ضيوف الرحمن

في الشمال السعودي، وعلى مقربة من المنافذ الحدودية التي تستقبل القادمين براً من دول الجوار، تنبض «جمعية خدمات الحجاج والمعتمرين» بروح العطاء

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق مسؤولون وفنانون في حفل جوائز "جوي أووردز" بالرياض مساء السبت (هيئة الترفيه السعودية)

جوائز «جوي أووردز»... ليلة استثنائية في الرياض

عاشت العاصمة السعودية الرياض ليلة استثنائية، السبت، خلال حفل توزيع جوائز النسخة الخامسة من جوائز «جوي أووردز» (Joy Awards) لعام 2025، ضمن فعاليات «موسم الرياض».


مصر لإعادة إحياء «القاهرة الخديوية» واستثمارها سياحياً

ميدان التحرير بعد تطويره ضمن  القاهرة الخديوية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
ميدان التحرير بعد تطويره ضمن القاهرة الخديوية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر لإعادة إحياء «القاهرة الخديوية» واستثمارها سياحياً

ميدان التحرير بعد تطويره ضمن  القاهرة الخديوية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
ميدان التحرير بعد تطويره ضمن القاهرة الخديوية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

ضمن توجه لإعادة إحياء «القاهرة الخديوية» واستثمارها سياحياً، تدرس مصر مقترحات بإنشاء كيان مستقل لإدارة المنطقة بوصفها أحد معالم السياحة الثقافية في العاصمة المصرية، بما تملكه من بنايات تراثية ذات طرز معمارية فريدة.

المقترحات التي ناقشها الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري خلال اجتماع مع الوزارات والجهات المعنية، الاثنين، تهدف إلى إعداد رؤية متكاملة لإعادة إحياء «القاهرة الخديوية» التي تشهد أعمال تطوير واسعة، واستثمارها سياحياً. ووفق بيان لمجلس الوزراء، ناقش الاجتماع مقترحاً بتكليف أو إنشاء «كيان» مختص لإدارة المنطقة وتشغيلها.

وأكد مدبولي خلال الاجتماع أن «هناك اهتماماً كبيراً بإعادة إحياء منطقة القاهرة الخديوية، والاستغلال الأمثل لها، خصوصاً بعد انتقال الوزارات للعاصمة الإدارية الجديدة»، مشيراً إلى أن «تجارب الدول التي قامت بإحياء المناطق التاريخية عمدت إلى تكليف (كيان) مستقل لإدارة هذه المناطق، ولذا فهناك رؤية ومقترح بإنشاء كيان مستقل يختص بإدارة هذه المنطقة؛ وذلك بما يسهم في الاستغلال الأمثل لها، والحفاظ عليها»، وفق بيان لمجلس الوزراء.

خطط لترميم مباني القاهرة الخديوية وتطويرها (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وتقع القاهرة الخديوية في وسط العاصمة المصرية، ويُطلق عليها «وسط البلد»، وتمتد من منطقة الجزيرة وكوبري قصر النيل غرباً إلى منطقة الأزبكية وميدان العتبة شرقاً، وبلغت مساحتها في مخطط الخديو إسماعيل نحو 20 ألف فدان، واستغرق إعداد وتصميم وتنفيذ مشروع القاهرة الجديدة 5 سنوات، وفق المجلس الأعلى للثقافة.

وتتميّز القاهرة الخديوية بطرز معمارية فريدة ساهم فيها معماريون فرنسيون وإيطاليون وألمان ومصريون، فقد أنشأها الخديو إسماعيل عقب زيارته للمعرض العالمي في باريس عام 1867، وعلى نهج تطوير باريس على يد هاوسمان، قرّر الخديو الاستعانة بالمعماري الفرنسي نفسه لتخطيط القاهرة، وتعيين علي باشا مبارك وزيراً للأشغال العمومية للإشراف على تنفيذ المخطط العمراني للقاهرة على غرار باريس. وفق وزارة السياحة والآثار المصرية.

ويرى الخبير الآثاري، مفتش الآثار في وزارة السياحة والآثار المصرية الدكتور، أحمد عامر أن «إعادة إحياء القاهرة التاريخية وتطويرها يأتيان ضمن التوجه الحكومي للاهتمام بالسياحة الثقافية لتحقيق التوازن بين جميع أشكال المنتج السياحي، إذ إن السياحة الشاطئية هي الأكثر رواجاً»، وقال عامر لـ«الشرق الأوسط»: إن «إسناد إدارة وتشغيل المنطقة إلى (كيان) مختص أمر جيد سيساهم في استعادة القاهرة الخديوية لرونقها وشغلها مكانة متميزة على خريطة السياحة الثقافية العالمية بما تملكه من مقومات فريدة».

ووجه رئيس الحكومة المصرية بتشكيل مجموعة عمل لدرس المقترحات الخاصة بـ«القاهرة الخديوية»، محدداً فترة لا تتعدى شهراً واحداً للانتهاء من دراستها حتى يتسنى البدء في التنفيذ.

بنايات تراثية في القاهرة التاريخية وطرز معمارية فريدة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وخلال الاجتماع أكد وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المهندس شريف الشربيني أن «الرؤية الاستراتيجية للقاهرة الخديوية تتضمن وضع إطارٍ مؤسّسي لإدارة الأصول في المنطقة»، موضحاً أن «فكرة إنشاء (كيان) مختص لتشغيلها وإدارتها تهدف إلى تحسين بيئة الاستثمار وجذب الاستثمارات السياحية».

واقترح عامر أن يجري «استثناء القاهرة الخديوية من القرارات الحكومية الخاصة بتحديد مواعيد رسمية لإغلاق المحلات والمتاجر، وكذلك استثناؤها من تطبيق خطة ترشيد استهلاك الكهرباء التي تقضي بإطفاء إنارة الشوارع في مواعيد محدّدة»، ففي رأيه أن «السياحة الثقافية لها خصوصية، وعندما يأتي السائح إلى القاهرة الخديوية فإنه يميل إلى السّهر ليلاً، خصوصاً في فصل الصيف، والتّجول والتّسوق».

وحدّدت وزارة التنمية المحلية منذ عام 2020 مواعيد لعمل المحلات والمتاجر، حيث تبدأ فتح أبوابها شتاء في السابعة صباحاً حتى العاشرة مساء، ويُمدّد الموعد في أيام الإجازات والأعياد ويومي الخميس والجمعة حتى الحادية عشرة، بينما يسمح للمطاعم والكافيهات بالعمل حتى 12 مساء، وفي فصل الصيف يكون موعد الإغلاق الرئيس الحادية عشرة مساء، كما تُطبّق الحكومة خطة لترشيد استهلاك الكهرباء تقضي بإطفاء جزئي لإنارة الشوارع.

وتتضمن مقترحات إعادة إحياء القاهرة الخديوية وضع خطط للترويج والتسويق السياحي للمنطقة، ودراسات السوق، ومعدّلات الطّلب على مختلف أشكال المنتج السياحي، وفق بيان مجلس الوزراء.

ويرى الخبير السياحي الدكتور زين الشيخ أن تسويق المنتج السياحي في القاهرة الخديوية يحتاج إلى رؤى وخطط مختلفة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «مصر تمتلك تميّزاً وخصوصية في السياحة الثقافية بجميع أشكالها، من متاحف وحضارة وبنايات تراثية، لذا يجب أن تكون خطط تسويق القاهرة الخديوية غير تقليدية، مباشرة مثل المشاركة في المعارض السياحية الدولية، والدعاية في الأسواق السياحية المختلفة، وغير مباشرة، مثل استخدام القوة الناعمة، عبر الأعمال الفنية، من أفلام ومسلسلات، ودعوة المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي من دول العالم إلى الحضور لمصر».