طرابلس توحَّدت ببيروت... وتحيّة جنوبية في «ماراثون السلام» اللبناني

مي الخليل لـ«الشرق الأوسط»: لـ20 عاماً رافقنا جراح هذه الأرض

شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)
شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)
TT

طرابلس توحَّدت ببيروت... وتحيّة جنوبية في «ماراثون السلام» اللبناني

شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)
شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)

المنطلقون عند السادسة صباح الأحد من خطّ بداية السباق في مدينة طرابلس الشمالية، ارتدوا الأبيض ورفعوا العلم اللبناني. تقرَّر ليوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني) أن يستضيف الحدث السنوي المُنتظر، وخرَّبت الحرب الخطط. لم تعبُر شوارعَ بيروت أقدام العدّائين أو تتطلّع عيون الأطفال مذهولةً بألوان البالونات والشابات الراقصات والموسيقى الحماسية طوال «سباق المرح». كرنفال «ماراثون بيروت الدولي» أُلغي. الأحد الماضي، وفي يومه المُقرَّر، اتّخذ شكلاً آخر بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية. سباق من أجل السلام انطلق من طرابلس نحو العاصمة النازفة.

ترى مي الخليل أنّ التكاتف يُجمِّل الإنجاز ويدفع نحو الأفضل (بيروت ماراثون)

9 فرق هتفت: «كلنا للوطن». فريقٌ سلّم الآخر الأعلام اللبنانية بعد الركض لمسافة 10 كيلومترات، فتكتمل خطّة وَصْل طرابلس ببيروت بركض ما يزيد على 90 كيلومتراً للفرق الـ9 مجتمعةً. وإن حضر العداؤون بعدد أقل مقارنةً بجَرْف الأعداد في يوم الماراثون الكبير، فقد سجَّلوا فارقاً، وأحدث الأفراد وَقْع الجماعة. خَبْطُ الأقدام دوَّى، والرمزية بلغت أشدَّها. رسالة من أجل السلام، والحرب تتمادى... من أجل لبنان، ويتراءى مقبرة.

مَن ركضوا يتشاركون المعاناة والشغف والإنجاز، ويلتقون على الالتزام والوحدة وعظمة روح الرياضة. تفتتح مؤسِّسة جمعية «بيروت ماراثون» ورئيستها، مي الخليل، حديثها مع «الشرق الأوسط» بإعلاء أهمية التكاتُف. تقول إنه «يُجمِّل الإنجاز ويدفع نحو الأفضل».

وإن حضر العداؤون بعدد أقل فقد سجَّلوا فارقاً وأحدث الأفراد وَقْع الجماعة (بيروت ماراثون)

لـ20 عاماً، التزمت «بيروت ماراثون» بتنظيم النشاط الرياضي في بلد يطفح بالتناقض. تتابع: «ماراثونات عدّة نظّمناها على وَقْع التفجيرات والاغتيالات والاشتعال الأمني. مع ذلك، تجمَّع المشاركون وأعلنوا الوحدة. منذ العام الأول، أردنا نشاطاً رياضياً يجمع. بشر تتعدَّد أديانهم وجنسياتهم التقوا في سباق وُلد عام 2003 ويستمرّ على ثبات المبدأ. اليوم، نركض للسلام على امتداد الوطن».

وُلدت النسخة الأولى من «بيروت ماراثون» بعد حادث مأساوي أصاب مي الخليل. كانت تركض، فصدمتها شاحنة. دخلت في غيبوبة ومكثت عامين في المستشفى... «أنا العدّاءة التي ركضت من أجل لبنان، فحلَّ الأسوأ، لتوظّف شغفها وإرادتها بإقامة نشاط ماراثوني يُقرّبه من العالم ويُوحّد أبناءه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، تحت شعار (الرياضة للجميع). هنا تُمحى الفروق وتعلو الإنسانية».

9 فرق هتفت: «كلنا للوطن..» وفريقٌ سلّم الآخر الأعلام اللبنانية (بيروت ماراثون)

حينها، ندرت ثقافة الركض لمسافات طويلة، فدُعي عدّاؤون أجانب محترفون إلى أرض الأرز للمشاركة في الحدث. كبُرت الحشود عبر السنوات، فاقتطعت الجمعية رسوم التسجيل لمصلحة جمعيات خيرية. راحت الأقدام تركض للخير، وتكثَّف الخفقان، وسُمَع لهاث الأنفاس كأنه أوركسترا.

ثقافة العطاء عمَّمها «ماراثون بيروت» وكرَّسها. ومن عظمة العمل التطوّعي، تمضي هذه الأيام. منذ الاشتعال الكبير والنزوح المُربِك، تحوَّلت الجهود إلى لملمة الوجع. تُكمل مي الخليل حديثها برَفْع العطاء إلى أعلى المراتب: «أمام الإنسان، لبّى الفريق والمتطوّعون الشباب، النداء. أراهم نبض المستقبل. ننطلق من ثقافة أن نُعطي المجتمع ما نأخذه. فَهْم هذه المعادلة مهم جداً».

اليوم، تتقدَّم ثقافة السلام وتستدعي نشرها في المدى الأوسع. ذلك شعورٌ يملأ العدّاء وهو يُراكم المسافة وصولاً إلى خطّ النهاية. يبلغه ليحيل الداخل على الصفاء. فالسلام الفردي بإمكانه أن يُعمَّم ليصبح العدّاء اختزالاً للبنان. كلاهما يتحمَّل ويُعاند. داخلهما ندوب وصمود. مي الخليل تدرك ذلك. فداخلها أيضاً تألَّم. تقول: «سلام النفس يرتقي بطبيعتنا الإنسانية، فكيف إن اجتمع بـ40 أو 50 ألف عدّاء وعدّاءة؟ هنا يُترجَم سلام الأوطان. يسألونني دائماً: من أجل أي سلام تركضون؟ السلام ليس خطّ النهاية فقط. إنه امتداد سلامنا الداخلي نحو سلام أشمل».

سباق من أجل السلام انطلق من طرابلس نحو العاصمة النازفة (بيروت ماراثون)

لسنوات، كبُرت تحدّيات «بيروت ماراثون» باشتداد العصف. فتك الوباء، فأُلغي السباق لاقتضاء السلامة العالمية التباعُد بين البشر. وبعد انفجار المرفأ شعرت مي الخليل بأهمية الاضطلاع بدور. «وَجَبت علينا العودة. حجم المسؤولية استدعى توظيف علاقاتنا بالخارج لتجاوُز المرحلة الصعبة. حينها، غادر بعض الفريق بين الغربة والبحث عن فرص تُعوّض إغلاق أبواب |(الجمعية). تعلّمنا مرّة أخرى كيف ننظّم سباقات افتراضية بالتواصل مع ماراثونات دولية. جمعنا مبالغ لجمعيات تنتشل المتضرّرين من كابوسية المرفأ ومقتلة ذلك العصر».

مشهد رَفْع العلم اللبناني رغم اتّساع الجراح أثَّر عميقاً (بيروت ماراثون)

تستدعي الحرب اليوم وَقْفة مُشابهة. بالنسبة إلى مي الخليل، لا شيء يُضاهي مرارة أن تشاهد بلدك يُدمَّر والناس في نزوحهم المريع. كان لا بدّ من إلغاء السباق المُنتَظر يوم 10 نوفمبر وتحوُّل كل الأيام سباقاً للتكاتف والوحدة: «نظّمنا سباق السلام بديلاً للحدث الكبير. أردناه سباقاً مستوحى من مساحة لبنان البالغة 10 آلاف و452 كيلومتراً مربعاً. مشهد رَفْع العلم اللبناني رغم اتّساع الجراح أثَّر عميقاً. على مجموعة نقاط، توزّع العدّاؤون، فانطلقوا من (معرض رشيد كرامي الدولي) في طرابلس إلى واجهة بيروت البحرية. 10 ساعات من الركض للسلام والأمل».

ومن مدينتَي النبطية وصور النازفتَيْن، عَبَر عدّاؤون فوق الأنقاض رافعين الأعلام... زرعوها فوق الخراب لعلَّ زهر الربيع يشقّ الجدران المُهدَّمة وينمو معانداً «اليباس». «الوطن لا يموت. يعيش على المحبة»، تؤكد مي الخليل التي تغرّبت 23 عاماً في نيجيريا بعد زواجها، لكنّ داخلها ظلَّ متعلّقاً بأرض تتشظّى ولا تُقتَل.


مقالات ذات صلة

«تعاطي الكوكايين» يهدد مستقبل الحكم الإنجليزي ديفيد كوت

رياضة عالمية صحيفة «الصن» نشرت مقطع فيديو يظهر كوت وهو يستنشق المخدرات (رويترز)

«تعاطي الكوكايين» يهدد مستقبل الحكم الإنجليزي ديفيد كوت

فتح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) تحقيقاً جديداً مع الحكم الإنجليزي ديفيد كوت، الخميس، بعدما ظهر فيديو يزعم ظهوره يتعاطى مخدر الكوكايين خلال بطولة أوروبا.

«الشرق الأوسط» (نيون (سويسرا))
رياضة سعودية الدوري السعودي للسيدات يعود بـ3 مواجهات (الشرق الأوسط)

الدوري السعودي للسيدات: السبت... ديربي ساخن بين النصر والشباب

تنطلق، الجمعة، منافسات الجولة الخامسة من الدوري السعودي الممتاز للسيدات لكرة القدم بـ3 مواجهات، حيث يواجه القادسية نظيره العُلا.

لولوة العنقري (الرياض)
رياضة عالمية حلبة موناكو (رويترز)

سباق موناكو لـ«فورمولا 1» مستمر حتى عام 2031... وتغيير موعده

أعلن منظمو بطولة العالم لسباقات «فورمولا 1» للسيارات، الخميس، التوصّل لاتفاق يقضي باستمرار إقامة سباق «جائزة موناكو الكبرى» التاريخي حتى عام 2031 على أقل تقدير.

«الشرق الأوسط» (موناكو)
رياضة عالمية فلوريان فيرتز (أ.ب)

تدريبات ألمانيا تشهد عودة فيرتز

انتظم فلوريان فيرتز، لاعب وسط فريق باير ليفركوزن الألماني لكرة القدم، في المران الجماعي للمنتخب الألماني قبل مواجهة منتخب البوسنة والهرسك، يوم السبت المقبل.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
رياضة عالمية أيوزي بيريز (إ.ب.أ)

بيريز لاعب فياريال: علينا الوقوف مع فالنسيا... كرة القدم ثانوية

قال أيوزي بيريز لاعب فياريال إن لاعبي ومدربي فرق دوري الدرجة الأولى الإسباني لم يكن عليه أن يثيروا بأنفسهم المخاوف بشأن إقامة المباريات بعد الفيضانات المميتة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)

أغنية رسمية بـ4 لغات لفرس النهر التايلاندي القزم «مو دينغ» (فيديو)

«مو دينغ» يُكثّف نجوميته (أ.ب)
«مو دينغ» يُكثّف نجوميته (أ.ب)
TT

أغنية رسمية بـ4 لغات لفرس النهر التايلاندي القزم «مو دينغ» (فيديو)

«مو دينغ» يُكثّف نجوميته (أ.ب)
«مو دينغ» يُكثّف نجوميته (أ.ب)

إذا لم تستطع رؤية فرس النهر التايلاندي القزم، «مو دينغ»، من كثب، فثمة الآن أغنية رسمية مميّزة له بعدما بات الحيوان المفضَّل لكثيرين على الإنترنت؛ وقد صدرت بـ4 لغات ليستمتع بها جمهوره في أنحاء العالم. وذكرت «أسوشييتد برس» أنّ الأغنية المرحة مدّتها 50 ثانية بعنوان «مو دينغ مو دينغ»، متاحة باللغات التايلاندية، والإنجليزية، والصينية، واليابانية؛ تتضمّن كلمات بسيطة مثل «مو دينغ مو دينغ، بويغ بويغ بويغ/ مامي مامي، العب معي». ويتألف الفيديو الموسيقي من مقاطع قصيرة لفرس النهر الصغير وهو يقفز ويلعب مع القائمين على رعايته، ويقضي وقتاً مع أمه «جونا».

الأغنية الجاذبة كتبها الملحّن التايلاندي الشهير موينفِت أمارا وأنتجها، وأصدرتها واحدة من أكبر شركات الموسيقى في تايلاند، «جي إم إم ميوزيك»، وجميع نسخها الـ4 متاحة عبر «يوتيوب» ومنصات البثّ مثل «سبوتيفاي» و«آبل ميوزيك».

وأصبح فرس النهر القزم ظاهرة عالمية بعد شهر فقط من ظهوره عبر «فيسبوك» في حديقة حيوان «خاو خيو» المفتوحة بمقاطعة تشونبوري بجنوب تايلاند.

يدرك المعجبون فوضوية شخصيته، إذ يهوى «مو دينغ» القفز، وقد ظهرت قفزاته المُبهجة في عدد من «الميمات» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدمت صورَه فرقٌ رياضية وشركات. ورغم أنّ عمره الآن لا يتجاوز 4 أشهر، فقد جذب أعداداً كبيرة من الزوار إلى الحديقة التي تبعد نحو ساعتين بالسيارة عن العاصمة بانكوك. ووفق تقديراتها، فقد استقبلت ما بين 3 و5 آلاف زائر يومياً خلال الأشهر الماضية، كما تبيع الملابس والمفروشات ومنتجات أخرى تحمل صورة «مو دينغ».

في هذا السياق، قال مدير الحديقة، نارونغويت تشودشوي، إنّ الزيادة في الإيرادات الناجمة عن «مو دينغ» ستساعد في برامج تربية الحيوانات المهدَّدة بالانقراض، مثل فصيلة فرس النهر القزم، الذي يواجه تهديدات من الصيد الجائر وفقدان الموائل. فهذه الفصيلة موطنها الأصلي غرب أفريقيا، وثمة فقط ألفين إلى 3 آلاف حيوان منها في البرّية.