عدسة المصوِّر اللبناني عدنان الحاج علي تلتقط هوامش الحرب

يحمل كاميرته يومياً لنقل صور جرحى وضحايا من نوع آخر

الألعاب المتناثرة تختزل الطفولة المقهورة (عدنان الحاج علي)
الألعاب المتناثرة تختزل الطفولة المقهورة (عدنان الحاج علي)
TT

عدسة المصوِّر اللبناني عدنان الحاج علي تلتقط هوامش الحرب

الألعاب المتناثرة تختزل الطفولة المقهورة (عدنان الحاج علي)
الألعاب المتناثرة تختزل الطفولة المقهورة (عدنان الحاج علي)

يستيقظ المصوِّر اللبناني عدنان الحاج علي، صباح كل يوم؛ يحمل كاميرته ويمشي باحثاً عن لقطات من عمق الدمار والقصف. يشاء لصوره الفوتوغرافية أن تأخذ منحى آخر. فالمصوِّر الصحافي حسم أمره، ولم يعد يرغب في تصوير ضحايا الحرب على أرض لبنان وجرحاها. الاستقالة المؤقتة من مهنته الصحافية أراد تحويلها مساحةً حرّةً لعينيه. لذا؛ راح يدور في شوارع بيروت ومناطق الحدت وبرج البراجنة وحارة حريك؛ يَلحَقُ بعينه وقلبه من أجل صور تتصدَّر «التريند» في وسائل التواصل الاجتماعي بمشهدية فريدة بمحتواها.

يعتني بالقطط التي هجرها أصحابها (عدنان الحاج علي)

تشكِّل أحدث صورة حقَّقت نسبة مشاهدة عالية التقطها مؤخراً دليلاً على فرادته بالتصوير. فبينما يجول في شوارع فارغة من سكانها؛ مبانيها مهدَّمة، صادَفَ عازف التشيللو مهدي الساحلي. أوقفته مشهدية الفنان الذي جلس على كومة أحجار، يحمل آلته ويعزف وسط الدمار، فراح يصوّره. وبين ليلة وضحاها، تحوّل العازف حديثَ البلد، وتصدّرت صورته نشرات الأخبار وشاشات التلفزيون. موسيقاه كانت دواء مهدّئاً ينشر السكينة. هكذا أراد لرسالته المشبَّعة بالسلام أن ترخي بظلّها على هذه الأمكنة المنكوبة، فيقول عدنان الحاج علي لـ«الشرق الأوسط»: «عندما سمعتُ صوت الموسيقى، لحقتُ به. فوجئتُ بما يقوم به مهدي، فلم يسبق أن رأيتُ موسيقياً تصدح ألحانه من صميم الحرب ووسط الدمار. لا شعورياً، رحتُ أصوّره، وطلبتُ منه الاستمرار بالعزف. لامسني جداً هذا المشهد، وأخبرتُ مهدي أنّ صوره ستُخبر العالم عن تعطُّش اللبناني للسلام. وبالفعل انتشرت بشكل هائل».

الصورة التي اكتسحت وسائل التواصل الاجتماعي لعازف التشيللو (عدنان الحاج علي)

مشوار الحاج علي مع الصورة في زمن الحرب مُوقَّع أيضاً بمشاعره المرتبطة بالطفولة والرفق بالحيوان. يتابع: «يومياً أحمل كاميرتي وأتوجّه إلى بيروت الحزينة. ولأنني أحبّ تربية الحيوانات الأليفة، وجدتُ نفسي أفتّش عن تلك التائهة في الشوارع. كائنات تهجَّرت بدورها بفعل الحرب، فأمدُّها بالطعام، وأداوي جراحها، وأفرش لها مساحة تؤويها. تنتظرني هذه القطط يومياً لأهتمّ بها. فالحيوان، كما الإنسان، يحتاج إلى الرعاية». ألهمته زوجته حبّ القطط: «تعشقها وتربّي 6 منها في البيت. وعندما اضطررنا لإخلاء منزلنا في بيروت، تمثّلت مشكلتنا الكبرى في إيجاد مَن يؤوينا معها. فالعصافير والطيور التي أربّيها أيضاً تركتها في المنزل. أتفقّدها يومياً، وأضع لها الطعام، لكن زوجتي المتعلّقة بالقطط أبت المغادرة من دونها. وحدها أختها وافقت على استقبالنا في بيتها مع حيواناتنا الأليفة».

تنتظره الحيوانات يومياً لتتزوَّد بالطعام (عدنان الحاج علي)

يصوّر القطط ترضع الحليب أو تغفو على قارعة شارع مهجور. يُكمل: «هذه الصور تعني لي كثيراً، وسأحتفظ بها في ملفاتي الخاصة بالحروب التي شهدها لبنان عبر السنوات. راح بعض سكان تلك المناطق يطلبون مني الذهاب إلى منازلهم المهجورة والوقوف على حالة كلب أو قطة تُركت هناك. فبعضهم خرج من منزله ببرهة لم تخوّله التفكير بالحيوان الذي يربّيه. حتى إنّ بعض اللبنانيين يتّصلون بي لمساعدتي بتبرّعات مادية. رفضتُ الفكرة تماماً، وطلبتُ ممَّن يهمّه أمر الرفق بالحيوانات أن يُحضر لها كميات طعام فقط، لأتولّى توزيعها».

إلى جانب الحيوانات، اختار عدنان الحاج علي ألعاب الأطفال المتناثرة ليصوّرها: «استوقفتني الدمى والسيارات البلاستيكية والأرانب والدببة من القماش المحشو. فهي هنا وهناك، يغطّيها الركام. شعرتُ وأنا أصوّرها كأنها تغفو في تلك الشوارع لتنسى كابوس الحرب وهَجْر الأولاد لها. مع هذه الحيوانات والألعاب، أنقل صور جرحى وضحايا من نوع آخر. يُحزنني المشهد كثيراً، إذ ألمس من خلاله الطفولة المقهورة في لبنان».


مقالات ذات صلة

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

يوميات الشرق مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

إهمال الدولة اللبنانية لمجتمع الصمّ يبرز في محطّات عدّة. إن توجّهوا إلى مستشفى مثلاً، فليس هناك من يستطيع مساعدتهم...

فيفيان حداد (بيروت)
الاقتصاد صائغ يعرض قطعة من الذهب في متجره بمدينة الكويت (أ.ف.ب)

الذهب يواصل مكاسبه مع احتدام الحرب الروسية - الأوكرانية

ارتفعت أسعار الذهب، يوم الخميس، للجلسة الرابعة على التوالي مدعومة بزيادة الطلب على الملاذ الآمن وسط احتدام الحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ناقلة نفط خام في محطة نفط قبالة جزيرة وايدياو في تشوشان بمقاطعة تشجيانغ (رويترز)

النفط يرتفع وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الخميس، وسط مخاوف بشأن الإمدادات بعد تصاعد التوتر الجيوسياسي المرتبط بالحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
شؤون إقليمية آموس هوكستين (أ.ف.ب)

هوكستين يصل إلى تل أبيب قادماً من بيروت: هناك أمل

وصل المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، إلى إسرائيل قادماً من لبنان، في إطار جهود الوساطة لوقف إطلاق النار بين «حزب الله» والدولة العبرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

لا يعاني الأطفال الذين يعيشون في بلدان مزقتها الحرب من نتائج صحية نفسية سيئة فحسب، بل قد تتسبب الحرب في حدوث تغييرات بيولوجية ضارة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
TT

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح. وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث لأنه يدفعنا إلى «إزالة أي تهديدات» وتحقيق أهدافنا، وفقاً لصحيفة «التلغراف».

وأوضح الأكاديمي، وهو أستاذ في علم الأعصاب والنوم في مستشفى كينغز كوليدج في لندن، أن الغضب يمكن أن يخدم «غرضاً مفيداً للغاية» ويمكّن من تحقيق نتائج أكثر ملاءمة.

وفي حديثه ضمن بودكاست Instant Genius، قال الدكتور ليشزينر إن هرمون التستوستيرون يلعب دوراً رئيساً في ذلك، حيث يستجيب الهرمون - الذي تشير بعض الدراسات إلى أنه مرتبط بالعدوانية والغضب - للنجاح.

وتابع «لذا، إذا فزت في رياضة، على سبيل المثال - حتى لو فزت في الشطرنج الذي لا يُعرف بشكل خاص أنه مرتبط بكميات هائلة من العاطفة - فإن هرمون التستوستيرون يرتفع... تقول إحدى النظريات إن هرمون التستوستيرون مهم بشكل أساسي للرجال على وجه الخصوص لتحقيق النجاح».

«شعور مهم»

وحتى في العالم الحديث، لا يزال الغضب يشكل حافزاً مهماً للنجاح، بحسب ليشزينر، الذي أوضح «إذا أعطيت الناس لغزاً صعباً للغاية لحله، وجعلتهم غاضبين قبل أن تقدم لهم هذا اللغز، فمن المرجح أن يعملوا عليه لفترة أطول، وقد يجدون فعلياً حلاً له... لذا، فإن الغضب هو في الأساس عاطفة مهمة تدفعنا إلى إزالة أي تهديدات من هدفنا النهائي».

وأشار إلى أن المشكلة في المجتمعات البشرية تكمن في «تحول الغضب إلى عدوان».

لكن الغضب ليس العاطفة الوحيدة المعرضة لخطر التسبب في الضرر، حيث لاحظ أن مشاعر أخرى مثل الشهوة أو الشراهة، قادرة على خلق مشكلات أيضاً. وتابع «كلها تخدم غرضاً مفيداً للغاية، ولكن عندما تسوء الأمور، فإنها تخلق مشكلات».

ولكن بخلاف ذلك، إذا استُخدمت باعتدال، أكد الدكتور أن هذه الأنواع من المشاعر قد يكون لها بعض «المزايا التطورية».