دلائل أثرية لاستيطان العصور الحجرية في مدينة الرياض ومحيطها الجغرافي

من خلال مشروع اليمامة الذي انطلق سبتمبر الماضي

77 مشروعاً بحثياً تنتشر في مختلف المناطق السعودية (هيئة التراث)
77 مشروعاً بحثياً تنتشر في مختلف المناطق السعودية (هيئة التراث)
TT

دلائل أثرية لاستيطان العصور الحجرية في مدينة الرياض ومحيطها الجغرافي

77 مشروعاً بحثياً تنتشر في مختلف المناطق السعودية (هيئة التراث)
77 مشروعاً بحثياً تنتشر في مختلف المناطق السعودية (هيئة التراث)

بدأت نتائج المسح الأثري في مدينة الرياض ومحيطها الجغرافي تظهر مبكراً، مع إطلاق هيئة التراث في السعودية أعمال المسح الميداني، ضمن أحد مراحل «مشروع اليمامة للمسح الأثري»؛ أحدث مشاريع المسح والتنقيب الأثري بالسعودية؛ لحصر وتوثيق المواقع الأثرية في العاصمة السعودية والمراكز المحيطة بها، واستكشاف العمق التاريخي والحضاري للمدينة، والعناية بمواقع التراث الثقافي فيها.

وعُثر في الموقع على دلائل أثرية على استيطان العصور الحجرية، وأدوات حجرية متنوعة تجري دراستها وتوثيقها والتعرف على طرق تصنيعها، وكُشف، من خلال أول أعمال المسح، عن المادة الخام التي تتكون منها تلك الأدوات، كما احتوى الموقع على شظايا وكسر من العصور الحجرية ناتجة عن ورش تصنيع الأدوات.

ووظّفت هيئة التراث أحدث التقنيات المستخدمة في عمليات المسح الشامل، من خلال نظم المعلومات الجغرافية، والمسح الجيوراداري الأرضي، والنمذجة ثلاثية الأبعاد والمسح المغناطيسي، إضافة إلى تقنيات التصوير الجوي المنخفض، كما جرى استخدام الذكاء الاصطناعي في رسم الخرائط الجغرافية والطبوغرافية، لرفد مشاريع المسح الأثري في السعودية.

أحد أعمال التنقيب التي تستهدف استكشاف العمق التاريخي والحضاري للمناطق السعودية (هيئة التراث)

وأفادت هيئة التراث بأن أعمال المسح سبقتها أعمال جمع الأدبيات العلمية والدراسات الأثرية والتاريخية والجغرافية، حيث يستهدف المشروع، الذي أطلقته الهيئة في سبتمبر (أيلول) الماضي، اكتشاف العمق التاريخي للمملكة وتنوعها الحضاري، وما تضمّه من معالم التراث الثقافي الممتدة منذ عصور ما قبل التاريخ، من خلال استخدام أحدث التقنيات في مجال التنقيب الأثري، لسبر أغوار العاصمة السعودية ودورها الحضاري ومراحل تطورها، خلال مختلف العصور الزمنية والفترات التاريخية، والكشف عن المعالم وتوثيقها والمحافظة عليها.

ويستمر «مشروع اليمامة الأثري»، الذي أطلقته هيئة التراث في سبتمبر، من عام 2024 حتى 2028، ويشمل استكمال مشروع المسح الشامل داخل نطاق مدينة الرياض، وعلى طول امتداد وادي حنيفة، والمراكز المحيطة بمدينة الرياض، بالإضافة إلى 3 مشاريع أخرى للتنقيب الأثري في مواقع ضرماء، والحني، والمصانع، بالتعاون مع شركاء الهيئة.

توظّف هيئة التراث أحدث التقنيات المستخدمة في عمليات المسح الشامل لمختلف مناطق المملكة (هيئة التراث)

وتعتمد استراتيجية الهيئة في تنفيذ مشاريع المسح والتنقيب على مشاركة خبراء في مجال تاريخ وآثار مدينة الرياض، والتخصصات ذات العلاقة، إضافةً إلى مشاركة بعض الأكاديميين والطلاب من الجامعات السعودية، ومن المراكز والجامعات الدولية. ويهدف المشروع إلى التعرف على أبرز مظاهر تطور المدينة وتوسعها، بالإضافة إلى الكشف عن ملامح المواقع الأثرية والتاريخية وتوثيقها والحفاظ عليها، وذلك ضمن مسؤولية الهيئة تجاه التراث الثقافي وحمايته والعناية به، وإبراز العمق الحضاري للمملكة على مرّ التاريخ.

ويحتل المسح والتنقيب الأثري أولوية لدى هيئة التراث، بوصفه وسيلة علمية ضرورية لاكتشاف الآثار التي تزخر بها السعودية، والتي يعود أكثرها إلى حِقب تاريخية موغلة في القدم ومرتبطة ببدايات الحضارة الإنسانية. وتشهد المملكة، في الفترة الحالية، مشاركة أكثر من 77 بعثة دولية ومحلية في التنقيب عن الآثار بمختلف مناطق المملكة، وتقدم نتائج مهمة عن تاريخ الاستيطان البشري في أراضي شبه الجزيرة العربية، نُشرت في عدد من أوعية النشر العلمي، مثل حوليات الآثار وعدد من الكتب الأثرية المتخصصة، والمنصّات الرقمية.

يستمر مشروع اليمامة الأثري من عام 2024 حتى 2028 (هيئة التراث)

وتنفذ الهيئة والبعثات الشريكة أعمال المسح والتنقيب الأثري بطرق علمية حديثة، وباستخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد والذكاء الاصطناعي، مُستهدفة التنقيب في مواقع أثرية مختلفة تمتد في تاريخها إلى أكثر من مليون عام، من عصور ما قبل التاريخ إلى العصور الإسلامية «القرن العاشر الهجري»، وذلك ضمن خطط تستمر عدة سنوات.

وتهدف هيئة التراث، من استمرار وتطوير وتوسيع مشاريع المسح والتنقيب الأثري، إلى رفع مستوى الاكتشافات الأثرية بالمملكة كما ونوعاً، وتوفير مسارات بحثية رصينة تسمح بمشاركة الكوادر السعودية المتخصصة في الآثار، وتحفز أقسام الآثار بالجامعات السعودية على إشراك طلابها وباحثيها في بعثات دولية يتمتع أفرادها بخبرات كبيرة في مجال التنقيب الأثري.


مقالات ذات صلة

عون: السعودية وجهتي الأولى إيماناً بدورها التاريخي في مساندة لبنان

الخليج الأمير محمد بن سلمان (واس) والرئيس جوزيف عون (رويترز)

عون: السعودية وجهتي الأولى إيماناً بدورها التاريخي في مساندة لبنان

وجّه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي دعوة للرئيس اللبناني جوزيف عون لزيارة المملكة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج تفريغ المساعدات السعودية في مطار العاصمة السورية (الشرق الأوسط)

وصول الطائرة الإغاثية السعودية التاسعة إلى دمشق

وصلت إلى مطار دمشق الدولي، السبت، الطائرة التاسعة ضمن الجسر الجوي السعودي الذي يسيِّره «مركز الملك سلمان للإغاثة».

كمال شيخو (دمشق)
عالم الاعمال مجموعة «stc» تمكّن المكفوفين من عيش أجواء كرة القدم

مجموعة «stc» تمكّن المكفوفين من عيش أجواء كرة القدم

أعلنت مجموعة «stc»، ممكن التحول الرقمي، وبالتنسيق مع وزارة الرياضة إطلاق مبادرة تهدف إلى تحسين تجربة ذوي الإعاقة البصرية، للاستمتاع بمباريات السوبر الإسباني

يوميات الشرق صخور العلا تحكي قصصاً قديمة تعيد لمحات من الماضي (واس)

«الصخر الشاهد» ترفع الوعي بثروات العلا الطبيعية

أطلقت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا حملة «الصخر الشاهد» التي تهدف إلى التوعية بأهمية الحفاظ على التشكيلات الصخرية، والإرث الثقافي والحضاري.

«الشرق الأوسط» (العلا)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان والوزير ماورو فييرا (الخارجية السعودية)

وزيرا خارجية السعودية والبرازيل يبحثان الموضوعات المشتركة

بحث الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره البرازيلي ماورو فييرا الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مصر تستوحي الطراز الفرنسي القديم في «جاردن سيتي الجديد»

ميدان حيّ «جاردن سيتي» الجديد (وزارة الإسكان المصرية)
ميدان حيّ «جاردن سيتي» الجديد (وزارة الإسكان المصرية)
TT

مصر تستوحي الطراز الفرنسي القديم في «جاردن سيتي الجديد»

ميدان حيّ «جاردن سيتي» الجديد (وزارة الإسكان المصرية)
ميدان حيّ «جاردن سيتي» الجديد (وزارة الإسكان المصرية)

بوحيّ من الطراز المعماري الفرنسي القديم الذي يشتهر به حيّ «غادرن سيتي» الراقي في وسط القاهرة، تقترب وزارة الإسكان المصرية من الانتهاء من أعمال إنشاء حيّ «جاردن سيتي الجديد» بالعاصمة الإدارية الجديدة. وتفقَّد وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصري، المهندس شريف الشربيني، السبت، سير العمل بالحيّ السكني وعدد من الطرق والمحاور بالعاصمة الإدارية الجديدة.

جانب من حيّ «جاردن سيتي الجديد» بالعاصمة الإدارية (وزارة الإسكان المصرية)

ووفق الشربيني، يُنفَّذ الحيّ السكني الخامس «جاردن سيتي الجديد»، البالغة مساحته نحو 900 فدان، طبقاً لتصميم معماري مستوحى من الطراز الفرنسي القديم، ليُشبه التصميمات المعمارية المُنفَّذة في منطقة «جاردن سيتي» بوسط البلد في القاهرة. ويضمّ المشروع الجديد 385 عمارة سكنية مؤلّفة من نحو 21494 وحدة سكنية، و513 وحدة تجارية، و459 فيلا متصلة وشبه متصلة ومنفصلة، وجميع الخدمات التعليمية والترفيهية والتجارية والرياضية والدينية.

شملت جولة وزير الإسكان متابعة التشطيبات الداخلية في الوحدات والمرور على طريق التسعين الجنوبي بالعاصمة، ومحور محمد بن زايد الجنوبي الذي يمتاز بجمال التصميم، ويتماشى مع الإنجاز الكبير الذي يُنفَّذ في المشروعات المختلفة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

مبانٍ مستوحاة من الطراز الفرنسي القديم (وزارة الإسكان المصرية)

ووفق بيان لوزارة الإسكان، فإن الشربيني وجّه بمراجعة مختلف أعمال الواجهات والإضاءة الخاصة بعمارات الحيّ، مؤكداً ضرورة استخدام المنتج المحلّي لمكوّنات المشروعات الجاري تنفيذها، فضلاً عن الانتهاء من الأعمال بالمشروع في أسرع وقت، والانتهاء من أعمال المسطّحات والجزر الخاصة بالطرق وأعمال الزراعة، ووضع جدول زمني لأعمال المشروع كافّة.

كما وجَّه بإعداد مخطَّط لمشروعات خدماتية في المشروع، ودفع الأعمال في منطقة الفيلات، ووضع جدول زمني لضغط الأعمال ومتابعتها باستمرار ميدانياً.

ميدان رئيسي بالحيّ الجديد (وزارة الإسكان المصرية)

يُذكر أنّ منطقة «جاردن سيتي» في وسط القاهرة كانت بركاً ومستنقعات، حوَّلها السلطان الناصر محمد بن قلاوون خلال فترة حكمه الثالثة لمصر (1309- 1341) ميداناً سُمّي «الميدان الناصري»، غرس فيه الأشجار وشقّ الطرق وسط المياه، وشيَّد الحدائق التي عرفت باسم «بساتين الخشاب»؛ ثم افتُتح الميدان عام 1318، وفيه أُقيمت عروض وسباقات الخيل التي كان الملك الناصر شغوفاً بتربيتها.

وبعد وفاة السلطان قلاوون، أُهملت المنطقة بالكامل. وعندما حكم الخديوي إسماعيل البلاد عام 1863 الميلادي، قرَّر تدشين حركة معمارية واسعة لتشييد قصور فخمة على امتداد كورنيش النيل (ضمن مشروع القاهرة الخديوية)؛ من أشهرها «قصر الدوبارة»، و«قصر فخري باشا»، و«الأميرة شويكار»؛ جميعها تشكّل خليطاً من المعمار الإسلامي والباريسي والإيطالي.

بنايات تُحاكي عمارت حيّ «غادرن سيتي» العتيق (وزارة الإسكان المصرية)

ويُعدّ عام 1906 بداية نشأة حيّ «جاردن سيتي» المعاصر، إذ قرَّر الخديوي عباس حلمي الثاني تأسيسه على هيئة المدن الحدائقية ذات الشوارع الدائرية كما كان شائعاً في مطلع القرن الـ20 بأوروبا. وأصبحت «جاردن سيتي» امتداداً عمرانياً للقاهرة الخديوية؛ شُيّدت فيها المباني بالطُرز المعمارية عينها الموجودة في القاهرة الخديوية بين الطراز المعماري الفرنسي والإيطالي والإسلامي.

مصر تستنسخ حي «جاردن سيتي» بالعاصمة الجديدة (وزارة الإسكان المصرية)

وعلى الرغم من إنشاء تجمّعات سكنية فاخرة في ضواحي العاصمة المصرية، فإنّ الحيّ الراقي العتيق الذي يضمّ سفارات وقنصليات عدد من الدول على غرار الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية، لم يفقد بريقه، وظلَّ يُعدُّ إحدى الوجهات المفضّلة للإقامة لدى كثيرين؛ ما دفع مسؤولين مصريين إلى إنشاء حيّ يُحاكيه في العاصمة الجديدة.

وعدّ رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، في تصريحات صحافية سابقة، مشروع إنشاء حيّ «جاردن سيتي الجديد»، «إعادة إحياء لمنطقة وسط البلد».

وبالمفهوم عينه، أنشأت الحكومة الحيّ اللاتيني بمدينة العلمين الجديدة (شمال مصر)، الذي استُلهم طرازه المعماري من الطرازَيْن الإغريقي والروماني الفاخرَيْن، ليضاهي تصميمات مدينة الإسكندرية العتيقة. ويقع الحيّ اللاتيني بالقرب من المدينة التراثية ومجمّع السينما والمسرح، وكذلك على مقربة من مطار العلمين الدولي.

ميدان حيّ «جاردن سيتي» الجديد (وزارة الإسكان المصرية)

لكنَّ أستاذة العمارة والتصميم العمراني لدى قسم الهندسة المعمارية في جامعة القاهرة، الدكتورة سهير حواس، تتساءل عن أسباب استنساخ أحياء قديمة مرَّ على إنشائها نحو 100 عام، قائلةً لـ«الشرق الأوسط»: «أُنشئت (القاهرة الخديوية) و(جاردن سيتي) و(مصر الجديدة)، وفق نظريات معمارية كانت جديدة وسائدة في بدايات القرن الـ20، لذلك كان من الأفضل إنشاء أحياء جديدة وفق نظريات معمارية تواكب القرن الحالي، لا الماضي».

وتضيف: «بعد مرور 100 عام على إنشاء الأحياء المُستنسخة، قد يشعر الأحفاد ببعض الارتباك لجهتَي تاريخ الإنشاء والأصل»، لافتةً إلى أنّ «الأحياء الأصليّة أخذت في الحسبان خامات الإنشاء والتهوية ومساحات وارتفاعات الأسقف؛ وهو ما لا يتوافر راهناً في الأحياء الجديدة لجهتَي المساحات الضيّقة والأسعار الباهظة».