مصر تستردُّ قطعاً أثرية مسروقة من سقارة بعد تهريبها إلى ألمانيا

يبلع عددها 67... وتعود إلى عصور متنوّعة

قناع من القطع المُستَردة من ألمانيا (وزارة الخارجية المصرية)
قناع من القطع المُستَردة من ألمانيا (وزارة الخارجية المصرية)
TT

مصر تستردُّ قطعاً أثرية مسروقة من سقارة بعد تهريبها إلى ألمانيا

قناع من القطع المُستَردة من ألمانيا (وزارة الخارجية المصرية)
قناع من القطع المُستَردة من ألمانيا (وزارة الخارجية المصرية)

استردَّت مصر، من ألمانيا، 67 قطعة أثرية، من بينها قدم وساق مومياء، وتمثال برونزي وجداريتان، بالإضافة إلى بعض تماثيل «الأوشابتي» الصغيرة، علماً بأنّ بعض هذه القِطع كانت مُنتزعة من مقبرة في سقارة.

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، السبت، عن نجاح جهودها بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار في مجال استعادة الآثار المصرية التي هُرِّبت إلى الخارج. وسلَّم مساعد وزير الخارجية للعلاقات الثقافية، السفير ياسر شعبان، عدد 67 من القطع الأثرية التي استردّتها مصر من دولة ألمانيا، من خلال السفارة المصرية في برلين، إلى لجنة مُشكَّلة من وزارة السياحة والآثار، وفق بيان للخارجية.

وتنتمي القِطع الأثرية المُستَردة إلى حقب عدّة في التاريخ المصري القديم؛ أبرزها قدم وساق لمومياء محنَّطة، وقناعان وجداريتان انتُزعتا من مقبرة الوزير «باك آن رن إف» بسقارة، بالإضافة إلى تمثال ملكي من خامة البرونز، ومجموعة من التماثيل الصغيرة، «الأوشابتي»، التي كانت تُحفظ في المقبرة لتُنجز أعمال المتوفى نيابة عنه في الحياة الأخرى، وفق العقيدة المصرية القديمة، بالإضافة إلى تماثيل من البرونز للمعبود «أوزير»؛ سيّد العالم الآخر.

أحد التماثيل البرونزية المُستَرد من ألمانيا (وزارة الخارجية المصرية)

في هذا السياق، رأى الخبير الأثري الدكتور خالد سعد أنّ «استعادة هذه الآثار يؤكد الدور المهمّ لوزارة الخارجية بالتعاون والتنسيق مع وزارة الآثار، خصوصاً إدارة الآثار المُستَردة لاستعادة القطع الأثرية المصرية من الخارج».

وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «إدارة الآثار المُستَردة موكل إليها تعقُّب كل القطع الأثرية التي تُباع في مزادات أجنبية من دون أن يكون لها سند مُلكية».

وأوضح الخبير الأثري أنه «قبل صدور القانون 117 لسنة 1982، سُمح ببيع القطع الأثرية وتداولها وسفرها، وكان ثمة قانون يسمح للبعثات الأثرية بالحصول على نسبة من اكتشافاتهم الأثرية، وهو قانون حق القسمة؛ فخرجت قطع أثرية شهيرة، مثل رأس نفرتيتي الموجود في متحف برلين، من مصر، بطريقة غير شرعية».

إحدى القطع المُستَردة من ألمانيا (وزارة الخارجية المصرية)

وأضاف أنّ «القانون 117 منع تماماً تداول القطع الأثرية أو بيعها، وإنما سمح بامتلاكها لمَن لديهم قطع أثرية تحت مُسمّى الحيازة. وقد عُدِّل هذا القانون لرفع عقوبة امتلاك القطع الأثرية أو حيازتها أو نقلها أو بيعها لتصبح جناية بدلاً من جنحة».

وأكد سعد على «الدور الكبير للدبلوماسية المصرية عبر وزارة الخارجية والسفارات المصرية في الخارج لرفع قضايا لاسترداد القطع الأثرية المصرية في الدول التي لم توقّع على الاتفاقيات الدولية لتبادُل التراث الثقافي بـ(اليونيسكو)، أو اتفاقية لاهاي لردّ القطع الأثرية التي خرجت من البلاد خلال الثورات والحروب».

بدوره، أكد عالم الآثار المصري الدكتور حسين عبد البصير أنّ «استرداد مصر مجموعة من القطع الأثرية الفرعونية من ألمانيا يمثّل إنجازاً مهماً في رحلة استعادة الإرث المصري القديم وحمايته».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه القطع التي خرجت من مصر بطريقة غير شرعية، تعود إلى مقابر في منطقة سقارة الشهيرة بأنها مركز أثري يضمّ مجموعة من أعظم الآثار المصرية القديمة. وتأتي عملية استردادها خطوةً من خطوات مصر الثابتة نحو حماية تاريخها وتراثها».

جزء من جدارية مُستَردة من ألمانيا (وزارة الخارجية المصرية)

ولفت إلى أنّ «عملية الاسترداد ليست مجرّد استرجاع لقطع أثرية، وإنما استعادة لجزء من روح التاريخ المصري ورموزه، إذ يُعدُّ التمثال البرونزي مثالاً حياً لدقة الفنّ المصري القديم ورقيّه في صياغة التفاصيل وتحقيق الكمال الفنّي. أما القدم والساق الموميائية، فليستا مجرّد بقايا إنسانية، وإنما تحملان قصصاً عن الحياة والموت في حضارة احتفت بالموت بوصفه جزءاً جوهرياً من حياتها».

وأضاف أنّ «استرداد هذه الآثار يعكس دور مصر المتنامي في التعاون الدولي لحماية التراث العالمي، إذ أصبح استرداد القطع الأثرية المهرَّبة هدفاً تسعى إليه الدول، مما يعزّز وعي المجتمع الدولي بأهمية احترام التراث الثقافي. كما تسهم هذه الخطوة في إحياء الروح التاريخية لمصر القديمة، وتؤكّد للعالم التزامها بحماية تراثها من الاندثار أو الاستغلال».


مقالات ذات صلة

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

«اليونيسكو» تحذر إسرائيل من استهداف آثار لبنان

أثمرت الجهود اللبنانية والتعبئة الدولية في دفع منظمة اليونيسكو إلى تحذير إسرائيل من تهديد الآثار اللبنانية.

ميشال أبونجم (باريس)
يوميات الشرق هضبة الأهرامات في الجيزة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

غضب مصري متصاعد بسبب فيديو «التكسير» بهرم خوفو

نفي رسمي للمساس بأحجار الهرم الأثرية، عقب تداول مقطع فيديو ظهر خلاله أحد العمال يبدو كأنه يقوم بتكسير أجزاء من أحجار الهرم الأكبر «خوفو».

محمد عجم (القاهرة )

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.