مهنة «جديدة» في مصر تصنع ثروة وتثير امتعاضاً... «البروكر»

قادت السماسرة من أبواب البنايات إلى تأسيس الشركات

حي جاردن سيتي الجديد في العاصمة الإدارية (صفحة مجلس الوزراء المصري على فيسبوك)
حي جاردن سيتي الجديد في العاصمة الإدارية (صفحة مجلس الوزراء المصري على فيسبوك)
TT

مهنة «جديدة» في مصر تصنع ثروة وتثير امتعاضاً... «البروكر»

حي جاردن سيتي الجديد في العاصمة الإدارية (صفحة مجلس الوزراء المصري على فيسبوك)
حي جاردن سيتي الجديد في العاصمة الإدارية (صفحة مجلس الوزراء المصري على فيسبوك)

لم تكن بريهان الفحام، الشابة الثلاثينية، تتخيل وهي تسافر من مصر إلى الإمارات في عام 2022 بحثاً عن فرصة عمل في الصحافة، أنها ستصبح في غضون عامين فقط، صاحبة شركة خاصة بها في التسويق العقاري، أو وفق الاسم الدارج للمهنة «بروكر».

تقول الفحام لـ«الشرق الأوسط» إن السمسرة التي عملت فيها بالصدفة، ليست مهنة سهلة، ولا تختلف سماتها عن السمات التي كانت تحتاج إليها بصفتها صحافية: «كل من البروكر والصحافي يعرف كيف يتواصل مع الناس».

فشلت بريهان في الحصول على وظيفة ذات صلة بالإعلام، فقدمت في شركة «بروكر» على وظيفة في قسم العلاقات العامة. خلال المقابلة عرض عليها صاحب الشركة العمل في قسم المبيعات، مشيراً إلى أن سماتها تؤهلها لذلك. وافقت بريهان، معتبرة أنه من أفضل القرارات التي غيرت مسار حياتها.

تقول: «بفضل البروكر أصبح لدي مشروعي الخاص الذي أخطط لتوسعته العام المقبل، بفتح مكتب لشركتي في مصر وآخر في تركيا».

ولم تغير مهنة البروكر حياة بريهان فقط، بل أيضاً نيرة محمد (اسم مستعار بناءً على طلبها) والتي تسوق مشاريع شركات كبرى مثل «ماونتن فيو» وشركة «أورا» لسميح ساويرس، وغيرهما.

بدأت نيرة العمل في السمسرة منذ كانت طالبة في كلية الآداب بقسم علم الاجتماع، وأنجزت صفقتين أدرَّتا عليها دخلاً لم تكن تحلم به، تجاوز الـ30 ألف جنيه، عام 2017 (الدولار كان يساوي وقتها ما بين 17 و19 جنيهاً مصرياً)، ووقتها قررت أن تستمر في المهنة التي أكملت فيها عامها السابع.

غيّرت مهنة السمسرة أيضاً حياة علاء الشيخ الذي يملك الآن شركة «اسيت تاب» للتسويق العقاري. وقد بدأ حياته المهنية في عام 2011 في قسم التسويق بشركة «عامر جروب»، ثم انتقل للعمل في شركة سمسرة لثلاثة أعوام أخرى، وبعدها فتح شركته التي تخصصت في العمل غرب القاهرة «شركتي من أكبر شركات البروكر هناك».

بريهان الفحام امتهنت «البروكر» وأصبح لديها شركتها الخاصة (الشرق الأوسط)

كيف تصبح «بروكر»؟

لا يرى كل من الشيخ وبريهان أن البروكر مهنة سهلة، على عكس نيرة التي تراها من أسهل الأعمال ولا تتطلب خبرة في أي شيء؛ ما يجعلها مجال جذب للكثير من الشباب الخريجين.

تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أي أحد يستطيع أن يكون بروكر، ما دام كان لديه المهارات اللازمة لذلك، فلا تحتاج إلى أن تكون خريج جامعة معينة، على عكس العاملين في أقسام التسويق في الشركات المطورة - المعمارية - ممن يفضلون خريجي الجامعات (ذوات الـ3 حروف)». في إشارة إلى الجامعات الأجنبية مثل الجامعة الأمريكية AUC، والكندية ACU.

وأضافت أنهم يكونون عبارة عن «صورة» للشركة، لكن في الواقع تعتمد هذه الشركات بالأساس على البروكرز لجلب العملاء.

ولا يُعدّ العاملون في أقسام التسويق بالشركات المطورة «بروكر»؛ إذ إن البروكر هو وسيط بين العميل والشركة المطورة، لذا فهو يستطيع توفير أفضل عرض للعميل في إطار إمكاناته، من بين مشاريع عدة يعمل على تسويقها في آن لشركات مختلفة، على عكس العاملين في أقسام التسويق بالشركات المطورة الذين يعملون فقط على مشاريع شركتهم، حسب الرئيس التنفيذي للقطاع التجاري في شركة «جذور» الدكتور معتز شلبي.

ويتفق الشيخ مع نيرة في أن البروكر لا يحتاج إلى كليات بعينها، وأن القدرة على التواصل والإقناع مفتاحان أساسيان للعمل في هذا المجال، لكنه لا يراها مع ذلك مهنة سهلة «تحتاج دائماً إلى دراسة توجهات السوق العقارية، ومشاريع المطورين، والسوق المالية واتجاهات السوق، وحفظ كم هائل من المعلومات، وقدرة على عرضها على العميل، وهي تحتاج إلى اطلاع دائم».

حُسن المظهر جزء من عمل «البروكر» الآن (بيكسيباي)

البواب البروكر

قبل عقود، لم يكن البروكرز بالوجاهة ذاتها، لا يعتنون كثيراً بملابسهم، أو في حاجة إلى سمات شخصية لإقناع العميل. فقط يجلسون أمام العقارات، يحرسونها خلال عملهم الاعتيادي، وإلى جانبه يمارسون السمسرة؛ وذلك «لعلمهم بالمنطقة والشقق والمباني الخالية فيها»، حسب الشيخ.

ويضيف صاحب شركة «اسيت تاب» أن مهنة البروكر بدأت تكتسب هذا التعقيد، ومعه العائد المُجزي، منذ أوائل الألفينات، حين افتتحت شركة «كولدويل بانكر» فرعاً لها في مصر، بالتزامن مع اتساع السوق العقارية وظهور شركات مثل طلعت مصطفى، و«دريم» لصاحبها أحمد بهجت، و«بالم هيلز»، و«سوديك» التي تعاقدت مع هذه الشركة لترويج مشاريعها.

وبعد نحو عقد آخر، بدأ الكثير ممن كانوا يعملون في الشركة الأولى، تأسيس شركاتهم الخاصة؛ ما مهّد السوق للتحول الأكبر خلال الفترة من عام 2015 إلى 2017، مع الإعلان عن إنشاء العاصمة الإدارية وبدء البيع فيها.

ويرى الرئيس التنفيذي للقطاع التجاري في شركة «جذور» الدكتور معتز شلبي، أن البروكر هو التطور الطبيعي لـ«السمسار» بشكله التقليدي؛ إذ بفضل شركات البروكر باتت المهنة تتم في إطار تنظيمي، تحكمه أسس ومعايير، وتملك الشركة موظفين، وتدفع ضرائب، وتعمل من خلال حملات إعلانية.

دخل مُجزٍ

تتذكر الفحام راتبها في الصحافة وتصفه بـ«غير المجزي»، على عكس ما جنته في أول صفقة لها من البروكر 24 ألف درهم (الدولار حالياً يساوي 3.6 درهم إماراتي)

وفي مصر، قد يجني البروكر من 25 إلى 35 ألف جنيه في الشهر (الدولار حالياً يساوي 49.27 جنيه مصري) ذلك حال استطاع «تحقيق التارجت»، وفق الشيخ. ويتمثل التارجت في إتمام صفقات بملايين عدة من الجنيهات كل شهر، قائلاً: «على كل مليون يأخذ البروكر عمولة 5 آلاف جنيه».

وتشير نيرة إلى أن ذلك ليس دائماً سهلاً «ممكن في شهر تنجز صفقتين، وشهور أخرى دون شيء»، موضحة أن مرتبات البروكرز تتراوح بين 3 آلاف جنيه للمبتدئ و10 آلاف جنيه لقائد الفريق، بخلاف العمولة التي تصل في مشاريع العاصمة الإدارية إلى 7 وأحياناً 9 آلاف جنيه على كل مليون جنيه».

وتبدأ أسعار الشقق في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، ذات الغرفة الواحدة من 3 ملايين و700 ألف جنيه، في حين تبدأ في منطقة مثل الشيخ زايد غرب العاصمة بـ5 ملايين و200 ألف جنيه، وفق تقرير «ماركت ووتش» للسوق العقارية المصرية خلال الربع الأول من العام الحالي.

وزير الإسكان المصري خلال تفقده الحي الخامس في مدينة جاردن سيتي الجديدة بالعاصمة الإدارية (صفحة مجلس الوزراء على فيسبوك)

سوق تتسع

وتشهد السوق العقارية في مصر اتساعاً لافتاً؛ إذ يقدر حجمها خلال العام الحالي بنحو 20.02 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 33.67 مليار دولار أميركي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.96 في المائة خلال الفترة المتوقعة 2024 - 2029، وفق «موردور إنتليجنس».

وربط أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية الدكتور سعيد صادق، ظهور مهنة البروكر باعتماد «الاقتصاد المصري على بيع العقارات والمدن والمصايف بسبب سرعة الحصول على النقد السريع»، موضحاً: «إذا بُنيت عمارة يمكن أن تنتهي في سنة وتحقق أرباحاً طائلة، وتركز هذه السوق إما على الخليجيين أو المصريين الذين يعملون في الخليج أو المصريين القلقين من التدهور غير المسبوق في قيمة الجنيه المصري فيسعون لشراء الذهب أو العقارات».

الإزعاج

وعلى خلاف الوجاهة الممتدة إلى المكسب السريع، فإن مهنة البروكر مرتبطة بالإزعاج لدى صادق، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» اقتصاد العقارات قائم على توظيف الشباب الساعي لربحٍ سريع وعمولة البيع فيقوم على توظيف عدد هائل من الشباب في تلك المشاريع، ممن يقومون باستخدام الموبايلات في طلب أسماء يحصلون عليها من مصادر عدة لعرض شراء عقارات عليهم بصورة مزعجة متكررة.

ويضيف أستاذ علم الاجتماع: «يطلبون (البروكرز) الزبون المحتمل ويشرحون العرض لعله يقبله فيحصلون على عمولة. ولا يوجد وسيلة لوقف إزعاج سماسرة العقارات حتى الآن. البعض لا يرد على تليفونات مجهولة أو يستخدم برامج تحذرك من تليفونات تجارية».

وكان الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر أعلن في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدء اتخاذ كل الإجراءات القانونية ضد شركة «ماونتن فيو» للتطوير العقاري وإحالتها للنيابة، بعدما تلقى الكثير من الشكاوى من المواطنين الذين استقبلوا مكالمات من هذه الشركة باستمرار.

أقر البروكرز الثلاثة الذين تحدثت معهم «الشرق الأوسط» بانتشار هذه التقنية وتسمى «كولد كول» أي «نداء عبر الاتصال»، لكنهم نفوا استخدامهم لها، واتهموا آخرين.

يقول الشيخ إن شركته تستخدم الحملات الترويجية وليس «الكولد كول» التي توجد عند الشركات التي تعتمد على توظيف 1500 بروكر.

أما نيرة فقالت إن «(الكولد كول) مهمة في البداية لإكساب البروكر خبرة وجرأة في الحديث مع العملاء»، مشيرة إلى أنها تستخدمها فقط مع «العملاء السابقين»، ومقرّة بأن مثل هذه المكالمات مستفزة ومزعجة «لسيدة بسيطة ربة منزل أو رجل لا يعرف كيف يغطي مصاريف أسرته، فكيف أعرض عليه شراء شاليه في الساحل بـ5 ملايين جنيه!».

وكشف البنك الدولي عن أن آخر إحصائية للفقر في مصر في عام 2022 سجلت ارتفاعاً ليصل معدله إلى 32.5 في المائة.

ولا يقتصر إزعاج البروكر على مصر، وفق الفحام التي تؤكد انتشار هذه التقنية في دبي أيضاً. لكن الإمارات وضعت في أغسطس (آب) الماضي، ضوابط للتسويق عبر الهاتف، تبدأ بضرورة حصول الشركة على ترخيص لإجرائه، مروراً بمنع الاتصال أكثر من مرة في اليوم، والشركة المخالفة تتعرض لغرامة تزيد على 150 ألف درهم.

وبخلاف الإزعاج يشعر أستاذ علم الاجتماع بالأسف لتحول انجذاب الأجيال الصاعدة بمهن الكسب السريع مثل البروكرز أو التأثير عبر السوشيال ميديا «الأنفلونسرز»، على حساب مهن مثل الطب والهندسة.

لكن الشيخ يعتز بمهنته، لافتاً إلى أنها عكس الشائع، مهنة عريقة تمتد جذورها إلى العصر الفاطمي. وهو ما أكدته دراسة أعدتها أستاذة التاريخ الإسلامي في جامعة الأزهر الدكتورة فاطمة حسب، تحت عنوان «السماسرة والأدّلاء في مصر الإسلامية».


مقالات ذات صلة

وفاة 13 على الأقل جراء انهيار مبنى في تنزانيا

أفريقيا فرق الإغاثة تعمل على إنقاذ الضحايا أسفل عقار انهار في دار السلام بتنزانيا (أ.ف.ب)

وفاة 13 على الأقل جراء انهيار مبنى في تنزانيا

قالت رئيسة تنزانيا سامية صولوحو حسن، الأحد، إن 13 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم عندما انهار مبنى في العاصمة التجارية دار السلام.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
الاقتصاد جناح "بلت الصناعية" في أحد المعارض بالسعودية (موقع الشركة الإكتروني)

شركة تابعة لـ«لدن للاستثمار» السعودية توقع عقداً بـ171 مليون دولار لتنفيذ مشروع «ذا بوينت»

وقعت شركة «بلت الصناعية»، التابعة لـ«لدن للاستثمار» السعودية، عقداً بقيمة 645.66 مليون ريال (171.8 مليون دولار)، لتنفيذ أعمال مشروع «ذا بوينت» بمدينة أبها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
عالم الاعمال 230 مليار ريال قيمة التعاملات العقارية في ختام معرض «سيتي سكيب» العالمي 2024

230 مليار ريال قيمة التعاملات العقارية في ختام معرض «سيتي سكيب» العالمي 2024

اختتم معرض «سيتي سكيب» العالمي 2024 أعمال النسخة الثانية من المعرض العقاري الأكبر في العالم.

الاقتصاد مواطن سعودي يشتري الخضراوات من أحد المتاجر في المملكة (رويترز)

الإيجارات السكنية تدفع التضخم السنوي بالسعودية إلى 1.9% في أكتوبر

ارتفع معدل التضخم في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2024 على أساس سنوي، ليسجل أعلى وتيرة منذ 14 شهراً.

آيات نور (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

أسدل مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» الستار على دورته الـ45 في حفل أُقيم، الجمعة، بإعلان جوائز المسابقات المتنوّعة التي تضمّنها. وحصدت دول رومانيا وروسيا والبرازيل «الأهرامات الثلاثة» الذهبية والفضية والبرونزية في المسابقة الدولية.

شهد المهرجان عرض 190 فيلماً من 72 دولة، كما استحدث مسابقات جديدة لأفلام «المسافة صفر»، و«أفضل فيلم أفريقي»، و«أفضل فيلم آسيوي»، إلى جانب مسابقته الدولية والبرامج الموازية.

وكما بدأ دورته بإعلان تضامنه مع لبنان وفلسطين، جاء ختامه مماثلاً، فكانت الفقرة الغنائية الوحيدة خلال الحفل لفرقة «وطن الفنون» القادمة من غزة مع صوت الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهو يُلقي أبياتاً من قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وأكد رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، أنّ «الفنّ قادر على سرد حكايات لأشخاص يستحقون الحياة»، موجّهاً الشكر إلى وزير الثقافة الذي حضر حفلَي الافتتاح والختام، والوزارات التي أسهمت في إقامته، والرعاة الذين دعّموه. كما وجّه التحية إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسِّس مهرجان «الجونة» الذي حضر الحفل، لدعمه مهرجان «القاهرة» خلال رئاسة فهمي الأولى له.

المخرجة السعودية جواهر العامري وأسرة فيلمها «انصراف» (إدارة المهرجان)

وأثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعالياته؛ فقالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ «عدم حضوره قد يشير إلى وقوع خلافات»، مؤكدةً أنّ «أي عمل جماعي يمكن أن يتعرّض لهذا الأمر». وتابعت لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عصام زكريا ناقد كبير ومحترم، وقد أدّى واجبه كاملاً، وهناك دائماً مَن يتطلّعون إلى القفز على نجاح الآخرين، ويعملون على الإيقاع بين أطراف كل عمل ناجح». وعبَّرت الناقدة المصرية عن حزنها لذلك، متمنيةً أن تُسوَّى أي خلافات خصوصاً بعد تقديم المهرجان دورة ناجحة.

وفي مسابقته الدولية، فاز الفيلم الروماني «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم للمخرج والمنتج بوجدان موريشانو، كما فاز الفيلم الروسي «طوابع البريد» للمخرجة ناتاليا نزاروفا بجائزة «الهرم الفضي» لأفضل فيلم، وحصل الفيلم البرازيلي «مالو» للمخرج بيدرو فريري على جائزة «الهرم البرونزي» لأفضل عمل أول.

وأيضاً، حاز لي كانغ شنغ على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي «قصر الشمس الزرقاء»، والممثل الروسي ماكسيم ستويانوف عن فيلم «طوابع البريد». كما حصلت بطلة الفيلم عينه على شهادة تقدير، في حين تُوّجت يارا دي نوفايس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم البرازيلي «مالو»، وحصل الفيلم التركي «أيشا» على جائزة أفضل إسهام فنّي.

الفنانة كندة علوش شاركت في لجنة تحكيم أفلام «المسافة صفر» (إدارة المهرجان)

وأنصفت الجوائز كلاً من فلسطين ولبنان، ففاز الفيلم الفلسطيني «حالة عشق» بجائزتَي «أفضل فيلم» ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ولجنة التحكيم الخاصة. وأعربت مخرجتاه منى خالدي وكارول منصور عن فخرهما بالجائزة التي أهدتاها إلى طواقم الإسعاف في غزة؛ إذ يوثّق الفيلم رحلة الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة داخل القطاع. ورغم اعتزازهما بالفوز، فإنهما أكدتا عدم شعورهما بالسعادة في ظلّ المجازر في فلسطين ولبنان.

وكانت لجنة تحكيم «أفلام من المسافة صفر» التي ضمَّت المنتج غابي خوري، والناقد أحمد شوقي، والفنانة كندة علوش؛ قد منحت جوائز لـ3 أفلام. وأشارت كندة إلى أنّ «هذه الأفلام جاءت طازجة من غزة ومن قلب الحرب، معبِّرة عن معاناة الشعب الفلسطيني». وفازت أفلام «جلد ناعم» لخميس مشهراوي، و«خارج التغطية» لمحمد الشريف، و«يوم دراسي» لأحمد الدنف بجوائز مالية قدّمتها شركة أفلام «مصر العالمية». كما منح «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، برئاسة الإعلامي عمرو الليثي، جوائز مالية لأفضل 3 أفلام فلسطينية شاركت في المهرجان، فازت بها «أحلام كيلومتر مربع»، و«حالة عشق»، و«أحلام عابرة».

ليلى علوي على السجادة الحمراء في حفل الختام (إدارة المهرجان)

وحصد الفيلم اللبناني «أرزة» جائزتين لأفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود، وأفضل سيناريو. فأكدت بو عبود تفاؤلها بالفوز في اليوم الذي يوافق عيد «الاستقلال اللبناني»، وأهدت الجائزة إلى أسرة الفيلم وعائلتها.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة التي رأست لجنة تحكيمها المخرجة ساندرا نشأت، فاز الفيلم السعودي «انصراف» للمخرجة جواهر العامري بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقالت جواهر، في كلمتها، إن المهرجان عزيز عليها، مؤكدة أنها في ظلّ فرحتها بالفوز لن تنسى «إخوتنا في فلسطين ولبنان والسودان». أما جائزة أفضل فيلم قصير فذهبت إلى الصيني «ديفيد»، وحاز الفيلم المصري «الأم والدب» على تنويه خاص.

كذلك فاز الفيلم المصري الطويل «دخل الربيع يضحك» من إخراج نهى عادل بـ4 جوائز؛ هي: «فيبرسي» لأفضل فيلم، وأفضل إسهام فنّي بالمسابقة الدولية، وأفضل مخرجة، وجائزة خاصة لبطلته رحاب عنان التي تخوض تجربتها الأولى ممثلةً بالفيلم. وذكرت مخرجته خلال تسلّمها الجوائز أنها الآن فقط تستطيع القول إنها مخرجة.

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

كما فاز الفيلم المصري «أبو زعبل 89» للمخرج بسام مرتضى بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى تنويه خاص ضمن مسابقة «أسبوع النقاد». ووجَّه المخرج شكره إلى الفنان سيد رجب الذي شارك في الفيلم، قائلاً إنّ الجائزة الحقيقية هي في الالتفاف الكبير حول العمل. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النجاح الذي قُوبل به الفيلم في جميع عروضه بالمهرجان أذهلني»، وعَدّه تعويضاً عن فترة عمله الطويلة على الفيلم التي استغرقت 4 سنوات، مشيراً إلى قُرب عرضه تجارياً في الصالات. وحاز الممثل المغربي محمد خوي جائزة أفضل ممثل ضمن «آفاق السينما العربية» عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا».

بدوره، يرى الناقد السعودي خالد ربيع أنّ الدورة 45 من «القاهرة السينمائي» تعكس السينما في أرقى عطائها، بفضل الجهود المكثَّفة لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا، وحضور الفنان حسين فهمي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الدورة حظيت بأفلام ستخلّد عناوينها، على غرار فيلم (هنا) لتوم هانكس، والفيلم الإيراني (كعكتي المفضلة)، و(أبو زعبل 89) الذي حقّق معادلة الوثائقي الجماهيري، وغيرها... وكذلك الندوات المتميّزة، والماستر كلاس الثريّة».