التشكيلية الكردية يارا حسكو تحتفي بالمرأة وتُجسِّد مآسي الحرب

تنتمي إلى المدرسة التعبيرية ويُلهمها فاتح المدرس ويوسف عبدلكي

التشكيلية الكردية تناولت آلام النساء في زمن الحرب (الشرق الأوسط)
التشكيلية الكردية تناولت آلام النساء في زمن الحرب (الشرق الأوسط)
TT

التشكيلية الكردية يارا حسكو تحتفي بالمرأة وتُجسِّد مآسي الحرب

التشكيلية الكردية تناولت آلام النساء في زمن الحرب (الشرق الأوسط)
التشكيلية الكردية تناولت آلام النساء في زمن الحرب (الشرق الأوسط)

تشقّ يارا حسكو مسارها بثبات، وتُقدّم معرضها الفردي الأول بعد تجربة فنّية عمرها 5 سنوات. فالفنانة التشكيلية الكردية المتحدّرة من مدينة عفرين بريف محافظة حلب، تناولت في لوحاتها مجموعة موضوعات، ووظَّفت ألوان الطبيعة وخيوطها لتعكس حياتها الريفية التي تحلم بالعودة إليها؛ فتمحورت أعمالها بشكل رئيسي حول حياة المرأة خلال سنوات الحرب السورية بآمالها وآلامها.

بأسلوب تعبيري مميّز، جسّدت حسكو بريشتها معاناة النساء من مآسي الحروب، إلى يوميات اللجوء والتهجير. فالمعرض الذي لم يحمل عنواناً ضمّ 26 لوحة أقامته في قاعة «كولتورفان» ببلدة عامودا غرب مدينة القامشلي؛ وهو الأول من نوعه خلال مسيرتها.

تفتتح حديثها إلى «الشرق الأوسط» بالقول إنها ابنة المدرسة التعبيرية وفضَّلت الابتعاد عن الواقعية. وتتابع: «أنا ابنة الريف وأحلم بالعودة إلى مسقطي في قرية عرشقيبار بريف عفرين، للعيش وسط أحلام بسيطة، لذلك اخترتُ الفنّ للتعبير عن حلمي وبساطتي في التعامل مع زخم الحياة».

يضمّ معرضها مجموعة أعمال دخلت من خلالها إلى روح النساء، رابطةً ظروف حياتهنّ الخاصة برسومها، لتعيد سرد قصة كل لوحة بحركات وتعابير تحاكي الحرب السورية وتقلّباتها الميدانية التي انعكست بالدرجة الأولى على المرأة؛ أكثر فئات المجتمع السوري تضرراً من ويلات الاقتتال.

إنها ابنة المدرسة التعبيرية وفضَّلت الابتعاد عن «الواقعية» (الشرق الأوسط)

تشير حسكو إلى ابتعادها عن فنّ البورتريه بالقول: «اللوحة ليست صورة فحسب، فمفهومها أعمق. لم يكن لديّ فضول للرسم فقط؛ وإنما طمحتُ لأصبح فنانة تشكيلية». وتسرد حادثة واجهتها في بداية الطريق: «أخذتُ قميص أخي الذي كان يُشبه قماش اللوحة، وبعد رسمي، تساءلتُ لماذا لا يستقر اللون على القميص، وصرت أبحثُ عن بناء اللوحة وكيفية ربط القماش قبل بدء الرسم».

المعرض ضمّ لوحات حملت كل منها عنواناً مختلفاً لترجمة موضوعاتها، بينها «نساء الحرب»، و«امرأة وحبل»، و«المرأة والمدينة». كما برزت ألوان الطبيعة، إلى جانب إضفاء الحيوية لموضوعاتها من خلال اختيار هذه الألوان والحركات بعناية. وهو يستمر حتى 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وفق الفنانة، مؤكدةً أنّ التحضيرات لإقامته استمرّت عاماً من الرسم والتواصل.

المعرض الذي لم يحمل عنواناً ضمّ 26 لوحة (الشرق الأوسط)

يلاحظ متابع أعمال حسكو إدخالها فولكلورها الكردي وثقافته بتزيين معظم أعمالها: «أعمل بأسلوب تعبيري رمزي، وللوحاتي طابع تراجيدي يشبه الحياة التي عشناها خلال الحرب. هذا هو الألم، ودائماً ثمة أمل أعبّر عنه بطريقة رمزية»، مؤكدةً أنّ أكبر أحلامها هو إنهاء الحرب في بلدها، «وعودة كل لاجئ ونازح ومهجَّر إلى أرضه ومنزله. أحلم بمحو هذه الحدود ونعيش حرية التنقُّل من دون حصار».

في سياق آخر، تعبِّر يارا حسكو عن إعجابها بالفنان الهولندي فنسينت فان غوخ، مؤسِّس مدرسة «ما بعد الانطباعية» وصاحب اللوحات الأغلى ثمناً لشهرتها بالجمال وصدق المشاعر والألوان البارزة. أما سورياً، فتتبنّى مدرسة فاتح المدرس، وتحبّ فنّ يوسف عبدلكي الأسود والفحمي. وعن التشكيلي السوري الذي ترك بصمة في حياتها، تقول: «إنه الفنان الكردي حسكو حسكو. تعجبني أعماله عن القرية، وكيف اشتهر بإدخال الديك والدجاجة في رسومه».

خلال معرضها الفردي الأول بعد تجربة فنّية عمرها 5 سنوات (الشرق الأوسط)

بالعودة إلى لوحاتها، فقد جسّدت وجوه نساء حزينات يبحثن عن أشياء ضائعة بين بيوت مهدّمة، وشخصيات تركت مدنها نحو مستقبل مجهول بعد التخلّي عن الأحلام. تتابع أنها متأثرة بمدينة حلب، فبعد وصول نار الحرب إلى مركزها بداية عام 2014، «انقسمت بين شقّ خاضع للقوات الحكومية، وآخر لمقاتلي الفصائل المسلّحة، مما فاقم مخاوفي وقلقي».

من جهته، يشير الناقد والباحث أرشك بارافي المتخصّص في الفنّ والفولكلور الكردي، إلى أنّ المعرض حمل أهمية كبيرة لإضاءته على النساء، أسوةً بباقي فئات المجتمع السوري الذين تضرّروا بالحرب وتبعاتها. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «استخدمت الفنانة رموزاً تُحاكي موضوعاتها مثل السمكة والتفاحة والمفتاح، لتعكس التناقضات التي عشناها وسط هذه الحرب، والثمن الذي فرضته الحدود المُحاصَرة، والصراع بين الانتماء واللاانتماء، وبين الاستمرارية والتأقلم مع الظروف القاسية».

يُذكر أنّ الفنانة التشكيلية يارا حسكو عضوة في نقابة اتحاد الفنانين السوريين، وهي من مواليد ريف مدينة عفرين الكردية عام 1996، تخرّجت بدايةً في كلية الهندسة من جامعة حلب، ثم التحقت بكلية الفنون الجميلة لشغفها بالفنّ. بدأت رسم أولى لوحاتها في سنّ مبكرة عام 2010، وشاركت في أول معرض جماعي عام 2019، كما شاركت بمعارض مشتركة في مدينتَي حلب والعاصمة دمشق.


مقالات ذات صلة

«ربع تون» يعزف على أوتار الانسجام بين الموسيقى والفن التشكيلي

يوميات الشرق الموسيقار العراقي نصير شمة فناناً تشكيلياً (وزارة الثقافة المصرية)

«ربع تون» يعزف على أوتار الانسجام بين الموسيقى والفن التشكيلي

في معرض «ربع تون» للموسيقار العراقي نصير شمة، يستكشف المتلقي كيف يمكن أن يؤدي دمج الفن البصري والموسيقى إلى خلق تجربة متعددة الحواس.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق رسالة تناغُم وعدالة (كاتدرائية وينشستر)

رقص مع الحيتان في كاتدرائية وينشستر الإنجليزية

المعرض يتضمَّن حيتاناً معلَّقة في سقف الكاتدرائية، من تصميم الفنانة تيسا كامبل فريزر، المُقيمة في أوكسفوردشاير، بهدف الإضاءة على تأثير البشر على البيئة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أحد الأعمال المعاصرة ضمن قسم «المظلة» في بينالي الفنون الإسلامية (الشرق الأوسط)

بمقتنيات من الحرمين الشريفين ومؤسسات عالمية... جدة تستقبل النسخة الثانية لـ«بينالي الفنون الإسلامية»

وعد المنظمون زوار النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بالكثير من الجمال والمتعة والثقافة، وبتذوق جرعة مركزة من كل ما جادت به الثقافة الإسلامية عبر العصور.

عبير مشخص (جدة)
يوميات الشرق «النميمة» من اللوحات التي تضمنها المعرض (الشرق الأوسط)

مقاهي باريس و«غيطان بنها» في معرض فني بالقاهرة

يشبه الأمر المرور بين عالمين متوازيين، على جهة تصطف المشاهد الباريسية بمقاهيها وشوارعها وميادينها ونسائها بالألوان الزاهية، وعلى الجهة الأخرى تتجلى مشاهد الريف.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق من الأعمال المشاركة في المعرض وتعبّر عن التراث النوبي (الشرق الأوسط)

«حكاوي القهاوي»... ملتقى فني بالقاهرة يحتفي بالفلكلور العربي

مشاهد متنوعة من الفلكلور المصري، والتراث الشعبي لعدة دول عربية من بينها السعودية وقطر والبحرين والسودان، تلفت انتباه من يزور معرض ملتقى «عيون» الدولي للفنون.

محمد الكفراوي (القاهرة)

تريد تطوير ذاتك... هل يفيدك التفكير الزائد؟

يعد الإفراط في التفكير تهديداً كبيراً للنجاح والتطور (أرشيفية)
يعد الإفراط في التفكير تهديداً كبيراً للنجاح والتطور (أرشيفية)
TT

تريد تطوير ذاتك... هل يفيدك التفكير الزائد؟

يعد الإفراط في التفكير تهديداً كبيراً للنجاح والتطور (أرشيفية)
يعد الإفراط في التفكير تهديداً كبيراً للنجاح والتطور (أرشيفية)

لا يعد الفشل أو الخوف منه هو التهديد الأكبر لنجاحنا، بل إن الإفراط في التفكير هو التهديد الأكبر للنجاح والتطور، وفقاً لما ذكره موقع «سيكولوجي توداي» المَعْنِي بالصحة النفسية والعقلية والعلوم السلوكية.

ووفق الموقع، فإنه إذا حوصرت في دائرة الإفراط في التفكير، ولم تقم بتكرار أفعالك بسرعة كبيرة، فأنت «تقوم ببناء منتج عالي الجودة داخل دماغك، وليس منتجاً عالي الجودة للعالم الواقعي»، وينطبق هذا المفهوم سواء كنت تحاول بناء شخصية أفضل أو مُنتج أفضل أو حياة أفضل.

فالشخص المُفرط في التفكير الذي يحاول تحسين أي شيء، بما في ذلك نفسه، يفكر بشكل شامل في كيفية القيام بذلك. ومع ذلك، من دون التجارب السريعة والتكرار بناءً على النتائج، يكون الأمر كله نظرياً، وتطبيق التفكير والتجارب على أرض الواقع يحقق نتائج أكثر شمولاً ومختلفة تماماً.

وهناك طُرق يمكن من خلالها التغلب على التفكير الزائد منها:

وضع وقت محدد للانتهاء من أي مهمة

لتجنب الإفراط في التفكير، ضع وقتاً محدداً للانتهاء من المهمة التي تؤديها أو صنع المُنتج الذي تريد إصداره أو اتخاذ القرار الذي تفكر فيه.

احتفل بالمجهود المُهدر

إن الخوف من تغيير استراتيجيتنا عندما نكون قد استثمرنا بالفعل جهداً أو مالاً في طريق ما هو جزء من سبب إحجام الأشخاص الذين يفكرون كثيراً عن التجربة، خشية الفشل ومواجهة احتمالية البدء من جديد. لكن، يجب عليك الاحتفال حتى بعدم نجاح المجهود الذي بذلته، وتعلم أن ما حاولت فيه ولم ينجح هو طريقك للانتقال بالأمور إلى أفضل صورة لها.

مشاركة التجارب الفاشلة

يجب على فرق العمل مشاركة التجارب الفاشلة والجهد المهدور، حتى يمكننا أن نتعلم جميعاً مما نشاركه سوياً، وأيضاً قم بتسجيل تجاربك التي فشلت فيها، للتعلم منها وعدم تكرارها، والاحتفاء بها عند النجاح في النهاية.

لا تستبق الأحداث

اجعل تفكيرك مبسطاً، ولا تُكثر التفكير في حالات وأمور متطورة قبل أن يكون ذلك ضرورياً.

استفد من التعليقات على التجارب التي لم تنجح

يعد الحصول على الكثير من التعليقات حول ما لم ينجح أثناء التجربة علامة جيدة. عدم وجود تعليقات لا يعني أنك قمت بعمل رائع، بل قد يكون علامة على عدم الاهتمام. لكن إذا حصلت على الكثير من ردود الفعل، فهذا يعني أن هناك اهتماماً. ومن خلال التجربة والإخفاق والتعلم فإنك سوف تجد حلاً واقعياً للمشكلات بشكل أكثر كفاءة.

تعلم من العمل وليس من التفكير

غالباً ما يوقعنا الإفراط في التفكير في فخ الاحتمالات التي قد لا تحدث أبداً، لكن النجاح يأتي من اتخاذ الإجراءات والتعلم من الواقع. ومن خلال تعلم كيفية صنع «نماذج أولية» والتجربة بسرعة واحتضان الفشل بوصفه خطوة للنجاح، يمكننا التغلب على التفكير الزائد وتحقيق أكثر مما تخيلنا.