20 فناناً دولياً يستكشفون تأثيرات ظهور الإنترنت في الرياض

معرض «الأثر الخافت» يتناول تغلغل التقنية وتأثيرها المجمعي العميق

أعمال 20 فناناً محلياً وعالمياً تشارك المعرض الذي يقدّمه معهد مسك للفنون (الشرق الأوسط)
أعمال 20 فناناً محلياً وعالمياً تشارك المعرض الذي يقدّمه معهد مسك للفنون (الشرق الأوسط)
TT

20 فناناً دولياً يستكشفون تأثيرات ظهور الإنترنت في الرياض

أعمال 20 فناناً محلياً وعالمياً تشارك المعرض الذي يقدّمه معهد مسك للفنون (الشرق الأوسط)
أعمال 20 فناناً محلياً وعالمياً تشارك المعرض الذي يقدّمه معهد مسك للفنون (الشرق الأوسط)

في ظل التقدم التقني غير المسبوق الذي يشهده العصر الحالي، ألقى معرض «عصر الأثر الخافت» الضوء على التأثيرات والتحولات التي أحدثتها الأقمار الاصطناعية والتلفزيون والإنترنت على الترابط العالمي والتبادل الثقافي ونشر المعلومات.

وتستعرض أعمال 20 فناناً محلياً وعالمياً من خلال المعرض الذي يقدمه معهد مسك للفنون، فترة ما بعد الإنترنت، وهي حقبة تتميز بتغلغل التقنية وتأثيرها العميق على المجتمع، منطلقاً من مفهوم «التحوّل الجذري» الذي صاغه جون فون نيومان، مستشرفاً مستقبلاً يندمج فيه البشر والذكاء الاصطناعي كنتيجة للتوسع التقني والفكري المتسارع. ويضم معرض «عصر الأثر الخافت» أعمالاً لـ20 فناناً، تتناول النقلة الثقافية التي أحدثها الإنترنت، من خلال معالجة موضوعات الترابط والإدراك والهوية والتعبير الإبداعي والتدفق الهائل للمعلومات.

جون سالفيست في عمله «الحبر المتلاشي» ضمن المعرض (الشرق الأوسط)

الإنترنت شكّل منعطفاً لمسار الإعلام

يتناول جون سالفيست في عمله «الحبر المتلاشي»، تلاشي الصحف وتراجع أهميتها في المجتمع المعاصر، ويتكون هذا العمل من أكثر من 1000 صحيفة يومية أميركية تناقش القضايا التي تهم المجتمع الأميركي مرتبة على شكل سرب من الطيور المحلّقة في الفضاء، ويقدم تمثيلاً بصرياً لتراجع أهمية وسائل الإعلام المطبوعة التقليدية، ولإبراز عنصر الحنين إلى الماضي. وفي هذا المشروع، ينبثق السرب من كومة ضخمة من الصحف الملفوفة، ما يستحضر صورة بائع الصحف الذي كان في الماضي يرمي الصحيفة على الشرفة كل صباح.

ويلاحظ الزائر إلى المعرض أن السنوات التي تغطيها هذه الصحف تتزامن مع نشأة الإنترنت التي شكّلت منعطفاً حاسماً في مسار وسائل الإعلام والاتصالات، ويمثل هذا العمل التركيبي تعليقاً على الطبيعة الزائلة لوسائل الإعلام المطبوعة التي لعبت لفترة طويلة دوراً مهيمناً في توثيق القصص والتاريخ والذاكرة. وبحلول القرن الحادي والعشرين، الذي اتسم إلى حد كبير بالرقمنة، جلب المنصات الرقمية التي حلّت محلّ الطباعة، وبهذا يتساءل هذا العمل عن كيفية التقاط الذكريات وحفظها في المستقبل، ويدعو المشاهدين إلى التأمل في آثار التحولات في الاتصال والحفظ في العالم الرقمي.

عمل نام جون بايك عن تأثير التلفزيون في الوعي المعاصر (الشرق الأوسط)

تقاطع الفن والتكنولوجيا والاتصال

كانت مجسمات نام جون بايك التلفزيونية أول ما أدخل تكنولوجيا التلفزيون إلى الفنون الجميلة، وقد ركّزت سلسلته التي أنتجها بعد إصابته بسكتة دماغية عام 1996 على هذا الموضوع.

وكانت بمثابة استكشاف دقيق لأجهزة التلفزيون والأقمار الاصطناعية وإعادة صياغتها كوسائط وموضوعات، وتتميز هذه الأعمال بإعادة استخدام أجهزة التلفزيون المصنوعة من المعدن والخشب، مع إضافة ألوان الأكريليك الزاهية والأقلام الزيتيّة العريضة عليها، ما حوّلها إلى عروض تجريدية ديناميكية تتميز بضربات معبرة ترمز إلى تقاطع الفن والتكنولوجيا والاتصال، ومن خلال الضربات الإيمائية، صاغ بايك أشكالاً جديدة من الاتصال، بإضافة جوانب إنسانية إلى مجسماته التلفزيونية وزيّنها بتعبيرات الوجوه.

عمل الفنانة إيمان الجبرين (الشرق الأوسط)

إدراك الواقع والهوية

في عملها «الأقنعة الإلكترونية» تتناول الفنانة السعودية إيمان الجبرين تأثير تكنولوجيا الاتصالات الرقمية على إدراك الواقع والهوية، وفي تحويل التفاعلات البشرية، وتدفع الناظر إلى مراجعة تعريف الهوية في العصر الرقمي، وتسلط الضوء على التوتر بين الانطباعات الرقمية واللقاءات الفعلية، وتستنطق التلاعب الرقمي بالإدراك، وتدعو الناظر إلى التفكير في موثوقية الهويات عبر الإنترنت.

وتتضمن هذه الأعمال رسائل إلكترونية متبادلة بين الفنانة وأشخاص آخرين معروضة على أسطح شفافة ترمز إلى الوضوح المفترض للشخصيات، وتحت الأسطح الشفافة ثمة صور غامضة التقطتها الفنانة وطبعتها على ألواح خشبية، ويحمل كل عمل عنواناً مستوحى من أول تعليق أدلى به الشخص عند مقابلته للفنانة شخصياً، وبهذا تلتقط العناوين مجموعة من المشاعر التي تتراوح بين المفاجأة والانزعاج، وتؤكد عباراتها على التباين بين الصور المسبقة التي تشكلت أثناء التواصل الرقمي وواقع الفرد عند اللقاء الشخصي.

تتنوع أعمال المعرض بين اللوحات والمنحوتات والفيديو والتركيبات الفنية (الشرق الأوسط)

وتتنوع أعمال المعرض بين اللوحات والمنحوتات والفيديو والتركيبات الفنية، وتتعمّق في الطبيعة المزدوجة للتقنية، المتمثلة في قدرتها على تحقيق الاتصال من جهة، وعلى فرض سطوة التحكم من جهة أخرى، ما يكشف النقاب عن تعقد ديناميكيات الهوية والاندماج الثقافي.

وتتساءل هذه الأعمال عن المفاهيم التقليدية للتعبير الفني وتناقل المعارف، مسلّطة الضوء على الانتقال الحالي نحو مشهدٍ عالمي أكثر ترابطاً. وعلى ضوء هذه التطورات السريعة التي تحثّ على التفكير في التغير الذي يشهده دور الفنان في العالم المغمور بالتقنية، بحيث لا يكتفي الفنانون اليوم بالتكيف مع هذه التطورات، بل يعيدون أيضاً تشكيل الابتكار الرقمي في الفن، ما يقود إلى النظر في إمكانية حدوث «تحوّل إبداعي جذري» حيث تفتح التقنية الرقمية الأبواب على مصراعيها أمام مختلف الأشكال والأساليب الجديدة في الإبداع الفني.

ويستمر المعرض، الذي انطلق الأحد، حتى 27 فبراير (شباط) المقبل، في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون بمدينة الرياض.


مقالات ذات صلة

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

الاقتصاد مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

رفعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني تصنيف السعودية إلى «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1»، مشيرة إلى جهودها لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك) «الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت «الأوركسترا السعودية» أجمل الألحان الموسيقية في ليلة ختامية كان الإبداع عنوانها على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
خاص الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

خاص نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

كشف مسؤول نيجيري رفيع المستوى عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.