​«برتقالة من يافا»... صرخة ضد «عنصرية الاحتلال الإسرائيلي»

مخرج الفيلم قال لـ«الشرق الأوسط» إن العمل يُبرز معاناة الفلسطينيين في التنقل

مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)
مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)
TT

​«برتقالة من يافا»... صرخة ضد «عنصرية الاحتلال الإسرائيلي»

مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)
مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)

أكد المخرج الفلسطيني محمد المغني أن فيلمه القصير «برتقالة من يافا»، الذي عُرض مؤخراً في مهرجان «الجونة السينمائي»، أظهر جانباً من العنصرية التي يتعرّض لها الفلسطينيون على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية، معرباً عن سعادته بردود الفعل على الفيلم.

ونال الفيلم الذي شارك في مسابقة الأفلام القصيرة في «الجونة السينمائي» جائزة «نجمة الجونة الفضية» بالمناصفة، وسط إشادات نقدية بالقصة التي لعب دور البطولة فيها كل من كامل الباشا، وسامر بشارات، ونسرين الجعبة.

يقول المغني لـ«الشرق الأوسط» إن فكرة العمل استغرقت منه شهوراً للعمل عليها وحتى ينتهي منها بشكل كامل عبر إجراء تعديلات على السيناريو، والتركيز على المشاهد بشكل أكثر تفصيلاً، خصوصاً أن العمل هو تجربته الأولى في السينما بعد انتهاء دراسته.

وتدور الأحداث حول الشاب الفلسطيني «محمد» الذي يحمل إقامة في دولة بولندا، حيث يدرس هناك، إلا أنه يجد صعوبة في الوصول إلى يافا للقاء والدته التي تريد أن تصطحبه لرؤية فتاة فلسطينية ترغب في أن يرتبط بها، في رحلة تجعله ينتقل من حاجز إلى آخر ليقضي يوماً كاملاً داخل تاكسي بانتظار مصيره، بعد اكتشاف الجنود الإسرائيليين محاولته العبور من حاجز إلى آخر.

في رحلة «محمد» (سامر بشارات)، بطل الفيلم، يجد معاناة في العثور على سيارة تاكسي تنقله للعبور حتى يتوقف «فاروق» (كامل الباشا) ويوافق على اصطحابه، خصوصاً أن لديه موعداً في الطريق نفسه. لكنه يُصدم عند الحاجز بأن «محمد» مُنع من العبور من حاجز آخر قبل أن يستقلّ السيارة برفقته.

على مدار أكثر من 14 ساعة، يقضي الرجلان يومهما داخل السيارة في المعبر بعد سحب هويتهما، ومن دون أن يُسمح لهما بالنزول منها أو الحركة. يتشاجران سريعاً ويتصالحان سريعاً، فلكلٍّ منهما معاناته الخاصة. فسائق التاكسي لديه 5 فتيات ويخشى مصادرة سيارته ومصير بناته، خصوصاً بعد خضوعه لجراحة القلب المفتوح التي منعته من العمل في مهنة أخرى، بينما محمد مهموم بوالدته التي تنتظره.

يتحدث مخرج الفيلم عن الفترة التي عمل فيها على كتابة العمل وترشيح الأبطال، مؤكداً أن شخصية سائق التاكسي، عندما كتبها، رشّح لها الفنان كامل الباشا الذي لم يتردّد في الموافقة على الفيلم رغم عدم وجود سابق معرفة بينهما، لافتاً إلى أنه أراد من خلال الفيلم نقل جانبٍ من المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في حياته اليومية، حتى مع الالتزام بالقوانين الظالمة المفروضة من الاحتلال.

وأوضح أن الفيلم يُسلّط الضوء على تحوّل المحتل الإسرائيلي إلى المتحكّم في الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق، بل وتكديرهم والتعنُّت ضدهم في الحصول على أبسط حقوقهم في الحركة داخل بلادهم.

ويُعرب الممثل الفلسطيني كامل الباشا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن سعادته بالجائزة التي حصل عليها الفيلم في «الجونة السينمائي»، مؤكداً أنه تحمّس للفيلم فور قراءة السيناريو، وشعر بأنه أمام تجربة مختلفة، وهو ما لمسه من ردود الأفعال على العمل. مضيفاً أن العمل لمس المعاناة اليومية التي يعيشها آلاف الفلسطينيين، وهو منهم، في التنقل، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن الطريق بين مكان التصوير ومنزله لا تستغرق أكثر من 15 دقيقة، فقد كان يضطر للإقامة في موقع التصوير لإدراكه صعوبة التنقل، وعدم قدرته على تحديد الوقت الذي قد يستغرقه للوصول من أجل التصوير.

مخرج الفيلم وبطله مع «جائزة الجونة» (إدارة المهرجان)

وتُبدي الناقدة المصرية ماجدة موريس إعجابها بالفيلم والقضية التي يعالجها، في ظل إبراز معاناة الفلسطينيين على المعابر الإسرائيلية من دون أسباب واضحة، والتعنُّت مع تحركاتهم والاستخفاف بحقوقهم بوصفهم مواطنين، مشيرة إلى أن العمل وثّق هذا الأمر بصورة إنسانية متميّزة، واستطاع أن يُبرزها من منظور إنساني.

وأضافت ماجدة لـ«الشرق الأوسط» أن مثل هذه الأفلام تكتسب أهمية خاصة؛ لكونها تُبرز الجوانب الإنسانية وتوثّق المشكلات التي يعيشها الفلسطينيون في حياتهم اليومية، مشيدة بمخرج العمل الذي استطاع توظيف الممثلين بشكل جيد للتّعبير عن فكرته.

ويُثني الناقد المصري محمد عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» على اهتمام المخرج بالتفاصيل الدقيقة التي حملت رسائل مباشرة وغير مباشرة بالأحداث، مشيراً إلى أنّ «مواقف، رغم بساطتها في الأحداث، تضمّنت رسائل تعكس الواقع الفلسطيني بصورة كبيرة».

وأضاف عبد الرحمن أن الفيلم عكس التناقض الذي يعيشه الفلسطيني والإسرائيلي، ففي الوقت الذي لم يتمكن فيه الشاب الفلسطيني من الوصول إلى والدته لطمأنتها عليه، كان الجندي الإسرائيلي يتواصل مع والدته بشكل مكثف، ويعود من أجلها.


مقالات ذات صلة

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مشهد من الفيلم  (مهرجان الجونة)

المخرجة التونسية مريم جعبر لـ«الشرق الأوسط»: «ماء العين» يركز على «العائدين من داعش»

تترقب المخرجة التونسية مريم جعبر عرض فيلمها «ماء العين» في الصالات السينمائية خلال العام المقبل مع انتهاء جولته في المهرجانات السينمائية الدولية.

أحمد عدلي (الجونة (مصر))
يوميات الشرق يعود الفيلم إلى نهاية التسعينات من القرن الماضي ويحمل الكثير من الكوميديا السوداء (الشرق الأوسط)

أسامة القس لـ«الشرق الأوسط»: دوري في «صيفي» مثير للجدل

يترقب الممثل أسامة القس عرض فيلمه «صيفي» في صالات السينما السعودية يوم 26 ديسمبر (كانون الأول)، الذي تدور أحداثه في فترة التسعينات.

إيمان الخطاف (الدمام)
ثقافة وفنون بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)

بيدرو ألمودوفار سيد الأفلام الغامضة يؤلف كتاباً لا يستطيع تصنيفه

يجري النظر إلى بيدرو ألمودوفار، على نطاق واسع، باعتباره أعظم مخرج سينمائي إسباني على قيد الحياة. أما هو فيرى نفسه كاتباً في المقام الأول - «كاتب حكايات»،

نيكولاس كيسي
يوميات الشرق المخرجان اللبنانيان جوانا حاجي توما وخليل جريج خلال تكريمهما بحفل الختام (الجونة السينمائي)

السينما العربية تسيطر على جوائز «مهرجان الجونة»

سيطرت السينما العربية على جوائز الدورة السابعة لـ«مهرجان الجونة السينمائي»، فقد فاز لبنان بـ4 جوائز، وفازت فلسطين بـ3 جوائز، بالإضافة إلى فوز مصر وسوريا وتونس.

انتصار دردير (الجونة (مصر))

رسّام لبناني يبني أعماله على السلام والحوار

نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)
نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)
TT

رسّام لبناني يبني أعماله على السلام والحوار

نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)
نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)

بريشته الإلكترونية المشبّعة بالدفء والعاطفة رسَم نزيه الشامي مشهدية المبنى الذي دمّره القصف في لحظة بمنطقة الطيونة (الضاحية الجنوبية لبيروت)، أمام الكاميرات، وقدّمها تحت عنوان ​«احتضان ما تبقّى»، وأرفقها بصورة لولدين يتعانقان من قلب يرتجف خوفاً.

انتشرت الصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن راح يتبادلها اللبنانيون بكثافة. المبنى المهشّم تحوم حوله الطيور المذعورة، وتتطاير منه في لحظة سقوطه نفسها الذكريات والآمال. وبعين نزيه الشامي فإن هذه الغمرة تمثّل عناقاً بين أحد السكان ومبناه المدمّر. فهو يرى أن علاقةً وطيدة تربط الإنسان بالحجر. ومن يقول العكس فهو بالتأكيد لم يَخُض تجربة خسارة بيته. ويوضح لـ​«الشرق الأوسط»: ​«عندما شاهدت المبنى يسقط فكّرت مباشرة بسكّانه، وكيف أنه في ثوانٍ قليلة اختفت ذكرياتهم وجلساتهم العائلية وضحكاتهم، حتى إني غصتُ في حرقة قلوبهم لخسارتهم السقف الذي ادّخروا المال والعمر من أجل تأمينه. وترجمت أفكاري بهذه الرسمة كشخص يتمنّى عناق منزله قبل وداعه. فارتباطنا بالأماكن يندرج على لائحة العلاقات العاطفية التي نعيشها​».

الأماكن كما يقول نزيه الشامي حتى بعد تدميرها واختفائها عن الخريطة تبقى محفورةً في أذهاننا. نمرّ على أطلالها بين وقت وآخر لنستعيد ذكرياتنا ونتخيّلها تنبض دائماً بطيفنا. ويتابع: ​«هذه العودة التلقائية رسمتها بخيالي وترجمتها في لوحة​».

لوحة «احتضان ما تبقّى» (نزيه الشامي)

يعمل نزيه الشامي في إدارة المشروعات المرتكزة على بناء السلام والحوكمة. وطبيعة شغله تدور حول المساهمة في تعزيز الحوار والتفاهم بين المجتمعات. تخصّص بفن التصميم الغرافيكي في الجامعة اللبنانية. وانطلاقاً من تخصّصه راح يرسم بريشة إلكترونية وبتقنية الديجيتال، مشاهد تنبع من الواقع. ويضيف: ​«الفن يولّد السلام، بينما السياسة تتسبب في النزاعات. لا أنتمي إلى أي حزب أو جهة سياسية. ولكنني أتمسك بانتمائي لوطني لبنان أولاً وأخيراً​».

نزيه ابن الـ28 ربيعاً يعيش في مدينة طرابلس الفيحاء، ويعتزّ بعلاقته الوثيقة بها. لم تشأ الظروف أن يتعرّف إلى مناطق تتعرّض اليوم للقصف في لبنان. فهو ترعرع ودرس وعمل فيها. لكنه يستدرك قائلاً: ​«ليس عندي أي ارتباط عاطفي بالمناطق المتضررة من الحرب الدائرة على أرضنا اليوم. ولكن ما يحدث أمام أعين الجميع من دمار حرّك مشاعري. وهو ما حضّني على الإحساس بأنني أنتمي لكل لبنان. وفي ظل كل هذه المشاهد المرعبة التي نعيشها ولد عندي القلق والتوتر. وبرسوماتي أفرّغ الغضب الذي يسكنني​».

لوحة أخرى بعنوان ​«أفكار محاصرة​» رسمها نزيه الشامي تُبرز مدى تأثّر اللبناني بالحرب. ويُجسد ذلك بصورة شخص يتصاعد دخان الانفجارات من رأسه. فالضغوطات النفسية التي يعيشها أدّت به إلى ذلك. ويصوّر نزيه الشامي هذا الشخص يقف في شارع دمّرته الغارات. ويعلّق: ​«في رأيي أن الانفجار الأكبر يحدث اليوم في رؤوسنا، لا سيما عند الأشخاص الذين في عمري. فعندنا هواجس وقلق كبيران لمصير مجهول لا نعرف إلى أين يودي بنا. صحيح أني أبلغ الـ28 من العمر، ولكن سنوات الهدوء والسلام التي عشتها تشكّل أياماً فقط من عمري. فنحن أيضاً عشنا في طرابلس الأمرّين. وشهدنا حروباً بين أحيائنا فكان اللااستقرار رفيقنا​».

«أفكار محاصرة» لنزيه الشامي (نزيه الشامي)

يشرح نزيه الشامي سبب اختياره الأبيض والأسود في رسوماته: ​«إنها الألوان الرئيسية والمحايدة في الوقت نفسه في علم الرسم. كما أن هذين اللونين باستطاعتهما إبراز التناقض في اللوحة بشكل مباشر. وربما بسبب غياب ألوان الحياة الزاهية عن حياتنا نركن إلى الأبيض والأسود، فيسمحان بمشاهدة اللوحة بوضوح والتركيز على المشاعر والرسالة اللتين تحملهما. ووفقاً لدراستي فهذا الفن يتمتع بالجودة الخالدة».

وعن مدينته طرابلس يقول: ​«أنا طرابلسي حقيقي وأحس بأن هذه المدينة تسري في دمي. فهي ليست مجرد مدينة، بل مجموعة حضارات وثقافات. وتاريخها غني بالتحديات والصعوبات. ولعلها تترجم المثل القائل ​(كبرنا سنة بنهار واحد). فما خضته فيها من تجارب حياتية أنضجني بشكل سريع. وهو ما زوّدني بالقدرة على تجاوز مصاعب الحياة. فأنا أشبه مدينتي المنتصبة دائماً، التي تجمع في أحضانها جميع اللبنانيين​».

نزيه الذي عمل في مجال التطوع منذ كان في الـ16 من عمره، تعلّم أنه بذلك يردّ الجميل لمجتمع ينتمي إليه. ويختم لـ​«الشرق الأوسط»: ​«لقد جُلت على مراكز إيواء النازحين في مدينتي. واطلعت على حاجاتهم وساهمت في مساعدتهم. فطرابلس علّمتني الصمود. وهو ما يحفزني على الاستمرار. فأزقتها وبيوتها وأسواقها أعدّها مصدر إلهامي​».