«كايرو كوميكس»... أحلام الشباب تُجسِّدها القصص المصوَّرة

يعود «كسلان جداً» بعينيه الواسعتين وشعره الأسود

مشهد من معرض «من قتل أسمهان» (الشرق الأوسط)
مشهد من معرض «من قتل أسمهان» (الشرق الأوسط)
TT

«كايرو كوميكس»... أحلام الشباب تُجسِّدها القصص المصوَّرة

مشهد من معرض «من قتل أسمهان» (الشرق الأوسط)
مشهد من معرض «من قتل أسمهان» (الشرق الأوسط)

يسعى مهرجان القاهرة الدولي للقصص المصوَّرة (كايرو كوميكس) إلى إبراز أعمال الجيل الجديد من الفنانين، التي تتجسَّد فيها أحلام الشباب، وتتناول أكثر من قضية اجتماعية عبر معارض وقصص متنوِّعة.

المهرجان الذي يستضيفه «مركز محمود مختار الثقافي» بالقاهرة على مدى 3 أيام، تنتهي الأحد 3 نوفمبر (تشرين الثاني)، شارك فيه 30 عارضاً، و21 دار نشر، من مصر ودول عربية.

ويقدّم المهرجان - الذي اختار أيقونة مجلة «ماجد» الإماراتية «كسلان جداً» للفنان المصري مصطفى رحمة شخصيةَ هذا العام - أعمال فنانين من الأردن وسويسرا والأرجنتين، وإلى جانب مصر هناك عدد من العارضين المستقلّين من السعودية وليبيا.

ويقول مديره محمد شناوي إنّ «ما يميّز (كايرو كوميكس) في نسخته الحالية التركيز على الإنتاج المستقل، الذي ينفرد به الجيل الجديد من صنّاع القصص المصوَّرة في مصر»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «بخلاف القصص المصوَّرة الموجَّهة للأطفال في المجلات المتخصّصة، وإصدارات دُور النشر، ثمة موجة جديدة من الشرائط المصوَّرة ينتجها هؤلاء الفنانون الشباب بأسمائهم بشكل مستقل، وكان (كايرو كوميكس) في دوراته السابقة جزءاً فاعلاً من هذه الموجة».

«لوغو» المهرجان (الشرق الأوسط)

ويتابع: «الآن كبرت هذه الموجة، وصارت أكثر اتّساعاً، فيعمل المهرجان على بذل مزيد من الجهد، وتنظيم الفعاليات والنشاطات التي تتماشى معها؛ ليصبح صوتاً معبّراً عن أحلام الشباب والتحدّيات التي تواجه صناعة القصص المصوَّرة».

وتمثّل المعارض أهمية محورية في نشاطات المهرجان بهدف جعله نافذةً منفتحةً على إبداعات القصص المصوَّرة (الفن التاسع) في مختلف أنحاء العالم، وذلك من خلال مشاركات فنانين من جنسيات عدّة، ويضمّ في نسخته التاسعة مجموعة معارض، منها المعرض الرئيسي بعنوان «كسلان جداً» لمصطفى رحمة.

يتضمّن هذا المعرض رسوماً لشخصية خطفت قلوب أطفال الثمانينات والتسعينات، وفق شناوي، «هم قرّاء مجلة (ماجد) الإماراتية، فيعود (كسلان جداً) عبر المهرجان بعينيه الواسعتين وشعره الأسود، فيتعرّف المُشاهد إلى قصة ابتكاره، وثنائي العمل المؤلَّف من أحمد عمر والفنان مصطفى رحمة».

من أعمال الفنانة شيماء البشبيشي في المهرجان (الشرق الأوسط)

وفي كلمته خلال اللقاء المفتوح مع جمهور المهرجان، تحدَّث رحمة عن ذكرياته مع هذه الشخصية التي رافقته طوال 3 عقود، فقال: «لأنّ مجلة (ماجد) حقّقت نجاحات غير مسبوقة، وكان القراء ينتظرونها بشغف صباح الأربعاء من كل أسبوع، فقد شهدت البداية رسم (كسلان جداً) ومعه عدد آخر من شخصياتها، ثم ذهبت بعض الشخصيات لاحقاً إلى رسامين آخرين، فيما احتفظتُ بالجميل (كسلان جداً) إلى أن انضمّ إليه شقيقه (نشيط)، وهذه الاحتفالية فرصة لألتقي بعد سنوات بـ(كسلان جداً)».

وفي معرض كتاب «من قتل أسمهان»، للور إبراهيم ونادية صفصف، يلتقي المُشاهد بالقصة المصوَّرة المبنية على أحداث حقيقية مع بعض الإضافات الفنّية؛ إذ تسرد المؤلّفة حياة أسمهان وحادث وفاتها الغامض، عن طريق الشخصية الرئيسية الصحافي محمد التابعي؛ صديقها.

ويتناول معرض «كتاب آخ يا ظهري» لخالد نهار (الأردن)، وهو رسام ومؤلّف قصص مصوَّرة مقيم في عمان، قصة مؤثّرة يروي الفنان من خلالها رحلة العلاج الكيميائي مروراً بالتعافي، في أول رواية مصوَّرة له تُنشَر مطبوعةً.

وتجسّد «بورتفوليو» أحد أهم النشاطات التي ينظّمها المهرجان، لإتاحة الفرصة للجمهور والمهتمّين للتعرُّف من قرب إلى تجربة الفنانين المحترفين، ذلك أنّ «بورتفوليو» هي حافظة من الكرتون لجمع رسوم الفنانين، وعبر هذه الفاعلية يمكن لعشّاق القصص المصوَّرة الاطّلاع على خطوات رسم صفحة كاملة، بدايةً من الفكرة إلى التنفيذ بأسلوب كل فنان؛ مرّة بالرسم التقليدي بالأقلام والأحبار، وأخرى بواسطة برامج الرسم الرقمية.

سوق «كوميكس» من أهم نشاطات المهرجان (الشرق الأوسط)

وتمثّل «سوق الكوميكس» أهمية كبيرة ضمن أنشطة المهرجان، وفق شناوي الذي يوضح: «تحت سقف واحد، تجتمع إصدارات متنوّعة لعدد كبير من دُور النشر المتخصصة، وشهدت هذه الدورة مشاركة عدد كبير من دُور النشر الكبرى والمكتبات العربية بأحدث العناوين والإصدارات في هذا المجال، مما ينشّط حركة البيع والشراء في عالم القصص المصوَّرة، وخصوصاً أنّ السوق تشهد تخفيضات وعروضاً تجذب محبّي الفنّ التاسع».

يُذكر أنه تُشارك في تنظيم المهرجان مؤسّسة «الفن التاسع»، بدعم من «المعهد الفرنسي» بالقاهرة، و«التعاون الإسباني» في مصر، و«مركز محمود مختار الثقافي» التابع لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية.


مقالات ذات صلة

20 فناناً دولياً يستكشفون تأثيرات ظهور الإنترنت في الرياض

يوميات الشرق أعمال 20 فناناً محلياً وعالمياً تشارك المعرض الذي يقدّمه معهد مسك للفنون (الشرق الأوسط)

20 فناناً دولياً يستكشفون تأثيرات ظهور الإنترنت في الرياض

في ظل التقدم التقني غير المسبوق الذي يشهده العصر الحالي، ألقى معرض «عصر الأثر الخافت» الضوء على التأثيرات والتحولات التي أحدثتها الأقمار الاصطناعية.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق السطو مسَّ بملكات الفنان آندي وارهول (أ.ب)

لصوص سرقوا «ملكات» آندي وارهول من معرض هولندي

سُرقت لوحتان للفنان الأميركي آندي وارهول خلال اقتحام ليليّ لمعرض في هولندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق عمل للفنان التركي بلال هاكان (الشرق الأوسط)

معرض إسطنبول للفن المعاصر يغازل السوق الفنية بأعمال الرواد والمعاصرين

«المترجم الثقافي ما بين الشرق والغرب» هكذا يصف العاملون في مجال الفنون في تركيا المحفل السنوي «معرض إسطنبول للفن المعاصر» فهو الأكبر والأقدم في إسطنبول.

عبير مشخص (إسطنبول)
أوروبا إيمانويل ماكرون يزور جناحاً في معرض «يورونافال» للدفاع البحري في لو بورجيه بالقرب من باريس 23 أكتوبر 2018 (رويترز)

محكمة فرنسية تلغي حظراً على مشاركة شركات إسرائيلية في معرض للأسلحة

قال منظمو معرض «يورونافال للأسلحة البحرية»، إن محكمة فرنسية ألغت حظراً حكومياً على مشاركة شركات إسرائيلية في المعرض المقرر عقده الأسبوع المقبل قرب باريس.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق جانب من الأعمال المعروضة في الملتقى (الشرق الأوسط)

حوار فني بين «شيخ» الخط العربي وتلاميذه في مصر

يُتيح «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي» لزائره فرصة استكشاف الزخم الجمالي للخطوط العربية، وتراكم فنونها عبر أجيال مختلفة.

منى أبو النصر (القاهرة)

رسّام لبناني يبني أعماله على السلام والحوار

نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)
نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)
TT

رسّام لبناني يبني أعماله على السلام والحوار

نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)
نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)

بريشته الإلكترونية المشبّعة بالدفء والعاطفة رسَم نزيه الشامي مشهدية المبنى الذي دمّره القصف في لحظة بمنطقة الطيونة (الضاحية الجنوبية لبيروت)، أمام الكاميرات، وقدّمها تحت عنوان ​«احتضان ما تبقّى»، وأرفقها بصورة لولدين يتعانقان من قلب يرتجف خوفاً.

انتشرت الصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن راح يتبادلها اللبنانيون بكثافة. المبنى المهشّم تحوم حوله الطيور المذعورة، وتتطاير منه في لحظة سقوطه نفسها الذكريات والآمال. وبعين نزيه الشامي فإن هذه الغمرة تمثّل عناقاً بين أحد السكان ومبناه المدمّر. فهو يرى أن علاقةً وطيدة تربط الإنسان بالحجر. ومن يقول العكس فهو بالتأكيد لم يَخُض تجربة خسارة بيته. ويوضح لـ​«الشرق الأوسط»: ​«عندما شاهدت المبنى يسقط فكّرت مباشرة بسكّانه، وكيف أنه في ثوانٍ قليلة اختفت ذكرياتهم وجلساتهم العائلية وضحكاتهم، حتى إني غصتُ في حرقة قلوبهم لخسارتهم السقف الذي ادّخروا المال والعمر من أجل تأمينه. وترجمت أفكاري بهذه الرسمة كشخص يتمنّى عناق منزله قبل وداعه. فارتباطنا بالأماكن يندرج على لائحة العلاقات العاطفية التي نعيشها​».

الأماكن كما يقول نزيه الشامي حتى بعد تدميرها واختفائها عن الخريطة تبقى محفورةً في أذهاننا. نمرّ على أطلالها بين وقت وآخر لنستعيد ذكرياتنا ونتخيّلها تنبض دائماً بطيفنا. ويتابع: ​«هذه العودة التلقائية رسمتها بخيالي وترجمتها في لوحة​».

لوحة «احتضان ما تبقّى» (نزيه الشامي)

يعمل نزيه الشامي في إدارة المشروعات المرتكزة على بناء السلام والحوكمة. وطبيعة شغله تدور حول المساهمة في تعزيز الحوار والتفاهم بين المجتمعات. تخصّص بفن التصميم الغرافيكي في الجامعة اللبنانية. وانطلاقاً من تخصّصه راح يرسم بريشة إلكترونية وبتقنية الديجيتال، مشاهد تنبع من الواقع. ويضيف: ​«الفن يولّد السلام، بينما السياسة تتسبب في النزاعات. لا أنتمي إلى أي حزب أو جهة سياسية. ولكنني أتمسك بانتمائي لوطني لبنان أولاً وأخيراً​».

نزيه ابن الـ28 ربيعاً يعيش في مدينة طرابلس الفيحاء، ويعتزّ بعلاقته الوثيقة بها. لم تشأ الظروف أن يتعرّف إلى مناطق تتعرّض اليوم للقصف في لبنان. فهو ترعرع ودرس وعمل فيها. لكنه يستدرك قائلاً: ​«ليس عندي أي ارتباط عاطفي بالمناطق المتضررة من الحرب الدائرة على أرضنا اليوم. ولكن ما يحدث أمام أعين الجميع من دمار حرّك مشاعري. وهو ما حضّني على الإحساس بأنني أنتمي لكل لبنان. وفي ظل كل هذه المشاهد المرعبة التي نعيشها ولد عندي القلق والتوتر. وبرسوماتي أفرّغ الغضب الذي يسكنني​».

لوحة أخرى بعنوان ​«أفكار محاصرة​» رسمها نزيه الشامي تُبرز مدى تأثّر اللبناني بالحرب. ويُجسد ذلك بصورة شخص يتصاعد دخان الانفجارات من رأسه. فالضغوطات النفسية التي يعيشها أدّت به إلى ذلك. ويصوّر نزيه الشامي هذا الشخص يقف في شارع دمّرته الغارات. ويعلّق: ​«في رأيي أن الانفجار الأكبر يحدث اليوم في رؤوسنا، لا سيما عند الأشخاص الذين في عمري. فعندنا هواجس وقلق كبيران لمصير مجهول لا نعرف إلى أين يودي بنا. صحيح أني أبلغ الـ28 من العمر، ولكن سنوات الهدوء والسلام التي عشتها تشكّل أياماً فقط من عمري. فنحن أيضاً عشنا في طرابلس الأمرّين. وشهدنا حروباً بين أحيائنا فكان اللااستقرار رفيقنا​».

«أفكار محاصرة» لنزيه الشامي (نزيه الشامي)

يشرح نزيه الشامي سبب اختياره الأبيض والأسود في رسوماته: ​«إنها الألوان الرئيسية والمحايدة في الوقت نفسه في علم الرسم. كما أن هذين اللونين باستطاعتهما إبراز التناقض في اللوحة بشكل مباشر. وربما بسبب غياب ألوان الحياة الزاهية عن حياتنا نركن إلى الأبيض والأسود، فيسمحان بمشاهدة اللوحة بوضوح والتركيز على المشاعر والرسالة اللتين تحملهما. ووفقاً لدراستي فهذا الفن يتمتع بالجودة الخالدة».

وعن مدينته طرابلس يقول: ​«أنا طرابلسي حقيقي وأحس بأن هذه المدينة تسري في دمي. فهي ليست مجرد مدينة، بل مجموعة حضارات وثقافات. وتاريخها غني بالتحديات والصعوبات. ولعلها تترجم المثل القائل ​(كبرنا سنة بنهار واحد). فما خضته فيها من تجارب حياتية أنضجني بشكل سريع. وهو ما زوّدني بالقدرة على تجاوز مصاعب الحياة. فأنا أشبه مدينتي المنتصبة دائماً، التي تجمع في أحضانها جميع اللبنانيين​».

نزيه الذي عمل في مجال التطوع منذ كان في الـ16 من عمره، تعلّم أنه بذلك يردّ الجميل لمجتمع ينتمي إليه. ويختم لـ​«الشرق الأوسط»: ​«لقد جُلت على مراكز إيواء النازحين في مدينتي. واطلعت على حاجاتهم وساهمت في مساعدتهم. فطرابلس علّمتني الصمود. وهو ما يحفزني على الاستمرار. فأزقتها وبيوتها وأسواقها أعدّها مصدر إلهامي​».