«شكراً لأنك تحلم معنا» فيلم فلسطيني يطرح قضية شائكة في «الجونة السينمائي»

المخرجة ليلى عباس قالت إنه «من حكايات عائلتي وأصدقائي»

الفلسطينيتان ياسمين المصري وكلارا خوري بأحد مشاهد الفيلم  (إدارة المهرجان)
الفلسطينيتان ياسمين المصري وكلارا خوري بأحد مشاهد الفيلم (إدارة المهرجان)
TT

«شكراً لأنك تحلم معنا» فيلم فلسطيني يطرح قضية شائكة في «الجونة السينمائي»

الفلسطينيتان ياسمين المصري وكلارا خوري بأحد مشاهد الفيلم  (إدارة المهرجان)
الفلسطينيتان ياسمين المصري وكلارا خوري بأحد مشاهد الفيلم (إدارة المهرجان)

ينأى الفيلم الفلسطيني «شكراً لأنك تحلم معنا» عن الدخول في قضايا سياسية، أو الاشتباك مع الواقع المأزوم، ليطرح قضية اجتماعية شائكة، عبر حكاية تثير التعاطف والاستياء في آن واحد.

الفيلم الذي عُرض، الخميس، بمهرجان الجونة السينمائي في دورته السابعة يعد أحد أفلام المسابقة الروائية الطويلة، من تأليف وإخراج ليلى عباس، بطولة ياسمين المصري، وكلارا خوري، وكامل الباشا، وأشرف برهوم، ومن إنتاج فلسطين وألمانيا و«ميتافورا بالدوحة»، وحصل على دعم من مهرجان البحر الأحمر ومهرجان الجونة و«آفاق»، وبمشاركة المنتجة المصرية شاهيناز العقاد.

يعرض الفيلم حياة شقيقتين فلسطينيتين؛ الأولى «مريم» وهي ربة بيت وأم تعاني مشكلات مع زوجها الذي لا يهتم بولديه، بشكل خاص الابن المراهق، فتقرر الطلاق، والشقيقة الأصغر «نورا» وهي خبيرة تجميل تعيش مع والدها المريض وتقوم برعايته، بينما شقيقهما المهاجر إلى الولايات المتحدة لا يسأل عنهما ولم يزر أباه في مرضه.

المخرجة الفلسطينية ليلى عباس بمهرجان الجونة (الشرق الأوسط)

يمثل موت الأب نقطة تحول كبيرة في أحداث الفيلم، إذ تطلب «نورا» من شقيقتها إخفاء خبر وفاته عن الجميع حتى يتمكنا من نقل أمواله بالبنك إليهما، تُبدي «مريم» تحفظاً وتردداً، وتنجح شقيقتها في استمالتها قائلة: ماذا لو أصبح في حسابك البنكي غداً 80 ألف دولار، وتقنعها بأن الأموال من حقهما بدلاً من أن يستحوذ عليها شقيقهما المهاجر، ولن يلتزم بالشرع في مساعدتهما، وأن أباها كان يرى أن الأموال لهما ولم يمهله القدر لتوثيق ذلك.

تلجأ «نورا» لدفتر شيكات والدها وتكتب شيكاً بتوقيع الأب المتوفي مدعية لإدارة البنك أنه مريض ويحتاج علاجاً. ترفض إدارة البنك صرف الشيك إلا بعد الاتصال بالأب شخصياً.

تتجه «نورا» للاستعانة تارة بالخال وتارة بصديقها الذي ترتبط معه بعلاقة عاطفية، لكي يقوم أحدهما بدور الأب حين يتصل به البنك، لكنهما يرفضان الأمر، ويستهجن الخال (كامل الباشا) تركهما جثة الأب دون إجراءت دفن، متبرئاً من جشعهما المادي.

الفيلم الذي تم تصويره في مدينة رام الله يرصد كثيراً من مظاهر الحياة في فلسطين بشوارعها ومبانيها وحركة الناس.

تقدم المخرجة ليلى عباس أولى تجاربها في الأفلام الطويلة، ومن قبل قدمت 4 أفلام قصيرة إلى جانب الوثائقي «صقيع وغبار»، وقالت ليلى لـ«الشرق الأوسط» إنها كتبت الفيلم وصورته قبل أحداث 7 أكتوبر 2023 وإنها لم تتصور أبداً أن يعرض هذا الفيلم الاجتماعي الخفيف في ظروف صعبة وثقيلة كالتي تمر بها بلادها، وتكشف أنها شاركت به كمشروع على الورق في مهرجان الجونة وحصلت به على 3 جوائز لدعمه وتطويره، وأن عودتها بالفيلم للجونة هذا العام يحمل معنى خاصاً بالنسبة لها.

ليلى عباس وأسرة الفيلم على المسرح قبل بدء عرضه (إدارة مهرجان الجونة)

وحول اختيارها لتقديم فيلم اجتماعي دون تطرق مباشر لقضية بلادها، أوضحت: «أردت تقديم قصة مختلفة، فكل قصصنا الاحتلال طرف فيها، وهذا مطلوب ويعد جزءاً من نضالنا، لكنني أرغب في طرح قصة اجتماعية تشبهنا، تكون المساحة فيها للفلسطيني ولا يقتحمها إسرائيلي، فنحن مثل أي مجتمع لدينا مشاكلنا، وهذه قصة واقعية مستوحاة من قصص لعائلتي وأصدقاء وحكايات مماثلة لما يثيره موضوع الميراث من حساسية، خصوصاً لدى النساء في العالمين العربي والإسلامي».

وتضيف: «أشعر أننا لا بد وأن نحكي في هذه المنطقة لأن تركيبتنا تغيرت كثيراً، كما تغير شكل العائلة، كنت كلما أحكي مع صديقة عن قصة الفيلم تروي لي عما حدث بأسرتها، فهو موضوع موجود وحاضر وقد حاولت أن أحكيه بطريقة غير منفرة».

وحسب الناقد المصري طارق الشناوي، فإن «الفيلم الفلسطيني لا يدعو لخرق القوانين أو الشرع، وإنما يقدم تحليلاً للنفس البشرية وضعفها، لأن الموت هو أكبر شيء يمكن أن يهز الإنسان، ومع ذلك فبطلتا الفيلم استطاعتا تجاوز موت الأب في ظل ثبات انفعالي كبير لتدبير خطة شريرة».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الأفلام التي تعيش مع الزمن هي التي تدخل في عمق مشاعر الإنسان حتى السلبي منها الذي يجرمه الشرع والقانون، وأن المتلقي ينظر للشاشة باحثاً عن دوافع أبطاله الذين يتمثلهم، وهناك جزء دفين مرتبط بالمعايير المختلفة يمثل الجانب العميق الذي راهنت عليه المخرجة»، مشيداً بأنها «ناقشت القضية دون صخب مع لمحة من الكوميديا برغم مأساوية الحدث».

ويلفت الشناوي إلى أن «الفيلم يعبر عن وحدة عربية في إنتاجه بمشاركة مؤسسة البحر الأحمر والدوحة ومصر وفلسطين بالطبع، ما يشير لرحابة إنتاج مثل هذه الأعمال التي تشاغب في جانب اجتماعي ونفسي يعيشه البشر».


مقالات ذات صلة

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

تدور أحداث الفيلم السوري «سلمى» الذي جاء عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة «آفاق عربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، وتلعب بطولته الفنانة سلاف فواخرجي.

انتصار دردير (القاهرة)

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».