يتفرّغ الشيف ريشار خوري اليوم لمساعدة النازحين. يحمل سكاكينه وخبراته ويتوجه إلى مدرسة الفندقية في الدكوانة. هناك يحضّر أكثر من 1000 وجبة ساخنة تُوزّع على النازحين. ومع فريق من طلاب المدرسة يتعاونون على إعداد هذه الكميات من الطعام يومياً.
تجربته الطويلة في عالم الطبخ دفعت بمؤسسات عدة للاستعانة بخدماته. وبصفته متطوعاً؛ فهو يلبي النداء، ويُشرف على كل شاردة وواردة في المطبخ الذي يديره.
تجربة الشيف ريشار، هذه المرة، تختلف عن غيرها. وبدل أن يعدّ أطباقاً لذيذة تكفي لإطعام زبائن مطعم مثلاً أو ورشة طلاب تدريبية، فإنه يعد أطباقًا يتعدّى عددها الألف.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تخرجت في مدرسة الفندقية، عام 1988. واليوم أعود إليها من باب الاطّلاع والمساعدة على حاجات النازحين فيها. وفي مطبخها الشاسع والمجهّز بالأواني المطلوبة أقوم بعملي. فالوجبة السّاخنة أقل ما يمكننا تأمينه للنازح، لأنها تخفف من معاناته إلى حدّ ما. لهذا السبب لبّيت دعوة المدرسة، للمساعدة في تجهيز الطعام. ومع مؤسسات أخرى أجول على مراكز الإيواء، لأقف على نظافة المطبخ وكل مستلزمات الطهي».
يعدّ الشيف ريشار تجربته اليوم واحدة من أجمل ما خاضه في مشواره. «الطبخ بحدّ ذاته يحمل لذة ومتعة لصاحبه؛ فكيف إذا كان يتوجّه لضيوف من بلادي يعانون الأمرّين من حرب دامية يعيشونها؛ فهم أصحاب بيوت، ولديهم مطابخهم وأوانيهم الخاصة، ولكن الحرب اضطرتهم إلى ترك كل شيء خلفهم. ولذلك كان من البديهي تأمين هذه الوجبة الساخنة لهم، ليشعروا بالأمان إلى حدّ ما، وكأنهم في منازلهم الخاصة».
يشير الشيف ريشار إلى أنه لاحظ في بعض جولاته على مطابخ مستحدثة في مراكز إيواء افتقادها عناصر أساسية خاصة بالطبخ. «غالبية هذه المطابخ لا ثلّاجات ولا مياه صالحة للشرب فيها. ولكن وبمبادرات فردية يقوم بها عدد من اللبنانيين والجمعيات الخيرية يوفّرون لتلك المراكز قوارير مياه ومكونات طعام».
خضراوات صفراء ومجلى صغير وأدوات مطبخ قليلة جداً، تشكّل عناصر طهي غير كافية. وهي مشاهد رآها هنا وهناك أثناء جولاته للقيام بورش تدريب على الطبخ. ولكن في المقابل يُبدي إعجابه بأماكن أخرى لتوفيرها كل مقومات الإقامة على أكمل وجه. «لقد لفتتني المدرسة الرسمية للبنات في برمانا بتنظيمها الرائع؛ فهي تستقبل نازحين من برج البراجنة. وقد أُمّنت المياه الساخنة وماكينات الغسل والمطبخ الملائم لهم».
يشدّد الشيف ريشار على ضرورة اتّباع النظافة في مراكز الإيواء. «الطهي يرتكز على النظافة التامة وإلّا حملنا البكتيريا والأمراض في طعامنا. واليوم نخاف من إصابات بالسالمونيلا. وهناك حالات تسمم وإسهال عدة لاحظناها هنا وهناك تعود أسبابها لغياب النظافة».
استبدل الشيف ريشار بالطنجرة «الدست»؛ فهذا الوعاء الكبير والضخم يخوّل له تحضير طعام بكميات كبيرة. «عملية الطهي بواسطة (الدست) تختلف تماماً عن الطنجرة. وحالياً أستعمل 4 أوعية من هذا النوع لتأمين الوجبات اللازمة. ومن أجل القيام بذلك هناك حسابات دقيقة علينا اتباعها. لا يكفي أن نُعِدّ الوجبات فقط، بل أن يكون لها النكهة والطعم اللذيذان. ومن أجل تحضير الأرز وحده يلزمنا 80 كيلوغرامَ أرز و10 كيلوغرامات شعيرية و5 لترات زيت نباتي و168 لتراً من المياه الصالحة للشرب. ويجب ألا ننسى كمية الملح المطلوبة، وتبلغ 1600 غرام».
يضع الشيف ريشار خبراته بمتناول الجميع، ولذلك لا يردّ طلباً للاستعانة به من أي جمعية. «إنها رسالتنا نخن الطهاة، وعلينا تطبيقها في أي زمان ومكان. واليوم تدور حرب شرسة على أرضنا، وهناك مَن هم بحاجة إلينا. إنهم متطوّعون بدورهم ومساعدتهم واجبة. لذلك أزوّد هؤلاء الطباخين الشباب بما يفيدهم من قواعد عليهم اتباعها في عملهم التطوعي».
من الوجبات التي يحضّرها «اليخنة» على أنواعها: «كما يخنة البطاطا والفاصولياء. كذلك نُحضّر أطباق المعكرونة مع الدجاج أو اللحم البقري. وأحياناً نلجأ إلى تحضير السندويتشات على أنواعها؛ فمن المهم جداً أن نقدّم للنازحين أطباقاً منوّعة، لأن الاهتمام بهم يزوّدهم بالراحة. وعندما نلجأ إلى تنويع في الأطباق، فهو ينعكس عليهم متعة تفتح شهيتهم».