«يوميات القاهرة» تُلهم 5 تشكيليين مصريين لاكتشاف السعادة والمعاناة

عبر معرض يضمّ 150 عملاً توثّق أجواء المدينة العتيقة

«الحزن» لوحة للفنان فتحي علي (الشرق الأوسط)
«الحزن» لوحة للفنان فتحي علي (الشرق الأوسط)
TT

«يوميات القاهرة» تُلهم 5 تشكيليين مصريين لاكتشاف السعادة والمعاناة

«الحزن» لوحة للفنان فتحي علي (الشرق الأوسط)
«الحزن» لوحة للفنان فتحي علي (الشرق الأوسط)

يمكن للمشاهد، الذي لا يعرف تفاصيل القاهرة، أو لم تسبق له زيارتها من قبل، أن يسبر أغوارها، ويتزوّد بكثير عن زخمها الإنساني وثرائها الاجتماعي، من خلال تأمّل أعمال هذا المعرض الجماعي الذي يبوح ببعض أسرارها وحكاياتها، مستكشفاً جماليات الأحياء القديمة في المدينة.

يضمّ المعرض، المُقام بعنوان «30 في 30... يوميات المدينة» في غاليري «أرت كورنر» بحي الزمالك، نحو 150 لوحة لـ5 فنانين هم: رضا خليل، وفتحي علي، وحنان عبد الله، وإنجي محمود، ومحمد وهبة، فضلاً عن ضيف الشرف فريد فاضل.

«عامل البناء» للفنان فتحي علي (الشرق الأوسط)

ويستند المعرض إلى فكرة جديدة تقوم على تقديم كل فنان 30 لوحة تجسّد 30 موضوعاً مُتّفقاً عليها بشكل مُسبق بمقاس 30 في 30، على أن تسرد الأعمالُ يوميات القاهرة وناسها. ومن الموضوعات التي التزم بها الفنانون الحارة المصرية، والبيوت القديمة، والأبواب، والشُّرفات، وبائع الخبز، وعربة الفول، والمقهى، وعمال اليومية، والمراكب، والحزن، والاحتفال بالمناسبات السعيدة، والورشة، والمطعم، وغير ذلك.

رجال حوّلوا قفصاً لطاولة طعام صغيرة.. لوحة فتحي علي (الشرق الأوسط)

تعاطى الفنانون المشاركون، من خلال أعمالهم، مع حالات إنسانية موزعة ما بين الرضا والألم والسعادة والمعاناة والعمل والراحة، وكل ما يمتُّ إلى الحالات والمشاعر بصلة؛ فقد طغى تجسيد البشر على اللوحات.

وحتى عندما قام الفنانون برسم بعض تفاصيل المكان، أو احتفوا بالتّصميم الداخلي والطُّرز المعمارية، فقد جاء ذلك محمّلاً بروح الناس ورائحتهم، مسكوناً بأحاديثهم وحكاياتهم أيضاً؛ لذا فإن أحد الجوانب الأكثر لفتاً للانتباه في أعمال المعرض هي حشد الشخوص، وسيطرة روح الجماعة على الأجواء.

وكأن الفنانين تعمّدوا تأكيد أن ثَمّة روابط اجتماعية قوية لا تزال تجمع أهل القاهرة، وهو ما أسهم في نقل مشاعر الحميمية والتعاون والحنين، وزاد من ذلك أن خطوط اللوحات وحركاتها وألوانها تبثّ جملة من الأحاسيس الدافئة التي تستثير الذكريات واللحظات العاطفية لدى المتلقي، سيما ذلك الذي عاش طويلاً في الأحياء العتيقة والمدن العريقة، حتى لو لم تكن القاهرة أو المدينة التي يعنيها المعرض.

«الجميلة والعصافير» لوحة للفنان فتحي علي (الشرق الأوسط)

«تُجسّد الأعمال أحوال المدينة ويوميات ناسها، من خلال مشاهدات الفنان وذكرياته الشخصية، وبأسلوبه وأدواته الخاصة»، وفق تعبير الفنان فتحي علي، الذي يقول، لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لي، تركز لوحاتي الـ30 على ذكرياتي القديمة، فقد وُلدت في الستينات من القرن الماضي، وعشت حياة مليئة بالزخم الإنساني، ونشأت في حي قاهري عريق هو حي (الجمالية)، الذي أعشقه، وأقدّر عطاءه الحضاري اللامحدود للمدينة بأَسرها».

تُقاسم الأرجوحات الخشبية الطعام في حاوية مشتركة على أقفاص وُضعت بعناية على الرصيف، والجميلة التي تحاول لمس العصافير برقّة، وعامل البناء الذي يعمل في صمتٍ وإتقان سعياً وراء لقمة العيش، والسيدات اللاتي يتّشحن بالسواد في طريقهن للمقابر، والرجال المتوجهين للصلاة في المسجد، والأطفال الذين يلعبون الكرة في الشارع، ذلك كله بعض من مشاهدَ جسّدها علي في لوحاته، ناقلاً نبض الحي الذي يَعدّ طقوسه اليومية نفسها من أهم علامات مدينته.

«الحارة المصرية» لوحة للفنانة حنان عبد الله (الشرق الأوسط)

في لوحات الفنانة حنان عبد الله بالمعرض، نعيش لحظات «قاهرية» من الماضي والحاضر معاً، فمن خلال أعمالها كأننا نستمع بوضوح لرنّة الصاجات بإيقاعها الموسيقي تُجلجل في زحام شوارع القاهرة، ونَجري مع الصغار إلى الشرفة، أو نُسرع إلى مصدر الصوت، لنشاهد من أين تأتي هذه الرّنات التي تجعل الصغار يرقصون فرحاً.

المشاهد اليومية التي ترى الفنانة أن تجسيدها في لوحات صغيرة أدى إلى تكثيف الفكرة التي يتناولها الفنان في عمله، وقالت، لـ«الشرق الأوسط»: «وكأننا كنا نعمل (كروب) أو (زووم) على اليوميات التي نُعبّر عنها، ومن ثمّ ظهرت الفكرة واضحة، واللقطة صادقة».

لوحة «البيانولا» للفنان رضا خليل (الشرق الأوسط)

مشاهد قديمة في القاهرة من الماضي اختار الفنان رضا خليل أن يجسدها في بعض لوحاته بالمعرض، تثير شجن كثيرين ممّن يفتقدونها أو يَعدّونها جزءاً من طفولتهم في المدينة، وأمام لوحة «البيانولا» قال، لـ«الشرق الأوسط»: «كنت في الرابعة من العمر عندما وجدت إخوتي يتّجهون نحو الشرفة، ويصيحون (البيانولا)، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها (صندوق البيانولا)».

ويضيف خليل: «كان المشهد مدهشاً لطفلٍ صغيرٍ يرى رجلاً متواضع الحال يحمل صندوقاً خشبياً يُصدر ألحاناً مبهجة، تخرج عند إدارة ذراع في جانب الصندوق، ويجتمع الصغار والكبار، في حين يجمع مساعده قروشاً قليلة، لكن مع مرور السنوات وتغيّر الأحوال، اختفى الرجل وصندوقه، إلّا من قلوب قليلين، وأنا منهم».

«من يوميات سكان المدينة» للفنانة إنجي محمود (الشرق الأوسط)

أما الفنانة إنجي محمود فتتناول الازدحام في الشوارع و المواصلات وأماكن العمل، وأبرزت فكرة قوة التواصل وقِصر المسافات بين البشر في العاصمة المصرية، مستخدمة الأحبار الملوّنة. وكعادته، عبّر الفنان محمد وهبة عن الواقع من خلال الإسكتشات وفن «الكوميكس»، بلغةٍ فنية بسيطة وجاذبة للمتلقّي، في حين تنقّلت ريشة طبيب العيون، الفنان فريد فاضل، في لوحاته بين روعة المكان والإنسان في القاهرة، بمشاهد مُفعمة بالمشاعر الدافئة والرّصد الجمالي.


مقالات ذات صلة

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
TT

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

توصّلت دراسة أجراها باحثون من جامعة توركو الفنلندية، إلى أنّ الوقوف لفترات طويلة في العمل له تأثير سلبي في قياسات ضغط الدم على مدى 24 ساعة.

وتكشف النتائج عن أنّ الوقوف لفترات طويلة يمكن أن يرفع ضغط الدم، إذ يعزّز الجسم مسارات الدورة الدموية إلى الأطراف السفلية عن طريق تضييق الأوعية الدموية وزيادة قوة ضخّ القلب. وعلى النقيض من ذلك، ارتبط قضاء مزيد من الوقت في وضعية الجلوس في العمل بتحسُّن ضغط الدم.

وتشير الدراسة، التي نُشرت في مجلة «ميديسين آند ساينس إن سبورتس آند إكسيرسيس»، إلى أنّ السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

تقول الباحثة في الدراسة، الدكتورة جووا نورها، من جامعة «توركو» الفنلندية: «بدلاً من القياس الواحد، فإن قياس ضغط الدم على مدار 24 ساعة هو مؤشر أفضل لكيفية معرفة تأثير ضغط الدم في القلب والأوعية الدموية طوال اليوم والليل».

وتوضِّح في بيان منشور، الجمعة، على موقع الجامعة: «إذا كان ضغط الدم مرتفعاً قليلاً طوال اليوم ولم ينخفض ​​بشكل كافٍ حتى في الليل، فتبدأ الأوعية الدموية في التصلُّب؛ وعلى القلب أن يبذل جهداً أكبر للتعامل مع هذا الضغط المتزايد. وعلى مرّ السنوات، يمكن أن يؤدّي هذا إلى تطوّر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».

وأظهرت دراسات سابقة أنّ ممارسة الرياضة في وقت الفراغ أكثر فائدة للجهاز القلبي الوعائي من النشاط البدني الناتج عن العمل، الذي ربما يكون ضاراً بالصحّة، مشدّدة على أنّ التمارين الرياضية المنتظمة مهمة للسيطرة على ضغط الدم.

وعلى وجه الخصوص، تعدّ التمارين الهوائية الأكثر قوة فعالةً في خفض ضغط الدم، ولكن وفق نتائج الدراسة الجديدة، فإنّ النشاط البدني اليومي يمكن أن يكون له أيضاً تأثير مفيد.

في الدراسة الفنلندية، تم قياس النشاط البدني لموظفي البلدية الذين يقتربون من سنّ التقاعد باستخدام أجهزة قياس التسارع التي يجري ارتداؤها على الفخذ خلال ساعات العمل، وأوقات الفراغ، وأيام الإجازة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم المشاركون في البحث جهاز مراقبة ضغط الدم المحمول الذي يقيس ضغط الدم تلقائياً كل 30 دقيقة لمدّة 24 ساعة.

وتؤكد النتائج أنّ طبيعة النشاط البدني الذي نمارسه في العمل يمكن أن يكون ضاراً بالقلب والجهاز الدوري. وبشكل خاص، يمكن للوقوف لفترات طويلة أن يرفع ضغط الدم.

وتوصي نورها بأنه «يمكن أن يوفر الوقوف أحياناً تغييراً لطيفاً عن وضعية الجلوس المستمر على المكتب، ولكن الوقوف كثيراً يمكن أن يكون ضاراً. من الجيد أن تأخذ استراحة من الوقوف خلال العمل، إما بالمشي كل نصف ساعة أو الجلوس لبعض أجزاء من اليوم».

ويؤكد الباحثون أهمية النشاط البدني الترفيهي لكل من العاملين في المكاتب وفي أعمال البناء، وتشدّد نورها على أنه «جيد أن نتذكّر أنّ النشاط البدني في العمل ليس كافياً بذاته. وأنّ الانخراط في تمارين بدنية متنوّعة خلال وقت الفراغ يساعد على الحفاظ على اللياقة البدنية، مما يجعل الإجهاد المرتبط بالعمل أكثر قابلية للإدارة».