«النقد السينمائي» في الأحساء... خروج من الكلاسيكية نحو مستقبل جديد

ندوات حوارية تناولت وسائط حديثة وجيل النُقاد الجدد وحال الناقد المعاصر

‎⁨عرض تقديمي للكاتبة ضياء يوسف ضمن الملتقى (الشرق الأوسط)⁩
‎⁨عرض تقديمي للكاتبة ضياء يوسف ضمن الملتقى (الشرق الأوسط)⁩
TT

«النقد السينمائي» في الأحساء... خروج من الكلاسيكية نحو مستقبل جديد

‎⁨عرض تقديمي للكاتبة ضياء يوسف ضمن الملتقى (الشرق الأوسط)⁩
‎⁨عرض تقديمي للكاتبة ضياء يوسف ضمن الملتقى (الشرق الأوسط)⁩

لم يعد الناقد الكلاسيكي حاضراً في عصرنا اليوم. هذا ما اتفق عليه المتحدثون في جلسات «ملتقى النقد السينمائي»، الذي نظّمته هيئة الأفلام في مدينة الأحساء، مساء الجمعة، والذي ركّز على الوسائط الحديثة، والأشكال المعاصرة للحراك النقدي، وأساليب النُقاد الجُدد، وظهور أصوات شابة تحاول تقديم نمطٍ بعيد عن التقليدية في تفكيك العمل السينمائي، وذلك ضمن محاورَ متعددة قدّمها المُلتقى الذي استضافه قصر خُزام العريق، في قلب مدينة الأحساء.

نُظّم الملتقى في الهواء الطلق، داخل المبنى التاريخي الموغل في القِدم، وقد شهد كثيراً من الحوارات المثيرة للجدل تناولت مستقبل الحراك النقدي في ظل المتغيرات التكنولوجية والفنية المعاصرة.

ويأتي هذا الملتقى قبيل انطلاقة مؤتمر النقد السينمائي المُزمع انعقاده في العاصمة السعودية الرياض، مطلع الشهر المقبل، الذي من المُنتظر أن يشهد حوارات أشد عمقاً لما سيؤول إليه مستقبل الحراك النقدي السينمائي.

ندوة تناولت النقد السينمائي في عصر وسائل التواصل الاجتماعي (الشرق الأوسط)

الناقد الكلاسيكي

تناول عصام زكريا، مدير مهرجان «القاهرة السينمائي الدّولي»، في الجلسة الأولى للملتقى، رحلته السينمائية ومراحل تشكُّل علاقتِه الوطيدة مع الأفلام منذ طفولته وحتى اليوم، مشدداً على أهمية الناقد وعملية النقد، بقوله: «كثيراً ما كنّا نرى في تاريخ السينما، أن رأي الناقد قد يحسم نجاح الفيلم من عدمه». كما أكد أن الشكل الكلاسيكي للناقد انتهى اليوم.

وأضاف زكريا: «لم يعد المناخ يُمهّد لوجود ناقدٍ واحدٍ لديه القُدرة والسّلطة، كما أن الأجيال الجديدة لم تعد تتقبّل أصحاب السلطات بشكلٍ عام، مما همّش اليوم، مكانة الناقد الكلاسيكي، خصوصاً فيما يتعلق بإصدار الأحكام على العمل؛ بيد أن الفائدة التي يقدّمها الناقد للمشاهد تبقى الأساس في مساعدته على رؤية الأعمال بشكل مختلف». موضحاً أن «قراءة العمل الفني تكون من خلال اللغة السينمائية التي يتوجّب على الناقد أن يكون على دراية بها، ومن ثَمّ الثقافة العامة، فكلما ازدادت ثقافة الناقد زاد تعمّقه في الفيلم بشكل أفضل، وأخيراً هناك أهمية لمدخل تحليله للعمل الفني وكيفية تقديمه للجمهور».

حضورٌ كبير شهده الملتقى من المهتمين بقطاع السينما (الشرق الأوسط)

حرية الجمهور

وطغت جدلية سُلطة الناقد وحرية الجمهور خلال جلسات الملتقى؛ في حين أكّد الناقد الفني محمود عبد الجليل، أن مهمة الناقد لا تكمن في توجيه الجمهور نحو ما يشاهدونه من عدمه، بل دوره هو تقديم رؤية تحليلية للعمل، وإبداء رأيه الفني الموضوعي، دون الإملاء على الجمهور بما يريد منهم أن يفعلوه، مستشهداً برأي الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، بأن النّقد هو ملتقى حريات ثلاث: حرية الناقد، وحرية المبدع، وحرية الجمهور.

من جهته، أشار الناقد محمود مهدي، خلال حديثه في آخر جلسات الملتقى، إلى واقع السينما السعودية التي رأى أنها تعيش في «تطورٍ صحي جداً». وأردف: «كثافة الأعمال هذه تضعنا في حالة اطمئنان، لأنها تدلّ على أن هناك مشاهدات وحوارات وأفكار سينمائية، وانتعاشة، ونشاط متواصل»، وأضاف: «إن الحركة السينمائية السعودية جيدة وتستحق الاحترام».

جلسة حوارية لمدير «مهرجان القاهرة السينمائي» عصام زكريا (الشرق الأوسط)

الحركة النقديّة

نُظّم الملتقى هذا ليكون منصةً للتبادل الثقافي ولتحفيز الحركة النقدية والاستطلاعية في مجال السينما، وإثراء معرفتها. كما قدّم فرصة مميّزة لإعادة تشكيل تجربة مشاهدة الفيلم للمتلقّي، من خلال العروض وحلقات النقاش والندوات والأركان الإثرائية، إذ تضمّن مجموعة من الندوات الحوارية والعروض التقديمية التي عرضها بعض النقاد والمهتمين في مجال صناعة الأفلام، أبرزها: «فتّش عن الناقد: تجارب وشهادات عن ممارسة النّقد والبحث عن الصوت الخاص»، و«السينما دفاعاً عن الخيال»، و«النقد السينمائي في عصر مواقع التواصل الاجتماعي»، إلى جانب مجموعة من الفعاليات المصاحبة، والأنشطة التّدريبية، وأركان لأنشطة ثقافية.

جدير بالذكر، أن هيئة الأفلام أطلقت سلسلة الملتقيات للعام الحالي عبر ملتقى النقد السينمائي الذي استضافته حائل في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي، تلاها ملتقى الأحساء، الذي نُظّم الجمعة؛ وتُختتم الملتقيات في «مؤتمر النقد السينمائي الدولي» في الرياض، الذي ينطلق الشهر المقبل، من يوم 6 إلى 10، وتأتي هذه الجهود في إطار حرص الهيئة على دعم هذا الحراك وتعزيزه في المملكة والمنطقة، وصناعة مِنصّات تجمع المُبدعين والرُّواد بالهواة والمهتمين للارتقاء بالوسط السينمائي السعودي وتطويره.



«الكل يحب تودا» يحتفي بصلابة مطربة شعبية مغربية

مشهد من الفيلم - (الشركة المنتجة)
مشهد من الفيلم - (الشركة المنتجة)
TT

«الكل يحب تودا» يحتفي بصلابة مطربة شعبية مغربية

مشهد من الفيلم - (الشركة المنتجة)
مشهد من الفيلم - (الشركة المنتجة)

بمشهد صادم للاعتداء على البطلة «تودا» في بداية أحداث الفيلم المغربي الجديد «الجميع يحب تودا»، تبدأ رحلة البطلة التي تقوم بدورها نسرين الراضي على مدار أكثر من 100 دقيقة في الشريط السينمائي الذي عُرض للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات النسخة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي، منافساً على جوائز المسابقة الرسمية للمهرجان بعد عرضه الأول في النسخة الماضية من مهرجان كان السينمائي.

يرصد الفيلم رحلة «تودا» التي تحلم بأن تصبح «شيخة» (مطربة تقدم الأغاني الشعبية التراثية)، وهي أم مسؤولة عن تربية ابنها الوحيد، وتسعى لمواجهة صعوبات عدة مع انتقالها للحياة في الدار البيضاء من قريتها الصغيرة متمردة على الكثير من القيود والتقاليد التي تعوق تحقيق حلمها ومقدمة صورة مغايرة لتقديم الأغاني التراثية في الحانات.

وتركز الأحداث على تقديم «تودا» فن «العيطة» الذي يشكل جزءاً من التراث الشعبي المغربي عبر مجموعة من الأغاني المختلفة والمتميزة التي تعبر عن أجيال مختلفة نستمع إليها على مدار الفيلم.

يوظف مخرج الفيلم أغاني «العيطة» التي استوحت من المعاناة اليومية لمقاومة الاحتلال عبر أحداث الفيلم لإبراز معاناة «تودا» ورحلتها في الحياة التي تجبرها الظروف على تغييرها، وهي ابنة الريف المغربي التي نشأت بإحدى قرى جبال أطلس وتتضاعف معاناتها مع مسؤوليتها عن تربية نجلها الأصم ابن السنوات التسع، الذي تسعى لتوفير حياة أفضل له بأحلام مشروعة.

يقول مخرج الفيلم نبيل عيوش لـ«الشرق الأوسط» إن «العمل مستوحى من قصص لنساء حقيقيات قابلهن في حياته وعمل على مزج الصعوبات والمعاناة التي عشنها في الفيلم مع إبراز ملامح الحياة الليلية في الأماكن التي يقمن بالغناء فيها، بالإضافة إلى علاقتهن الاجتماعية وطبيعة علاقتهن مع أسرهن.

مخرج الفيلم نبيل عيوش - (إدارة المهرجان)

وأضاف عيوش أنه عمل على تقديم صورة مغايرة لـ«الشيخة» في الأحداث، بعيداً عن التنميط والصورة الذهنية السائدة، مشيراً إلى أنه لا توجد واحدة تشبه الأخرى، لافتاً إلى أن اختيار نسرين الراضي للبطولة جاء لإعجابه بأدائها التمثيلي بشكل كبير منذ أن شاهدها للمرة الأولى قبل نحو 15 عاماً في مدرستها.

ويشيد الناقد السعودي أحمد العياد بأداء نسرين الراضي في شخصية الأم «تودا» باعتباره علامة فارقة بمسيرتها السينمائية وليس بالفيلم فحسب، مشيراً إلى أنها استطاعت التعبير عن تفاصيل الشخصية بكل مراحلها بصورة أضفت مصداقية كبيرة على الأحداث.

وأضاف العياد أن الفيلم اتسم بكثرة التحويلات التي تمر بها «تودا» بوصفها «شيخة» و«أماً» الأمر الذي يجعل المشاهد لا يشعر بالملل عند متابعة الأحداث، خاصة أن الفيلم تميز بالإيقاع السريع والجذاب للمعالجة الفنية والفكرة التي يقدمها والتي تركز على المواجهة التي تخوضها النساء والقيود المفروضة عليهن. وأشاد بحرص مخرج الفيلم على تقديم تحية لـ«الشيخات» اللاتي يحفظن التراث ويقمن بالغناء متحديات الكثير من القيود.

يشير الناقد المصري طارق الشناوي إلى أن مخرج الفيلم كانت لديه أفكار عدة يرغب في تقديمها، وهي الأفكار التي أراد تضمينها في الأحداث، ومن بينها التعريف بفن «العيطة» ومقدميه، لافتاً إلى أنه على الرغم «من وجود رؤية توثيقية للحديث عن هذا الفن لديه فإنه حرص على توظيفها في الأحداث التي تناسب طبيعة الفيلم الروائي».

مشهد من الفيلم - (الشركة المنتجة)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن حياة «تودا» الصاخبة التي تبدأ من الدقيقة الأولى في الشريط السينمائي بمشهد تعرضها للاعتداء أمر يجذب انتباه المشاهد ويجعله حريصاً على المتابعة والتعايش معها، لافتاً إلى أن الشخصيات التي قدمها بالأحداث كانت مليئة بالميلودراما ونجحت في إيصال الأفكار التي يريدها.

أمر آخر يتطرق إليه الناقد السينمائي السعودي مرتبط بزوايا التصوير التي اختارها المخرج في التعامل مع معاناة البطلة «تودا» عبر الاقتراب من وجهها والتركيز عليها لإبراز تعبيرات الوجه بالكثير من المواقف التي عكست مشاعر من الإحباط واليأس مرت بها في حياتها، مشيراً إلى أن الفيلم ركز على سعيها لإثبات قدرتها على الغناء بوصفها فنانة لديها موهبة، وليس على عملها في الملاهي الليلية.