كيف وقع كريس مارتن في حب الرومي فأدخلَه أغاني «كولدبلاي»؟

«Moon Music»... أحدث ألبومات الفريق يرمي قنابل محبة في زمن الحديد والنار والدم

الشاعر المتصوّف جلال الدين الرومي ومغنّي فريق كولدبلاي كريس مارتن
الشاعر المتصوّف جلال الدين الرومي ومغنّي فريق كولدبلاي كريس مارتن
TT

كيف وقع كريس مارتن في حب الرومي فأدخلَه أغاني «كولدبلاي»؟

الشاعر المتصوّف جلال الدين الرومي ومغنّي فريق كولدبلاي كريس مارتن
الشاعر المتصوّف جلال الدين الرومي ومغنّي فريق كولدبلاي كريس مارتن

منذ نشرت الكاتبة التركية إليف شافاق كتابها «قواعد العشق الأربعون» عام 2009، تضاعف الاهتمام العالمي بإرث جلال الدين الرومي وبالتصوّف بشكلٍ عام. وضعت الرواية الشهيرة شعرَ الرومي ونظريّاته الروحانيّة في متناول العامّة، على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الاجتماعية والفكرية.

بعد 5 سنواتٍ على صدور الكتاب، دخلت سطور الرومي وأفكاره حياة مغنّي فريق «كولدبلاي» البريطاني كريس مارتن. كان الفنان حينذاك في عين عاصفة انفصاله عن زوجته غوينيث بالترو. ومارتن، الذي ربطته علاقة حب كبير بالممثلة الأميركية، غرق في الاكتئاب جرّاء ذلك الطلاق. إلى أن امتدّ حبل الخلاص إليه عبر صديقٍ واكب معاناته، فأهداه كتاباً يضمّ نصوصاً للرومي.

مغنّي «كولدبلاي» كريس مارتن وزوجته السابقة الممثلة غوينيث بالترو (أ.ب)

لم تتأخّر فلسفة الشاعر والعالم المتصوّف في منح الشفاء الروحي لمارتن، ولا في الانعكاس على موسيقى فريقه. فأوّل ألبوم صدر بعد انفصاله عن بالترو، تضمّن تحوّلاً في لغة «كولدبلاي». بدت الأغاني في «Ghost Stories» (حكايات أشباح) الصادر عام 2014، أقلّ ضغينةً ومزاجيّةً عمّا سبق. كما أنّ المحتوى انتقل من الشكوى وإثارة الشفقة على الذات، إلى ما هو مغايرٌ تماماً.

يعزو مارتن، في حديثٍ أجراه في سبتمبر (أيلول) الماضي مع مجلّة «The New Yorker» (ذا نيويوركر) الأميركية، هذا التحوّل الجذريّ في هوية الفريق الموسيقية إلى الاهتمام بفكر جلال الدين الرومي والتعمّق فيه.

شكّل ألبوم «Ghost Stories» نقطة تحوّل في اتّجاه أغانٍ أكثر روحانيّة وإنسانية

من شعر الرومي

انقضت 10 سنوات على دخول الرومي حياة كريس مارتن وفنّه، وما زال الوحي المستمدّ من الروحانيّات يحفر عميقاً في أعمال «كولدبلاي». ولعلّ أحدث ألبومات الفريق «Moon Music» (موسيقى القمر) دليلٌ ساطعٌ على ذلك، لما يحتوي من معانٍ إنسانية وفلسفيّة. هي رحلةُ التزامٍ كرّسَ خلالها الفريق البريطاني الأشهر حول العالم، نفسَه سفيراً للأغنية التي تقرّب بين البشر وتركّز على الروابط التي تجمع بينهم مهما كانت اختلافاتهم.

كانت الانطلاقة العلنيّة الفعليّة للعلاقة بين الرومي و«كولدبلاي» عام 2015، مع صدور ألبوم «A Head Full of Dreams» (رأس مليء بالأحلام). في ذلك العمل، برزت مقطوعة «Kaleidoscope» (مشكال) التي تكوّنت من سطورٍ للرومي بصوت الشاعر الأميركي كولمان باركس، جاء فيها: «الإنسان بيت ضيافة. كل صباح يستقبل زائراً جديداً؛ بهجةً، إحباطاً، أذىً... ولحظة وعي تأتي كزائرٍ غير متوقع. استقبلْهم واعتنِ بهم جميعاً حتى وإن كانوا حشداً من الأسى، يجرفون بعنف كل أثاث منزلك. عامل كل ضيف باحترام. ربّما هم ينظّفون لك المكان لاستقبال فرحٍ جديد».

ومنذ ذلك الحين، باتت ثيماتٌ كالتسامح، والمحبة الإنسانية، والاتّحاد البشري، وتقبّل الآخر، والتطوّر الروحي؛ حاضرةً بشكلٍ شبه دائم في أغاني الفريق. وقد انعكس ذلك على جمهورهم الضخم والمنتشر في كل أصقاع الأرض؛ إذ إنّ محبّي «كولدبلاي» انغمسوا كما فريقهم المفضّل، في رحلة البحث عن الذات عبر المعاني الروحية والإنسانية.

«بني آدم»

لم ينقص هذا العشق للرومي واهتمام «كولدبلاي» بالصوفيّة، سوى تذييلهما بلغتهما الأمّ. وما لم يكن متوقعاً حصل عام 2019، عندما أطلق الفريق على ألبومه عنوان «الحياة اليوميّة» (Everyday Life)، وذلك باللغة العربية المطبوعة على الغلاف.

صدر ألبوم «Everyday Life» عام 2019 مذيّلاً باللغة العربية

إلّا أنّ النفَس العربي لم يتوقّف عند هذا الحدّ، بل انسحب على بعض أغاني الألبوم. في «بني آدم»، التي كُتب عنوانُها بالعربيّة، امتزج البيانو الغربي بالشعر الفارسي والإيقاعات الأفريقية. وتكرّر الأغنية لازمةً هي أشبَه بصلاة كونيّة تقول: «ليَكُن سلامٌ وحبٌّ وكمالٌ عبر كل المخلوقات، عبر الله».

الألبوم الذي تضمّن الكثير من الموسيقى الصوفيّة، اختار الفريق أن يطلقه من العاصمة الأردنيّة، وسط معجبيهم العرب. لم يأتِ اختيار المكان صدفةً؛ إذ إن الألبوم تطرّق إلى الحرب الدائرة في سوريا وإلى أزمة اللاجئين، فتعمّد مارتن وزملاؤه بالتالي انتقاء الموقع الجغرافي الأقرب. ومن قلب قلعة عمّان، قال: «نحن نقف مع الحب والسلام والأخوّة».

«كولدبلاي» خلال حفلهم في عمّان عام 2019 (إنستغرام)

«روزاليم الدمشقيّة»

في أغنية «Orphans» (يتامى) على سبيل المثال، يتحدّث مارتن عن «روزاليم الدمشقيّة» التي ترمز إلى طفلة قُتلت في تفجيرٍ في دمشق عام 2018. أما في أغنية «الحياة اليوميّة»، فيسأل: «انظر إلى كل ما يقاسيه الناس... أي عالم تريد؟ كيف سأراك فيه؟ شقيقاً أم عدوّاً؟».

وتتوالى الرسائل ذات الطابع الإنساني في أغنيات الألبوم، على غرار «أرابيسك»؛ حيث يقول مارتن: «يمكن أن أكون أنت، يمكن أن تكون أنا. قطرتا مطر في البحر ذاته (...) نتشارك الدم ذاته». وعلى الرغم من أن مارتن كان قد سبق أن أعلن عدم اعتناقه أيّ ديانة، فإن الإيمان يتجلّى في أغنية «BrokEn» (مكسور): «ثم أدرك أنني بخير حتى في العتمة... الشمس لا تشرق لكنّي حرٌّ من الداخل؛ لأن الله يصوّب نورَه عليّ».

«موسيقى القمر»

ما كانت كلمات كهذه لتظهر في أغاني «كولدبلاي»، لولا الأثر الذي تركه جلال الدين الرومي والصوفيّة. ومع تفاقم الأزمات والآلام حول العالم، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط، اتّضحت معالم الصلاة أكثر. ففي ألبوم «Moon Music» الصادر قبل أسبوعَين، برزت أغنية «WE PRAY» (نصلّي) التي شاركت فيها المغنّية الفلسطينية الصاعدة إليانا إلى جانب «كولدبلاي» وأصوات أخرى من حول العالم. جاءت تلك الأغنية بمثابة تحيّة إلى فلسطينيي غزّة، ورجاءٍ بأن تنتهي جلجلتهم المستمرة منذ أكثر من سنة.

في أغنية «Moon Music» (موسيقى القمر)، يقول مارتن بصوته الدافئ والأليف: «أحاول أن أثق بالسماء فوقي وبعالمٍ مليء بالحب». وفي أغنية أخرى، يستحضر الفريق صوت الكاتبة والناشطة الحقوقية الأميركية مايا أنجيلو وهي تقرأ: «عندما بدا لي أن الشمس لن تشرق من جديد، وضع لي الله قوس قزح في الغيم».

كبلسمٍ فوق جراح هذا العالم، ينسكب ألبوم «كولدبلاي» الجديد. تتّخذ أغانيه هيئة قنابل حبّ في زمن الحديد والنار والدم البريء المتدفّق. يصرّ الفريق على الاحتفاء بالخير، والسلام، والأمل. يلومه كثيرون من النقّاد على تلك الإيجابية الطافحة، غير أنّ كريس ورفاقه اعتنقوا التفاؤل، ولعلّ تلك هي أبرز أسلحة قوّته واستمراره.


مقالات ذات صلة

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

يوميات الشرق عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت «الأوركسترا السعودية» أجمل الألحان الموسيقية في ليلة ختامية كان الإبداع عنوانها على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الوتر السادس أحمد سعد سيطرح ألبوماً جديداً العام المقبل (حسابه على {إنستغرام})

أحمد سعد لـ«الشرق الأوسط»: ألبومي الجديد يحقق كل طموحاتي

قال الفنان المصري أحمد سعد إن خطته الغنائية للعام المقبل، تشمل عدداً كبيراً من المفاجآت الكبرى لجمهوره بعد أن عاد مجدداً لزوجته علياء بسيوني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الوتر السادس الفنانة بشرى مع زوجها (حسابها على {فيسبوك})

بشرى لـ«الشرق الأوسط»: الغناء التجاري لا يناسبني

وصفت الفنانة المصرية بشرى الأغاني الرائجة حالياً بأنها «تجارية»، وقالت إن هذا النوع لا يناسبها

أحمد عدلي (القاهرة)
الوتر السادس تتشارك قسيس الغناء مع عدد من زملائها على المسرح (حسابها على {إنستغرام})

تانيا قسيس لـ«الشرق الأوسط»: أحمل معي روح لبنان ووجهه الثقافي المتوهّج

تتمسك الفنانة تانيا قسيس بحمل لبنان الجمال والثقافة في حفلاتها الغنائية، وتصرّ على نشر رسالة فنية مفعمة بالسلام والوحدة.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مبهجة ودافئة (جامعة «أبردين»)

أقدم آلة تشيللو أسكوتلندية تعزف للمرّة الأولى منذ القرن الـ18

خضعت آلة تشيللو يُعتقد أنها الأقدم من نوعها في أسكوتلندا لإعادة ترميم، ومن المقرَّر أن تعاود العزف مرّة أخرى في عرض خاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
TT

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)

وقّع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان، الجمعة، مذكرة تفاهم في المجال الثقافي، عقب مباحثات جمعتهما في العاصمة اليابانية طوكيو، تناولت أهمية تعزيز العلاقات الثقافية المتينة التي تربط بين البلدين.

وتهدف «مذكرة التفاهم» إلى تعزيز التعاون والتبادل الثقافي بين الرياض وطوكيو في مختلف القطاعات الثقافية، وذلك من خلال تبادل المعرفة في الأنظمة والتنظيمات المعنية بالشؤون الثقافية، وفي مجال الرسوم المتحركة، والمشروعات المتعلقة بالمحافظة على التراث بجميع أنواعه، بالإضافة إلى تقنيات الحفظ الرقمي للتراث، وتطوير برامج الإقامات الفنية بين البلدين، وتنمية القطاعات الثقافية.

بحث اللقاء سبل تنمية العلاقات عبر المشروعات الاستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية (الشرق الأوسط)

وكان الأمير بدر بن عبد الله، التقى الوزيرة توشيكو في إطار زيارته الرسمية لليابان، لرعاية وحضور حفل «روائع الأوركسترا السعودية»؛ حيث بحث اللقاء سبل تنمية العلاقات عبر المشروعات الاستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية.

وهنّأ وزير الثقافة السعودي، في بداية اللقاء، نظيرته اليابانية بمناسبة توليها منصب وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية، مشيراً إلى أن مشاركة السعودية بجناحٍ وطني في معرض «إكسبو 2025» في أوساكا تأتي في ظل العلاقات الوطيدة التي تربط بين البلدين، متمنياً لليابان حكومة وشعباً التوفيق في استضافة هذا الحدث الدولي الكبير.

وتطرّق اللقاء إلى أهمية تعزيز التعاون القائم بين هيئة الأدب والنشر والترجمة والجانب الياباني، لتدريب الطلبة السعوديين على فن صناعة القصص المصورة «المانغا».

وتأتي مذكرة التفاهم امتداداً لعلاقات الصداقة المتميزة بين السعودية واليابان، خصوصاً في مجالات الثقافة والفنون عبر مجموعة من البرامج والمشروعات والمبادرات المشتركة. كما تأتي المذكرة ضمن جهود وزارة الثقافة في تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية السعودية 2030».

حضر اللقاءَ حامد فايز نائب وزير الثقافة، وراكان الطوق مساعد وزير الثقافة، وسفير السعودية لدى اليابان الدكتور غازي بن زقر.