يوسف الملاح... عمرٌ من العمل الجبّار

ابن الدفاع المدني اللبناني تحوّل «أيقونة» التضحية الإنسانية

تحوّل رمزاً للتضحية وهو يتنقّل فوق الركام ويُنقذ ما تبقّى (حسابه الشخصي)
تحوّل رمزاً للتضحية وهو يتنقّل فوق الركام ويُنقذ ما تبقّى (حسابه الشخصي)
TT

يوسف الملاح... عمرٌ من العمل الجبّار

تحوّل رمزاً للتضحية وهو يتنقّل فوق الركام ويُنقذ ما تبقّى (حسابه الشخصي)
تحوّل رمزاً للتضحية وهو يتنقّل فوق الركام ويُنقذ ما تبقّى (حسابه الشخصي)

لا يذكُر رئيس شعبة العمليات الخاصة في المديرية العامة للدفاع المدني اللبناني، يوسف الملاح، كم مرَّ من العمر وهو يُراكم العمل الجبّار: «نسيتُ، ونسياني ردٌّ على عدد السنوات». تحوّل رمزاً للتضحية من أجل الغير وهو يتنقّل فوق الركام ويُنقذ ما تبقّى. تنتشر صوره بين متداوليها، على هيئة «أيقونية»، وهو يستجيب لنداء الاستغاثة المُتصاعد من تحت الأنقاض.

ولا يُصادر الجهود لنَسْبها حصراً إلى نفسه، وإنما يُشدّد على أنها جماعية؛ وبشيء أقرب إلى الإفراط في التواضع، يضيف أنه أقل مستحقّي التقدير بين آلاف يبذلون الأعمار في الساحات المشتعلة. يُخبر «الشرق الأوسط» أنّ المشهد لم يتغيّر في كل مرة يسقط ضحايا ويئنّ جرحى ويملأ الدخان الأسود سماء لبنان: «اعتادت أذني على سماع نداء أمهات يسألن عن أبناء تحت الحطام، وعلى أسئلة مُعذّبة مثل (هل لا يزال حياً؟ هل عثرتم على أشلاء؟ أين أطفالي؟). هذه تُضنيني. إنها حسرات على امتداد الوطن؛ تتشابه من شماله إلى جنوبه، وتؤلم بعمق».

المشهد لم يتغيّر في كل مرة يسقط ضحايا ويئنّ جرحى ويملأ الدخان سماء لبنان (أ.ب)

سقطت للدفاع المدني 4 أرواح وأصيب متطوّع في محاولة لإنقاذ شجر زيتون هبَّ الحريق الإسرائيلي في أغصانه. يُسمّيها «معركة» تلك التي يخوضها هؤلاء الشجعان لنجدة الأرض والإنسان مما يقول يوسف الملاح إنه يخرج عن الوصف ولا تنصفه بعد اليوم مصطلحات من وزن «عدوان». حتى «المجزرة»، يُكمل: «أقل من تجسيد ما يجري»؛ بعدما عمَّ الهول على مرأى العدالة الذبيحة. مُشاهداته تُبيّن الفظاعة بذروتها العصيّة على التبسيط.

ولكن ما يشحذ المعنويات ويقوّي العزيمة؟ ما الذي يجعل المخاطرة بالنفس زهرة تُضمّد اليباس وزقزقة تُرمّم الآهات؟ يجيب أنها العيون المتّخذة أشكال القناديل الساهرة على الوطن، والآذان المستجيبة للاستغاثة في أي وقت. «الدافع هو نحن، بعزيمة الشباب وشجاعة الروح»، يقول مَن تبلّغ وزملاءه من وزير الداخلية بسام المولوي والمدير العام للدفاع المدني ريمون خطار ضرورتين: الاستجابة لأي نداء، والانتباه للسلامة الشخصية. يعتذر لهما عن احتمال إغفال الضرورة الثانية، لِما قد تُخبّئه الأنقاض من قابلية لتشارُك الخطر ومرارة القدر. يُكمل: «مَن يرتدي بزّة الدفاع المدني لا يأبه للظرف. يقتحم ولا يوارب. مرتدوها أهلٌ للنخوة، وبترابطنا نستمرّ».

مَن يرتدي بزّة الدفاع المدني يقتحم ولا يوارب (حسابه الشخصي)

رشفة ماء أو عبارة «عافاكم الله» مِن مُقدِّر جهدٍ يلتقيه في مَهمّة، يقول إنهما مسحٌ للتعب. «لكنّ ما يُعزّي هو الدفء الآتي من يد شخص تحت الأنقاض لا يزال ينبض. حين تلتقي يدانا، أشعر بحرارة الامتنان. وعلى العكس، تحلّ الغصّة حين أرمق انكسار عيون تشهد فقدان عزيز تعذَّر إنقاذه. ألمح سؤالهم المؤلم (لِمَ صعُبت عليكم حياته؟). لا يدرون أنّ قِطع الحديد أحياناً لا تُزاح بسهولة والركام يُعاند. أخرج من بين الأنقاض فأجدهم ينتظرون الخبر السعيد. يبحثون فيَّ عن الأمل. وحين ترتقي أرواح أحبّتهم نتألم معاً. وجع تلك العيون أقسى ما أحتفظ به».

لا يُصادر الجهود لنَسْبها حصراً إلى نفسه وإنما يُشدّد على أنها جماعية (حسابه الشخصي)

تواضُع المعدّات يجد هِمماً تُناقض واقعَه، فيؤكد يوسف الملاح المعادلة: «إنْ تواضعت، فالمعنويات العالية تتفوّق على هذا التواضع». ذلك ليقول إنّ شيئاً لا يهزّ الهِمّة ولا يُحبِط، وما تهُم هي الإرادات واستعدادها للإقدام مُنصرفةً عما قد يُعرقل أو يُطفئ العزائم.

كان طفلاً دون عامه الثاني حين قتلت الحرب والدته وأحالته إلى اليُتم. كبُر وقد تدرّب على نبذ الأحقاد ورفض الشعور بالكراهية تجاه مَن تجنّى. يتطلّع إلى السماء وتتصوَّر له العدالة آتية، لا محالة، من الله. وإن لم يُرزق بأولاد، فينسب لنفسه صفة الأبوّة حيال آلاف الأطفال في لبنان. «كلهم أولادي وبناتي. إنقاذهم، متى طُلبنا، هو هدفنا السامي. لذا أُطلق نداء إنصاف لجميع زملائي في العطاء، فتُخرجهم الدولة من صفة التطوّع وتُدرجهم ضمن موظّفي الدفاع المدني. هؤلاء لا يتقاضون الأجور، ومع ذلك لا تغادرهم الابتسامة ولا يتراجعون».

خصّه الله بمحبة الناس من أجل أن تُعزّز عطاءه (حسابه الشخصي)

كلما سألناه عنه، حوَّل السؤال من الفرد إلى الجماعة. كيف يُفسّر أنه رمزٌ للعطاء الإنساني؟ لِمَ هو بين سائر الهِمم النبيلة؟ ردُّه أنه ليس سوى يد وسط حقل من الأيدي الخيِّرة: «ولو بحثتم جيداً، لوجدتم مثلي ما لا يُحصى. لنقل إنّ عديد الدفاع المدني 7 آلاف، فإنني الرقم الأخير بين الهِمم العالية. اندفاعهم يضاهي اندفاعي وتضحياتهم مضاعفة. لِمَ أنا؟ خصّني الله بمحبة الناس من أجل أن تُعزّز عطائي. أخشى خذلان ثقتهم. أنذر العمر لألبّي كل مستغيث وأنتشل الأمل من تحت الردم».


مقالات ذات صلة

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

المشرق العربي رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق بعد سقوط النظام، التقى رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت - دمشق)
المشرق العربي البطريرك الماروني بشارة الراعي (الوكالة الوطنية)

«كباش» بين جعجع وباسيل على المرجعية المسيحية رئاسياً

لا تزال الحركة الناشطة على صعيد الملف الرئاسي «من دون بركة»، كما يؤكد مصدر معني بالمشاورات الحاصلة.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق يستيقظ ريكاردو كرم يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق (من حفل عام 2023)

«النجوم تلمع أملاً» من أجل فنان لبنان المُلقى في النسيان

3 عقود في الإعلام والحوارات، جعلت اسم ريكاردو كرم اختزالاً للصدقية والشفافية. وبالتحاق الشغف والمحبة بالفضيلتَيْن المتراكمتَيْن، يضمن التجاوب وحماسة الخيِّرين.

فاطمة عبد الله (بيروت)
تحليل إخباري آليات الجيش تدخل مركزاً للتنظيمات الفلسطينية (مديرية التوجيه)

تحليل إخباري لبنان يبدأ إزالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات

بدأ لبنان عملية إزالة السلاح الفلسطيني المنتشر خارج مخيمات اللاجئين، والذي يتركز بيد فصائل متحالفة مع النظام السوري السابق.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)
المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)
TT

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)
المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)

فازت السينما المصرية بـ3 جوائز في ختام الدورة الـ35 لـ«أيام قرطاج السينمائية»، التي أقيمت مساء السبت على مسرح الأوبرا بتونس، إذ حصل الفيلم المصري القصير «أحلى من الأرض» للمخرج شريف البنداري على جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير، وحاز مدير التصوير مصطفى الكاشف على جائزة أفضل تصوير عن الفيلم الصومالي «القرية المجاورة للجنة»، فيما فاز المؤلف الموسيقي هاني عادل بجائزة أفضل موسيقى تصويرية عن الفيلم اللبناني «أرزة»، ومنحت لجنة تحكيم الأفلام الطويلة التي ترأسها المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد تنويهاً خاصاً لفيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» من إخراج خالد منصور.

يتناول الفيلم القصير «أحلى من الأرض» عالم الفتيات المغتربات من خلال قصة طالبة جامعية تقيم بدار للمغتربات بالقاهرة، وفي أحد الأيام تقدم شكوى ضد زميلتها المقيمة معها بالغرفة، ما يؤدي إلى تصاعد الأحداث على نحو غير متوقع؛ والفيلم من بطولة سارة شديد، وحنين سعيد، ونسمة البهي، وأحمد إسماعيل.

وحاز مدير التصوير الشاب مصطفى الكاشف - نجل المخرج الراحل رضوان الكاشف - على جائزة أفضل تصوير عن الفيلم الصومالي «القرية المجاورة للجنة»، وكان الفيلم قد شهد عرضه الأول بقسم «نظرة ما» في مهرجان «كان» خلال دورته الـ77، وهو من إخراج الصومالي محمد الهراوي.

وكان مصطفى الكاشف قد وصف العمل في هذا الفيلم بأنه من أكثر الأفلام صعوبة في تصويرها، وذكر في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» أنه قضى 4 أشهر بالصومال، وكانت معظم المشاهد تصور خارجياً في درجات حرارة مرتفعة للغاية، كما اخترقت الرمال الكثيفة معدات التصوير، وتم إصلاحها عدة مرات، مؤكداً أنه تحمس للفيلم لشغفه بالتجارب الفنية المختلفة.

وتُعد جائزة «أفضل موسيقى» التي حازها الفنان والمؤلف الموسيقي هاني عادل عن الفيلم اللبناني «أرزة» هي ثالث جائزة يحصل عليها الفيلم، بعد أن فاز بجائزتي «أفضل ممثلة» و«أفضل سيناريو» في مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45.

دياموند بو عبود تحمل جائزة زوجها المؤلف الموسيقي هاني عادل (إدارة المهرجان)

وصعدت بطلته الفنانة اللبنانية «دياموند بو عبود» على المسرح لتسلم جائزة زوجها الفنان هاني عادل، معبرة عن سعادتها بها لأنه بذل جهداً كبيراً بالفيلم، وسعادتها بالنجاح الذي حققه الفيلم في المهرجانات التي شارك بها.

وبعد مشاركته بمسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان البحر الأحمر السينمائي خلال دورته الرابعة وفوزه بجائزة لجنة التحكيم، حصل فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» على تنويه خاص من لجنة تحكيم قرطاج، وكان الفيلم قد حظي بإقبال كبير عند عرضه بكل من «البحر الأحمر» وقرطاج، ونفدت تذاكره بمجرد طرحها، وهو من بطولة عصام عمر، وركين سعد، وأحمد بهاء، وسماء إبراهيم.

المخرج خالد منصور يتسلم التنويه الخاص (إدارة المهرجان)

ويُعد «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» أول الأفلام الطويلة لمخرجه خالد منصور، الذي شارك في كتابته مع السيناريست محمد الحسيني، ومن إنتاج محمد حفظي، والناقدة رشا حسني في أول أعمالها بصفتها منتجة، وكان قد شهد عرضه الأول بمهرجان فينيسيا السينمائي، وتدور أحداث الفيلم من خلال حسن، الشاب الثلاثيني الذي يخوض رحلة لإنقاذ كلبه بعدما تورط في حادث خطير، ويواجه تهديدات تمس حياة الكلب صديقه الوحيد.

وعَدّ الناقد طارق الشناوي ما حققته الأفلام المصرية في «أيام قرطاج السينمائية» بأنها جوائز مستحقة، مؤكداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن موسيقى فيلم «أرزة» التي قدمها هاني عادل تستحق الجائزة لبراعتها في التعبير عن المواقف الدرامية بالفيلم، كما رأى أن مدير التصوير مصطفى الكاشف بات مطلوباً في أفلام عالمية، لافتاً إلى أنه يستحق تكريماً؛ كونه مدير تصوير شاباً لكننا لم نمنحه ما يستحق في ظل تحقيقه نجاحاً عالمياً.

ويلفت الناقد المصري، الذي حضر «أيام قرطاج»، إلى أن الفيلم الروائي القصير «أحلى من الأرض» للمخرج شريف البنداري الذي فاز بجائزة «التانيت الفضي» قد رفضت الرقابة في مصر التصريح بعرضه في الدورة الماضية من مهرجان «الجونة»، ويصف ذلك بـ«(الأمر الغريب)؛ إذ يُفترض أن يكون هامش الحرية في الأفلام القصيرة أكبر».

لقطة من الفيلم القصير «أحلى من الأرض» المُتوج بـ«التانيت الفضي» (إدارة المهرجان)

ويشير الشناوي إلى ملمح رصده بالمهرجانات الدولية يتمثل في تطابق جوائز الأفلام الطويلة بنسبة 90 في المائة بين مهرجاني «البحر الأحمر» وقرطاج؛ فقد تطابقت جائزتا «التانيت الذهبي» مع «اليسر الذهبي» وحصل عليها الفيلم «الذراري الحُمر» نفسه، كما حاز الفيلم الفلسطيني «إلى أرض مجهولة» على جائزتي «اليسر الفضي» و«التانيت الفضي»، وفاز فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان البحر الأحمر قبل حصوله على «تنويه في قرطاج»، مؤكداً أن ذلك يُعد شهادة للمهرجانين معاً، فهي تؤكد مصداقية جوائز البحر الأحمر، وانحياز لجنة تحكيم قرطاج برئاسة هاني أبو أسعد للأفضل حتى لو تطابقت نتائجه مع نتائج «البحر الأحمر».