معرض جديد للفنان جلال لقمان بعنوان «ما لم تأكله النار»

بعد احتراق معظم أعماله السابقة

«أصدقاء مع الرماد» عمل فني للقمان (الشرق الأوسط)
«أصدقاء مع الرماد» عمل فني للقمان (الشرق الأوسط)
TT

معرض جديد للفنان جلال لقمان بعنوان «ما لم تأكله النار»

«أصدقاء مع الرماد» عمل فني للقمان (الشرق الأوسط)
«أصدقاء مع الرماد» عمل فني للقمان (الشرق الأوسط)

يقيم الفنان التشكيلي الإماراتي جلال لقمان، تحت عنوان «ما لم تأكله النار» في «غاليري آرت إن سبيس» بدبي، في الفترة من 31 أكتوبر (تشرين الأول) حتى 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، معرضه الفردي الأول بعد الحريق المؤسف الذي أصاب أعماله المخزونة في مستودعه الخاص، وأتى على ما أنجزه الفنان من أعمال فنية طوال أكثر من 34 عاماً، كان يعُدُّ خلالها رائد الفن الرقمي وأول فنان تشكيلي رقمي في دولة الإمارات.

الفنان التشكيلي جلال لقمان (الشرق الأوسط)

وأشار الفنان التشكيلي جلال لقمان إلى أهمية أن يخوض الفنان كما كل إنسان، تجارب الحياة بحلوها ومرّها، مؤمناً بقضاء الله المقدّر له، ومستكشفاً الفرص السانحة في التحديات التي تفرضها عليه الظروف والمفاجآت، وخاصةً إذا كانت بفعل عوامل خارجة عن إرادته مثل النيران التي أتت على كل ما أنجزه طوال 3 عقود ونصف عقد من مسيرته الفنية.

وتابع لقمان: «كلُّ عمل من أعمال المعرض يعني لي الكثير كونه يحمل رسالة قيامة الحياة من رحم الموت، وانبعاث الأمل كما طائر العنقاء من الرماد، وخاصة عمل كلمة (القيّوم بعد النار)، وهو العمل الأول الذي فكّرت أن أعيد إنتاجه بعد احتراق منحوتته الأصلية، والذي لوّنته بالأحمر، وشكّلته، كما الأعمال الجديدة الأخرى، على ما أنا مقتنعٌ به من علاقة بناء وصمود وثبات بالمعدن والحديد الخرساني والمسامير والقضبان المعدنية، كعلامة قوة ضد النار والفناء».

«وردة»... عمل فني (الشرق الأوسط)

وختم الفنان لقمان بالقول: «عمل كلمة (الله) لم أستطع للأسف أن أعيد تشكيله لأنه ذاب وانصهر بشكل لم يعد من الممكن إعادة العمل عليه، لذا جمعت بقايا الألمنيوم الذائب وكوّنت منها مجموعة من المنحوتات المتوسطة الحجم والصغيرة لتكون ضمن المجموعة المعروضة، إلى جانب بعض الأعمال القديمة التي نجت من النيران وعددها 4 أعمال».

ورغم النيران التي أتت على معظم أعماله الفنية، فإن هذا المعرض يأتي تتويجاً لتجربة الفنان خلال العقود الماضية عبر أكثر من 30 عملاً من الديجيتال والمنحوتات بخامات الحديد والألمنيوم المنصهر بفعل الحريق، إلى جانب 3 أعمال فنية غامرة متعددة الحواس، حيث يدخل المتلقي في عالم الحريق عبر شاشات 360 درجة، ليعيش التجربة الفنية بجميع حواسه، بالإضافة إلى مجموعة من 12 عملاً رسمها الفنان، ثم استعان بالذكاء الاصطناعي للإضافة الجمالية والتقنية عليها وتقديمها بشكل فني مبتكر.

ويتضمن المعرض الفردي للفنان، الذي يجسّد تجربته في الفن التقليدي والرقمي الثابت والمتحرك والفن بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي، أعمالاً متنوّعة إلى جانب عمل «القيّوم بعد النار»، وبينها عمل «ماء» بلونه الأزرق، كأنه الانهمار المائي الذي يجمع السماء والماء معاً من بحر ونهر وجداول بلون ومعنى واحد من سورة الأنبياء، الآية الثلاثون: «وجعلنا من الماء كل شيء حي».

«المساعد»... عمل فني (الشرق الأوسط)

أما عمل «سحاب» فتغلب عليه ثيمة ارتفاع قامة الفنان وثباته في وجه النيران، التي أدّت إلى احتراق أعماله الفنية كلها، وما عناه ذلك له من تحوّل وتحدٍّ لعزيمته وإصراره على استكمال مسيرته الفنية، كما سحاب ينهمر ليروي ظمأ الناس إلى الإبداع، بينما يمثّل عمل «وردة» زهرة الدم الحمراء التي تؤاخي النار وتنسجم مع لهيبها المستعر، رغم أنها تناقضها بفعل انزراع وقيامة في باحات الجمال وتربة التكوين الخصبة عبر الجهات الأربع.

ويجسّد عمل «جنين بقلب كبير» فعل الولادة المتجددة بفكر خلاق منفتح على الاحتمالات المتناقضة من خير وشر وولادة وموت وظلام ونور، مع تركيزه على حقيقة أن في داخل كلِّ فنان طفلاً يتعلق بالحياة ويحبّها، مهما عاندته وآلمته، بينما يثير عمل «برد» بلونه الأزرق تساؤل المتلقي بين اسمه والشعور به فكأنّ جلال لقمان يحاول توثيق لحظة الموت والاحتراق بشكلها البهي المسالم، ونزوعها الفني إلى الشعور ببرودة موت الأحياء، لا الأشياء والأجساد، لا الأرواح التي تبقى لتجعلنا أكثر تعلقاً بالذاكرة والذكريات التي تركتها خلفها.

ويذكر أنّ الفنان جلال لقمان، منذ ما يقارب 3 عقود ونصف عقد من الزمن، افتتح عهداً جديداً مغايراً في مسيرة الفن التشكيلي الإماراتي، مخلصاً لتقنيات الرسم وقيمه الفنية القديمة، ولكن عاملاً على تقديمها إلى جمهور معاصر مختلف، بتقنيات الكمبيوتر والرقمية، حيث مارس لعبة الإبداع الفني إلى أقصى حدوده، مستقرئاً الخامات المتعددة، معدناً وحجراً وخشباً، وقماشاً وورقاً وألواناً. كما كان عبر برنامج التدريب الفني السنوي «رحلة جلال لقمان» الذي أطلقه عام 2008، مرشداً لفنانين ناشئين أصحاب تجارب إبداعية كثيرة، إماراتيين وعرباً وأجانب، عمل معهم بلا كلل ولا ملل، في رحلاته إلى الطبيعة الإماراتية والفضاءات المفتوحة، عاملاً على زرع تقنياته الفنية وقيمه ومُثُله الأخلاقية فيهم.

كما عدّد جلال لقمان خلال مسيرته الفنية الحافلة، أنماط عمله التشكيلي والمفاهيمي بالوسائط والخامات المتعددة، من اللوحات والمنحوتات والأعمال التركيبية والمجسمات، بآفاق فنية شاسعة، وطموح إبداعي يحوّل الخشب والألمنيوم والزجاج والفولاذ المجلفن إلى أدوات تعبيرية ذات قيمة جمالية فنية عالية، في محاولة تجسيد الفنان للعاطفة الخام التي تعتمل فيه، ولا يستطيع أن يأسرها ببعدين اثنين، كما في اللوحة.


مقالات ذات صلة

«رسائل إلى كالدر»... معرض مصري يحتفي برائد الفن التفاعلي في أميركا

يوميات الشرق المعرض يعزز مفهوم الفن التشاركي (إدارة الغاليري)

«رسائل إلى كالدر»... معرض مصري يحتفي برائد الفن التفاعلي في أميركا

الفنان ليس المبدع الوحيد، هكذا يؤكد مفهوم «الفن التشاركي» الذي يضع المشاهد في قلب العمل، وهو ما يتحقق في بعض الأعمال الفنية التجريبية الجريئة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق «إثراء» في أسبوع الفن بالرياض... فنانون سعوديون وعالميون يتألقون

«إثراء» في أسبوع الفن بالرياض... فنانون سعوديون وعالميون يتألقون

سجل عدد من المؤسسات الفنية في السعودية حضوراً بارزاً في النسخة الأولى من أسبوع الرياض للفن ومنها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء).

عبير مشخص (الرياض)
يوميات الشرق نجيب محفوظ وطاغور في عمل واحد (الجمعية المصرية للكاريكاتير)

معرض كاريكاتير في القاهرة يحتفي بحائزي «نوبل» من ثلاث قارات

ضمن احتفالية «محفوظ في القلب... لعزة الهوية المصرية»، نظَّمت الجمعية المصرية للكاريكاتير بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية، معرضاً فنياً بعنوان: «ثلاث قارات».

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق من أعمال الفنان ناصر التركي (الغاليري)

معرض «معابر» في الرياض... بين التقاليد والمستقبل

معرض يبلور مفهوم العبور والمساحات الانتقالية، الحواف التي يتلاقى فيها الماضي والحاضر والمستقبل، عبر أعمال فهد النعيمة، ناصر التركي، وسعد الهويدي، وحمود العطاوي

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق افتتاح ترينالي الغرافيك بعد 19 عاماً من التوقف (وزارة الثقافة المصرية)

مصر تستعيد ترينالي الغرافيك الدولي بعد غياب 19 عاماً

استعادت مصر، ترينالي الطبعة الفنية (الغرافيك) الدولي في دورته السادسة، بعد توقف دام 19 عاماً، ويشارك في النسخة الجديدة التي انطلقت الثلاثاء أكثر من 200 فنان.

محمد الكفراوي (القاهرة )

أزمة تصوير جنازات الفنانين تعود إلى الواجهة في مصر

لقطة من جنازة الفنان الراحل سليمان عيد (حساب الفنانة بدرية طلبة على «فيسبوك»)
لقطة من جنازة الفنان الراحل سليمان عيد (حساب الفنانة بدرية طلبة على «فيسبوك»)
TT

أزمة تصوير جنازات الفنانين تعود إلى الواجهة في مصر

لقطة من جنازة الفنان الراحل سليمان عيد (حساب الفنانة بدرية طلبة على «فيسبوك»)
لقطة من جنازة الفنان الراحل سليمان عيد (حساب الفنانة بدرية طلبة على «فيسبوك»)

عادت أزمة تصوير جنازات الفنانين إلى الواجهة بمصر مجدداً، بعد تزاحم عدد كبير من المصورين بالهواتف المحمولة خلال تشييع جنازة الفنان المصري سليمان عيد، الجمعة، حيث لاحقت الكاميرات نجوم الفن، وأسرة الراحل، لتصوير لقطات خاصة أثناء دفن الجثمان.

وطالب عدد من الفنانين بمنع تصوير الجنازات، خصوصاً أن هوية المصور ليست معلومة؛ حيث كتب الفنان المصري طه دسوقي عبر حسابه بموقع «فيسبوك»، منتقداً ما يحدث، وتساءل: «ما السبق الصحافي في تصوير جثمان... ولماذا يتم التصوير داخل المقابر؟».

ووجَّه دسوقي سؤاله للعاملين في المجال الإعلامي، قائلاً: «كيف يمكنني التعامل مع مَن يُصورني في حياتي اليومية، وأثناء حضوري مناسبات ليست لها علاقة بمجال عملي، وهل أتعامل معه على أنه صحافي أم متحرش؟».

كما عبَّرت الفنانة المصرية بدرية طلبة عن استيائها، وكتبت عبر حسابها بموقع «فيسبوك»: «مهزلة الجنازات وصلت إلى تصوير النعش وما بداخله، من أجل أسبقية النشر والحصول على مشاهدات، من دون اعتبار لحرمة الميت».

وتساءلت بدرية: «مَن هؤلاء؟ ولماذا يوجدون ويزاحمون أهل وأصدقاء المتوفى؟ وطالبت طلبة بالاطلاع على الأوراق التي تُثبت أن مَن يقوم بالتصوير صحافي أم أشخاص يتتبعون الجنازات للتصوير من أجل الربح».

الفنان الراحل سليمان عيد (حسابه بموقع «فيسبوك»)

ويؤكد الناقد الفني المصري رامي المتولي أن «ما يحدث هو ظاهرة سلبية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مَن يقوم بهذا الأمر ليست لهم علاقة بمهنة الصحافة، وليسوا صحافيين بالأساس»، وإن كان المتولي يرى أن «جنازات وعزاءات المشاهير عموماً لا بد من توثيقها، من خلال التصوير الفوتوغرافي والفيديو، ولكن دون إزعاج أو محاولة انتهاك الخصوصية، أو البحث عن سبق على حساب مشاعر الحزن التي تُخيّم على المكان».

وقبل عام، نشرت مواقع صحافية محلية لقطات من جنازة الفنان الراحل صلاح السعدني، ولنجله الفنان أحمد السعدني الذي انفعل بدوره على المصورين الذين تزاحموا خلال الجنازة وطالبهم بالابتعاد.

في حين طالبت نقابة الممثلين، في بيان لها بالتزامن مع أزمة تصوير جنازة السعدني، بعدم وجود الصحافيين والمراسلين في عزاء الفنان الراحل بناءً على رغبة أسرته.

وأكد بيان النقابة أن الفنان أشرف زكي سيضع شروطاً لحضور مراسم الدفن أو الجنازات سيتم الاتفاق عليها بين نقابتي الممثلين والصحافيين.

كما أصدرت وزارة الأوقاف أيضاً بياناً بمنع التصوير في أي جنازة، سواء حال دخولها أو خروجها وأثناء الصلاة على المتوفى، مراعاة لحرمة المسجد وحرمة الميت ومشاعر أهله.

لكن نقابة الصحافيين رفضت قرار «الأوقاف»، موضحة أنه ليس لأي جهة أو شخص الحق في حظر التصوير، وأن ذلك مخالف لنصوص الدستور والقانون، الذي يتيح لهم ممارسة العمل دون رقابة، وأن وضع القواعد من اختصاصها؛ حيث اجتمعت حينها مع نقابة الممثلين لتحديد ضوابط التصوير.

لقطة من جنازة الفنان الراحل سليمان عيد (صورة متداولة على «فيسبوك»)

في السياق؛ كتبت الشاعرة منة القيعي عبر حسابها بموقع «فيسبوك»، تعليقاً على الأزمة المثارة: «أتمنى من الدولة إصدار قرار بمنع الصحافة من الحضور والتصوير والنشر في العزاء والجنازات».

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أشار المتولي إلى أنه يجب تحديد مكان للمصورين، وعدم الاختلاط مع الحاضرين، والحفاظ على خصوصيتهم، وتقدير قيمة الحدث، وما يجري خارج هذا الإطار فليست له علاقة بالصحافة.

ويلفت الناقد الفني إلى أن «تغطية كثير من الصحافيين للجنازات تتم بشكل مهني، لكن وجود أفراد غيرهم لا يملكون ثقافة التعامل يعوق عملهم؛ ما يؤدي لاختلاط الأمور».