العراقية هناء مال الله تكشف وجوه الأطفال المموَّهة في غزة

معرضها في عمّان واصل الحفر في أرض الخراب لاستخراج الأمل

المأساة في نظرة (الشرق الأوسط)
المأساة في نظرة (الشرق الأوسط)
TT

العراقية هناء مال الله تكشف وجوه الأطفال المموَّهة في غزة

المأساة في نظرة (الشرق الأوسط)
المأساة في نظرة (الشرق الأوسط)

كيف نرى وجوه الأطفال ضحايا القصف الهمجي على غزة؟ لتخفيف وَقْع المَشاهد الصادمة، تلجأ الصحف وقنوات التلفزيون إلى إخفاء الملامح وراء هالة بيضاء. هذا بالضبط ما فعلته التشكيلية العراقية هناء مال الله في عملها المعروض حالياً بصالة «أرتزوتيك» في العاصمة الأردنية عمّان. وعلى امتداد الجدار الأبيض، نشرت الفنانة أطباق طعام كرتونية، تتوسّط كل منها صورة أحد الشهداء الصغار وراء حاجز زجاجي، وحجبت كل وجه بهالة شفّافة.

هناء مال الله تحفر في أرض الخراب لاستخراج الأمل (الشرق الأوسط)

في المعرض أعمال أخرى لا تقلّ أهمية وإيحاء من هذا العمل، لكنّ التقنية المُستخدمة فيه أو براعة التنفيذ تستحقّ التوقّف عنده، على أمل وقفات مقبلة عند باقي المعروضات. نسأل هناء مال الله: لماذا الصور في أطباق كرتونية من التي تستعمل في الطعام الجاهز؟ تجيب بأنه رمز لتجويع الغزاويين ولتلك المواد الغذائية الشحيحة التي تصل عن طريق المساعدات الدولية. إنّ هذا العمل الذي يجمع بين الرسم والنحت، ليس الوحيد للرسامة العراقية في هذا المعرض المشترك مع زميليها البريطانيين كات فيليبس وبيتر كينارد. فالمعرض الذي جاء بعنوان «رمل وزجاج»، هو صرخة فنّية مدوّية ضد العدوان المبرمج على الأبرياء في الأراضي المحتلة.

لقطة شاملة للعمل (الشرق الأوسط)

يكتب سليم البهلولي في التقديم: على مدى الأشهر الـ10 الأخيرة، عايشت هناء مال الله الحربَ على غزة عبر منصات التواصل الاجتماعي، و«إنستغرام» تحديداً. من هناك، كانت الصور المتحرّكة والثابتة التي يبثها الفلسطينيون عبر هواتفهم النقالة، لاستيعاب جحيمهم اليومي وتوثيقه ومشاركته مع العالم الخارجي، بمثابة بث حي لألمهم ومكوناته من خراب، وموت، ونزوح، وتجويع. حاولت مال الله من خلال أعمالها في هذا المعرض هضم ما تلقّته من مادة صورية وصوتية متداولة على منصات التواصل، وتحويل هذه المادة الخام الجوهرية إلى تقنياتٍ فنية مشتقة من مادة التواصل الاجتماعي. وقد يكون اللجوء إلى التصوير التشخيصي الواقعي محاولة منها للاستجابة للانفعال الحي وتمريره بوصفه منتجاً فنّياً تكمن فيه معضلة العجز عن التعبير بأي أدوات لتكون شاهدة ليس على العجز فحسب، والشعور بالهزيمة على الصعيدين الشخصي والإقليمي، بل هزيمة للمجتمع البشري.

وجوههم تحجبها محطات التلفزيون (الشرق الأوسط)

منذ بداياتها في الرسم الصحافي ببغداد، كشفت هناء مال الله عن تفوّقها ورغبتها في ارتياد مناطق غير مسبوقة. كانت العلامات والإشارات والطلاسم والأختام والعشب وريش الطير مواد تمتزج مع الأصباغ على جسد اللوحة ذات النتوءات والتفاصيل البارزة. واصلت الفنانة مطاردتها وتقصّيها للأثر الذي يتركه الحضور البشري على الأمكنة. سواء أكان مروراً هادئاً أو حرباً أو كارثة. وبهذا المعنى، فإنها تراوح ما بين الرسم والنحت. بل ومضت أبعد من ذلك حين أدخلت أشرطة الفيديو إلى أعمالها الأخيرة واستعانت بالطائرة الصغيرة المسيّرة، «الدرون»، لتصوير زقورة أور من الجو، ذلك الأثر الذي يقاوم الاندثار أمام نزاعات المنطقة.

ولدت هناء مال الله في محافظة ذي قار، ودرست في بغداد على أيدي كبار أساتذة الفنّ التشكيلي؛ منهم معلمها الأول شاكر حسن آل سعيد، ونالت شهاداتها العليا من أكاديمية الفنون الجميلة. تنقّلت بين أكثر من محطة حتى استقرت في لندن. وفي جامعتها، واصلت دراسة الفنّ الإسلامي، كما حصلت على درجة الزمالة من جامعة تشيلسي. شاركت أعمالها في عرض «ماضي العراق يتحدّث إلى حاضره» في المتحف البريطاني، ولديها أعمال في المجموعة الدائمة للمتحف وفي متاحف ومراكز فنّية عربية عدّة.

أطباق الكرتون للجياع (الشرق الأوسط)

تتفنّن هناء مال الله في إعادة إنتاج آثار الحريق حدَّ أنّ مَن يقف أمام أعمالها السابقة يشمّ رائحة الشواء. وهي تسعى وراء جماليات النار وما تتركه على الورق من ألوان والتواءات وأشكال هلامية، وتتعامل مع الفناء بنظرة صوفية، وتشتغل على الهباء كأنه مادة جاهزة لأن تنفخ فيها روحاً جديدة. وهي، حتى عندما تأتي بكرسي وتبقر بطنه، أو بلفّة خيوط وتفككها وتترك كبابة منها متدلية من جسد اللوحة، سوداء مثل ثياب الثكالى؛ حتى في تلك الاندفاعات القصوى، فإنّ الفنانة وهي تقصد أن تفكك، تعود وتلملم المزق وترمم وتداوي وتصل ما تباعد وتبعثر. كيف لا نلاحظ تلك الموجة من الألوان الزاهية المتفجّرة من قلب العتمة، في معرضها الأخير بباريس، أو ذلك الهدهد الواقف على ظهر الكرسي المبقور، أو الطيور الملوّنة الكثيرة التي تحطّ على اللوحة وهي تحمل في مناقيرها أغصان الزيتون؟ لعلّه شيء من إرث آلهة رافدينية مؤمنة بالخصب وبأسطورة الخلود. وهي في معرضها المشترك الأخير في عمّان واصلت حفرها في أرض الخراب واستخراج بذرة الأمل.


مقالات ذات صلة

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق ملالا مع لوحاتها (دليل باريس للمعارض)

جدارية بعرض 60 متراً تعكس تحولات البشرية نحو العولمة

في أكبر صالات «قصر طوكيو» في باريس، تعرض حالياً وحتى 5 يناير (كانون الثاني) المقبل، جدارية استثنائية للفنانة ملالا أندريالافيدرازانا.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
TT

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير الذين اختفوا عن حفل الختام الذي أقيم في قصر ثقافة مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء.

ووفق نقاد، فإن التضارب الذي يحدث بين مواعيد انعقاد مهرجانات مصرية على غرار «شرم الشيخ المسرحي» و«القاهرة السينمائي» هو السبب وراء اختفاء نجوم الشاشات والمسرح عن حضور فعاليات المهرجان.

ورغم استمرار انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي المعروف بكثافة فعالياته، جرى تكريم بعض نجوم الفن والسينما، عبر حفل «غولدن غلوب» ومجلة «Enigma»، بأحد الفنادق الكبرى على النيل، كان من بينهم الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، والفنانة يسرا، اللذان تم منحهما جائزة «عمر الشريف».

وشهد حفل ختام «شرم الشيخ المسرحي» حضور عدد قليل من الفنانين والمسرحيين، من بينهم الفنان سيد خاطر، وكيل وزارة الثقافة المصرية الأسبق، وأحمد بو رحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة، والفنان علاء مرسي، والفنان والبروفيسور الروسي ميخائيل جوريفوري، والمخرج الروماني قسطنطين كرياك، رئيس مهرجان سيبيو الدولي، والفنانة حلا عمران، والفنانة اللبنانية مروة قرعوني، والفنان أحمد وفيق، والمخرج السوري ممدوح الأطرش، والكاتبة فاطمة المعدول، والدكتور سعيد السيابي من سلطنة عمان، والمخرج عصام السيد، والفنانتان المصريتان عزة لبيب، ومنال سلامة.

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي (شرم الشيخ المسرحي)

وسيطرت مصر على جوائز حفل الختام؛ إذ حصل شباب مسرحها على جائزة أفضل عرض متكامل بمسرحية «هجرة الماء» وشهادتي تقدير لجودة العمل في مسابقة مسرح الطفل والنشء، كما حصل المصري أحمد بيلا على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع، عن عرض «خلف النافذة»، أما عن أبرز الجوائز العربية فحصل العرض الإماراتي «حكايات صامتة» على جائزة أفضل أداء جماعي في مسابقة مسرح الطفل والنشء، وحصل العرض العماني «فضيلة عبيد» على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع.

وأعلن المخرج مازن الغرباوي، مؤسس ورئيس المهرجان، أن دولة كوريا الجنوبية ستكون ضيف شرف المهرجان في الدورة المقبلة التي ستحمل اسم الفنانة المصرية القديرة إلهام شاهين، لمسيرتها المهمة في المسرح المصري والعربي.

وأعرب المخرج السوري ممدوح الأطرش عن سعادته البالغة لتكريمه في مصر، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أتابع المهرجان منذ انطلاقه قبل 9 سنوات، وأراه يتطور سنة تلو الأخرى».

ممدوح الأطرش خلال حفل الختام (شرم الشيخ المسرحي)

وعن أعماله الفنية التي يحضر لها خلال الفترة المقبلة، قال الأطرش: «أجهز لفيلم سينمائي عن حياة الفنانة الراحلة أسمهان، نجري حالياً تشاورات ونقاشات عدة حوله، حتى يخرج بالصورة الرائعة التي تُمثل قيمة أسمهان بصفتها فنانة عالمية، مع سرد سريع لقصة عائلة الأطرش».

يُذكر أن الدورة التاسعة من المهرجان كانت تحمل اسم المخرج الكبير الراحل جلال الشرقاوي، وشهدت مشاركة 36 دولة، ومنح الفنانة السورية حلا عمران درع «سميحة أيوب»، بجانب تكريم الفنان علاء مرسي، والفنان الروسي ميخائيل جوريفوي، والمخرج السوري ممدوح الأطرش.