يرسمون أحلامهم لتتّسع غرف النزوح... علاج نفسي للّبنانيين الصغار

جمعيّة «إمبرايس» تقدّم الدعم النفسي المجاني للنازحين والمتضررين من الحرب

طفلة لبنانية نازحة من الجنوب إلى أحد مراكز الإيواء ببيروت (الشرق الأوسط)
طفلة لبنانية نازحة من الجنوب إلى أحد مراكز الإيواء ببيروت (الشرق الأوسط)
TT
20

يرسمون أحلامهم لتتّسع غرف النزوح... علاج نفسي للّبنانيين الصغار

طفلة لبنانية نازحة من الجنوب إلى أحد مراكز الإيواء ببيروت (الشرق الأوسط)
طفلة لبنانية نازحة من الجنوب إلى أحد مراكز الإيواء ببيروت (الشرق الأوسط)

كان عادل في الخامسة من عمره في صيف عام 2006. مثلُه مثل الأطفال النازحين اليوم من الجنوب إلى مدارس بيروت والمناطق المجاورة، اختبر الشاب اللبناني النزوح، خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، قبل 18 عاماً.

انطبعت في ذاكرته وجوه أشخاصٍ كانوا يزورون مراكز الإيواء لينثروا بعض فرحٍ وطمأنينة بين الأطفال. انقضى عقدان تقريباً على الحرب الأخيرة، تحوّل خلالهما عادل من ولدٍ نازح إلى شاب متخصص في علم النفس العياديّ، يُعِدّ أطروحته الجامعية حول الصدمات النفسية جرّاء حرب 2006. وقد قرر، اليوم، أن يعود إلى المكان الذي انطلق منه حلمُه، ليساعد الأطفال على رسم أحلامهم، رغم الكوابيس التي يعيشونها.

عادل وزملاؤه في جمعية «Embrace» يتطوّعون لإقامة أنشطة ترفيهية ذات أبعاد نفسية للأطفال النازحين (الشرق الأوسط)
عادل وزملاؤه في جمعية «Embrace» يتطوّعون لإقامة أنشطة ترفيهية ذات أبعاد نفسية للأطفال النازحين (الشرق الأوسط)

ضحكاتٌ أعلى من «الزنّانة»

يدخل عادل، وزملاؤه في جمعية «إمبرايس (Embrace)»، ملعب إحدى مدارس بيروت التي تؤوي النازحين. في انتظارهم هناك عشراتُ الأطفال، المتراوحة أعمارهم بين 3 و13 سنة، والمتلهّفون إلى ما يُضحكهم ويسلّيهم. يستقبل النازحون الصغار فريق «Embrace» بالتصفيق وصرخات الابتهاج. إنهم على موعدٍ مع ساعتَين من الأنشطة الترفيهية ذات البُعد النفسي، والتي تُنسيهم لبُرهةٍ المأساة التي يقبعون فيها.

تغطّي أصواتُ لهوِهم وفرحِهم صوت «الزنّانة»؛ أي طائرة الاستطلاع الإسرائيلية التي لا تفارق سماء العاصمة. تختلط الأنشطة الجسدية بتلك الفكرية والإبداعية؛ من أجل تحفيز الأطفال على إخراج الطاقة من أجسادهم، وعلى البَوح بما يؤلم أرواحهم.

تتنوّع الأنشطة بين جسدية وفكرية وإبداعية لمساعدة الأطفال على البَوح بما يؤرقهم (الشرق الأوسط)
تتنوّع الأنشطة بين جسدية وفكرية وإبداعية لمساعدة الأطفال على البَوح بما يؤرقهم (الشرق الأوسط)

لعبة الـ«إيموجيز»

بعد جولة تعارف، تسأل جيسيكا، الاختصاصية الاجتماعية المتطوّعة إلى جانب «Embrace»، أحد الأطفال: «كيف حاسس اليوم؟»، فيجيبها: «مش منيح». يشير بإصبعه إلى الوجه العابس من بين الـ«إيموجيز» التي وضعتها جيسيكا أرضاً. يقول إنه حزينٌ مثله.

هذه اللعبة تحفّز الأولاد على التماهي مع الوجوه الأليفة المعروضة أمامهم، وعلى التعبير، من ثم، عمّا يحسّون، بعدما اختبروا من مشاهد قصفٍ ودمار، وما يرزحون تحته من صدماتٍ جرّاء الخوف والنزوح.

لعبة الـ«إيموجيز» تساعد الأطفال على التعبير عما يشعرون به (الشرق الأوسط)
لعبة الـ«إيموجيز» تساعد الأطفال على التعبير عما يشعرون به (الشرق الأوسط)

قلوبٌ وزهور... وبندقيّة

الجلوس ضمن حلقاتٍ مستديرة للكلام أو اللعب أو الرسم، يمنح الأطفال شعوراً بالأمان، هم الذين انسلخوا فجأةً عن بيوتهم وغرفهم وألعابهم التي بقيت عالقةً تحت القصف والركام في الجنوب.

مقابل مَن يشعر بالحزن، تسمع صوتاً صغيراً يقول: «قصفوا جنب بيتنا بس أنا ما خفت». لكن مهما خبّأوا مشاعرهم، فإنّ تصرّفاتهم تفضح كثيراً ممّا يكبتون. تشير المدرّبة جيسيكا إلى أنها لاحظت ازدياداً في ردود الفعل العنيفة لديهم، كأن يتعرّضوا لبعضهم البعض بالضرب خلال اللعب.

الجلوس ضمن حلقاتٍ مستديرة يمنح الأطفال شعوراً بالأمان (الشرق الأوسط)
الجلوس ضمن حلقاتٍ مستديرة يمنح الأطفال شعوراً بالأمان (الشرق الأوسط)

هذا صبيٌ لم يتجاوز السادسة يرسم بندقيّة. تتكرّر رسومات الأسلحة، ولا سيّما بين الفتيان، في وقتٍ تُصوّر معظم الفتيات قلوباً وأزهاراً ثم يرفعن الأوراق قائلات: «هذه لماما... هذه لبابا». ومن بين الأولاد مَن يعبّر عن اشتياقٍ لوالدٍ ابتعدَ أثرُه: «بدنا البابا يرجع».

المتطوّعة جيسيكا متحدّثةً إلى أحد الأطفال رسم بندقيّة (الشرق الأوسط)
المتطوّعة جيسيكا متحدّثةً إلى أحد الأطفال رسم بندقيّة (الشرق الأوسط)

بيوتٌ من ورق

ترسم آية وجهاً ضاحكاً، في حين ينكبّ سامر فوق الورق وهو يلوِّن الأشجار التي صوّرتها يده الصغيرة. يبدو حسين أكثر واقعيةً من أترابه، فهو يرسم خيمة متأثراً بظروف التهجير. إلّا أنّ غالبية الأوراق تمتلئ ببيوتٍ أشرقت الشمس فوقها. «هذا بيتي في صور»، يقول هادي الذي نزح عن مدينته الجنوبية الساحلية.

يرسم الأطفال النازحون بيوتهم التي فارقوها، يصورونها جميلةً على الورق. تحاول مخيّلاتهم البريئة الواسعة أن تُحصّنها ضدّ الغارات الإسرائيلية.

يرسم العدد الأكبر من الأطفال بيوتهم التي سلختهم الحرب عنها (الشرق الأوسط)
يرسم العدد الأكبر من الأطفال بيوتهم التي سلختهم الحرب عنها (الشرق الأوسط)

في ظلّ ما يرزحون تحته من خوفٍ وقلق وغيابٍ للأمان، يبقى الرسم إحدى أفضل وسائل التعبير بالنسبة للأطفال، ولا سيّما منهم مَن غرقوا في العزلة الاجتماعية والصمت. يلفت جاد ضوّ، منسّق برنامج الصحة النفسية للأطفال والمراهقين في «Embrace»، إلى أن «فريق الجمعيّة يشجّع الصغار على التعبير عن مشاعرهم، ويوعّيهم بأهمية الصحة النفسية بما يستطيعون أن يستوعبوا. أما الهدف الأهم من ذلك فهو إفهامُهم أنهم ليسوا وحدَهم بما يحسّون، وأن القلق والخوف حالتان مشتركتان».

الرسم من أفضل وسائل التعبير للأطفال خصوصاً مَن غرقوا في العزلة والصمت (الشرق الأوسط)
الرسم من أفضل وسائل التعبير للأطفال خصوصاً مَن غرقوا في العزلة والصمت (الشرق الأوسط)

خط ساخن ومعاينات مجانية

على قدر الحاجة النفسية، تأتي مبادرات «Embrace» استجابةً للمتضرّرين نفسياً من الحرب. تفصّل ميا عطوي، رئيسة الجمعيّة، في حديثها مع «الشرق الأوسط»، تلك المبادرات، وأولاها تشغيل الخط الوطني الساخن 1564 «خط الحياة»، المخصص للدعم النفسي والوقاية من الانتحار. تقول إن «الخط يتلقّى قرابة 250 اتصالاً في الأسبوع، ولا سيّما من الأشخاص المتأثّرين من الحرب، إضافةً إلى النازحين الذين يعبّرون عن أوضاعهم الصعبة في مراكز الإيواء».

إلى جانب «خط الحياة»، تُجنّد «Embrace» فِرقاً طبية تتنقّل بين مراكز الإيواء في بيروت والمناطق، لتقديم المعاينات والأدوية النفسية المجانية، «خصوصاً أن عدداً كبيراً ممّن نزحوا عن بيوتهم، لم يتسنّ لهم حتى أن يجلبوا دواءهم معهم، كما انقطع التواصل بينهم وبين أطبّائهم ومعالجيهم النفسيين»، وفق تأكيد عطوي. يتدفّق النازحون على تلك العيادات النقّالة، كما أنّ باستطاعتهم زيارة مكاتب الجمعية المفتوحة مجاناً، ثلاث مرات أسبوعياً؛ للاستفادة كذلك من العلاجات النفسية.

جزء من فريق «Embrace» يجول على مراكز الإيواء لتقديم الدعم النفسي للأطفال (الشرق الأوسط)
جزء من فريق «Embrace» يجول على مراكز الإيواء لتقديم الدعم النفسي للأطفال (الشرق الأوسط)

أما فيما يتعلّق بالأنشطة الترفيهية المخصصة للأطفال والمراهقين النازحين، والتي تتولّاها مجموعة كبيرة من متطوّعي «Embrace» المدرّبين على الإسعافات النفسية الأوّليّة، فتشدّد عطوي على أهميتها القصوى «من أجل مساعدة تلك الفئة على استرجاع، ولو جزء صغير من روتينها اليومي، وتحفيزها على التلهّي عن الضغط النفسي الذي تعيشه، خصوصاً في ظلّ الحرمان من المدرسة والبيت».

يعيش الأطفال النازحون حرماناً مزدوجاً فهم بلا بيت ولا مدرسة (الشرق الأوسط)
يعيش الأطفال النازحون حرماناً مزدوجاً فهم بلا بيت ولا مدرسة (الشرق الأوسط)

يجول عادل بين الأطفال. يصرّ على سؤالهم عمّا يريدون أن يصيروا عندما يكبرون. «جرّاح عظام»، «طبيبة قلب»، «لاعب كرة قدم»، «صاحبة متجر ألبسة»... تتنوّع الإجابات وتلمع معها عيون الأطفال الحالمين بغَدٍ لا حروبَ فيه ولا نزوح، غدٍ يتّسع لأحلامهم ولقدراتهم الأكبر بكثير من خيمة أو غرفة ضيّقة في مركز إيواء.

تخبرني زينب، الآتية من قرية بيت ليف الحدوديّة، أنها تريد أن تصير قائدة كشفيّة، ثمّ تُريني الورقة حيث رسمت العَلم اللبناني... «رسمت العلم لأنّو هيدا بلدي وبوثق فيه وبحبّو كتير».


مقالات ذات صلة

«أحتاج منه أن يستجيب»... غرايمز تتهم ماسك بتجاهل أزمة طفلهما الطبية

يوميات الشرق الملياردير الأميركي إيلون ماسك يتجول مع طفليه قبل اجتماع مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في واشنطن (رويترز)

«أحتاج منه أن يستجيب»... غرايمز تتهم ماسك بتجاهل أزمة طفلهما الطبية

تقدمت المغنية غرايمز بمناشدة «عاجلة» إلى الملياردير الأميركي إيلون ماسك ترتبط بوضع صحي يعاني منه أحد أطفالهما.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني السوري يحملون جثة أحد القتلى بعد انفجار مخلفات حرب في بلدة النيرب بريف إدلب الشرقي يوم 20 فبراير 2025 (إ.ب.أ)

مقتل 8 أشخاص في انفجار بمنزل شمال غربي سوريا

أفاد الدفاع المدني السوري بمقتل 8 مدنيين، بينهم 3 أطفال، وإصابة طفلة بجروح، في انفجار ذخائر من مخلفات الحرب بمنزل في بلدة النيرب بمحافظة إدلب السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي صورة ملتقطة في 14 أكتوبر 2024 في دير البلح بقطاع غزة خلال تلقي الأطفال الفلسطينيين لقاح شلل الأطفال كجزء من حملة تطعيم ضد شلل الأطفال في القطاع الفلسطيني (د.ب.أ)

«الصحة العالمية» تعلن استئناف التلقيح ضد شلل الأطفال في غزة السبت

أعلنت منظمة الصحة العالمية الأربعاء إطلاق حملة تطعيم جماعية جديدة ضد شلل الأطفال في 22 فبراير (شباط) في غزة، حيث لا يزال الفيروس موجودا ويشكل خطرا على الأطفال.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال (سيكولوجي توداي)

عبارة «سحرية» لتهدئة طفلك الغاضب على الفور

يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال. وقد يكون من الصعب تعامل الوالد مع طفل مُحبط أو غاضب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق تضمين الألياف في وجبات الصغار ضرورة غذائية (رويترز)

الفواكه والخضراوات تقلل إصابة الأطفال بالاضطرابات الهضمية

كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة لوند السويدية عن أن اتباع الأطفال الصغار نظاماً غذائياً أكثر ثراءً بالألياف الغذائية الموجودة في الفواكه والخضراوات…

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

لصوص يسرقون مرحاضاً ذهبياً قيمته 6 ملايين دولار «في 5 دقائق»

المرحاض الذهبي المسروق (بي بي سي)
المرحاض الذهبي المسروق (بي بي سي)
TT
20

لصوص يسرقون مرحاضاً ذهبياً قيمته 6 ملايين دولار «في 5 دقائق»

المرحاض الذهبي المسروق (بي بي سي)
المرحاض الذهبي المسروق (بي بي سي)

سرق لصوص مرحاضاً مصنوعاً من الذهب الخالص بقيمة 4.8 مليون جنيه إسترليني (نحو 6 ملايين دولار) من قصر بلاينهايم في «غارة جريئة» استغرقت 5 دقائق فقط، وفق أقوال ذُكرت أمام المحكمة ونقلتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وتم توصيل المرحاض وتشغيله بكامل طاقته كجزء من معرض فني في المنزل الريفي الضخم الكائن بمقاطعة أوكسفوردشاير في جنوب شرقي إنجلترا في سبتمبر (أيلول) 2019.

ونفى مايكل جونز (39 عاماً) من أكسفورد تهمة السطو. كما دفع متهمان آخران ببراءتهما من تهمة «التآمر لنقل ممتلكات» بطريقة إجرامية. وقيل للمحكمة الواقعة في أكسفورد إن المرحاض «قد تم تفتيته على الأرجح» و«لن تتم استعادته قط».

بدوره، قال المدعي العام جوليان كريستوفر للمحكمة إن «عصابة مكونة من 5 أفراد في سيارتين اقتحمت بوابات قصر بلاينهايم المغلقة في الساعات الأولى من يوم 14 سبتمبر 2019 واقتحمت المبنى بمطارق ثقيلة». وتُركت المطارق في مكان الحادث.

وأضاف كريستوفر أن جونز التقط صورة قبل نحو 17 ساعة من سرقة المرحاض أثناء وجوده في المكان «في إطار عملية استطلاع للتجهيز للسطو». وأشار كريستوفر إلى أن المداهمة استغرقت 5 دقائق فقط.

واستطرد: «لم يتم استرداد العمل الفني مُطلقاً. ويبدو أنه تم تقسيمه إلى كميات أصغر من الذهب ولن تتم استعادته قط».

واعترف رجل رابع يسمى جيمس شين ويبلغ 40 عاماً بالذنب في جريمة السطو وجريمة نقل الممتلكات بصورة الإجرامية والتآمر لفعل الشيء نفسه في أبريل (نيسان) 2024، حسبما أُبلغ المحلفون.

وكان المرحاض المصنوع من الذهب عيار 18 قيراطاً جزءاً من معرض للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان، الذي يتم عرض أعمال له في القصر. وكان وزن المرحاض 98 كيلوغراماً وتم التأمين عليه بمبلغ 6 ملايين دولار.

وقال المدعي العام إن سلسلة من الرسائل النصية والصوتية و«لقطات الشاشة» تم اكتشافها على هواتف المتهمين، أظهرت تفاوضهم على سعر بيع الذهب المسروق.

وتم بناء القصر قبل أكثر من 300 عام، وهو أحد مواقع التراث العالمي لـ«اليونيسكو»، وكان مسقط رأس السير ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الراحل.