«الفاو» ثروة علمية وتاريخ اجتماعي يوثق ازدهار واندثار الموقع الأثري

ندوة علمية بمشاركة دولية في الرياض حول نتائج الأبحاث

مشاركون خلال تقديم الأوراق العلمية في الندوة (هيئة التراث)
مشاركون خلال تقديم الأوراق العلمية في الندوة (هيئة التراث)
TT

«الفاو» ثروة علمية وتاريخ اجتماعي يوثق ازدهار واندثار الموقع الأثري

مشاركون خلال تقديم الأوراق العلمية في الندوة (هيئة التراث)
مشاركون خلال تقديم الأوراق العلمية في الندوة (هيئة التراث)

بعد تسجيل موقع الفاو الأثري، في يوليو (تموز) الماضي، ضمن قائمة التراث العالمي لدى «اليونسكو» كثامن موقع سعودي يسجل في القائمة العالمية، سلّط الحدث مزيداً من الأضواء نحو ثراء التراث التاريخي الذي تتمتع به السعودية، وجذب انتباه العالم إلى العمق التاريخي للمواقع السعودية وتراثها الإنساني العريق.

وفتحت ندوة علمية استضافتها العاصمة السعودية الرياض، الثلاثاء، وشارك بها مختصون في مجال آثار السعودية، ومهتمون بالفاو من مختلف أنحاء العالم، نوافذ إلى التعريف بموقع الفاو الأثري وقيمته التاريخية والأثرية، وما تم في الموقع من مشاريع للبحث والتنقيب الأثري، بدءًا بجهود الدكتور عبد الرحمن الأنصاري، أحد رواد الآثار السعوديين، وأول من قام بأعمال التنقيب في «الفاو»، مروراً بإسهامات جامعة الملك سعود في هذا الموقع الأثري.

ونظّمت هيئة التراث، الثلاثاء، في الرياض، «الندوة العلمية لأبحاث المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية»، التي تناولت في جلساتها العلمية التي استمرت لساعات المكانة التاريخية والحضارية للسعودية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، واهتمامها بإثراء الساحة العلمية بأحدث الدراسات والأبحاث العلمية المتخصصة بمجالات الآثار، وتبادل الخبرات والرؤى والتجارب الأكاديمية على المستويين المحلي والدولي.

خلال افتتاح أعمال الندوة العلمية الدولية (هيئة التراث)

هيئة التراث تكشف نتائج الأبحاث حول الفاو لتعزيز قيمتها التاريخية (هيئة التراث)

«الفاو» ثروة علمية وتاريخ اجتماعي

قدّمت الندوة العلمية فهماً شاملاً حول «موقع الفاو الأثري»، وبيان قيمته العالمية، وتاريخه الاجتماعي والبيئي، إضافة إلى تسليط الضوء على طرق تكيّف المجتمعات مع بيئاتها الطبيعية، وتقديم المعرفة الكاملة عن المجتمعات البشرية التي استوطنتها خلال مختلف الأزمنة والعصور.

وتضمنت الندوة 5 جلسات، نوقش خلالها 22 ورقة علمية، شملت دراسات علمية تتعلّق بنشأة «موقع الفاو الأثري»، وتاريخه الاجتماعي والاقتصادي، وإطاره الحضاري والبيئي، وآثاره المتنوعة، إضافة إلى النقوش الكتابية، والفنون الصخرية المكتشفة به، وحفل برنامج الندوة بتنظيم الزيارات الميدانية لموقع الفاو الأثري للمتحدثين والمتحدثات.

كشفت التنقيبات الأثرية في الفاو عن القطع الأثرية التي تجسد أهميتها ووضعها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي (واس)

وتناولت الأوراق العلمية وجلسات النقاش للندوة الدولية جوانب متعددة من تفاصيل منطقة الفاو، ومن ذلك ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ التي حاولت تقديم إجابات دقيقة لتساؤلات ﺣﻮل ﺗﺎرﻳﺦ ﻧﺸﺄة ﻗﺮﻳﺔ اﻟﻔﺎو وﻋﻼﻗﺎتها بالفن، وعن مضامين اﻟﻤﻨﺤﻮﺗﺎت الحجرية اﻵدﻣﻴﺔ والحيوانية اﻟﻤﻜﺘﺸﻔﺔ في القرية الأثرية، التي قدّمت في دراﺳﺔ ﻓﻨﻴﺔ وﺣﻀﺎرﻳﺔ.

كما تناولت أوراق الندوة اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ والحضارية ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻔﺎو عبر اﻟﻌﺼﻮر، كما سلّطت الضوء على سكان ومجتمع الفاو وعلى نشأة اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ القديمة، وعلى موقعها في فترة ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت والمسكوكات الساسانية في القرية ، ودراﺳﺔ ﻣﻀﺎﻣﻴﻨﻬﺎ وﺳﻴﺎق ﺣﻀﻮرﻫﺎ اﻟﺘﺎريخي في ﺷﺒﻪ الجزيرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.

باحثون من مختلف دول العالم شاركوا في الندوة العلمية (هيئة التراث)

«الفاو» ازدهار واندثار

رصدت إحدى دراسات الندوة، للباحثين ريم الفقير وعبد الله بن كليب، الحالة الثقافية للتراث غير المادي في موقع الفاو الأثري، حيث ازدهرت الفاو بشبكة ري متطوّرة، استخدمت فيها قنوات المياه الجوفية والسطحية للحفاظ على ممارساتها الزراعية، وتأمين إمدادات المياه الوفيرة للمدينة، ونشرت في الدراسة الأثرية اكتشافات مختلطة حول عدد قنوات المياه والآبار، بحيث أشار العلماء في العصر الحديث إلى 11 قناة للمياه و 33 بئراً في الموقع، في حين وثّقت دراسات أثرية سابقة وجود 120 بئراً.

وتشير الدراسة إلى أن المجتمع التاريخي للفاو اعتمد على الزراعة المحلية، بما في ذلك أشجار النخيل، والكروم، ومحاصيل الحبوب، وامتدت قوته الزراعية لتصل إلى تربية الحيوانات الأليفة المؤيدة بأدلة لعظام جمال وأبقار وماعز وأغنام. وكان السكان منخرطين بشكل فعّال في صيد الحيوانات البرية في المنطقة المحيطة، كما هو ظاهر في الرسمات الجدارية، والنقوش الصخرية والتماثيل البرونزية التي تصوّر الغزال، والظبي، والإبل البرية، والوعول.

نتائج المسح تعزز نتائج الأبحاث والدراسات العلمية (واس)

وكشفت التنقيبات الأثرية في الفاو، حسب الدراسة، عن مجموعة واسعة من القطع الأثرية تجسد أهميتها ووضعها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ويبين هذا السجل الأثري الغني كيف أن الفاو رفعت مكانتها الجيوستراتيجية من معبر تجارة إقليمية إلى المشاركة بفاعلية في التبادل الثقافي. ومع مرور السنين، بيّن التأثير الاقتصادي والسياسي للفاو اندماج البعض مع أرقى جوانب الحضارات التاريخية المتنوعة، والمشاركة في التجارة المثمرة، والزراعة الطويلة الأجل، وهي ثقافة خاصة ميّزتها عن المناطق المجاورة.

ويشير العلماء إلى أنه يبدو أن هناك تخلّياً مفاجئاً عن الفاو. ومن الممكن أن يعود ذلك إلى حدوث قوة تاريخية قاهرة، أو تغير مناخي.

ولا توجد أي آثار معروفة لاستيطان بشري في العصر الإسلامي.


مقالات ذات صلة

الخليج م. وليد الخريجي ترأس الجانب السعودي في الجولة الثانية من المشاورات السياسية مع «الخارجية الصينية» (واس)

مشاورات سعودية – صينية تعزز التنسيق المشترك

بحثت الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والصينية في الرياض، الاثنين، تطوير العلاقات الثنائية، وأهمية تعزيز التنسيق المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان لدى ترؤسه وفد السعودية المشارك في قمة دول مجموعة العشرين (واس)

فيصل بن فرحان يرأس وفد السعودية في «قمة العشرين»

ترأس الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي وفد بلاده المشارك في قمة دول مجموعة العشرين برئاسة البرازيل، الاثنين، التي ستمتد إلى غدٍ بمشاركة دولية واسعة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
عالم الاعمال شركة «لوكا ديني» تطلق فريقاً عالمياً لتشغيل المشاريع الكبرى في السعودية

شركة «لوكا ديني» تطلق فريقاً عالمياً لتشغيل المشاريع الكبرى في السعودية

أطلقت شركة «لوكا ديني» للتصميم والهندسة المعمارية «مشاريع لوكا ديني الدولية»، وهو فريق جديد تم تشكيله من أربعة شركاء هندسيين مرموقين وموثوقين عالمياً.

الاقتصاد رئاسة «كوب 16» الرياض ستخصص منطقة خضراء لتنظيم 7 أيام للمحاور الخاصة لتحفيز العمل العالمي لمواجهة تحديات تدهور الأراضي والجفاف والتصحر (الشرق الأوسط)

تحديد 7 أيام في «المنطقة الخضراء» بـ«كوب 16» لتقديم حلول تدهور الأراضي

أعلنت رئاسة «كوب 16» عن إقامة منطقة خضراء وتنظيم 7 أيام للمحاور الخاصة، مشيرة إلى أن هذا البرنامج غير المسبوق يأتي في إطار الجهود التي تبذلها السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (الرياض)

الرياض تستعرض جوانب من تاريخ «بلاد الشام» وثقافتها

فنانون كثيرون أشعلوا حماس الجمهور في المسرح الغنائي (تصوير: تركي العقيلي)
فنانون كثيرون أشعلوا حماس الجمهور في المسرح الغنائي (تصوير: تركي العقيلي)
TT

الرياض تستعرض جوانب من تاريخ «بلاد الشام» وثقافتها

فنانون كثيرون أشعلوا حماس الجمهور في المسرح الغنائي (تصوير: تركي العقيلي)
فنانون كثيرون أشعلوا حماس الجمهور في المسرح الغنائي (تصوير: تركي العقيلي)

بينما يتجوّل عصام (33 عاماً)، وهو شاب سوري مقيم في العاصمة السعودية الرياض، في «حديقة السويدي» جنوب غربي الرياض، ويتنقّل بنظره فيما بدت حالة من الارتباط العاطفي بينه وبين ما يراه أمامه، خصوصاً ما يتعلّق بأنواع الطعام التي تنتشر في فعالية «بلاد الشام» والفلكلورات الشعبية التي لم تتوقّف حتى قرب منتصف الليل، قال لـ«الشرق الأوسط» بصوتٍ متهدّج وعينين لامعتين: «افتقدت منذ مراهقتي كل شيء أعرفه عن الشام، ولم أجد شيئاً يشبهها إلا اليوم في (حديقة السويدي)».

وقد قصد عصام وكثيرون غيره من المقيمين في السعودية فعالية «بلاد الشام»، التي بدأت الأحد ضمن مبادرة «تعزيز التواصل مع المقيمين» التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية بالشراكة مع الهيئة العامة للترفيه، تحت شعار «انسجام عالمي» بهدف تسليط الضوء على التراث الغني والتنوع الثقافي الذي تتميز به منطقة بلاد الشام، وفقاً للمسؤولين عن المبادرة.

الفعالية تضمّنت منطقة مخصّصة لاستعراض الأزياء التقليدية (تصوير: تركي العقيلي)

سيجد زوّار فعالية «بلاد الشام» من مواطنين ومقيمين، خصوصاً من دول سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، على مدار أيام الفعاليات التي تستمر حتى الثلاثاء، جوانب لا حصر لها من التراث الغني والأشكال المتعدّدة من الثقافات الشعبية والفولكلورات الفنية وأنواع الطعام، إلى جانب فرص النقاشات والأحاديث الجانبية مع مجموعة من الشخصيات السورية التي تزور الفعالية ومن الجالية السورية، حول تاريخ البلاد وحاضرها، وشجون مستقبلها، خصوصاً أن نسبة كبيرة منهم وجدت في السعودية الملاذ الآمن بعد سنوات من الاضطرابات عاشتها سوريا على مدار أكثر من عقد من الزمن.

أم جميل (49 عاماً) أوضحت لـ«الشرق الأوسط» أشكالاً من الرّقصة السورية الشهيرة «الدبكة»، وشرحت بعض الأخطاء التي وقع فيها المؤدّون، بالإضافة إلى البراعة التي أظهرها آخرون. وبينما انتقلنا معها إلى أركان الطّعام، استحضرت حكمة شهيرة في الأوساط الشامية: «أحسن ما تأكل رز وباذنجان... خبي جسمك ما يبان» واستعرضت أنواعاً من الأكلات الشهيرة في المطبخ الشامي، قبل أن تتوقّف عند الكبّة، لتتحدث عن محاولاتها في مزاولة تجارة تركّز على طهي الكبة بالطريقة الشّامية الأصيلة في الرياض، قبل أن تكتشف أن كثيرين من نظيراتها قد سبقنها إلى هذه التجربة؛ مما قلّل من فرص انتشارها. وختمت وهي تقول لجمع من الحضور: «العزيمة من دون كبّة مثل الجامع من دون قبّة» في إشارة إلى أهميّة الكبة على السفرة الشاميّة.

رقصات شعبية لفتت أنظار زوّار أيام «بلاد الشام»... (الشرق الأوسط)

وشهدت الفعاليات مجموعة متنوعة من العروض التي تقدِّم جوانب مختلفة من التراث الشامي، مثل جانب عروض «الدبكة»، التي تُعدّ رمزاً للتّرابط المجتمعي والفرح، والتي أدتها فِرق شامية على أنغام الموسيقى التراثية التي تشعل الحماسة في قلوب الحاضرين، بمشاركة مجموعة من الفنّانين مثل: نجم السلطان، وزين عوض، ورمزي سمحان، وكريم نور، ووائل صعب، ومحمد البراوي، ونور حداد، وحسن الخوام.

وتضمّنت الفعاليات استعراضاً للأزياء التقليدية التي تُميّز كل منطقة من مناطق بلاد الشام، بمنطقة مخصّصة لاستعراض الأزياء، ممّا أتاح للزوار فرصة التّعرف على الأزياء الشعبية من بلاد الشام، مثل الأثواب المطرّزة والمشالح، التي تعكس الجمال والأصالة وثراء الهوية الثقافية في تلك المنطقة العربية.

الفنون الشامية حاضرة (الشرق الأوسط)

وأثرى المطبخ الشامي تجربة الزوّار، حيث كان لافتاً حجم الإقبال الكبير، وتمتّعوا بفرصة تذوق الأطباق الشهيرة مثل المناقيش، والكبة، والتبولة، والفتوش، التي تُحضّر بأيدٍ ماهرة، إضافة إلى أكشاكٍ تقدِّم الحلويات الشهيرة مثل الكنافة والمعمول، والمشروبات التقليدية؛ منها القهوة الشامية والشاي بالنعناع، في حين يُشرف طهاة مختصُّون على إعداد الأطباق أمام الزوار ليعيشوا تجربة تذوّق حقيقية.

وأبدى مسؤولون وشخصيّات حضروا الفعاليات سعادتهم بما شاهدوه، وتحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، التي جالت بالكاميرا في أرجاء المكان، عادّين أن الفعالية نجحت في تعريف شريحة كبيرة من الزوّار السعوديين والمقيمين بجوانب غنية من الثقافة الشامية، لتعزيز التفاهم والتقارب بين الثقافات المختلفة، كما مثّلت منصّةً حيوية للاحتفاء بالتّعددية الثقافية وإبراز قيم التعايش والتناغم، بما يعكس رؤية السعودية لمجتمع عالمي منفتح ومتعدد الثقافات.