ملاهٍ وأماكن عرض تتحوَّل ملاجئ نزوح في لبنان

من بينها «سكاي بار» و«فوروم دو بيروت» والمدينة الرياضية

«سكاي بار» أمَّن جميع المستلزمات لحياة كريمة (الشرق الأوسط)
«سكاي بار» أمَّن جميع المستلزمات لحياة كريمة (الشرق الأوسط)
TT

ملاهٍ وأماكن عرض تتحوَّل ملاجئ نزوح في لبنان

«سكاي بار» أمَّن جميع المستلزمات لحياة كريمة (الشرق الأوسط)
«سكاي بار» أمَّن جميع المستلزمات لحياة كريمة (الشرق الأوسط)

لم يتردّد شفيق الخازن، صاحب أشهر محل للسهر في لبنان، «سكاي بار»، بتحويله حضناً دافئاً يستقبل النازحين اللبنانيين من مختلف المناطق.

لم يستطع إلا التعاطُف مع أحد العاملين لديه، عندما رآه يعاني نزوح عائلته وأقاربه، ففتح لهم أبواب محلّه في وسط بيروت، لتكرّ بعدها سبحة الوافدين. عندها، تحوَّل ملهى السهر مأوى لهم؛ دعاهم إلى دخوله من دون شرط.

يقع مبنى «سكاي بار» في وسط العاصمة اللبنانية. وشكّل منذ عام 2003 عنواناً لأفضل أماكن السهر في البلاد. ذاع صيته في الشرق والغرب، وعام 2009، صُنّف واحداً من أماكن السهر الأفضل والأشهر في العالم. تُشرف طبقته العليا، «روف توب»، على منظر عام للمدينة، وهو يتّسع لنحو 2000 شخص. شهد المكان أجمل الحفلات الموسيقية، كما استضاف أشهر لاعبي الموسيقى، «الدي جي»، فأحيوا سهرات قصدها السيّاح الأجانب والمغتربون اللبنانيون. وكان على مَن يرغب في إمضاء ليلة ساهرة فيه، أن يحجز مكاناً قبل أشهر من موعد السهرة.

اليوم تحوّل المبنى، وخصوصاً الطبقة الواقعة تحت «سكاي بار»، مكاناً يؤوي نحو 360 شخصاً. فهذه الطبقة شكّلت أيضاً مكاناً للسهر للشركة نفسها (أدمينز) بعنوان «سْكِن» في موسم الشتاء. ويعلّق شفيق الخازن لـ«الشرق الأوسط»: «جميع نجاحاتي التي حقّقتها في مجال (البزنس) كانت على علاقة مباشرة بلبنان. عندما رأيتُ معاناة الشعب اللبناني، لم أتردّد في فتح المكان أمام النازحين. لقد ساهمت في وضع لبنان على الخريطة العالمية، ولكن لو خُيّرت بين عملي ووطني لاخترتُ الأخير».

«سكاي بار» أمَّن جميع المستلزمات لحياة كريمة (الشرق الأوسط)

لبنان أولاً في أجندة الخازن الذي أمَّن خلال أسبوع جميع مستلزمات الحياة الكريمة لضيوفه: «يواكبني في عملي فريق رائع يتحمّس للعمل الإنساني. استقدمنا كل المستلزمات والحاجات بمبادرات فردية. ولم ننسَ تأمين الاتصال بالإنترنت. وإلى جانب مستلزمات النوم، نؤمّن بشكل يومي الطعام للجميع، من بينهم 160 طفلاً و120 امرأة. نشكّل معاً عائلة واحدة، وسعيد بما أفعله من أجل وطني».

مبادرة الخازن ألهمت كثيرين. وبعد أيام على فتح أبواب «سكاي بار» أمام النازحين، أُعلن عن فتح أماكن ترفيه وتسلية أخرى. فمركز المعارض الفنية، «فوروم دو بيروت»، قرّر القيام بالخطوة عينها. مساحته تتّسع لأكثر من 2000 شخص، سبق أن استضاف المعارض وحفلات الفنانين، وأحدث حفل أقيم في صالته الكبرى أحياه جورج وسوف وآدم ورحمة رياض.

«فوروم دو بيروت» يتّسع لأكثر من 2000 شخص (فيسبوك)

ينضمّ إلى هذا النوع من المبادرات مركز «البيال» في وسط بيروت. فقد أعلن عن نيّته فتح أبوابه للغاية عينها. ومن الأماكن التي ستتحوّل مأوى للنازحين؛ مدينة بيروت الرياضية، المعروفة باسم «مدينة كميل شمعون الرياضية». فقد دُشِّنت عام 1957، وتقع في منطقة الجناح؛ وتعدّ من أهم المنشآت الرياضية في العاصمة. يحتوي هذا المكان على أقسام عدة، إلى جانب الملعب الذي يتّسع لنحو 55 ألف متفرّج. من بين تلك الأقسام، قاعات مؤتمرات ونادٍ صحّي، وغرف لتغيير الملابس، وحمّامات، وغرف اتصالات وغيرها.

المباراة الافتتاحية فيها كانت ودّية ضدّ نادي بترولول الروماني؛ إذ فاز لبنان بهدف مقابل لا شيء، سجّله جوزيف أبو مراد. كان ذلك في افتتاح الدورة العربية الثانية بحضور رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك كميل شمعون وعاهل المملكة العربية السعودية سعود بن عبد العزيز آل سعود، ووفود رسمية من مختلف دول العالم، وشعبية من كافة المناطق اللبنانية.

المدينة الرياضية تستضيف النازحين (فيسبوك)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، يشير وزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاس إلى أنه، وبالتنسيق مع وزير البيئة ناصر ياسين، جرى الترتيب لهذا الموضوع. ويتابع: «من موقع مسؤولية ياسين رئيساً لهيئة الطوارئ، اقترحنا وضع جميع المنشآت الرياضية بتصرّف الهيئة. اليوم، أصبحت المدينة الرياضية في بيروت جاهزة لاستقبال الضيوف».

ويشدّد كلاس على تسمية النازحين بالضيوف: «لا نعدّهم إلا ضيوفاً مُرحَّباً بهم. حالياً، أجول على منشآت رياضية للوقوف على مدى استيعابها وجهوزيتها لاستقبالهم؛ من بينها (مدينة سمار جبيل) الكشفية. فقد وجدناها صالحة لهذا الهدف الإنساني. وكذلك الملعب الأولمبي في طرابلس الذي سيفتح أبوابه أمام ضيوفنا. جميع تلك الأماكن تتمتّع بمعايير العيش المطلوبة للحفاظ على كرامة ضيوفنا من جميع المناطق اللبنانية».


مقالات ذات صلة

«حزب الله»: هاجمنا قاعدة أسدود البحرية وقاعدة استخبارات عسكرية قرب تل أبيب

المشرق العربي ضابط شرطة يسير في مكان سقوط المقذوف بعد أن أبلغ الجيش الإسرائيلي عن وابل من المقذوفات التي تعبر إلى إسرائيل من لبنان في معالوت ترشيحا بشمال إسرائيل (رويترز) play-circle 00:37

«حزب الله»: هاجمنا قاعدة أسدود البحرية وقاعدة استخبارات عسكرية قرب تل أبيب

أعلن «حزب الله» اللبناني، في بيان، الأحد، أنه شن هجوماً بطائرات مسيَّرة على قاعدة أسدود البحرية في جنوب إسرائيل للمرة الأولى.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

إهمال الدولة اللبنانية لمجتمع الصمّ يبرز في محطّات عدّة. إن توجّهوا إلى مستشفى مثلاً، فليس هناك من يستطيع مساعدتهم...

فيفيان حداد (بيروت)
الاقتصاد صائغ يعرض قطعة من الذهب في متجره بمدينة الكويت (أ.ف.ب)

الذهب يواصل مكاسبه مع احتدام الحرب الروسية - الأوكرانية

ارتفعت أسعار الذهب، يوم الخميس، للجلسة الرابعة على التوالي مدعومة بزيادة الطلب على الملاذ الآمن وسط احتدام الحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ناقلة نفط خام في محطة نفط قبالة جزيرة وايدياو في تشوشان بمقاطعة تشجيانغ (رويترز)

النفط يرتفع وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الخميس، وسط مخاوف بشأن الإمدادات بعد تصاعد التوتر الجيوسياسي المرتبط بالحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
شؤون إقليمية آموس هوكستين (أ.ف.ب)

هوكستين يصل إلى تل أبيب قادماً من بيروت: هناك أمل

وصل المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، إلى إسرائيل قادماً من لبنان، في إطار جهود الوساطة لوقف إطلاق النار بين «حزب الله» والدولة العبرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.