تبرئة متهم انتظر الإعدام عقوداً في اليابان... ما قصة إيواو هاكامادا؟

إيواو هاكامادا مع شقيقته هيديكو وسط محبيه (أ.ب)
إيواو هاكامادا مع شقيقته هيديكو وسط محبيه (أ.ب)
TT

تبرئة متهم انتظر الإعدام عقوداً في اليابان... ما قصة إيواو هاكامادا؟

إيواو هاكامادا مع شقيقته هيديكو وسط محبيه (أ.ب)
إيواو هاكامادا مع شقيقته هيديكو وسط محبيه (أ.ب)

بعد أكثر من خمسة عقود، أُعلنت براءة أقدم سجين محكوم بالإعدام في العالم، بحسب تقرير لشبكة «سي إن إن».

وبرأت محكمة يابانية اليوم (الخميس) إيواو هاكامادا البالغ من العمر 88 عاماً، والذي حُكم عليه ظلماً بالإعدام في عام 1968 بتهمة قتل عائلة، مما يمثل نهاية ملحمة قانونية ماراثونية جلبت التدقيق العالمي على نظام العدالة الجنائية في اليابان وأثارت دعوات لإلغاء عقوبة الإعدام في البلاد.

كان سروال وسترة ملطخين بالدماء، إضافة إلى الاعتراف القسري المزعوم سبباً في إرسال هاكامادا إلى الإعدام في الستينات.

خلال إعادة المحاكمة، قال محامو هاكامادا إن المعلومات الجديدة أثبتت براءته، بينما اعتبر المدعون أن هناك أدلة كافية لتأكيد أنه يجب إعدامه بتهمة الجريمة.

كيف بدأت القصة؟

كان هاكامادا ملاكماً محترفاً، ثم تقاعد في عام 1961 وحصل على وظيفة في مصنع لمعالجة فول الصويا في شيزوكا، وسط اليابان - وهو الاختيار الذي أفسد بقية حياته عندما عُثر على رئيس هاكاماتا وزوجته وطفليهما مقتولين طعناً في منزلهم في يونيو (حزيران).

بعد خمس سنوات، أصبح هاكامادا، الذي كان مطلقاً آنذاك ويعمل أيضاً في إحدى الحانات، المشتبه به الرئيسي لدى الشرطة.

وبعد أيام من الاستجواب المتواصل، اعترف هاكامادا في البداية بالتهم الموجهة إليه، لكنه غير اعترافه لاحقاً، بحجة أن الشرطة أجبرته على الاعتراف بضربه وتهديده.

وحُكم عليه بالإعدام بقرار من القضاة بأغلبية صوتين مقابل صوت واحد، على الرغم من تأكيداته المتكررة بأن الشرطة فبركت الأدلة. تنحى القاضي المعارض الوحيد عن العمل بعد ستة أشهر، محبطاً بسبب عجزه عن وقف الحكم.

كان هاكامادا، الذي حافظ على براءته منذ ذلك الحين، سيقضي أكثر من نصف حياته في انتظار الإعدام قبل أن تؤدي أدلة جديدة إلى إطلاق سراحه قبل عقد من الزمان.

وبعد أن كشف اختبار الحمض النووي للدم الموجود على البنطال عن عدم تطابقه مع هاكامادا أو الضحايا، أمرت محكمة منطقة شيزوكا بإعادة المحاكمة في عام 2014. وبسبب سنه وحالته العقلية الهشة، تم إطلاق سراح هاكاماتا بينما كان ينتظر يوم إعدامه.

وألغت محكمة طوكيو العليا في البداية طلب إعادة المحاكمة لأسباب غير معروفة، لكنها وافقت في عام 2023 على منح هاكامادا فرصة ثانية بناءً على أمر من المحكمة العليا في اليابان.

وإعادة المحاكمات تعتبر نادرة في اليابان، حيث تنتهي 99 في المائة من القضايا بالإدانة، وفقاً لموقع وزارة العدل على الإنترنت.

يعيش في عالمه الخاص

حتى مع هتاف أنصاره لتبرئة هاكامادا، فإن الأخبار الجيدة لن تسجل على الأرجح لدى الرجل نفسه.

بعد عقود من السجن، تدهورت الصحة العقلية لهاكامادا وهو «يعيش في عالمه الخاص»، كما قالت شقيقته هيديكو (91 عاماً)، التي ناضلت لفترة طويلة من أجل براءته.

نادراً ما يتحدث هاكامادا ولا يُظهر أي اهتمام بالأشخاص الآخرين، كما قالت هيديكو لـ«سي إن إن».

أضافت: «أحياناً يبتسم بسعادة، ولكن هذا عندما يكون في أوهامه. لم نناقش حتى المحاكمة مع إيواو بسبب عدم قدرته على إدراك الواقع».

لكن قضية هاكامادا كانت دائماً تتعلق بأكثر من رجل واحد.

ولقد أثارت تساؤلات حول اعتماد اليابان على الاعترافات للحصول على الإدانات. ويقول البعض إنها أحد الأسباب التي تجعل البلاد يجب أن تلغي عقوبة الإعدام.

قالت هيديكو: «أنا ضد عقوبة الإعدام. المدانون بشر أيضاً».

نظام عدالة تحت التدقيق

واليابان هي الدولة الوحيدة من مجموعة الدول السبع الكبرى خارج الولايات المتحدة التي تحتفظ بعقوبة الإعدام، رغم أنها لم تنفذ أي عمليات إعدام في عام 2023، وفقاً لمركز معلومات عقوبة الإعدام.

وقال هيروشي إيتشيكاوا، المدعي العام السابق الذي لم يشارك في قضية هاكامادا، إن المدعين العامين اليابانيين كانوا تاريخياً يشجعون على الحصول على اعترافات قبل البحث عن أدلة داعمة، حتى لو كان ذلك يعني تهديد المتهمين أو التلاعب بهم لحملهم على الاعتراف بالذنب.

ولفت إلى أن التركيز على الاعترافات هو ما يسمح لليابان بالحفاظ على مثل هذا المعدل المرتفع من الإدانة، في بلد حيث يمكن أن تؤذي البراءة مهنة المدعي العام بشدة.

صراع طويل من أجل البراءة

لمدة 46 عاماً، احتُجز هاكامادا خلف القضبان بعد إدانته على أساس الملابس الملطخة واعترافه، والذي يقول هو ومحاموه إنه تم الاعتراف به تحت الإكراه.

وتحدث هيديو أوغاوا، محامي هاكامادا، لشبكة «سي إن إن»، قائلاً إن هاكامادا كان مقيداً جسدياً وتم استجوابه لأكثر من 12 ساعة يومياً لمدة 23 يوماً، من دون وجود محامي دفاع.

وأوضح أنه كان النظام القضائي الياباني، وخاصة في ذلك الوقت، نظاماً يسمح للوكالات التحقيقية بالاستفادة من طبيعتها السرية لارتكاب جرائم غير قانونية أو تحقيقية.

من جهتها، قالت كيارا سانجيورجيو، مستشارة عقوبة الإعدام في منظمة العفو الدولية، إن قضية هاكامادا «ترمز إلى العديد من القضايا المتعلقة بنظام العدالة الجنائية في اليابان».

وأشارت إلى أن السجناء المحكوم عليهم بالإعدام في اليابان عادة ما يتم احتجازهم في الحبس الانفرادي مع اتصال محدود بالعالم الخارجي.

ووفق «سي إن إن»، فإن عمليات الإعدام محاطة بالسرية مع القليل من التحذير أو من دونه، وعادة ما يتم إخطار العائلات والمحامين فقط بعد تنفيذ الإعدام.

ملذات هاكامادا الصغيرة خلال الحرية

وأمضى هاكامادا معظم حياته خلف القضبان بتهمة جريمة لم يرتكبها.

ومع ذلك، وعلى الرغم من صحته العقلية السيئة، فقد تمكن هاكامادا على مدى العقد الماضي من الاستمتاع ببعض الملذات الصغيرة التي تأتي مع العيش بحرية.

ففي فبراير (شباط)، تبنى قطتين، وقالت هيديكو: «بدأ إيواو في الاهتمام بالقطط والقلق بشأنها والعناية بها، وكان ذلك تغييراً كبيراً».

كل بعد ظهر، تأخذه مجموعة من أنصاره في جولة بالسيارة، حيث «يشتري كمية كبيرة من المعجنات والعصير»، وفقاً لهيديكو.

وأضافت: «آمل أن يستمر في العيش حياة طويلة وحرة».


مقالات ذات صلة

جمال مصطفى: عرفنا في المعتقل بإعدام الرئيس ونقل جثته للتشفي

خاص عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب) play-circle 03:44

جمال مصطفى: عرفنا في المعتقل بإعدام الرئيس ونقل جثته للتشفي

ليس بسيطاً أن تكون صهر صدام حسين، وسكرتيره الثاني، وابن عشيرته، وليس بسيطاً أن تُسجن من عام 2003 وحتى 2021... فماذا لدى جمال مصطفى السلطان ليقوله؟

غسان شربل
شؤون إقليمية سيارة العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده بعد استهدافها قرب طهران (أ.ف.ب)

إيران تحكم بإعدام 3 متهمين في قضية اغتيال فخري زاده

قضت محكمة إيرانية بإعدام ثلاثة أشخاص، لتورطهم في حادث اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2020.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية حكم الإعدام نُفذ شنقاً بآرون قهرماني في السجن بمدينة كرمانشاه الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

بعد إدانته بتهمة القتل... طهران تعدم إيرانياً يهودياً

أعدمت السلطات الإيرانية، اليوم الاثنين، إيرانياً يهودياً بعد إدانته بتهمة القتل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية مبنى السفارة الإيرانية في برلين (إ.ب.أ)

طهران تحتج «بشدة» على قرار برلين إغلاق القنصليات الإيرانية

استدعت إيران القائم بأعمال السفارة الألمانية في طهران؛ لإبلاغه باحتجاجها على قرار برلين إغلاق ثلاث قنصليات بألمانيا، واصفة إياه بأنه «قرار غير عقلاني».

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا احتجاجات ضد إعدام المواطن الألماني الإيراني المزدوج جامشيد شارمهد أمام قنصلية طهران في فرانكفورت (د.ب.أ)

برلين تستدعي سفيرها من طهران بعد إعدام مواطن ألماني من أصل إيراني

قال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، اليوم (الأربعاء)، إن إعدام المواطن الألماني من أصل إيراني، جمشيد شارمهد، يقوض العلاقات بين البلدين «بشدة».

«الشرق الأوسط» (برلين)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
TT

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، «تشريفاً تعتز به»، ومسؤولية في الوقت نفسه، مؤكدة أن «السينما العربية حققت حضوراً جيداً في المهرجانات الدولية». وأشارت، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إلى أنها تنحاز للأفلام التي تُعبر عن أصالة الفكرة وروح المغامرة، منوهة بعملها على فيلمها الطويل الأول منذ 3 سنوات، لكنها لا تتعجّل تصويره؛ كون الأفلام الطويلة تتطلّب وقتاً، ولا سيما الأفلام الأولى التي تحمل تحديات على صُعُد القصة والإنتاج والممثلين، مُشيدة بالخطوات التي قطعتها السينما السعودية عبر أفلام حقّقت صدى محلياً ودولياً على غرار «نورة» و«مندوب الليل».

بدأت هند الفهاد عملها عام 2012، فأخرجت 4 أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات عدة وهي: «بسطة» الذي فاز بجائزة في «مهرجان دبي» 2015، و«مقعد خلفي»، و«ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، و«المرخ الأخير» الذي جاء ضمن فيلم «بلوغ»، وتضمّن 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، وشارك قبل 3 أعوام في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وبين حضورها المهرجان في أحد أفلامها قبل سنوات، ومشاركتها بلجنة تحكيم العام الحالي، ترى هند الفهاد فرقاً كبيراً، موضحة: «أن أكون مشاركة في فيلم ويعتريني القلق والترقب شيء، وأن أكون أحد الأعضاء الذين يُسمّون هذه المشروعات شيء آخر، هذا تشريف ومسؤولية، إذ أشاهد الأفلام بمنظور البحث عن الاختلاف والتميز وأساليب جديدة لصناع أفلام في تناول موضوعاتهم، وأجدني أنحاز للأفلام التي تعبّر عن أصالة الفكرة وتقدم حكاية لا تشبه أي حكاية، وتنطوي على قدر من المغامرة الفنية، هذه من الأشياء المحفزة في التحكيم، وقد ترأستُ قبل ذلك لجنة تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية».

لا تتعجل الفهاد فيلمها الطويل الأول (الشرق الأوسط)

وعن رؤيتها للسينما العربية بعد مشاهدتها أحدث إنتاجاتها في «مهرجان القاهرة»، تقول هند الفهاد: «لا شك في أنها قطعت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة بحضورها في المهرجانات الكبرى؛ لأن لدينا حكايات تخصّنا، وهناك مخرجون ومخرجات أثبتوا حضورهم القوي عبر أفكار وأساليب متباينة، وأنا أقول دائماً إن الفكرة ليست في القصة، وإنما في كيف تروي هذه القصة ليتفاعل معها الجمهور في كل مكان».

وتكشف المخرجة السعودية عن استعدادها لتصوير فيلمها الروائي الطويل الأول الذي تعمل عليه منذ سنوات، قائلة: «كتبته المخرجة هناء العمير، ووصلنا أخيراً لنسخة السيناريو المناسبة، لكن الأفلام الطويلة، ولا سيما الأولى تحتاج إلى وقت للتحضير، خصوصاً إذا كان في المشروع تحديات على صُعُد القصة والممثلين والإنتاج».

وتتابع هند: «لم أحدّد بعدُ توقيت التصوير. وعلى الرغم من أنه مشروعي الأساسي، لكن هناك مشروعات أخرى أشتغل عليها، وفي تعدّدها أضمن استمرارية العمل لأكون حاضرة في المجال، فقد تكون هناك فكرة رائعة، لكن حين تُكتب نكتشف أنه من الصعب تنفيذها، لأسباب عدة».

وعن نوعية الفيلم تقول: «اجتماعيّ دراميّ، تدور أحداثه في غير الزمن الحالي. وانتهت مرحلة تطوير النص لفيلمي القصير، ووصل إلى النسخة المناسبة، وأنا، الآن، أختار أبطاله، وهو يروي حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، وتحمل أوجهاً عدّة، فأنا لا أُعدّ الأفلام القصيرة مرحلة وانتهت، بل أحب العمل عليها بشغف كبير في ظل ما أريده، والمعطيات من حولي وكيف أتقاطع مع هذه الأشياء».

وحاز مشروع فيلمها الطويل «شرشف» على منحة إنتاج من معمل البحر الأحمر، وترى هند الفهاد أن التّحدي الحقيقي ليس في التمويل؛ لأن النص الجيد والسيناريو المكتمل يجلبان التمويل، مُشيدة بتعدّد جهات الدعم في المملكة من منطلق الاهتمام الجاد بالسينما السعودية لتأسيس بنية قوية لصناعة السينما أوجدت صناديق تمويل متعددة.

وعلى الرغم من عمل هند الفهاد مستشارة في تطوير المحتوى والنصوص الدرامية، فإنها تواصل بجدية الانضمام إلى ورش السيناريو؛ بهدف اكتساب مزيد من الخبرات التي تُضيف لها بصفتها صانعة أفلام، وفق تأكيدها.

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

بدأت هند الفهاد مشوارها قبل القفزة التي حققتها صناعة السينما السعودية. وعن ذلك تقول: «كنا نحلم بخطوة صغيرة فجاءنا بحرٌ من الطموحات، لذا نعيش لحظة عظيمة لتمكين المرأة ورعاية المواهب المحلية بشكل عام، وقد كنّا نتطلع لهذا التّحول، وأذكر في بداياتي أنه كان وجود السينما أَشبه بالحلم، لا شك في أن نقلة كبيرة تحقّقت، لكن لا تزال التجربة في طور التشكيل وتتطلّب وقتاً، ونحن مهتمون بتطوير المواهب من خلال مشاركتها في مشروعات عربية وعالمية لاكتساب الخبرات، وقد حقّقت أعمالٌ مهمة نجاحاً دولياً لافتاً على غرار (نورة) و(مندوب الليل)».

وتُعبر هند الفهاد عن طموحاتها قائلة: «أتطلع لأحكي قصصنا للعالم، فالسينما هي الصوت الذي يخترق جميع الحواجز».