ندى أبو فرحات من قلب بيروت... مسرح تحت القصف

الممثلة اللبنانية تتنقَّل بين الخشبة والشاشة: أريد أن يرى الجمهور الواسع أدائي المختلف

الممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات (إنستغرام)
الممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات (إنستغرام)
TT

ندى أبو فرحات من قلب بيروت... مسرح تحت القصف

الممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات (إنستغرام)
الممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات (إنستغرام)

في استراحات ما بين التمارين على مسرحيتها الجديدة، تهرع الممثلة ندى أبو فرحات إلى هاتفها. تطّلع على أخبار القصف، وتراقب عدّاد الضحايا. تشارك في إطلاق النداءات الإنسانية من أجل إيواء نازحي الجنوب، وجمع المساعدات لهم.

يبدو التركيز على الدور والأداء مستحيلاً، وسط ما يعصف بلبنان من ضرباتٍ إسرائيلية متتالية. لكنّ الفنانة التي عايشت أزمات البلد كلّها، تحيط نفسها بفقاعة صغيرة تردّ عنها، وإن قليلاً، صفعات القدَر اللبناني.

«نختبر مآسي أكبر من طاقتنا على التحمّل. إن لم نخترع مساحة هروب عبر الفن فلا يمكننا الاستمرار في العيش»، هكذا تقول أبو فرحات في حديثها مع «الشرق الأوسط».

تستعد ندى أبو فرحات لتقديم أحدث مسرحياتها في بيروت بالتزامن مع الوضع الأمني المتأزم (صور الفنانة)

وكأنّ مسرحية «في انتظار بوجانغلز» (Waiting for Bojangles) أتت في أوانها الصحيح، فهي مرآة لنظريّة ندى. تتمحور حول ثنائي يخلق لنفسه عالماً موازياً، هرباً من أزماته النفسية والعائلية. تخبر ندى أبو فرحات كيف أن المرأة والرجل «يعيشان بفرح في عالمهما المنفصل عن الواقع، إلى أن يأتي عنصر مفاجئ يكسر الهناء؛ لكنه لا يستطيع تحطيم الحب الذي يجمع بينهما».

تقرّ الممثلة بأنها وقعت في غرام المسرحية عندما شاهدت نسختها الأولى قبل أشهر، وقد عبّرت عن ذلك للمخرجة. تتابع: «بعد شهرَين، عُرض الدور عليَّ، ولم أتردد لحظة في خوض المغامرة؛ لا سيما أن المسرحية عميقة، وإخراجها خارج عن المألوف».

ملصق مسرحية «في انتظار بوجانغلز» المقتبسة عن رواية فرنسية (إنستغرام)

يشاركها تمثيلاً كلٌّ من جوزيف عقيقي ومنير شلّيطا، أما الإخراج فلتريسي يونس التي اقتبست العمل المسرحي من رواية فرنسية لأوليفييه بوردو صادرة عام 2016. يستمر العرض لأربع أمسيات على خشبة مسرح «لو مونو» في بيروت. رغم الظروف القاهرة، يصرّ فريق العمل على المضي قدماً في مشروعه.

مقابل الهزّات الأمنية التي تضرب لبنان، يجتاح عاصمته «تسونامي» مسرحيّ. خشبات بيروت في حركة دائمة، ومفكّراتها ممتلئة على مدار السنة. هذه «الفورة المسرحية صحية جداً» في نظر ندى أبو فرحات؛ لكنها تنعكس فترات عرض مختصرة، كما هي الحال مع «في انتظار بوجانغلز». لا بدّ بالتالي من إعادة تأهيل قاعات بيروت القديمة، ومن التفكير في «لا مركزيّة مسرحيّة»، وفق اقتراحها. وهي تلفت في هذا الإطار إلى أن «التنقّل بين مسارح المناطق ضروري؛ لأن المواضيع المطروحة في المسرحيات تلمس اللبنانيين أينما حلّوا».

لا يصعب استنتاجُ أنّ المسرح يستولي على القطعة الأكبر من قلب ندى أبو فرحات؛ غير أنّ شغفها بالخشبة وباللقاء المباشر مع الجمهور لا يعني أنها لم تخترق الدراما التلفزيونية من أبوابها العريضة. فقد واكبتها منذ «العاصفة تهب مرتين»، مروراً بـ«روبي» و«لعبة الموت»، وليس انتهاءً بـ«ستيلتو» و«نقطة انتهى».

تكشف أنها تُضطر أحياناً إلى وقف عملٍ مسرحي إذا ما عُرض عليها دور تلفزيوني مهم وجديد من نوعه في سجلّها الدرامي. يحصل ذلك انطلاقاً من قناعتها الواقعيّة بأنّ للتلفزيون جمهوراً أوسع، ومنه يأتي المدخول الأكبر. يذهب الأمر أبعد من الجماهيرية والمادة؛ إذ تبوح ندى أبو فرحات بأنها تحرص على الظهور تلفزيونياً؛ لأنها تريد أن ترى أكبر شريحة من الناس قدراتها التمثيلية وأداءها «المختلف عمّا اعتادوا مشاهدته على الشاشة». وتضيف: «لذلك لا أسعى إلى الظهور دائماً في شخصية المرأة الجذّابة والأنيقة. في (نقطة انتهى) مثلاً، ركّبت الشخصية على قواعد الصمت ولغة العينَين والانفعالات الداخلية، وهذا أسلوب لم يعتدْه الجمهور».

من مسلسل «نقطة انتهى» إلى جانب الممثل السوري عابد فهد (إنستغرام)

خاصمت ندى أبو فرحات الدراما لفترة، قبل أن تتصالح معها على أيدي «شركات إنتاج محترمة ومحترفة، مثل (الصبّاح) و(إيغل فيلمز)»، أعادت إليها الرغبة في العمل التلفزيوني. لا تخفي الممثلة أن سنواتها الأولى أمام الكاميرا حفلت بأشخاصٍ لا يشبهونها: «مررت بتجارب مرّة على المستويين الفني والشخصي، تخطّى بعضها القيم الأخلاقية». تتذكّر «مخرجين قلّلوا من احترامنا، وكانوا يتعاملون معنا بفوقيّة وعجرفة خلال التصوير». لكن بما أنها ليست من هواة التذمّر، فهي لا تندم على أي دور قدّمته سابقاً، كما أنها ممتنّة لأنّ الزمن تحوّل، وبات الإنتاج التلفزيوني بأيدي شركاتٍ لا تسمح لأحد بالانزلاق الأخلاقيّ. تختصر عودتها التلفزيونية النوعيّة بالقول: «خرجت من التلفزيون من بابه السام، ودخلته من جديد من بابه الصحّي».

ندى أبو فرحات: السنوات الأولى أمام الكاميرا كانت مُرَّة (إنستغرام)

من بين أحدث أعمالها التلفزيونية التي تبدو ندى أبو فرحات فخورة بها كذلك، مسلسل «النسيان» الذي يُعرَض على منصة «أمازون برايم». تقول إن شهادتها مجروحة للمنتج محمد مشيش «الذي لا يشبه في شيء الموجة الدرامية السائدة»، لافتة إلى أنه لا يحصر البطولة بوجه واحد يتكرّر على امتداد المسلسلات، كما أنه يحرص على أن يكون الممثل مناسباً للشخصية. ومما أثرى تلك التجربة الدرامية، وفق ندى أبو فرحات: «براعة المخرج الفوز طنجور، والنص الجميل، وأداء زملاء العمل» مثل سيرين عبد النور، وقيس الشيخ نجيب، وغيرهما. تَوّج ذلك كله «جوّ من المودّة والإيجابية، خلا من الذبذبات والغيرة».

تصف أبو فرحات مشاركتها في مسلسل «النسيان» بالتجربة المميزة (إنستغرام)

رغم ارتباط اسمها اللصيق بالمسرحيات الصعبة والشخصيات المركّبة على الخشبة، فإنّ ندى أبو فرحات لا تمانع من المشاركة في مسلسلات تُصنَّف في خانة «التجاريّة». شرطُها الوحيد في ذلك هو أن تكون تلك الأعمال التلفزيونية ذات نصوص جيّدة، ومواكبة إنتاجية محترمة.

على مشارف اختتام عقدها الثالث في عالم التمثيل، وبعد خوضها تجربة ثلاثية الأبعاد في كلٍّ من التلفزيون والسينما والمسرح، ارتسمت أولويات ندى أبو فرحات بوضوح: «أكثر ما يعنيني اليوم أن أستفيق صباحاً مع شعور بالرضا عمّا أفعل. أعيش من أجل الحب والفرح البسيط، وكل ما تبقّى يأتي في أسفل قائمة الأولويات».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)
مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)
TT

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)
مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

أبدى المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان سعادته بردود الفعل التي لمسها لدى عرض فيلمه الجديد «ثقوب» في افتتاح مسابقة «آفاق عربية» ضمن فعاليات الدورة 45 من مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي»، مؤكداً أنه لم يتوقَّع اختياره للافتتاح.

وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه حاول خلال الأحداث التعبير عن فكرة «العنف المكبوت» التي تُرعبه، بكونها الأساس الذي يُنتج الإرهابيين، مشيراً إلى قناعته بأنّ الإرهاب ليس مجرّد خيار أو فعل، وإنما حالة داخلية متأصّلة تنبع من أعماق الفرد.

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة بعدما تغيَّرت أفكاره. لكن حياته على المستوى المادي لم تكن الأفضل في ظلّ معاناته الضيق، وعمله في ورشة إصلاح سيارات بجانب إشرافه على بعض أعمال المقاولات.

ورأى الضبعان أنّ المشاركة في المهرجانات السينمائية تمنح الفيلم فرصة أكبر للوصول إلى جمهور أوسع قد لا يشاهده حين يُطرح في دُور العرض المحلّية، بالإضافة إلى أنها تساعد العمل على تحقيق «سمعة أفضل»، مشيراً إلى أنّ تجاربه السابقة التي عُرضت في مهرجانات كانت إيجابية رغم اختلاف المهرجانات التي شارك فيها كل عمل.

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان يتطلّع لأفكار مختلفة (القاهرة السينمائي)

وعن أبطال الفيلم، أوضح أنّ «اختيار مشعل المطيري لدور البطل جاء مناسباً مع طبيعته بوصفه فناناً مثقّفاً، يتمتّع بوعي عميق حيال الفنّ ورسالته، وقد فرض نفسه على الدور منذ كتابته».

ووصف التعاون بينهما بـ«الممتع»، فالمطيري «يقدّم الدور كما يريد المخرج عندما يثق في رؤيته الفنّية؛ الأمر الذي سهَّل عليَّ كثيراً خلال التحضيرات، في ظلّ مناقشات مستفيضة بيننا حول الشخصية والتفاصيل قبل التصوير».

وأضاف: «الفيلم كان مليئاً بالصعوبات خلال التحضير والتصوير. لكن الأصعب ارتبط بميزانيته المُحدَّدة قبل 3 سنوات من بدء المشروع، أي قبل الجائحة. وبعد انتهائها واستئناف التصوير، واجهنا صعوبات أخرى مرتبطة بارتفاع الأسعار وتغيُّر تكلفة جوانب ضرورية لخروج الفيلم إلى النور».

وردّاً على انتقادات واجهت الفيلم لاستخدامه الرمزية في بعض المَشاهد، ثم إعادتها بالحوار بين الأبطال ضمن الأحداث، أكد المخرج السعودي أنّ «السينما تُوفّر أدوات عدّة لتقديم المضمون الذي يُريده المبدع، ولا يروقني شرح الفكرة»، مشيراً إلى أنّ المونتاج يمنحه، بوصفه مخرجاً، فرصة لإعادة اكتشاف الفيلم والثغرات والمَشاهد غير المفهومة.

فيلم «ثقوب» يتناول ظاهرة العنف المكبوت (القاهرة السينمائي)

وأوضح أنه بمجرّد شعوره بتكرار يتعلّق بالرسالة، سيتراجع على الفور، مؤكداً حرصه على الإخلاص للفكرة التي يقدّمها، وقناعته بأنه ينبغي تقديمها بصورة يعتقد أنها الأفضل.

وعن اختيار الأفكار، أكد بحثه عن أفلام تحتوي أفكاراً وعناصر غير مألوفة لتقديمها في تجاربه الجديدة. فهو لا يتعجَّل بخطوته السينمائية التالية بعد «ثقوب»، ويقول: «سأتابع عروض الفيلم في الفترة المقبلة والانطباعات حوله»، لافتاً إلى أنه سيرغب لاحقاً في الحصول على «فترة من التأمل»، والبحث عن مشروعات سينمائية تتناسب والتطوّرات، بجانب عمله على مشروعات لأعمال درامية.