«المواقع الجيولوجية السعودية»... تنوّع فريد ودلائل على استيطان بشري قديم

مجلة «أرضنا» تسلّط الضوء على ثراء وتنوّع البيئة وذخائرها الثمينة

تُعدّ حافة العرمة آخر حوافّ هضبة نجد من الشرق ويبلغ أقصى ارتفاع للعرمة 805 أمتار (واس)
تُعدّ حافة العرمة آخر حوافّ هضبة نجد من الشرق ويبلغ أقصى ارتفاع للعرمة 805 أمتار (واس)
TT

«المواقع الجيولوجية السعودية»... تنوّع فريد ودلائل على استيطان بشري قديم

تُعدّ حافة العرمة آخر حوافّ هضبة نجد من الشرق ويبلغ أقصى ارتفاع للعرمة 805 أمتار (واس)
تُعدّ حافة العرمة آخر حوافّ هضبة نجد من الشرق ويبلغ أقصى ارتفاع للعرمة 805 أمتار (واس)

تزخر السعودية بعديد من المواقع الجيولوجية التي تعكس التنوّع البيئي الفريد، وتفتح نوافذ علمية واستكشافية إلى ما تختزنه أرضها من كنوز حضارية لا تقدَّر بثمن، وموارد وثروات طبيعية هائلة، بالإضافة إلى إبراز دور وجهود المملكة في الحفاظ على هذه الثروات واستكشافها لخير المجتمع ونفع البشرية، ومن هذا المنطلق احتفت مجلة «أرضنا»، في عددها الأخير الصادر في أغسطس (آب) الماضي، بعدد من المواقع الجيولوجية في البلاد، وسلّطت المجلة العلمية التي تصدر كل عام، عن هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، الضوءَ على ثراء وتنوّع البيئة وذخائرها الثمينة.

لا تزال صحراء الربع الخالي بحاجة إلى المزيد من الاكتشافات والدراسات المتخصصة (واس)

دلائل استيطان بشري قديم

وكتبت خولة بنت علي القحطاني، مسؤول أول تفتيش آثار في هيئة التراث بالمنطقة الشرقية، عن البحيرات القديمة في صحراء الربع الخالي التي يعدّها العرب عبر العصور مخزناً للأسرار غير المكتشفة، وبينما لا تزال صحراء الربع الخالي بحاجة إلى المزيد من الاكتشافات والدراسات المتخصصة فإن القليل مما يُكتشَف فيها يثير الدهشة والإعجاب بشأن الكنوز الحضارية الفريدة التي لا تقدَّر بثمن.

وقد عُثر في صحراء الربع الخالي على مجموعة من قيعان البحيرات القديمة «أحواض مائية مغلقة» ذات أحجام وأشكال مختلفة، منها دائري، وهلالي، وهضاب منعزلة شديدة الانحدار، وذلك حسب اختلاف طبيعة الأرض، وخصائصها الجيولوجية.

ونقلت الباحثة في مشاركتها عبر المجلة، نتائج مشروع المسح الجيوفيزيائي الذي قام عليها متحف الدمام الإقليمي، وشركة «سراك»، خلال 5 مواسم عمل متتالية من شهر مارس (آذار) وحتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2006.

ما يُكشَف في الربع الخالي يثير الدهشة والإعجاب بشأن الكنوز الحضارية الفريدة في طيات كُثبانها الرملية (واس)

وفي منطقة شرق السليل وشمال شرق شرورة بالربع الخالي، تم اكتشاف ما يزيد عن 77 بحيرة طبيعية جافة، بأحجام مختلفة، تتشابه في خصائصها ومكوناتها، ما يشير إلى أن هذه البحيرات كانت في العصور المطيرة قبل 30 ألف عام متصلةً بعضها مع بعض، ولكن بسبب حقبة الجفاف التي لحقت العصور المطيرة انفصلت البحيرات، وطُمرت أجزاء كبيرة منها.

وتم العثور في قيعان البحيرات القديمة المكتشفة على العديد من القواقع والأصداف الحلزونية صغيرة الحجم، وآثار لسيقان وجذور نباتات متحجّرة، وآثار للحياة الحيوانية، كبقايا أجزاء من قشر بيض النعام المتحجّر، والكثير من الأحجار الكلسية والفروش والحجر الرملي الحديدي، بالإضافة إلى الطبقات من التراكمات الطينية والطمي المتحجّر، وتميّزت بعض البحيرات بأرضيتها التي كانت من الحجر الجيري الأبيض.

وأبرز ما تم اكتشافه في البحيرات هو دلائل الاستيطان البشري بالقرب من مصادر المياه العذبة، حيث تم العثور على مجموعة من الأدوات الحجرية المختلفة التي صنعها الإنسان القديم بغرض الصيد، وتؤرّخ الأدوات الحجرية مبدئياً إلى العصر الحجري الحديث، وتشير الباحثة إلى إمكانية الاستنتاج بحدوث تغيّر مناخي كبير في صحراء الربع الخالي، وذلك من خلال النظر إلى بقايا البحيرات الجافة، والنباتات المتحجرة، والأصداف والقواقع التي لوحظ أنها توجد في المياه العذبة تحديداً؛ لذا يمكن ربط مياه البحيرات العذبة باستيطان الجماعات البشرية منذ قديم الزمان بجوار هذه الموارد الضرورية التي تُعدّ إحدى أهم مقومات العيش البشري؛ لذا يمكن تفسير وجود الأدوات الحجرية المصنعة بشرياً بجوار وعلى ضفاف البحيرات القديمة في صحراء الربع الخالي.

هذا ويمكن الإشارة إلى أنه من المرجح أن تكون بحيرات صحراء الربع الخالي سابقاً كانت مرتبطة بأنهار تغذّي هذه البحيرات بجانب الأمطار والمياه الجوفية، وذلك بسبب شَبه امتداد البحيرات مع بعضها، وتشابه محتويات قيعانها.

تحتوي هضبة العرمة على طبقات جيولوجية مختلفة ذات خصائص متنوعة (واس)

تنوّع جيولوجي فريد من نوعه

وفي المجلة يشارك محمد الخان، الإخصائي الجيولوجي لدى هيئة تطوير محمية الإمام عبد العزيز بن محمد الملكية، تفاصيل عن هضبة العرمة التي أعطاها التنوع الجيولوجي قيمة طبيعية للمحمية، وتكوّن عدة موائل برّية للحياة الفطرية، من خلال التصدعات والأودية والنتوءات الصخرية، والبِرَك المائية الطبيعية الموسمية التي ساعدت على حفظ مياه الأمطار لفترات طويلة.

وتتكون هضبة العرمة من سلسلة من المرتفعات الواقعة في هضبة نجد الجيولوجية في شرق وسط شبه الجزيرة العربية، وشمال شرق مدينة الرياض، وتمتد على مسافة تزيد على 700 كم على شكل حزام مُنحنٍ مُوازٍ لنفود الدهناء من الشرق، وتُعدّ حافة العرمة آخر حوافّ هضبة نجد من الشرق، ويصل أعلى ارتفاع لها إلى نحو 805 أمتار، كما أنها تمتد منحدرةً باتجاه الشمال الشرقي، وتختفي طبقاتها في باطن الأرض، لتصل إلى مستوى سطح البحر.

تختفي طبقات هضبة العرمة في باطن الأرض لتصل إلى مستوى سطح البحر (واس)

وتحتوي هضبة العرمة على طبقات جيولوجية مختلفة ذات خصائص متنوعة، ما أضاف لجمالها في اللون والشكل، وتتكون من متكونين رئيسيين، هما: متكوّن العرمة والوسيع، حيث يغطي متكون العرمة الجزء العلوي من الهضبة، ويعود إلى العصر الطباشيري الأعلى، ويحتوي على الحجر الجيري، وحجر الدولوميت، وحجر الطفل الصفحي، وقد تكونت في بيئة بحرية عميقة وضحلة، ومن ثم يليه جزء سفلي من الهضبة، هو متكوّن الوسيع الذي يعود إلى العصر الطباشيري الأوسط، ويحتوي على الحجر الرملي المتكوّن في بيئة بحرية ضحلة.

كما تتميّز متكونات هضبة العرمة باحتوائها على أحافير اللافقاريات التي تعكس طبيعة البيئة البحرية القديمة المتكونة منها، وتمتاز منطقة هضبة العرمة بجمالية التكوينات الصخرية الناتجة عن عوامل التعرية والتجوية، مثل الرياح ومياه الأمطار التي أدّت مع مرور الزمن إلى نحت وتآكل الطبقات الصخرية، وأسهمت في تكوين الأودية والأخاديد والخشوم والحُفَر الوعائية والكهوف.

ومن أبرز الظواهر الجيولوجية التي ساعدت في تحلّل وتفتّت الصخور هي الفوالق والتصدّعات البارزة في المنطقة التي تُعدّ مصدراً مهماً لتغذية الخزانات الجوفية، وتنشط الانهيارات الصخرية على حافة هضبة العرمة بسبب اختلاف وتفاوت صلابة الصخور.

كما تُعدّ هضبة العرمة مورداً طبيعياً للمياه السطحية والجوفية، حيث تنحدر منها أهم الأودية الرئيسية في المنطقة (مثل وادي الثمامة، ووادي الطوقي، ووادي الجريذي)، وتمتد إلى الشمال الشرقي من محمية الملك خالد الملكية، وتصبّ في روضة خريم (إحدى أكبر الروضات في منطقة نجد)، وحائرة المزيرع في محمية الإمام عبد العزيز بن محمد الملكية، حيث إن هضبة العرمة تلعب دوراً كبيراً في تنظيم تدفق المياه، وتقليل حدوث الفيضانات في المنطقة، وذلك بوجود الصخور المنهارة على سفحها، والأودية العميقة النابعة منها، وكثرة الروضات حولها.


مقالات ذات صلة

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

الاقتصاد مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

رفعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني تصنيف السعودية إلى «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1»، مشيرة إلى جهودها لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك) «الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت «الأوركسترا السعودية» أجمل الألحان الموسيقية في ليلة ختامية كان الإبداع عنوانها على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
خاص الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

خاص نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

كشف مسؤول نيجيري رفيع المستوى عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.