من «الصابون القاتل» إلى «البرغر البدوي»... زيد حمدان يعيد ابتكار الأغنية المستقلّة

المنتج والمؤلف الموسيقي اللبناني: «التعاون مع الأصوات النسائية فعلُ مقاومة»

المنتج والمؤلف الموسيقي اللبناني زيد حمدان من مؤسسي الموسيقى العربية المستقلّة (صور الفنان)
المنتج والمؤلف الموسيقي اللبناني زيد حمدان من مؤسسي الموسيقى العربية المستقلّة (صور الفنان)
TT

من «الصابون القاتل» إلى «البرغر البدوي»... زيد حمدان يعيد ابتكار الأغنية المستقلّة

المنتج والمؤلف الموسيقي اللبناني زيد حمدان من مؤسسي الموسيقى العربية المستقلّة (صور الفنان)
المنتج والمؤلف الموسيقي اللبناني زيد حمدان من مؤسسي الموسيقى العربية المستقلّة (صور الفنان)

يوم كان «الأندرغراوند» مجرّد عبارة مبهمة في العالم العربي، ويوم لم تكن للموسيقى المستقلّة هويّة واضحة، كان زيد حمدان يضع حجر الأساس لهذا الفن المعاصر. على يد حمدان ومشروعه الأول Soap Kills (الصابون يقتل) إلى جانب الفنانة ياسمين حمدان، رسمت بيروت أولى ملامح موسيقاها المستقلة. سرعان ما ترسّخ هذا النمط وانتشر على امتداد الخريطة العربية، من خلال فِرَقِ وأصواتٍ كثيرة تأثّرت بتجربة فريق الطليعيّة.

شكّل زيد وياسمين حمدان ظاهرة موسيقية خلال التسعينات من خلال مشروع Soap Kills (فيسبوك)

مقاومة موسيقية

قبل سنوات، وجد حمدان نفسه مضطراً إلى مغادرة مدينته الحبيبة تحت ضغط الأزمة الاقتصادية وتفجير المرفأ. ودّع أكثر من 20 عاماً من الأحلام المحقّقة، وذهب يتلمّس إمكانية الاستمرار. بعد محطّة وجيزة في تركيا، استقرّ في فرنسا. ومن هناك، يواصل مشروعه الذي انطلق في التسعينات.

يتحدّث المنتج الموسيقي إلى «الشرق الأوسط» مشبّهاً ما يقوم به حالياً بـ«المقاومة الموسيقية ضدّ الفساد الذي يحتلّ لبنان». ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهو يخترع ساحةً تجمعه بفنانين عرب اضطرّوا إلى الهجرة مثله.

انتقل حمدان من بيروت إلى باريس قبل 4 سنوات وهو يتابع مشروعه الفني من هناك (إنستغرام)

أتاحت له الإقامة الباريسيّة توسيع آفاقه والتعامل باحترافيّةٍ أكبر مع النوع الموسيقيّ الذي يقدّم. ورغم الشوق للبلاد فهو حصّن نفسه بشبكة أمان من الفنانين المستقلّين الموزّعين في أوروبا. «من هنا، من غربتنا، تنطلق رحلة جديدة لتبثّ الروح في حجر الأساس الذي وضعته في بيروت». يقول إنه شعر بضرورة جمع شتات المواهب العربية المنتشرة على امتداد القارة، وهو لم يتوقّع أن تمنحه النقلة إلى باريس الرضا الفنّي بعد عقدَين أمضاهما في لبنان.

حمدان الذي صنّفته شبكة «سي إن إن» كأحد أبرز المؤثّرين الثقافيين اللبنانيين، انشغل خلال الفترة الماضية بمشاريع موسيقية جمعته بعددٍ من الأصوات العربية المستقلّة. «مع الفنانة المصرية مريم صالح، ملأنا القاعات في باريس، وبرلين، وبروكسل قبل أشهر لأن هناك عطشاً إلى الموسيقى العربية المستقلة»، يقول.

الفنانة المصرية مريم صالح من بين الشريكات دائمات التعاون مع زيد حمدان (إنستغرام)

«ما لي بيت»

بصفة كونه مُنتجاً ومؤلّفاً موسيقياً، وضع حمدان يده بيد الفنانة السورية المقيمة في باريس لين أديب، ليعملا معاً على ألبوم «ما لي بيت». هذه المجموعة الغنائية الصادرة قبل 4 أشهر، تحمل صوت التغريبة والحنين للوطن المفقود. في الشكل، الألبوم مزيجٌ من الإيقاعات الإلكترونية والنصوص العربية بمختلف اللهجات؛ وتلك هي الهوية التي عُرف بها حمدان أساساً. أما في المضمون، فقد انبثق المشروع عن رغبة لدى أديب في استكشاف الأغاني التراثية العربية، من اليمن إلى فلسطين، مروراً بالأغنية البدويّة الفولكلورية.

بين حمدان وأديب صداقة عميقة، ومشروعٌ طويل الأمد يحمل اسم «Bedouin Burger» (برغر بدوي). وألبوم «ما لي بيت» ليس سوى جزء من هذا المشروع الذي تتداخل فيه الموسيقى البدويّة التراثية بالإيقاعات الإلكترونية الغربية، ومن هنا جاءت التسمية.

مع لين أديب يعمل زيد حمدان على مشروع طويل الأمد بعنوان Bedouin Burger (صور الفنان)

استقى الألبوم من التراث واستند إلى نصوص جديدة من تأليف حمدان وأديب، ليقدّم مزيجاً لافتاً من الأصالة والحداثة. أما الخيط الجامع بين تلك الأغاني فهو الحنين وجرح التغريبة، وفق ما يشرح حمدان. «نقيم في بلادٍ لا ننتمي إليها. في المقابل، بلادنا تغيّرت وما عادت تشبه ما عرفناه عنها. غالباً ما نتساءل أين نحن». يضيف: «المكان الوحيد الذي نشعر فيه وكأننا في بيتنا هو المسرح، مع الجمهور العربي المغترب الذي يشعر مثلنا بأنه لا بيت له».

طبخ الأغاني

وفق تعريف حمدان، فإنّ «المُنتِج الموسيقيّ هو الطبّاخ الذي يعثر على المكوّنات المناسبة لصناعة خلطة مميّزة»؛ وهذا ما أمضى مسيرته وهو يفعله. لا يمانع الوقوف في ظلّ الفنانين، فالأساس بالنسبة إليه هو العمل الموسيقي وليس صورته هو؛ «هدفي هو أن أضع خبرتي بين أيدي الطاقات والمواهب المميّزة وأن أساعدها على الإنتاج الموسيقي».

في مشاريعه كافةً، الخاصة منها والمشتركة، يتولّى حمدان التلحين والتوزيع وجزءاً من الكتابة. هي ورشة تخضع فيها الأغنية للتطوير، وترتكز إلى عمل الفريق. كما أنه يقف عازفاً على المسرح ومغنياً أحياناً.

في مشاريعه الخاصة والمشتركة يتولّى زيد حمدان كل مراحل صناعة الأغنية (إنستغرام)

العلاقة بينه وبين الفنانين المتعاونين معه تتخطّى الطابع المهني، فهو يصفهم بالعائلة والأصدقاء الذين باتوا اليوم يخفّفون من وطأة الغربة. من هنا يأتي الوفاء المتبادل، فمن الملاحظ أنّ بين حمدان وشركائه الفنيين علاقات لا يكسرها الزمن. من بين هؤلاء، إضافةً إلى مريم صالح ولين أديب، الفنانتان المصرية مي وليد والتركية سيلين سمبلتيبي.

بين زيد حمدان وتركيا القنوات الموسيقية مفتوحة منذ منحَ حقوق نسخته المحدّثة من أغنية «أهواك» لأحد المسلسلات التركية. يخبر كيف أنّ تلك الأغنية التي ألّفها زكي ناصيف وأعاد حمدان توزيعها حقّقت نجاحاً باهراً في تركيا. تلا ذلك تعاونٌ بينه وبين أحد أبرز المغنّين الأتراك، مابيل ماتيس، في أغنية «آشكيم غولوم» التي نالت هي الأخرى إعجاب الجمهور التركي.

الميكروفون للنساء

منذ انطلق عام 1997 إلى جانب ياسمين حمدان، وحتى أحدث أعماله مع لين أديب، لطالما منح زيد حمدان الأولويّة للأصوات النسائية. يرى في ذلك أيضاً نوعاً من المقاومة: «أريد أن أمنح قوّة للفنانات العربيات الإناث اليوم أكثر من أي وقت. فنحن ما زلنا نعاني من المجتمع الأبوي الظالم، ليس عربياً فحسب بل في كل أنحاء العالم». يضيف: «في كل مرةٍ أتعاون مع فنانة وأمنحها صوتاً، أشعر بأنني أقوم بفعلٍ مقاوم».

زيد حمدان خلال إحدى الحفلات مع الفنانة المصرية مي وليد (صور الفنان)

أما عن احتمال لمّ الشمل بينه وبين ياسمين حمدان بعد كل تلك السنوات، فيجيب بأنّ السؤال يجب أن يُطرح عليها هي. ويعلّق بالقول إنها «فنانة عظيمة» وإنه لا يرفض لها طلباً.

في الأثناء، يستعدّ حمدان لمجموعة من الحفلات تأخذه من كندا إلى سويسرا، مروراً بالرياض وجدّة، وصولاً إلى بيروت. أما في مطلع الربيع المقبل، فسيكون جمهوره على موعدٍ مع ألبومه الخاص.


مقالات ذات صلة

جاستن تيمبرليك يقر بالذنب في قضية القيادة تحت تأثير الكحول

يوميات الشرق النجم ​​الأميركي جاستن تيمبرليك (وسط) يتحدث خلال مؤتمر صحافي خارج محكمة في نيويورك (إ.ب.أ)

جاستن تيمبرليك يقر بالذنب في قضية القيادة تحت تأثير الكحول

دعا المغني الأميركي الشهير جاستن تيمبرليك الجمهور إلى «الاتصال بصديق أو ركوب سيارة (أوبر)» بعد تناول المشروبات الكحولية، وذلك وسط إقراره بالذنب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الموسيقار بليغ حمدي (دار الأوبرا المصرية)

احتفاء سينمائي مصري بـ«الطير المسافر» بليغ حمدي

احتفت دار الأوبرا المصرية، بالتعاون مع «المركز القومي للسينما»، بالذكرى الـ31 لرحيل الموسيقار المصري بليغ حمدي الملقب بـ«عاشق النغم».

داليا ماهر (القاهرة )
الوتر السادس محمد منير (حسابه على {انستغرام})

هل انتشار «الديوهات» عربياً يعني أنها حققت النجاح؟

عاد مطربون عرب مجدداً إلى تقديم الديوهات الغنائية بشكل لافت، إذ تشهد الأيام المقبلة طرح عدد من الديوهات التي تجمع نجوم الغناء العربي في ثنائيات

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الوتر السادس تحمل العصا البيضاء أثناء قيادتها الأوركسترا (أمل القرمازي)

المايسترو أمل القرمازي: واجهت صعوبات بسبب مجتمعنا الذكوري

تنتمي المايسترو أمل القرمازي إلى عائلة تهوى الفنّ. تلقّت دروسها في المعهد الوطني التونسي للموسيقى، ومن ثم حصلت على شهادة الدكتوراه في الموسيقى من جامعة السوربون

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق جمانا الراشد نوهت بأهمية الاحتفاء بالتنوع الذي تتمتع به الثقافة الموسيقية والفنية في المنطقة (الشرق الأوسط)

جوائز «بيلبورد العالمية» للموسيقى بنسخة عربية في الرياض

«بيلبورد عربية» تطلق النسخة الأولى من جوائزها احتفاءً بإبداعات الفنانين العرب وريادتهم في القوائم الموسيقية ضمن «أسبوع الرياض الموسيقي الأول».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«كان الأمر صعباً»... رائدا الفضاء العالقان يشاركان تجربتهما من المدار

بوتش ويلمور (يمين) وسوني ويليامز يشاركان في مؤتمر صحافي من محطة الفضاء الدولية (أ.ب)
بوتش ويلمور (يمين) وسوني ويليامز يشاركان في مؤتمر صحافي من محطة الفضاء الدولية (أ.ب)
TT

«كان الأمر صعباً»... رائدا الفضاء العالقان يشاركان تجربتهما من المدار

بوتش ويلمور (يمين) وسوني ويليامز يشاركان في مؤتمر صحافي من محطة الفضاء الدولية (أ.ب)
بوتش ويلمور (يمين) وسوني ويليامز يشاركان في مؤتمر صحافي من محطة الفضاء الدولية (أ.ب)

قال رائدا الفضاء العالقان في الفضاء، بوتش ويلمور، وسوني ويليامز، أمس (الجمعة)، إن التعامل مع مغادرة رحلتهما على متن مركبة «بوينغ» بدونهما واحتمال قضاء عدة أشهر إضافية في المدار كان صعباً، حسب «أسوشيتد برس».

وكانت هذه أول تعليقات علنية لهما منذ عودة كبسولة «بوينغ ستارلاينر»، الأسبوع الماضي، التي نقلتهما إلى محطة الفضاء الدولية في يونيو (حزيران).

وعلق ويلمور وويليامز في الفضاء بعد أن قررت وكالة «ناسا» أن الكبسولة التي تعاني من مشاكل تشكل خطورة كبيرة بالنسبة لهما للعودة. ومن المتوقع الآن أن تستمر مهمتهما التي كان من المفترض أن تستغرق 8 أيام لأكثر من 8 أشهر.

قال ويلمور من ارتفاع 260 ميلاً (420 كيلومتراً): «لقد كان الأمر صعباً في بعض الأحيان. كانت هناك بعض الأوقات الصعبة طوال الطريق».

أضاف: «بصفتك رائد فضاء في مركبة فضائية، لا تريد أن تراها تعود بدونك، ولكن هذا هو المكان الذي انتهينا إليه».

بوتش ويلمور (يمين) وسوني ويليامز خلال مؤتمر صحافي من محطة الفضاء الدولية (أ.ف.ب)

وبينما لم يتوقعا أبداً أن يكونا هناك لمدة عام تقريباً، بصفتهما أول رائدي فضاء لاختبار «ستارلاينر»، فقد كانا يعرفان أنه قد تكون هناك مشاكل قد تؤخر عودتهما. وقال ويليامز: «هكذا تسير الأمور في هذه المهنة».

استقبل الثنائي، إلى جانب سبعة آخرين على متن المركبة الفضائية «سويوز» التي تحمل روسيين وأميركياً في وقت سابق من هذا الأسبوع، مما رفع عدد سكان المحطة مؤقتاً إلى 12، وهو رقم قياسي قريب. وسيصعد رائدا فضاء آخران على متن «سبيس إكس» في وقت لاحق من هذا الشهر؛ سيتم ترك مقعدين في الكبسولة فارغين لويلمور وويليامز لرحلة العودة.

وقالت ويليامز، التي سجلت إقامتين طويلتين في محطة الفضاء منذ سنوات، إن الانتقال إلى حياة المحطة «لم يكن صعباً».

وقالت: «هذا هو مكاني السعيد. أحب أن أكون هنا في الفضاء».

لم تستطع ويليامز إلا أن تشعر بالقلق لبعض الوقت بشأن فقدان الوقت الثمين مع والدتها. ولن يكون ويلمور موجوداً في السنة الأخيرة لابنته الصغرى في المدرسة الثانوية.

وطلب ويلمور بطاقة اقتراع غيابية، يوم الجمعة، حتى يتمكن من التصويت في الانتخابات الرئاسية نوفمبر (تشرين الثاني) من المدار. وأكد كلاهما على أهمية القيام بواجباتهما المدنية أثناء استمرار مهمتهما.

كانت كبسولة «ستارلاينر» الخاصة بهم هي أول رحلة فضاء لشركة «بوينغ» مع رواد فضاء. لقد تحملت سلسلة من أعطال الدافع وتسربات «الهيليوم» قبل وصولها إلى محطة الفضاء في 6 يونيو (حزيران).

وقالت ويليامز إنها متحمسة لإرسال مركبتين فضائيتين مختلفتين في المهمة نفسها. وقالت: «نحن مختبرون، هذا ما نفعله».

وأضافت: «أردنا إكمال بناء (ستارلاينر)، وإعادتها إلى الأرض في الوطن. ولكن عليك أن تقلب الصفحة وتنظر إلى الفرصة التالية».