رحلة الفن في السعودية... محطات وأسماء في معرض لندني

قسورة حافظ: عبد الحليم رضوي أطلق الشرارة في الستينات وما زال وهجها يشع

لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)
لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)
TT

رحلة الفن في السعودية... محطات وأسماء في معرض لندني

لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)
لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)

رغم قصر مدته نجح معرض «خمسين... نظرة على الفن السعودي» في جذب جمهور من المصطافين العرب والمقيمين في لندن لرؤية أعمال لفنانين سعوديين رواد لأول مرة في العاصمة البريطانية. المعرض أقيم في دار «سوذبيز» للمزادات، التي أفردت عدداً من قاعاتها لعرض نتاج عقود من الأعمال الفنية التي أبدعها رواد الفن السعودي، أمثال عبد الحليم رضوي، ومحمد السليم، وصفية بن زقر، وغيرهم كثير. وخلال الجولة على الأعمال، يتبدّى للزائر التطورات الفنية التي حدثت في المملكة منذ الستينات من القرن الماضي، التي تظهر في أساليب فنية مختلفة تُعبر ببلاغة بصرية عن تطور المجتمع والمراحل التاريخية التي مرت بها البلاد.

لوحة للفنان محمد عجم من معرض «خمسين... نظرة على الفن السعودي» (سوذبيز)

صاحب فكرة العرض هو قسورة حافظ مالك «حافظ غاليري» في جدة، وهو من أهم المشتغلين بالفن في المملكة، ومن الحريصين على إبراز أعمال رواد الفن السعودي في العصر الحديث، التي غابت عن العروض لفترة طويلة، وعادت مؤخراً لتشغل مكانها المستحق في تطور حركة الفنون البصرية في السعودية. الحديث مع قسورة حافظ يفتح لنا نوافذ الدهشة على فنانين وتيارات مختلفة ميّزت أعمال عدد ضخم من الفنانين، يختار خلال حديثه أن يضع أعمال الرواد في سرد فني تاريخي، ليكون أساساً للحركة الفنية المنتعشة حالياً في البلاد.

أتحدّث مع قسورة حافظ حول اهتمامه بصفته مقتنياً وخبيراً عن الفن السعودي الحديث، وبدايات رحلته معه. يرجع بالذاكرة لسنوات شبابه، قائلاً: «إن الأمر بدأ حين طلب منه والده، الراحل هشام حافظ، أن يختار لوحة لشرائها خلال زيارة معرض فني في عام 1995».

بداية الشغف

«كان عمري 18 عاماً، وكانت أول مرة في حياتي أدخل غاليري، هذا الطلب فرض عليَّ، على نحو غير مباشر، أن أنظر إلى الأعمال بعين ناقدة، وأعجبتني لوحة للفنان عبد الله إدريس. بعدها بفترة طلب مني الوالد أن أختار لوحة كان يريد إهداءها لصديق، فاخترت لوحة للفنان هشام بنجابي». مع الوقت زاد اهتمامه بزيارة المعارض الفنية داخل وخارج المملكة، وحاول دخول المجال بصفته فناناً؛ إذ أقام معرضين في جدة وبيروت، ولكن الشغف حوّله لدور آخر، «بعدها اكتشفت إمكانية أن يكون لي دور في هذا العالم على نحو مختلف، عبر تأسيس منصة لعرض أعمال فنانين آخرين».

لقسورة حافظ اهتمام قوي بأعمال الفن الحديث في السعودية وباللوحات على نحو خاص: «كنت أحب أعمال عبد الحليم الرضوي، ومحمد السليم، وعبد الله الشيخ، وهم فنانون أسّسوا الحركة التشكيلية في المملكة. قرأت عن أعمالهم، وتعرّفت على بعضهم».

في عام 2014، ولدت فكرة إقامة معرض لتوثيق الذكرى الـ50 لأول معرض أقامه رضوي، وكان في عام 1965. الفكرة لم تترجم لمعرض نتيجة عدد من الأسباب، ولكن الفرصة سنحت بعدها بعشر سنوات ليُقيم المعرض المنشود في العاصمة اللندنية، وليوسع دائرته، لتشمل فنانين آخرين إلى جانب رضوي. يقول إنَّ الفكرة عادت لتداعبه بعد تواصل دار «سوذبيز» معه لعرض بعض الأعمال السعودية في المزاد بلندن، وقتها اقتنص حافظ الفرصة لإقناع المسؤولين في الدار بفكرة إقامة معرض عن 50 عاماً من الفن السعودي. مع موافقة الدار، بدأت الرحلة للبحث عن الأعمال المناسبة. ولعرض 60 لوحة تواصل مع مقتنين وصالات عرض، ومع الفنانين أنفسهم أو أسرهم، وفي سباق مع الزمن استطاع حافظ في 4 أشهر الحصول على الأعمال، وبعضها على سبيل الإعارة.

قسورة حافظ (سوذبيز)

أسأله إن كان العرض يعكس جميع الفترات المهمة في الفن السعودي، يقول «لم يكن من الممكن تقديم العرض من ناحية تاريخية نظراً لقصر وقت التحضير، ولكنني نسّقت العرض بناءً على تصوري الخاص للمراحل المهمة في تطور الفنون البصرية في المملكة، وهي 3 مراحل، ويمثل كل مرحلة بعض الفنانين النشطين المؤثرين، وقد حاولت قدر الاستطاعة أن يغطي المعرض كل حقبة على نحو مقنع».

الفنانات السعوديات

أبرز المعرض حضور وتأثير الفنانات السعوديات على الحركة الفنية، فاجتمعت في القاعة الأولى 3 لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر، ومنيرة موصلي، ونبيلة البسام، لما كان لهن من دور كبير في تسجيل دور النساء في بدايات الحركة التشكيلية. ولم يتوقف العرض عند ذلك، فحرص المنسق على أن تكون هناك أعمال لفنانات من أجيال معاصرة، مثل لولوة الحمود، ومنال الضويان، وحنان باحمدان، ودانية الصالح.

عمل للفنان السعودي محمد الفرج (الشرق الأوسط)

بالنسبة إلى قسورة حافظ، فاللوحات تكتسب أهميتها من موضوعها وقوة تعبيرها، ولا يرى أن الفروق بين عطاء الرائدات والمعاصرات تكمن في الموضوعات، وإنما لأماكنهن في محطات الحركة الفنية «الموضوع يمكن النظر إليه بطريقة ثانية، مرحلة البداية من منتصف الستينات لأواخر السبعينات، هذه المرحلة التي أُرْسِيت فيها الأساسات للفنون في المملكة، الشيء المشترك بين جميع الفنانين والفنانات في هذا الجيل كان الاهتمام بتصوير البيئة المحلية، كلٌّ بأسلوبه، سواء أكان انطباعياً أم تجريدياً، في النهاية بيئة الفنان تجد نفسها في اللوحة، فهو تأسيس للهوية بشكل أو آخر، وتميزت أعمال المرحلة بهذا الأمر. قد تكون الفنانة منيرة موصلي مختلفة بعض الشيء عن بقية جيلها، فقد كانت سابقة لغيرها في مناقشتها لقضايا إنسانية، مثل موضوع المرأة، ومن جيلها تميز الفنان عبد الجبار اليحيى، الذي تغيّرت موضوعاته إلى حد بعيد بعد عام 1979، فبدأنا نشاهد لوحات له ليست جمالية أو تعبيرية، بل لوحات تناقش قضايا إنسانية، متأثراً بالأحداث التي مرت على المنطقة».

ومن الفنانين اللافتين في المعرض، ويبدو متميزاً بأسلوب بصري مختلف هو الفنان عبد الستار الموسى، يقول حافظ «هو الفنان الوحيد الذي درس الفن في موسكو في السبعينات، ويمثل حالة خاصة من الناحية البصرية».

عمل للفنان عبد الستار الموسى (الشرق الأوسط)

الفن السعودي في المزادات العالمية

بما أن المعرض يقام داخل دار مزادات، فليس بالمستغرب أن تباع بعض اللوحات من العرض، وهو ما يطرح السؤال عن حظ الفنانين الرواد في السوق الفنية، وهل تختلف أسعار لوحاتهم عن غيرهم من الفنانين المعاصرين؟

يقول المنسق إن الأعمال السعودية المعاصرة منذ أن بزغت حركتها في عام 2008 تزامناً مع معرض «إيدج أوف آرابيا» في لندن، أطلقت أسماء فنانين سعوديين في العالم، ومع جولات معارض «إيدج أوف آرابيا» بدأ العالم يتعرّف على الفن السعودي، وهو ما ترجم بعد ذلك بحضور أعمال الفنانين المعاصرين في دور المزادات العالمية.

جانب من معرض «خمسين... نظرة على الفن السعودي» ويظهر فيه أعمال للفنانين عادل قريشي وسعيد قمحاوي وناصر السالم (الشرق الأوسط)

تبع هذا الاهتمام بالفن المعاصر نهضة ثانية لأعمال الرواد في المعارض، وفي المزادات «أصبح العثور على لوحات فنانين سعوديين من الخمسينات والستينات أمراً نادراً، وإذا وجدت فهي ليست للبيع. بدأت السوق تتجاوب مع هذا الشيء. مثال في المزاد الأخير في (سوذبيز) بيعت لوحة السليم بنحو مليون جنيه إسترليني، وهو رقم قياسي بكل المقاييس، وكنت أنا جزءاً من هذه القصة، بدأ الاهتمام بالشراء أيضاً مع الإعلان عن افتتاح مجموعة كبيرة من المتاحف في المملكة، ومع الإدراك أن اللوحة ممكن أن تكون استثماراً ممتازاً، نتج عن ذلك قلة المعروض، والآن يعد العثور على لوحة لمحمد السليم (على سبيل المثال) للبيع في السعودية أمراً ليس سهلاً». يضيف قائلاً: «هناك عناصر قوية أخرى تؤثر في أسعار الأعمال الفنية، منها ثقافة واطلاع رأس المال بهذه السوق، وأيضاً هيمنة وقوة الدولة المنتجة، فهذان العنصران لهما تأثير كبير في السعر، طبعاً مع دور الفنان وقصته وقوة العمل الفني».

قصة الفن السعودي... مراحل ومحطات

نتحدث عن الفن السعودي اليوم، ولكن بداياته وقصته تستحق التوقف عندها، يروي قسورة حافظ تاريخاً مختصراً لبدايات الحركة الفنية في المملكة خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين.

يقول إن البداية الحقيقية كانت مع عبد الحليم رضوي في عام 1965، مع أن التاريخ سجّل أسماء مثل الخطاط محمد طاهر الكردي، الذي نسخ المصحف الشريف في عهد الملك عبد العزيز، وصمّم الحلية المحيطة بالحجر الأسود، وله مخطوطات معروفة. يذكر أيضاً الفنان محمد راشد الذي أقام معرضاً فنياً في ثلاثينات القرن الماضي، ولكن لم تستمر المحاولة الوحيدة وقتها، بسبب عدم وجود قبول مجتمعي لهذا النوع من التعبير البصري، وهو ما يأخذنا لعام 1964، حين أقام الفنان عبد الحليم رضوي أول معرض له بعد عودته من إيطاليا حاملاً دبلوم الفنون الجميلة، «يعد الرضوي مطلق الشرارة التي لا تزال متوهجة لليوم».

حملت عودة رضوي من إيطاليا نشاطاً في الفنون البصرية، فعيّن مديراً لمعهد التربية الفنية، الذي خرّج فنانين ومدرسين للفنون. في عام 1967، أقام الفنان محمد السليم معرضه الأول في الرياض. وتبع معرض السليم في الأهمية معرض صفية بن زقر ومنيرة موصلي في عام 1978، وهكذا تشكّلت بدايات الحركة الفنية في المملكة.

يعد حافظ مرحلة السبعينات المحطة الثانية المهمة للفن في السعودية، قائلاً: «في عام 1979 حدثت الثورة الإيرانية، وفي الوقت نفسه كانت هناك طفرة البترول، وبداية مرحلة الصحوة، في تلك الفترة ظهرت أسماء جديدة على الساحة الفنية أمثال مهدي الجريبي وشادية عالم وفيصل سمرة ومحمد الغامدي، الذين قدموا أعمالاً تختلف عن أعمال من سبقوهم من حيث الأسلوب والألوان. في أعمال الجيل الأسبق كانت الألوان حية، وتحمل روحاً منطلقة». في المرحلة التالية تبدى التغيير في الأسلوب، عاكساً الأوضاع الجارية، فلجأت اللوحات إلى التجريدية والألوان الغامقة واستخدام الرموز. تلك المرحلة استمر تأثيرها حتى منتصف التسعينات حين دخلت عناصر جديدة على الثقافة المجتمعية مع دخول الأطباق الفضائية والستالايت داخل المملكة، وانطلاق ثورة التكنولوجيا والمعلومات، واكب ذلك ظهور جيل جديد متأثر بالتكنولوجيا، وبعدها صارت أحداث سبتمبر (أيلول) كانت هناك حاجة حقيقية لأن نعرف العالم بنا في وقت ندرة المعلومات عن المملكة.

في تلك الفترة، ظهرت مبادرة «إيدج أوف آرابيا» وحملت راية الفن السعودي المعاصر وعرضته للعالم، وتبع تلك المرحلة ما يحب حافظ أن يطلق عليه «عهد الإصلاح»، في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، ويمكن اعتباره المرحلة الرابعة في مسيرة الفنون بالسعودية. فشهدت المرحلة تأسيس وزارة متخصصة للثقافة التي حققت منجزات هائلة في وقت قصير، مثل تأسيس «بينالي الدرعية» للفن المعاصر، و«بينالي الفنون الإسلامية» والإعلان عن إقامة عدد من المتاحف في المملكة إضافة لتأسيس المعهد الملكي للفنون التقليدية وغيرها.


مقالات ذات صلة

للبيع... تذكرة لدخول مسرح بريستول تعود إلى عام 1766

يوميات الشرق نادرة جداً (مواقع التواصل)

للبيع... تذكرة لدخول مسرح بريستول تعود إلى عام 1766

من المتوقَّع أن تُحقّق ما وُصفَت بأنها «قطعة حقيقية من تاريخ بريستول» آلاف الجنيهات منذ عرضها للبيع في مزاد ببريطانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز) play-circle 01:27

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الموزة الصفراء المثبتة على الحائط الأبيض بشريط لاصق فضي هي عمل بعنوان «كوميدي» للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان (أ.ب)

كيف بلغت قيمة موزة مثبتة على الحائط مليون دولار؟

يمكنك شراء موزة بأقل من دولار واحد في أي سوبر ماركت، ولكن ماذا عن الموزة المثبتة بشريط لاصق على الحائط في معرض فني؟ قد تباع هذه الموزة بأكثر من مليون دولار!

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق صورة لتشرشل بالأبيض والأسود التُقطت عام 1941 (دار سوذبيز)

محامٍ إيطالي يشتري صورة تشرشل الشهيرة مقابل 4200 جنيه إسترليني

اشترى محامٍ صورة للسير وينستون تشرشل مقابل 4200 جنيه إسترليني معتقداً أنها نسخة رخيصة، ليجد نفسه أمام فضيحة بعد أن اكتشف أن الصورة كانت النسخة الأصلية المسروقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق ساعة الجيب المصنوعة من الذهب عيار 18 قيراطاً قُدّمت إلى الكابتن روسترون من قبل 3 أرامل لرجال أعمال بارزين وأثرياء فقدوا حياتهم عندما غرقت السفينة تيتانيك (ب.أ)

بيع ساعة ذهبية تم تقديمها لقبطان قارب أنقذ ركاباً من «تيتانيك» مقابل مليوني دولار

بِيعت ساعة «جيب» ذهبية تم تقديمها لقبطان قارب، أنقذ أكثر من 700 راكب من سفينة تيتانيك، مقابل مبلغ قياسي يقدر بـ1.56 مليون جنيه إسترليني (مليونا دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

أسدل مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» الستار على دورته الـ45 في حفل أُقيم، الجمعة، بإعلان جوائز المسابقات المتنوّعة التي تضمّنها. وحصدت دول رومانيا وروسيا والبرازيل «الأهرامات الثلاثة» الذهبية والفضية والبرونزية في المسابقة الدولية.

شهد المهرجان عرض 190 فيلماً من 72 دولة، كما استحدث مسابقات جديدة لأفلام «المسافة صفر»، و«أفضل فيلم أفريقي»، و«أفضل فيلم آسيوي»، إلى جانب مسابقته الدولية والبرامج الموازية.

وكما بدأ دورته بإعلان تضامنه مع لبنان وفلسطين، جاء ختامه مماثلاً، فكانت الفقرة الغنائية الوحيدة خلال الحفل لفرقة «وطن الفنون» القادمة من غزة مع صوت الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهو يُلقي أبياتاً من قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وأكد رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، أنّ «الفنّ قادر على سرد حكايات لأشخاص يستحقون الحياة»، موجّهاً الشكر إلى وزير الثقافة الذي حضر حفلَي الافتتاح والختام، والوزارات التي أسهمت في إقامته، والرعاة الذين دعّموه. كما وجّه التحية إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسِّس مهرجان «الجونة» الذي حضر الحفل، لدعمه مهرجان «القاهرة» خلال رئاسة فهمي الأولى له.

المخرجة السعودية جواهر العامري وأسرة فيلمها «انصراف» (إدارة المهرجان)

وأثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعالياته؛ فقالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ «عدم حضوره قد يشير إلى وقوع خلافات»، مؤكدةً أنّ «أي عمل جماعي يمكن أن يتعرّض لهذا الأمر». وتابعت لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عصام زكريا ناقد كبير ومحترم، وقد أدّى واجبه كاملاً، وهناك دائماً مَن يتطلّعون إلى القفز على نجاح الآخرين، ويعملون على الإيقاع بين أطراف كل عمل ناجح». وعبَّرت الناقدة المصرية عن حزنها لذلك، متمنيةً أن تُسوَّى أي خلافات خصوصاً بعد تقديم المهرجان دورة ناجحة.

وفي مسابقته الدولية، فاز الفيلم الروماني «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم للمخرج والمنتج بوجدان موريشانو، كما فاز الفيلم الروسي «طوابع البريد» للمخرجة ناتاليا نزاروفا بجائزة «الهرم الفضي» لأفضل فيلم، وحصل الفيلم البرازيلي «مالو» للمخرج بيدرو فريري على جائزة «الهرم البرونزي» لأفضل عمل أول.

وأيضاً، حاز لي كانغ شنغ على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي «قصر الشمس الزرقاء»، والممثل الروسي ماكسيم ستويانوف عن فيلم «طوابع البريد». كما حصلت بطلة الفيلم عينه على شهادة تقدير، في حين تُوّجت يارا دي نوفايس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم البرازيلي «مالو»، وحصل الفيلم التركي «أيشا» على جائزة أفضل إسهام فنّي.

الفنانة كندة علوش شاركت في لجنة تحكيم أفلام «المسافة صفر» (إدارة المهرجان)

وأنصفت الجوائز كلاً من فلسطين ولبنان، ففاز الفيلم الفلسطيني «حالة عشق» بجائزتَي «أفضل فيلم» ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ولجنة التحكيم الخاصة. وأعربت مخرجتاه منى خالدي وكارول منصور عن فخرهما بالجائزة التي أهدتاها إلى طواقم الإسعاف في غزة؛ إذ يوثّق الفيلم رحلة الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة داخل القطاع. ورغم اعتزازهما بالفوز، فإنهما أكدتا عدم شعورهما بالسعادة في ظلّ المجازر في فلسطين ولبنان.

وكانت لجنة تحكيم «أفلام من المسافة صفر» التي ضمَّت المنتج غابي خوري، والناقد أحمد شوقي، والفنانة كندة علوش؛ قد منحت جوائز لـ3 أفلام. وأشارت كندة إلى أنّ «هذه الأفلام جاءت طازجة من غزة ومن قلب الحرب، معبِّرة عن معاناة الشعب الفلسطيني». وفازت أفلام «جلد ناعم» لخميس مشهراوي، و«خارج التغطية» لمحمد الشريف، و«يوم دراسي» لأحمد الدنف بجوائز مالية قدّمتها شركة أفلام «مصر العالمية». كما منح «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، برئاسة الإعلامي عمرو الليثي، جوائز مالية لأفضل 3 أفلام فلسطينية شاركت في المهرجان، فازت بها «أحلام كيلومتر مربع»، و«حالة عشق»، و«أحلام عابرة».

ليلى علوي على السجادة الحمراء في حفل الختام (إدارة المهرجان)

وحصد الفيلم اللبناني «أرزة» جائزتين لأفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود، وأفضل سيناريو. فأكدت بو عبود تفاؤلها بالفوز في اليوم الذي يوافق عيد «الاستقلال اللبناني»، وأهدت الجائزة إلى أسرة الفيلم وعائلتها.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة التي رأست لجنة تحكيمها المخرجة ساندرا نشأت، فاز الفيلم السعودي «انصراف» للمخرجة جواهر العامري بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقالت جواهر، في كلمتها، إن المهرجان عزيز عليها، مؤكدة أنها في ظلّ فرحتها بالفوز لن تنسى «إخوتنا في فلسطين ولبنان والسودان». أما جائزة أفضل فيلم قصير فذهبت إلى الصيني «ديفيد»، وحاز الفيلم المصري «الأم والدب» على تنويه خاص.

كذلك فاز الفيلم المصري الطويل «دخل الربيع يضحك» من إخراج نهى عادل بـ4 جوائز؛ هي: «فيبرسي» لأفضل فيلم، وأفضل إسهام فنّي بالمسابقة الدولية، وأفضل مخرجة، وجائزة خاصة لبطلته رحاب عنان التي تخوض تجربتها الأولى ممثلةً بالفيلم. وذكرت مخرجته خلال تسلّمها الجوائز أنها الآن فقط تستطيع القول إنها مخرجة.

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

كما فاز الفيلم المصري «أبو زعبل 89» للمخرج بسام مرتضى بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى تنويه خاص ضمن مسابقة «أسبوع النقاد». ووجَّه المخرج شكره إلى الفنان سيد رجب الذي شارك في الفيلم، قائلاً إنّ الجائزة الحقيقية هي في الالتفاف الكبير حول العمل. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النجاح الذي قُوبل به الفيلم في جميع عروضه بالمهرجان أذهلني»، وعَدّه تعويضاً عن فترة عمله الطويلة على الفيلم التي استغرقت 4 سنوات، مشيراً إلى قُرب عرضه تجارياً في الصالات. وحاز الممثل المغربي محمد خوي جائزة أفضل ممثل ضمن «آفاق السينما العربية» عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا».

بدوره، يرى الناقد السعودي خالد ربيع أنّ الدورة 45 من «القاهرة السينمائي» تعكس السينما في أرقى عطائها، بفضل الجهود المكثَّفة لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا، وحضور الفنان حسين فهمي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الدورة حظيت بأفلام ستخلّد عناوينها، على غرار فيلم (هنا) لتوم هانكس، والفيلم الإيراني (كعكتي المفضلة)، و(أبو زعبل 89) الذي حقّق معادلة الوثائقي الجماهيري، وغيرها... وكذلك الندوات المتميّزة، والماستر كلاس الثريّة».