التعامل مع تحدّياتك النفسية والمهنية... أبرز دروس الأولمبياد لغير الرياضيين

من مباريات رفع الأثقال خلال أولمبياد باريس 2024 (أ.ب)
من مباريات رفع الأثقال خلال أولمبياد باريس 2024 (أ.ب)
TT

التعامل مع تحدّياتك النفسية والمهنية... أبرز دروس الأولمبياد لغير الرياضيين

من مباريات رفع الأثقال خلال أولمبياد باريس 2024 (أ.ب)
من مباريات رفع الأثقال خلال أولمبياد باريس 2024 (أ.ب)

أُسدلت الستارة على ألعاب باريس الأولمبية، وودّع الرياضيّون الملاعب؛ لكن بقيت دروسٌ تركها الأبطال الأولمبيون خلفهم لمَن هم بحاجة إلى اتّباعها. ليست تلك الدروس مرتبطة حصراً بالأداء الرياضيّ؛ بل هي تنسحب على السلوكيات البشريّة الإيجابية، وعلى الاعتناء بالصحة النفسية، وعلى مفاتيح النجاح في مجال العمل، أياً تكن المهنة.

بعد فوزه بالميدالية الذهبيّة عن سباق الـ100 متر، كتب العدّاء الأميركي نواه لايلز (27 عاماً) عبر منصة إكس: «أعاني من الربو، والحساسية، وعُسر القراءة، واضطراب نقص الانتباه، والقلق، والاكتئاب. لكني أقول لكم إنّ ما تعانون ليس هو ما يحدّد مَن تصبحون».

السير فوق الألم

أما مواطنتُه بطلة الجمباز سيمون بايلز (27 عاماً) التي حصدت 3 ذهبيّات في باريس، وبالتوازي مع عودتها المبهرة بعد معاناة نفسية استمرت سنتَين، فقد قدّمت مثالاً في التواضع. عقب خسارتها أمام الرياضيّة البرازيلية ريبيكا أندرادي واكتفائها بالميدالية البرونزيّة، انحنت بايلز أمام منافستها في حركة استعراضيّة، وقالت لاحقاً: «أنا فخورة بالتنافس معها، وقد أَخرجَ ذلك أفضل ما فيَّ كرياضيّة».

إلى جانب دروس التواضع والتحدّي التي قدّمها رياضيّو أولمبياد باريس، برزت لدى معظمهم مهاراتٌ تُعد من ركائز الصحة النفسية. على رأس تلك المهارات، قدرتهم على تحمّل الصعوبات. وفي طليعة تلك الصعوبات، الإصابات الجسديّة التي تلمّ بهم جرّاء التمارين القاسية. إلا أنهم يتعلّمون أن يتابعوا السير رغم الآلام، وأن يتصالحوا مع فكرة أنها جزء أساسي من الحياة.

نجم كرة المضرب نوفاك ديوكوفيتش مشاركاً في أولمبياد باريس رغم إصابة في الركبة (أ.ب)

هذه المناعة التي ينمّيها الأبطال الأولمبيون ضدّ وجع الجسد، تنسحب كذلك على آلام الروح. يتعلّمون ألا يتجنّبوا تلك الآلام النفسية والعاطفيّة، وألا يهربوا منها؛ مع العلم بأنّ الجيل الصاعد معروفٌ بتجنّبه أي هزّة نفسية أو عاطفية، وتفضيله عدم المواجهة.

بناء العضلات النفسيّة

منذ مئات السنوات، اعتاد الأولمبيون الجلوس مع آلامهم ومراقبتها؛ هذا وحدَه يكفي كي يشعروا بالتحسّن، حتى وإن لم يعالجوا الأمر. بناءُ هذه المهارة يشبه تماماً عملية بناء العضلات، وهو يتطلّب كثيراً من الوقت والجهد والشجاعة.

ما زالت بطلة الجمباز سيمون بايلز تبكي كلّما تذكّرت معاناتها النفسية في أولمبياد طوكيو 2021 (أ.ب)

من المهارات النفسيّة التي يعطي فيها الرياضيّون الأبطال دروساً، حتى من دون أن يتعمّدوا فعل ذلك، إدارة التوتّر. من أجل تحقيق هذا الإنجاز، هم يتبنّون عقليّة مبنيّة على النموّ وتطوير الذات. يتعاملون مع المواقف الرياضية الدقيقة، ومع تحديات الأداء، على أنها دروس تلقّنهم التخفيف من توتّرهم العصبيّ، وتُهيّئهم نفسياً للأصعب، وتُشعرهم بالامتنان على قاعدة أنّ المواقف الصعبة غالباً ما يليها النجاح.

يتكامل ذلك مع قدرتهم على الصمود؛ لا سيما أن الإصابات والهزائم كثيرة ومتكرّرة في حياة الرياضيين. وممن قدّموا مثالاً على ذلك خلال أولمبياد باريس، العدّاء البريطاني بن باتيسون (22 عاماً) الذي تأهّل إلى الألعاب الأولمبية، وشارك في سباق الـ800 متر محقّقاً ميدالية برونزيّة، رغم أنه كان قد خضع لجراحة في القلب قبل سنوات.

شارك العدّاء البريطاني بن باتيسون في أولمبياد باريس رغم خضوعه لجراحة قلبيّة قبل سنوات (إنستغرام)

القيَم الإنسانيّة أوّلاً

الألعاب الأولمبية هي موسم متابعة تفوّق الرياضيين وإنجازاتهم عن قرب؛ لكنها تشكّل في الوقت عينه مناسبة من أجل إعادة النظر في الأداء والتفوّق الشخصيين.

يضيء الحدث الرياضي العالمي على نقاطٍ أساسية تساعد في تحقيق النجاح، كالتركيز، والثبات، والانضباط. كما يُلهم الرياضيون متابعيهم لناحية تقبّل الخسارة والتعلّم منها، إضافة إلى أهمية العثور على نشاطٍ أو شغف تمنحه أفضل ما لديك.

إلا أنّ مسار التفوّق لدى معظم الأبطال الأولمبيين لا يكتمل من دون التمسّك ببعض القيَم الإنسانية والالتزام بها. ومن بين تلك القيَم التواضع، واحترام الآخر والتعاطف معه، واستيعاب فكرة أنك لا تستطيع الوصول إلى أفضل نسخة من نفسك إذا تمنّيت السوء أو الفشل لغيرك.

لحظة إنسانية بعد خسارة المنتخب الياباني للكرة الطائرة أمام المنتخب الإيطالي في أولمبياد باريس (أ.ب)

دروسٌ رياضيّة في ريادة الأعمال

يبقى رجال الأعمال والموظّفون أكثر مَن يستطيعون الاستفادة من سلوكيّات الأبطال الرياضيين والاستلهام منها، أكان على المستوى الفردي أم على مستوى فريق العمل.

في كتابها «الفوز الطويل»، تحذّر البطلة السابقة في رياضة التجديف، البريطانية كاث بيشوب، من التركيز حصراً على الفوز؛ لأن في ذلك أثراً هدّاماً. وتضيف بيشوب التي تحوّلت إلى مستشارة لكبرى الشركات، أنّ هذا التفكير المحصور بتحقيق الربح مؤذٍ للأفراد، أكانوا يرتدون ملابس رياضيّة أم بدلات رسميّة.

يسلّم الرياضيّون المحترفون للمسار ويركّزون على أدائهم، من دون أن يستبقوا النتائج. وهذا أمرٌ قد يكون ملهماً في ميدان الأعمال؛ حيث من المهم الفصل بين اتّخاذ القرار والتفكير في نتيجته.

يركّز الرياضيون المحترفون على الأداء وليس على النتيجة... والصورة من أولمبياد باريس (أ.ب)

وضوح الرؤية

عندما كان بطل السباحة الأميركي مايكل فيلبس في الثامنة من عمره، رأى نفسه واقفاً على المنصة الأولمبية، والميدالية الذهبيّة تلفّ عنقه. بعد 11 سنة، حصد 6 ذهبيّات في أولمبياد أثينا 2004. في عالم الرياضيين المحترفين، كما في عالم الأعمال، يسمّى هذا الأمر «وضوح الرؤية»، وهو يتكامل مع الوقوف سداً منيعاً أمام أي شخص أو أي أمر قد يحول دون تحقيق الهدف.

مثلما يكون الرياضيون الناجحون، على المدراء والموظّفين الطامحين إلى أن يكونوا قياديين، أن يتأقلموا مع الظروف المتغيّرة، محافظين في الوقت ذاته على تركيزهم؛ تماماً كسائقي الدراجات الهوائيّة –مثلاً- الذين يتعاملون مع ظروفٍ مناخيّة متقلّبة، وطرقاتٍ عاثرة.

ومن بين المهارات التي من الممكن أن يتعلّمها روّاد الأعمال من الرياضيين الأولمبيين، إدارة طاقتهم. أي أن يمنحوا الوقت اللازم للعمل من دون أن يستخفّوا بأوقات الراحة والإجازات.

التأقلم مع الظروف المتغيّرة وإدارة الطاقة أمران يتعلّمهما روّاد الأعمال من الرياضيين (أ.ب)

وكما في الرياضة، كذلك في عالم الأعمال، يشكّل العمل الجماعي سلاحاً للنجاح. ومن بين المفاتيح كذلك: تحصين الفريق بعناصر بشريّة، وبأدوات تكنولوجيّة تساعد في تحسين الأداء.


مقالات ذات صلة

براونلي بطل الأولمبياد مرتين يعتزل لعبة «الثلاثي»

رياضة عالمية أليستير براونلي (أ.ب)

براونلي بطل الأولمبياد مرتين يعتزل لعبة «الثلاثي»

أعلن أليستير براونلي، الفائز بذهبيتين أولمبيتين في الثلاثي وبطل العالم مرتين، اعتزاله في عمر الـ36 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية آدم بيتي (رويترز)

بيتي: لست مستعداً لاتخاذ قرار المشاركة في «أولمبياد 2028»

قال السباح البريطاني آدم بيتي، بطل الأولمبياد 3 مرات، إنه غير مستعد الآن لاتخاذ قراره بشأن المشاركة في أولمبياد لوس أنجليس 2028، وذلك بعدما أصيب بالإحباط.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية الوكالة الدولية للاختبارات أن 10.3 في المائة من الرياضيين لم يتم اختبار تعاطيهم للمواد المنشطة في الأشهر الـ6 (أ.ف.ب)

67 فائزاً بميداليات لم يخضعوا لاختبارات المنشطات قبل «أولمبياد باريس»

ذكر تقرير صادر من الوكالة الدولية للاختبارات أن 3.‏10 في المائة من الرياضيين، بما في ذلك 67 رياضياً فازوا بميداليات.

«الشرق الأوسط» (لايبزغ)
رياضة عربية إيمان خليف وقعت ضحية جدل حول هويتها الجنسية منذ وصولها إلى باريس (رويترز)

الجزائرية إيمان خليف تتقدم بدعوى قضائية لمزاعم تسريب سجلات طبية

تقدمت الملاكمة الجزائرية ايمان خليف حاملة ذهبية وزن 66 كلغ في أولمبياد باريس الصيف الماضي بدعوى قضائية، الأربعاء، بسبب تقارير إعلامية عن سجلات طبية مسربة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية نواه لايلز (رويترز)

لايلز خارج قائمة المرشحين للفوز بجائزة أفضل رياضي على المضمار

لن يكون البطل الأولمبي في سباق 100 متر، الأميركي نواه لايلز، أحد مرشحَين نهائيَّين للفوز بجائزة أفضل رياضي على مضمار ألعاب القوى لهذا العام.

«الشرق الأوسط» (باريس)

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
TT

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة، وأكد أنه يعود للسينما بأحدث أفلامه «الغربان» الذي قام بتصويره على مدى 4 سنوات بميزانية تقدر بنصف مليار جنيه (الدولار يساوي 49.73 جنيه)، وأن الفيلم تجري حالياً ترجمته إلى 12 لغة لعرضه عالمياً.

وأضاف سعد خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الخميس، أنه يظهر ضيف شرف لأول مرة من خلال فيلم «الست» الذي يروي سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وتقوم ببطولته منى زكي وإخراج مروان حامد، ومن إنتاج صندوق «بيج تايم» السعودي و«الشركة المتحدة» و«سينرجي» و«فيلم سكوير».

وعرض سعد لقطات من فيلم «الغربان» الذي يترقب عرضه خلال 2025، وتدور أحداثه في إطار من الحركة والتشويق فترة أربعينات القرن الماضي أثناء معركة «العلمين» خلال الحرب العالمية الثانية، ويضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين من بينهم، مي عمر، وماجد المصري، وأسماء أبو اليزيد، وهو من تأليف وإخراج ياسين حسن الذي يخوض من خلاله تجربته الطويلة الأولى، وقد عدّه سعد مخرجاً عالمياً يمتلك موهبة كبيرة، والفيلم من إنتاج سيف عريبي.

وتطرق سعد إلى ظهوره ضيف شرف لأول مرة في فيلم «الست» أمام منى زكي، موضحاً: «تحمست كثيراً بعدما عرض علي المخرج مروان حامد ذلك، فأنا أتشرف بالعمل معه حتى لو كان مشهداً واحداً، وأجسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت السيناريو الذي كتبه الروائي أحمد مراد شديد التميز، وأتمنى التوفيق للفنانة منى زكي والنجاح للفيلم».

وتطرق الناقد رامي عبد الرازق الذي أدار الحوار إلى بدايات عمرو سعد، وقال الأخير إن أسرته اعتادت اصطحابه للسينما لمشاهدة الأفلام، فتعلق بها منذ طفولته، مضيفاً: «مشوار البدايات لم يكن سهلاً، وقد خضت رحلة مريرة حتى أحقق حلمي، لكنني لا أريد أن أسرد تفاصيلها حتى لا يبكي الحضور، كما لا أرغب في الحديث عن نفسي، وإنما قد أكون مُلهماً لشباب في خطواتهم الأولى».

عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

وأرجع سعد نجاحه إلي «الإصرار والثقة»، ضارباً المثل بزملاء له بالمسرح الجامعي كانوا يفوقونه موهبة، لكن لم يكملوا مشوارهم بالتمثيل لعدم وجود هذا الإصرار لديهم، ناصحاً شباب الممثلين بالتمسك والإصرار على ما يطمحون إليه بشرط التسلح بالموهبة والثقافة، مشيراً إلى أنه كان يحضر جلسات كبار الأدباء والمثقفين، ومن بينهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما استفاد من تجارب كبار الفنانين.

وعاد سعد ليؤكد أنه لم يراوده الشك في قدرته على تحقيق أحلامه حسبما يروي: «كنت كثيراً ما أتطلع لأفيشات الأفلام بـ(سينما كايرو)، وأنا أمر من أمامها، وأتصور نفسي متصدراً أحد الملصقات، والمثير أن أول ملصق حمل صورتي كان على هذه السينما».

ولفت الفنان المصري خلال حديثه إلى «أهمية مساندة صناعة السينما، وتخفيض رسوم التصوير في الشوارع والأماكن الأثرية؛ لأنها تمثل ترويجا مهماً وغير مباشر لمصر»، مؤكداً أن الفنان المصري يمثل قوة خشنة وليست ناعمة لقوة تأثيره، وأن مصر تضم قامات فنية كبيرة لا تقل عن المواهب العالمية، وقد أسهمت بفنونها وثقافتها على مدى أجيال في نشر اللهجة المصرية.

وبدأ عمرو سعد (47) عاماً مسيرته الفنية خلال فترة التسعينات عبر دور صغير بفيلم «الآخر» للمخرج يوسف شاهين، ثم فيلم «المدينة» ليسري نصر الله، وقدمه خالد يوسف في أفلام عدة، بدءاً من «خيانة مشروعة» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وصولاً إلى «كارما»، وقد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي، وترشح الفيلم لتمثيل مصر في منافسات الأوسكار 2018، كما لعب بطولة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية من بينها «يونس ولد فضة»، و«ملوك الجدعنة»، و«الأجهر»، بينما يستعد لتصوير مسلسل «سيد الناس» أمام إلهام شاهين وريم مصطفى الذي سيُعْرَض خلال الموسم الرمضاني المقبل.