تدابير يتعيّن اتخاذها لوقف انتشار جدري القردة عالمياً

الأطفال من بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بجدري القردة (رويترز)
الأطفال من بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بجدري القردة (رويترز)
TT

تدابير يتعيّن اتخاذها لوقف انتشار جدري القردة عالمياً

الأطفال من بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بجدري القردة (رويترز)
الأطفال من بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بجدري القردة (رويترز)

دقّ ناقوس الخطر عالمياً على وقع انتشار فيروس جدري القردة خارج حدود أفريقيا، والتخوف من انتشاره على نطاق أوسع، مما يشكل تهديداً كبيراً للصحة العامة، أسوة بما حدث خلال جائحة «كورونا»، مما يستدعي تطبيق «تدابير عاجلة» للسيطرة على الفيروس.

وأعلنت السويد، الخميس، تسجيل أول إصابة بسلالة جدري القردة بسلالة «كلاد1» الأكثر فتكاً وانتقالاً عبر الاتصال البشري المباشر، وهو ما يميّزها عن حالات التفشي السابقة التي كانت ترتبط بشكل رئيسي بالانتقال الجنسي.

ورفع المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض تقييمه للمخاطر بالنسبة للسلالة إلى معتدل، مشيراً إلى أنه «من المرجح للغاية» ظهور مزيد من الحالات في أوروبا.

وفي باكستان، أكدت وزارة الصحة، الجمعة، تسجيل إصابة مؤكدة بجدري القردة، لكن التحقيقات لا تزال جارية لتحديد سلالة الفيروس. ويعكس هذا الوضع أهمية تعزيز الجهود الدولية لاحتواء ومنع انتشار هذه السلالة الجديدة إلى مناطق أخرى من العالم.

ودفعت موجة الجدري الحالية منظمة الصحة العالمية، قبل أيام، لاعتبارها طارئة دولية، وهو أعلى مستوى تحذير يمكن أن تعلنه، مما يستدعي تفعيل استجابات طارئة في جميع الدول وفقاً لقواعد الصحة الدولية الملزمة.

ممرضة تتحقق من عينات يشتبه في إصابتها بجدري القردة في الكونغو الديمقراطية (رويترز)

من جانبه، قال الدكتور ويليام شافنر، أستاذ الطب الوقائي في جامعة «فاندربيلت» الأميركية، إن إعلان منظمة الصحة العالمية يؤكد التهديد المستمر الذي يشكله فيروس جدري القردة، خصوصاً بعد عودة ظهوره بسلالة جديدة أكثر شدّة في أفريقيا.

وأوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «وقف انتشار الفيروس يتطلب تعزيز المراقبة عبر أنظمة قوية للكشف المبكر وتتبع تطور المرض، وتحسين البنية التحتية للصحة العامة من خلال الاستثمار في الكوادر الطبية والمختبرات وقنوات الاتصال».

كما شدّد شافنر على «ضرورة توسيع نطاق الوصول إلى اللقاحات، خصوصاً لدى الفئات الأكثر عرضة والمناطق الموبوءة، إلى جانب تعزيز التوعية العامة حول طرق انتقال المرض والوقاية منه، ودعم البحث لتطوير لقاحات وعلاجات جديدة، مع تعزيز التعاون الدّولي لتبادل المعلومات والموارد».

أفريقياً، أفادت وكالة الصحة التابعة للاتحاد الأفريقي، بأن القارة سجلت 18 ألفاً و737 إصابة محتملة أو مؤكدة بجدري القردة منذ بداية عام 2024، منها 1200 حالة في أسبوع واحد. وأُكّدت 3101 حالة، وبلغت الوفيات 541 في 12 دولة.

وسجلت جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تعدّ مركز انتشار الوباء في أفريقيا، 16 ألفا و800 حالة وأكثر من 500 وفاة، فيما شهدت بوروندي 173 حالة. كما اكتُشفت سلالة جديدة من الفيروس تسمى «كلايد آي بي» وهي أكثر فتكاً وانتشاراً.

واكتُشف الفيروس لأول مرة عام 1970 في جمهورية الكونغو، وكان المتحور «كلاد1» يقتصر على غرب أفريقيا ووسطها. وفي عام 2022 انتشر المتحور «كلاد2» عالمياً ليؤثر بشكل رئيسي في الرجال المثليين.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية أعلى مستوى من التأهب في يوليو (تموز) 2022، ورفعته في مايو (أيار) 2023 بعد وفاة 140 شخصاً من بين نحو 90 ألف إصابة.

منظمة الصحة العالمية توصي بإتاحة لقاح جدري القردة للأشخاص الأكثر عرضة للخطر (رويترز)

اللقاح... أولوية لأفريقيا

ويُعدّ التلقيح ضد الفيروس أساسياً لمواجهته، خصوصاً بالنسبة للفئات الأكثر عُرضة للخطر وهي الأطفال، وضعيفي المناعة، وكبار السن فوق 65 عاماً، ومن يتناولون أدوية مثبطة للمناعة، بالإضافة للأشخاص المخالطين لمصابين بالمرض.

وثمة لقاحات عدّة فعّالة للغاية ضد جدري القردة، لكنها غير متوافرة في أفريقيا حالياً، رغم إعلان المرض طارئة دولية.

وتوصي منظمة الصحة العالمية بإتاحة اللقاحات للأشخاص الذين كانوا مخالطين لمصاب بجدري القردة، أو الفئات المعرضة لخطر العدوى، وتوفر اللقاحات حماية من العدوى والمرض الشديد.

وقال وزير الصحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، روجر كامبا إن بلاده تحتاج إلى 3.5 مليون جرعة من لقاحات جدري القردة لوقف تفشي الفيروس، مطالباً المجتمع الدّولي بالتحرك وتوفير المساعدة، وتقديم الموارد للوصول إلى هذه اللقاحات. ومن غير المرجح أن يتوفر اللقاح في الكونغو الديمقراطية والدول المجاورة إلا بعد أشهر.

وشدّدت الدكتورة كاثرين بينيت، رئيسة قسم الأوبئة في جامعة ديكين بأستراليا، على أهمية التطعيم في إدارة المخاطر الصحية على مستوى العالم، خصوصاً في مواجهة انتشار متحورات جديدة من الفيروسات، إذ تعد اللقاحات أداة حيوية في هذه المعركة، ولكن لا يكفي أن تكون متاحة فقط، بل يجب أن تصل إلى المجتمعات الأكثر عرضة للفيروس.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «نحن بحاجة إلى إيصال التطعيمات إلى المجتمعات التي ينتشر فيها الفيروس في أفريقيا لدعم التدابير الصحية العامة الأخرى والسيطرة على هذه الفاشيات. وإذا تمكّنا من السيطرة على الانتشار بسرعة، فسوف نقلّل من خطر انتقال الفيروس إلى دول جديدة، كما بدأ يحدث الآن مع تسجيل حالة في السويد».

وتابعت: «من مصلحة جميع الدول المساعدة في احتواء الفاشيات لهذا المتحور الأكثر خطورة أينما حدثت، لأن هذا هو السبيل لحماية دولنا، ولكن لا تزال هناك تحديات في تمويل اللقاح وتوزيعه في الأماكن التي تحتاج إليه، ويجب معالجة ذلك بشكل عاجل».

فحص طفل يعاني من الإصابة بجدري القردة في الكونغو الديمقراطية (رويترز)

هل سيتحول لجائحة عالمية؟

ورغم ظهور حالة إصابة مؤكدة في السويد، وإمكانية انتشار المرض أسوة بما حدث في «كورونا»، قال الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» وعضو «الجمعية العالمية للحساسية»، إنه «من المستبعد حتى الآن أن يتحوّل جدري القردة إلى وباء مثل (كورونا)، لأسباب عدّة أبرزها أنه لا ينتشر بسهولة مقارنة بـ(كورونا) الذي ينتقل بكفاءة عبر الهواء من شخص إلى آخر، كما أنه يمكن التعرف على المصابين بجدري القردة بسهولة بسبب الأعراض المميزة مثل الطفح الجلدي».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه «من السهل احتواء تفشي جدري القردة، لأن هناك مناعة مجتمعية موجودة فعلياً ضد الفيروس، وهناك نوعان من اللقاحات الفعالة ضده، على عكس الأيام الأولى لجائحة (كوفيد - 19)».

لكن في الوقت نفسه، أشار إلى أن هناك مخاوف من انتشار جدري القردة بسبب عوامل عدّة، أبرزها التغيرات في الأنماط الحياتية مثل السلوك الجنسي غير التقليدي، مما قد يساعد في ظهور الفيروس في مناطق جديدة وفئات عمرية مختلفة عبر الاتصال الوثيق، بالإضافة إلى غياب التدابير الوقائية مثل النظافة الشخصية، والتباعد الجسدي، مما يزيد من خطر انتشار العدوى بين الأطفال والحوامل.

ولتقليل هذه المخاطر، واحتواء المرض، حثّ بدران على اتخاذ مجموعة من التدابير، أبرزها: «تكاتف الجهود الدّولية لتوفير وتوزيع لقاحات وعلاجات جدري القردة بشكل عادل عالمياً، خصوصاً في المناطق الموبوءة، واتباع ثقافة جنسية تنمّي العلاقات الجنسية العفيفة الآمنة، وزيادة قدرات التشخيص المبكر واكتشاف الحالات، وتتبع انتشار الفيروس، بالإضافة إلى تعزيز البنية التحتية للصحة العامة».


مقالات ذات صلة

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
صحتك طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أوروبا أطفال مصابون بجدري القرود في الكونغو عام 1970 (منظمة الصحة العالمية)

«الصحة العالمية» تعطي الترخيص لأول لقاح لجدري القردة للأطفال

أصدرت «منظمة الصحة العالمية» ترخيصاً لاستخدام أول لقاح ضد جدري القردة للأطفال.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أوروبا لقاحات جدري القردة في الولايات المتحدة (رويترز)

ألمانيا تسجل أول حالة لمتحور جدري القردة

أعلن معهد «روبرت كوخ» الألماني لمكافحة الأمراض، أنه تم رصد المتغير الجديد من فيروس جدري القردة في ألمانيا للمرة الأولى.

«الشرق الأوسط» (برلين )
أفريقيا عامل بالقطاع الطبي يحقن شخصاً بلقاح ضد جدري القردة في ميونيخ (د.ب.أ)

جدري القردة يودي بحياة أكثر من ألف شخص في أفريقيا

قال رئيس وكالة الصحة العامة في أفريقيا إن عدد الوفيات المرتبطة بجدري القردة في أفريقيا تجاوز ألف حالة.

«الشرق الأوسط» (كمبالا)

اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
TT

اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)

بعض التصريحات التي تدلي بها الفنانات المصريات لا تتوقف عن تجديد الجدل حولهن، وإثارة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بتفاصيل حياتهن الشخصية والنصائح التي يوجهنها للجمهور بناء على تجاربهن، وهو أمر برز خلال لقاءات إعلامية عدة في الأسابيع الماضية.

أحدث هذه التصريحات كانت من نصيب الفنانة المصرية رانيا يوسف، في برنامج «ع الرايق»، بعدما تطرقت لتعرضها للضرب من زوجيها الأول والثاني، مع نصيحتها للفتيات بألا تقل فترة الخطوبة قبل الزواج عن 3 أو 4 سنوات، فضلاً عن نصيحتها لبناتها بعدم الزواج قبل سن الـ30 عاماً.

وقالت رانيا إن «طبيعة العلاقات في الوقت الحالي أصبحت تتطلب مزيداً من العمق والتفاهم بين الطرفين، بعيداً عن السطحية والانجذاب المؤقت»، محذرة من تعامل النساء بمشاعرهن عند البحث عن الشراكات العاطفية التي تحقق لهن السعادة والاستقرار.

وجاءت تصريحات رانيا بعد وقت قصير من تصريحات للفنانة زينة عن حياتها الشخصية وإنجابها طفليها التوأم بمفردها في الولايات المتحدة وصعوبة الأيام الأولى لهما مع مرضهما، بالإضافة إلى الفترة التي قضتها بمفردها في الغربة. وكذلك تطرقت إلى تفاصيل كثيرة عن حياتها، خصوصاً في ظل تحملها مسؤولية دور الأم والأب ووجودها مع نجليها بمفردها.

الفنانة المصرية زينة (فيسبوك)

وكانت الفنانة لبلبة قد أثارت جدلاً مشابهاً عندما تحدثت عن طفولتها الصعبة التي عاشتها واضطرارها للعمل من أجل الإنفاق على عائلتها بجانب انشغالها بمسؤوليات الأسرة وأشقائها، الأمر الذي جعلها تحاول أن تعوض ما لم تعشه في طفولتها.

من جهتها، تؤكد الناقدة المصرية ماجدة موريس أن «بعض الفنانين لا يكون قصدهم دائماً إثارة الجدل بالحديث عن حياتهم الشخصية أو مواقف سابقة مروا بها»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض التصريحات تخرج بشكل عفوي، لكن التفاعل يحدث معها نتيجة اهتمام الجمهور بمتابعتهم».

وأضافت أن «رانيا يوسف على سبيل المثال مرّت بتجارب مختلفة، وبالتالي عندما تتحدث عن صعوبة ثقتها في الرجال، بالإضافة إلى نصيحتها بتأجيل خطوة الزواج للفتيات؛ فهي تحاول إبداء رأي تعتقد أنه صواب»، لافتة إلى أهمية التعامل مع الفنانين باعتبارهم بشراً من حقهم الإدلاء بآرائهم، لكن ليس بالضرورة أن تكون جميع آرائهم صحيحة أو غير قابلة للتغير مع مرور الوقت.

الفنانة المصرية لبلبة (فيسبوك)

وهنا يشير مدرس علم الاجتماع بجامعة بني سويف، محمد ناصف، إلى «ضرورة التفرقة بين المواقف الشخصية والخبرات التي يتحدث بها الأشخاص العاديون، وبين المشاهير الذين تكون لديهم قاعدة جماهيرية ومصداقية ربما أكثر من غيرهم وإمكانية وصول لأعداد أكبر من الجمهور عبر البرامج والمنصات»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «جزءاً من الجدل يكون مجتمعياً في الأساس، لكن بدايته تكون من تصريحات المشاهير».

وأضاف أن «هناك تبايناً في الآراء قد يصل لدرجة التناقض بين الأفراد داخل المجتمع، وهو أمر يتوجب فهمه في إطار الخلفيات الاجتماعية والعادات والخبرات التي يمر بها كل فرد، وبالتالي ستجد من يقتنع بكل رأي يقال حتى لو لم يكن صحيحاً من الناحية العلمية»، لافتاً إلى ضرورة فتح نقاشات أعمق حول بعض الآراء عبر وسائل الإعلام.

وهو الرأي الذي تدعمه الناقدة المصرية، موضحة أن «آراء الفنانين تسلط الضوء على موضوعات قد تكون محل جدل مجتمعي، لكن تبرز لوسائل الإعلام مع إعلانها من المشاهير»، لافتة إلى أن «بعض الآراء قد تعرض أصحابها لانتقادات من شرائح أكبر عبر مواقع التواصل، لكن على الأرجح يكون لدى الفنان القدرة على تحمل تبعات موقفه وشرح وجهة نظره التي ليس بالضرورة أن تتسق مع رأي الغالبية».