احتفاء كاريكاتوري بـ«أسطورة الكوميديا» سمير غانم

ملتقى القاهرة يعرض 150 بورتريهاً له

جانب من افتتاح ملتقى الكاريكاتير الدولي بالقاهرة (وزارة الثقافة المصرية)
جانب من افتتاح ملتقى الكاريكاتير الدولي بالقاهرة (وزارة الثقافة المصرية)
TT

احتفاء كاريكاتوري بـ«أسطورة الكوميديا» سمير غانم

جانب من افتتاح ملتقى الكاريكاتير الدولي بالقاهرة (وزارة الثقافة المصرية)
جانب من افتتاح ملتقى الكاريكاتير الدولي بالقاهرة (وزارة الثقافة المصرية)

طالما كان ظهور النجم المصري البارز سمير غانم على خشبة المسرح، أو في لقطة على الشاشة، كفيلاً بأن يرسم الضحكة على الوجوه، ويبدو أن هذه «الكاريزما» والملَكة «الكوميدية» أطول من عمر صاحبها، الذي رغم رحيله عن عالمنا فإنه لا يزال قادراً على حشد القلوب والابتسامات، ولو عبر رسوم كاريكاتورية، تُذكِّر بشخصياته الفنية الشهيرة، وهو ما يمكن رصده من خلال الإقبال الكبير الذي واكب انطلاق فعاليات «الملتقى الدولي للكاريكاتير»، الذي خصّص دورة العام الحالي للاحتفاء بالفنان الراحل سمير غانم، وتستمر فعالياته حتى 22 من أغسطس (آب) الحالي.

«فطوطة» أشهر شخصيات سمير غانم (الشرق الأوسط)

ويستضيف متحف «محمود مختار» بالقاهرة أعمال دورة العام الحالي من «الملتقى الدّولي للكاريكاتير»، الذي افتُتح مساء الاثنين، مستعرضاً أكثر من 150 عملاً كاريكاتورياً؛ احتفاءً بالفنان المصري الراحل سمير غانم (1937 - 2021)، ويبدو الإقبال على مشاهدة أعمال الملتقى علامةً إضافية على «الشعبية» التي لا يزال يتمتع بها الفنان الراحل، حتى بين الأجيال الشابة، الذين حرص كثير منهم على التقاط «سيلفيهات» مع بورتريهات النجم الكوميدي، في حين كان فرصة لأجيال أكبر سنّاً لاستعادة ذكرياتهم مع شخصية «ميزو» و«فطوطة» الشهيرتين، اللتَين ارتبطتا بمسيرة سمير غانم، وذلك ضمن شخصياته الفنية الشهيرة التي ظهرت في تنويعات كاريكاتورية لافتة.

ثلاثي أضواء المسرح في عمل مشارك (الشرق الأوسط)

حسب الفنان فوزي مرسي، المنسق العام للملتقى الدولي للكاريكاتير، فإن فكرة تكريم الفنان سمير غانم بدأت منذ فترة «كورونا»، التي رحل على أثرها الفنان الكوميدي، ويقول: «كنا حريصين منذ ذلك الوقت على تكريم اسم سمير غانم، حتى تطوّرت الفكرة بالتدريج، وأعلنا منذ فترة فتح باب المشاركات من دول العالم، لتخصيص دورة العام الحالي لسمير غانم، وفُوجئنا بعدد كبير من المشاركات من دول العالم، حتى إن فنانين من الصين ودول أوروبية بحثوا وشاهَدوا أعماله؛ للخروج بتصوُّر كاريكاتوري لشخصيته وروحه الكوميدية، وهو ما ظهر في هذا الملتقى بشكل وتنوّع كبيرين»، كما يقول في حديثه مع «الشرق الأوسط».

وجوه متعدّدة لغانم (الشرق الأوسط)

ويتابع مرسي: «استقبلنا أكثر من 270 عملاً من أنحاء العالم، واستُقِرّ على 150 عملاً، تنوّعت بين البورتريه، واستلهام أعمال فنية ومسرحية للفنان الراحل، وحتى توظيف الخطوط بتجريدية، كما ظهر في عمل لفنان الكاريكاتير السوري حجو سعد، الذي اعتمد في عمله على توقيع اسم (سمير) بتفاصيل مرئية تتعلّق بالفنان الراحل، مثل شَعره ونظّارته، وقد أشاد بهذا العمل وزير الثقافة خلال جولته بالمعرض».

معرض الكاريكاتير يضم بورتريهات متنوعة عن غانم (الشرق الأوسط)

وكان وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو، قد افتتح فعاليات «الملتقى الدولي الثامن للكاريكاتير»، وأشاد باختيار اسم سمير غانم بوصفه «أسطورة للكوميديا، وإحدى علاماتها البارزة على الصعيدين المصري والعربي، واستطاع خلال أكثر من نصف قرن منح البهجة للملايين بأسلوبه الفريد المميز، وهو مدرسة تخرجت منها أجيال متعاقبة في فن الكوميديا، منذ ظهوره مع الضيف أحمد وجورج سيدهم، وتكوين (ثلاثي أضواء المسرح)، حتى أصبحوا علامة بارزة في تاريخ الكوميديا» على حد تعبير الوزير المصري.

الملصق الدعائي لـ«الملتقى الدولي الثامن للكاريكاتير» (الشرق الأوسط)

واعتمد المشاركون على إضفاء الطابع الكاريكاتوري على السّمات والملامح الشكلية المميزة لسمير غانم، تحديداً نظارته والشَّعر البارز والشارِب الكثيف، ومنهم الفنانة المصرية هويدا إبراهيم، التي تشير لعملها المشارك وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «اعتمدت على تجسيد عناصر مركزية في وجه سمير غانم، وتحديداً الشّارِب، وكذلك ملابسه المسرحية التي كانت تميزه بشدة، وجعلته يُمسِك في يده بشخصية (فطوطة)، الذي كان يتميز بحجمه الصغير جداً، وكأنه يُحرّكه مثل لعبة».

واتسعت بعض الأعمال للبُعد العاطفي المؤثر، الذي يجمع سمير غانم بعائلته الصغيرة، منها بورتريه جمع بينه وبين زوجته الراحلة دلال عبد العزيز اللذَين جمعهما الحب، والحياة، والفن، وفرّقهما المصير المأساوي نفسه بعد إصابتهما بفيروس «كورونا»، فرحلت دلال عن العالم بعد شهرين فقط من وفاة زوجها عام 2021.

وجمعته أعمال كاريكاتورية أخرى بابنتَيه الفنانتَين دنيا وإيمي سمير غانم، واستعادت أعمال أخرى نوستالجية ثلاثي «أضواء المسرح»، التي واكبت بدايات سمير غانم مع كل من الفنانَين جورج سيدهم والضيف أحمد، إذ تُبرز إحدى اللوحات فقرة شهيرة لهم وهم يؤدون على الغيتار «الإسكتش» الساخر الشهير: «مجانين... بس نعيش»، واعتمدت أعمال أخرى على إبراز «إفيهات» مسرحية شهيرة للفنان الراحل من مسرحية «المتزوجون» و«أخويا هايص وأنا لايص».

«أسطورة الكوميديا» يعود للواجهة من جديد (الشرق الأوسط)

واختِيرت إسبانيا لتكون ضيف شرف «الملتقى الدولي للكاريكاتير» العام الحالي، وبرز عدد من أعمال فنانيهم التي تقدِّم التحية للفنان الراحل سمير غانم، وعلى هامش الملتقى تم طرح تبنّي وزارة الثقافة المصرية مشروعَ حصر وتوثيق مجموعة من الأعمال الكاريكاتورية التي تؤرخ لتاريخ الكاريكاتير ونشأته في مصر.

ووفق الفنان فوزي مرسي، «لدى الجمعية المصرية للكاريكاتير ما يزيد عن 15 ألف عمل أصلي لفنانين وقامات كبيرة في هذا الفن، واقترحنا بالحديث مع الوزارة أن يتم اختيار نحو ألف عمل، وجمعهم في كتاب متحفي موثَّق مُرفَق به تاريخ الكاريكاتير المصري ورُوّاد حركته الفنية».


مقالات ذات صلة

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

صحتك استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

حذرت دراسة جديدة من الاستخدام الزائد لمنتجات العناية الشخصية مثل المكياج وخيط تنظيف الأسنان وصبغة الشعر بين النساء الحوامل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الرجال المتزوجون يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب (رويترز)

الزواج يبطئ شيخوخة الرجال

أظهرت دراسة جديدة أن الرجال المتزوجين يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب، إلا إن الشيء نفسه لا ينطبق على النساء.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق النجم الشجاع أنقذ الموقف (مواقع التواصل)

نجم «ديزني» يتخلّص من أفعى على الطائرة... ويتلقّى مكافأة

نجح نجم «ديزني»، الأسترالي أندري ريريكورا، في التخلُّص من ثعبان على طائرة «فيرجين إيرلاينز»... فماذا كانت مكافأته؟

«الشرق الأوسط» (سيدني)
يوميات الشرق إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق جمال لوتشيا بونتي من نوع مختلف عن جدّتها (موقع الحفل)

حفيدة صوفيا لورين «مختلفة الجمال» تخرج إلى المجتمع في «حفل المبتدئات»

جرتْ العادة أن تحضُر كل مُشاركة بصحبة فتى من أبناء المشاهير والأثرياء، وأن ترقص معه «الفالس» كأنهما في حفل من حفلات القصور في عهود ملوك أوروبا.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.