سيّدات أولمبياد باريس... قصص إنسانية تتفوّق على البطولات الرياضيّة

سيّدات أولمبياد باريس... قصص إنسانية تتفوّق على البطولات الرياضيّة
TT

سيّدات أولمبياد باريس... قصص إنسانية تتفوّق على البطولات الرياضيّة

سيّدات أولمبياد باريس... قصص إنسانية تتفوّق على البطولات الرياضيّة

في سابقةٍ هي الأولى في تاريخ الألعاب الأولمبية، تعادلت النساء مع الرجال من حيث العدد ضمن أولمبياد باريس. استُكملت هذه المساواة الجندريّة العدديّة بلفتةٍ هي الأخرى فريدة في تاريخ الأولمبياد. فقد استُحدثت حضانة في «القرية الأولمبية» لاستقبال أطفال الرياضيين المشاركين، حتى يتسنّى للأمهات والآباء التركيز على مبارياتهم وإنجازاتهم.

أما على ضفاف الأولمبياد، وبعيداً عن عدّاد النتائج والميداليات، فقد نبتت حكاياتٌ ملهمة كثيرة بطلاتُها سيّداتٌ سرقن الضوء من الحدث الرياضيّ العالميّ. منهنّ مَن رفعن شعار أولويّة الصحة النفسية، ومنهنّ مَن تحدّين سنوات العمر والإعاقات الجسديّة، في حين وقفت أخريات في وجه التمييز والتنمّر، كما تسلّحت بعضهنّ بنعمة الأمومة في الطريق إلى تحقيق البطولة.

الحضانة المستحدثة على هامش أولمبياد باريس لاستقبال أطفال الرياضيين (الموقع الرسمي للألعاب الأولمبية)

لكن أبعد من الإلهام والتحفيز والدموع، تمكّنت تلك الحكايات من إثارة الجدل والنقاشات المجتمعيّة، واضعةً قضايا نسائيّة متعدّدة تحت المجهر. فلاعبة المبارزة بالسيف، المصريّة ندى حافظ، ليست أوّل سيّدة حامل تقوم بمهمّة شاقّة والجنين داخل أحشائها. وليست نجمة الجمباز الأميركية سيمون بايلز أول شابّة تحلّق عالياً في الهواء، وأكتافُها مثقلة بمعاناةٍ نفسيّة مبرّحة.

تماهت النساء حول العالم مع تلك القصص الطالعة من أولمبياد باريس. وجدن فيها انعكاساً لكفاحهنّ. أما إذا كانت أضواء الحدث الرياضيّ قد أتاحت للبطلات مشاركة حكاياتهنّ على الملأ، فكم من الحكايات والقضايا باقيةٌ أسيرة غرفٍ مغلقة وصمتٍ مطبق.

لاعبة المبارزة بالسيف المصرية ندى حافظ خلال حفل افتتاح أولمبياد باريس (إنستغرام)

سيمون بايلز... الاعتناء بالروح أكبر بطولة

بين مباراةٍ وأخرى وبين ذهبيّةٍ وفضّيّة، كانت سيمون بايلز على تواصل مستمرّ بمعالجها النفسيّ. تُوّجت بطلة الجمباز الأميركية بثلاث ميداليّات ذهبيّة، كما صنعت لنفسها عودةً مدوّية في باريس بعد انكفاءٍ رياضيّ استمرّ سنتَين، استدعته صحّتها النفسية المتدهورة.

في جعبة بايلز (27 عاماً) 11 ميدالية أولمبية و30 ميدالية عالميّة، ما يجعلها بطلة الجمباز الأبرز والأكثر تتويجاً عبر التاريخ. غير أنّ هذا المجد لم يَقِها الآلام النفسيّة التي انعكست على أدائها الرياضي. فخلال مشاركتها في أولمبياد طوكيو عام 2021، أعلنت الرياضيّة انسحابها من أجل التركيز على صحّتها النفسية. عانت بايلز من فقدان التوازن والحسّ بالمكان وهي تؤدّي قفزاتها في الهواء، وهذه أحد عوارض حالتها النفسيّة.

لم تتردّد حينذاك في المجاهرة بتفاصيل معاناتها، ولا في الحديث عن القلق الخانق الذي ينتابها. ورغم التجريح الذي تعرّضت له بتهمة التخلّي عن منتخب بلادها، ورغم خيبة الانسحاب من استحقاقٍ تدرّبت لأجله سنوات، فإن بايلز قالت: «لا يجب أن أخاطر بصحّتي النفسية. علينا أن نهتمّ بأنفسنا قبل أن نقوم بما يريد الناس أن نقوم به».

نجمة الجمباز الأميركية سيمون بايلز وحصاد الميداليات في أولمبياد باريس (رويترز)

تعود بايلز إلى الأضواء ليس بوصفها بطلةً أولمبيةً فحسب، بل بوصفها مُدافعةً عن أولوية الصحة النفسية. تخترق برسالتها الهادفة تلك نفوساً تسكنها المعاناة الصامتة، لترفع وصمة العار، وتقول إن الاعتناء بالروح هو البطولة الأكبر.

تعود كذلك متخفّفةً من «الأنا» التي تضخّمها النجوميّة؛ ففي مشهدٍ أسرَ القلوب خلال الأولمبياد وكان تجسيداً صادقاً للتضامن النسائي، انحنت بايلز احتفاءً بمنافستها البرازيليّة بعد فوزها بالميدالية الذهبيّة في إحدى المواجهات، بينما اكتفت هي بالفضّيّة.

بطلتا الجمباز الأميركيتان سيمون بايلز وجوردان كايلز تنحنيان للفائزة البرازيليّة ريبيكا أندرادي (أ.ب.)

إيمان خليف تتلقّى اللكمات

ما إن وجّهت إيمان خليف لكمةً إلى منافستها الإيطاليّة أنجيلا كاريني، حتى انهالت عليها اللكمات المعنويّة من كل حدبٍ وصوب. وقفت بطلة الملاكَمة الجزائريّة وحيدةً أمام عواصف التجريح والكراهية التي سخرت من ملامحها، وأمام حملات التشكيك بهويّتها الجنسيّة.

لم تسلَم حتى من إهانات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي كتب: «أعِدُ بأن أُبقيَ الرجال خارج الرياضات النسائيّة»، ولا من تلميحات رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني التي قالت: «لا يجب أن يُسمح لمَن يملكون خصائص جينيّة ذكوريّة أن يشاركوا في المباريات الرياضية النسائية».

هذا التمييز على أساس الشكل واجهته خليف (25 عاماً) بتحقيق مزيدٍ من الإنجازات في أولمبياد باريس، مكتفيةً بتصريحٍ قصير قاومت خلاله دموعها: «أريد أن أقول للعالم أجمع إنني أنثى وسأبقى أنثى». تحصّنت كذلك بدعم الكثيرين، على رأسهم والدها الذي وصف ما تعرّضت له ابنته بالظلم، قائلاً: «ابنتي فتاة وربّيتُها كفتاةٍ مكافحة وقويّة».

الملاكمة الجزائرية إيمان خليف بعد انسحاب منافستها الإيطالية (رويترز)

جدّة البينغ بونغ

ليس تنمّراً إنما تَحبُّباً، تُلقّب جيينغ زينغ بـ«جدّة كرة الطاولة». فالرياضيّة التشيليّة الصينيّة البالغة 58 عاماً، شكّلت بدورها حالةً فريدة في الحدث الباريسيّ، من خلال مشاركتها الأولمبية الأولى وهي في هذه السنّ المتقدّمة.

في حديث مع شبكة «سي إن إن» قالت: «عندما كنت أُسأل طفلةً عن حلمي، كنت أجيب بأنني أريد أن أصبح رياضيّة أولمبية». إلّا أن 40 سنة فصلت ما بين حلم الطفولة وتحقيقه، إذ إنّ زينغ انقطعت عن التمرين الأولمبي في مطلع عشريناتها منتقلةً من الصين إلى تشيلي، ومتفرّغةً لتدريب الأطفال ولعائلتها ولعملها التجاريّ الخاص.

قبل سنوات، وخلال جائحة «كورونا»، التقطت المضرب من جديد وعادت إلى التمرين والمشاركة في بطولاتٍ محلّيّة. تلا ذلك تأهّلها إلى الألعاب الأولمبية، حيث لم تحقق الفوز، لكنّها على الأقلّ حققت الحلم، وألهمت الكثيرات بأن ليس للنجاح تاريخ صلاحية.

تشارك جيينغ زينغ في الأولمبياد للمرة الأولى وهي في سن الـ58 (أ.ف.ب)

ندى حافظ... أحمالٌ شاقّة

أبعد من فاصلٍ أولمبيّ جميل مع رياضيّةٍ تبارزت بالسيف وهي حامل في شهرها السابع، أضاءت قصة اللاعبة المصرية ندى حافظ على كفاحٍ نسائيّ من نوعٍ آخر لا يلقى ما يكفي من الانتباه.

عندما أطلّت حافظ (26 عاماً) على العالم وهي تحمل سلاحها الرياضيّ وبطنها الممتلئ بجنين، تنوّعت ردود الفعل ما بين التعاطف والانتقاد. غير أنّ أهمّ ما فعلته حكايتها، هو التذكير بالحوامل المرغمات على العمل، في ظلّ ظروفٍ أقسى من مباراة رياضيّة محاطة بالاهتمام الطبي والعاطفي والإعلامي.

ولعلّ ما كتبته حافظ في منشورها على «إنستغرام» هو لسان حال تلك النساء؛ «طفلي وأنا واجهنا ما يكفي من التحديات الجسديّة والعاطفية. رحلة الحمل صعبة بحدّ ذاتها، لكن المحاربة من أجل الحفاظ على التوازن ما بين الحياة والواجب الرياضي، كانت مهمة شاقّة».

حلمٌ بذراعٍ واحدة

مزيدٌ من الحكايات الملهمة روَتها الرياضيّات البارالمبيات، اللواتي ملأن احتياجات الجسد الخاصة بانتصاراتٍ وميداليّات. من بين أولئك، لاعبة كرة الطاولة البرازيلية برونا ألكسندر (29 عاماً) التي فقدت ذراعها اليمنى وهي في شهرها الثالث. لكنّ ذلك لم يحل دون احترافها كرة الطاولة منذ سنّ الـ7، مكتفيةً بذراعٍ واحدة لتحقيق انتصاراتٍ كثيرة في هذه الرياضة. أما أبرز إنجازات ألكسندر في أولمبياد باريس، فهو أنها مثّلت بلادها في كلٍ من الفريقَين الأولمبي والبارالمبي، وهذه سابقة في تاريخ البرازيل الرياضي.

في حديثٍ مع وكالة «رويترز» وجّهت ألكسندر رسالة إلى كل مَن يحتاج سماعها: «لا تتنازلوا عن أحلامكم، بغضّ النظر عمّا إذا كنتم تملكون رِجلاً واحدة أو ذراعاً واحدة. آمنوا بأنّ كل شيء ممكن».

لاعبة كرة الطاولة البارالمبية البرازيلية برونا ألكسندر خلال مشاركتها في أولمبياد باريس (أ.ف.ب)

من أجل نساء أفغانستان

حملت الأفغانيّة زكيّة خدادادي إلى أولمبياد باريس جرح البلاد وجرح الجسد. لاعبة التايكوندو المحرومة من يدها منذ الولادة، كانت أوّل أنثى أفغانيّة تشارك في حدث رياضي عالمي خلال «أولمبياد طوكيو 2021»، بعد عودة حركة «طالبان» إلى الحكم. جرى إجلاؤها من كابل حينذاك بمساعدة اللجنة البارالمبية الدوليّة، بعد أن كانت تتدرّب لسنواتٍ في الخفاء.

وها هي تعيد الكرّة في باريس بعد أن صارت مقيمةً في فرنسا، معلنةً أنها تتنافس باسمِ النساء في بلادها واللواتي جُرّدن من حقوقهنّ على مدى السنوات الثلاث الماضية. وفي تصريحٍ لوكالة «أسوشييتد برس» قالت خدادادي (26 عاماً): «أريد أن أفوز بميدالية، وأن أُظهر قوّتي لكل النساء والفتيات في أفغانستان».

أما مواطنتُها العدّاءة كيميا يوسفي (28 عاماً)، فقد رفعت لافتةً بعد حلولها ثانيةً في سباق الركض، كُتب عليها بألوان العلم الأفغاني: «تعليم. رياضة. هذه حقوقنا». وفي وقتٍ لا تعترف حكومة «طالبان» سوى بالرياضيين الرجال المشاركين في البعثة الأولمبية، قالت يوسفي المقيمة في طهران: «رسالتي للفتيات الأفغانيات هي ألّا يستسلمن وألّا يدعن أحداً يقرر عنهن».

العدّاءة الأفغانية كيميا يوسفي وشعار «تعليم. رياضة. حقوق الأفغانيات» (رويترز)

نمور في حضن الجزائر

في بلدها الأمّ الجزائر، وجدت نجمة الجمباز كيليا نمور ملجأً، بعد أن رفض اتّحاد الجمباز الفرنسي وطبيب المنتخب ضمّها إلى الفريق الأولمبي. أثارت قضية نمور سجالاتٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، فالرياضية المولودة في فرنسا عام 2006، استُبعدت عن البعثة الفرنسية؛ بسبب خضوعها لعمليّتَين جراحيّتَين عام 2021. رجّح الاتّحاد بأن تكون كثافة التدريب هي السبب وراء تفاقم حالتها، وارتأى أنه يجب أن تعود إلى الرياضة بشكلٍ تدريجيّ.

نمور التي تمارس الجمباز منذ سن الخامسة، وجدت الحلّ في اللجوء إلى بعثة الجزائر، مسقط رأس والدها. وهي حققت الفوز الأول لوطنها الأم في رياضة الجمباز، مُحرزةً الميدالية الذهبية.

أحرزت كيليا نمور الذهبية الأولى للجزائر في رياضة الجمباز (رويترز)

فريق اللاجئين الأولمبي

أما لمَن لم يجدوا بلاداً يمثّلونها، فقد فتح فريق اللاجئين الأولمبي ذراعَيه. من بين هؤلاء الملاكمة سيندي نغامبا الكاميرونيّة الأصل والمقيمة في بريطانيا.

الملاكمة سيندي نغامبا الفائزة ببرونزيّة عن فريق اللاجئين الأولمبي (أ.ب)

أحرزت نغامبا (25 عاماً) الفوز الأول لبعثة اللاجئين، حاصدةً ميدالية برونزيّة. علّقت الرياضيّة التي وجدت في الملاكمة ملجأها الآمن: «أريد أن أدعو اللاجئين جميعاً حول العالم إلى أنه بمواصلة العمل والإيمان بأنفسهم. يستطيعون تحقيق كل ما يريدون». ويضمّ فريق اللاجئين في أولمبياد باريس 37 رياضياً من 11 دولة، يتنافسون عن 12 فئة.


مقالات ذات صلة

«بريدجستون» تلحق بشركات يابانية وتنهي رعايتها لـ«الأولمبية الدولية»

رياضة عالمية الشركة ذكرت أنها تريد التركيز على رياضة السيارات (أ.ف.ب)

«بريدجستون» تلحق بشركات يابانية وتنهي رعايتها لـ«الأولمبية الدولية»

بات عملاق الإطارات «بريدجستون» أحدث شركة يابانية تنهي رعايتها للألعاب الأولمبية، بعد انسحاب «تويوتا» و«باناسونيك».

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الحلقات حُسم أمرها بعد جدل (أ.ف.ب)

بعد جدل... حسمُ مصير الحلقات الأولمبية على برج «إيفل»

الحلقات الخمس بطول 29 متراً وارتفاع 15 متراً، التي عُلّقت بمناسبة استضافة أولمبياد باريس في الصيف، رُفِعت بين الطبقتين الأولى والثانية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية أكيو تويودا (رويترز)

«تويوتا» ستنهي عقد رعاية دورة الألعاب الأولمبية

قال أكيو تويودا، رئيس «تويوتا»، اليوم (الخميس)، إن الشركة لن تجدد عقدها الممتد منذ عشر سنوات باعتبارها الراعي الرئيسي لدورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية إليود كيبشوغ (رويترز)

العدّاء الكيني كيبشوغ: لن أشارك في أولمبياد 2028

قال العداء الكيني إليود كيبشوغ، البطل الأولمبي مرتين في سباقات الماراثون، إنه لن يشارك في أولمبياد 2028 بلوس أنجليس.

«الشرق الأوسط» (برلين )
رياضة عربية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (رويترز)

أولمبياد باريس: السيسي يوجّه بتقييم شامل لأداء الاتحادات الرياضية

وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في ضوء التقرير المقدّم من وزير الشباب والرياضة حول أداء البعثة المصرية بدورة الألعاب الأولمبية، بتنفيذ حزمة من الإجراءات الفورية.


مصر: جدل حول مصير «مبنى القبة التاريخي» لقناة السويس

جانب من أعمال الترميم (هيئة قناة السويس)
جانب من أعمال الترميم (هيئة قناة السويس)
TT

مصر: جدل حول مصير «مبنى القبة التاريخي» لقناة السويس

جانب من أعمال الترميم (هيئة قناة السويس)
جانب من أعمال الترميم (هيئة قناة السويس)

نفت «هيئة قناة السويس» المصرية ما تردد عن بيع مبنى القبة التاريخي الواقع بمحافظة بورسعيد والمطل على المجرى الملاحي، وهو من أوائل المباني التي تأسست لإدارة حركة الملاحة، ويشكل أحد المعالم الرئيسية المعروفة للقناة.

وتداولت حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنباءً عن بيع المبنى لصالح إحدى الشركات العالمية لتحويله إلى فندق عالمي، بالتزامن مع البدء في تنفيذ أعمال التطوير الخاصة بالمبنى في الوقت الحالي.

وقال رئيس الهيئة الفريق أسامة ربيع إن «مشروع تطوير مبنى القبة التاريخي سيتضمن استثمار موقعه الفريد المطل على القناة ليصبح وجهة سياحية وحضارية جاذبة»، مشيراً في بيان، الجمعة، إلى حرصهم على الحفاظ على التراث المعماري والأثري لمنشآت الهيئة، وتنفيذ أعمال الترميم بالشكل الأمثل دون المساس بقيمتها الحضارية والمعمارية.

وأكد رئيس الهيئة أن «قرار ترميم المبنى يرجع إلى المطالب المتكررة من الجهات المعنية بوجود ضرورة ملحة للقيام بأعمال الترميم من أجل المحافظة على سلامة المبنى»، مشيراً إلى أن «أعمال الترميم بدأت بالتزامن مع إخلاء المبنى، ونقل الورش والمخازن إلى مناطق أخرى بشكل تدريجي دون التأثير على حركة الملاحة في القناة».

مبنى القبة التاريخي قيد أعمال التطوير (هيئة قناة السويس)

وأوضح أن «رؤية تطوير مبنى القبة ما زالت تخضع للدراسة، حيث تجري مناقشة كل الأطروحات الملائمة لكيفية استثمار الموقع، وتحقيق الاستغلال الأمثل للمبنى مع الجهات المعنية، بِعَدِّ مبنى القبة أحد أصول الهيئة الرئيسية والمصونة بقوة القانون»، مؤكداً مراعاة رؤية التطوير للحفاظ على الطابع الأثري للمبنى، والتوافق مع استراتيجية الدولة الطموحة لتشجيع السياحة البحرية.

بينما أكد عضو مجلس النواب (البرلمان) عن محافظة بورسعيد النائب أحمد فرغلي لـ«الشرق الأوسط» تقدُّمه ببيان عاجل لرئيس الوزراء ووزير السياحة والآثار، منتقداً ما وصفه بـ«إهدار المال العام»، وبدء تنفيذ مخطط لـ«بيع وتأجير أصول وشركات هيئة قناة السويس»، وعدّ الأمر «تشويهاً متعمداً للأثر التاريخي بقناة السويس عبر التوجه لتحويل المبنى إلى فندق».

وقال إن «هناك نية مبيَّتة لدى الهيئة لتنفيذ هذه الخطوة بعد إخفاقها في إدارة واستغلال الموارد بشكل سليم»، مشيراً إلى أنه «على الرغم من إخلاء المبنى منذ 3 سنوات فإن أعمال التطوير لم تبدأ حتى الآن»، وفق قوله.

ونُفِّذت عملية إخلاء مبنى القبة على مراحل متباعدة عدة للتأكد من عدم تأثيره في سير العمل وحركة عبور السفن، حيث جرى توفير أماكن عمل بديلة بالتوازي مع تجهيز منطقة «الجونة» بمدينة بورفؤاد على الضفة الأخرى من القناة لتكون مركزاً رئيسياً دائماً لإدارة حركة عبور السفن في القطاع الشمالي بما يواكب التوسعات الضرورية، وفقاً لمتطلبات تشغيل شرق التفريعة، ودخول أرصفة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية إلى الخدمة، ما يجعل نقل مقر التحركات إلى «الجونة الشرقية» أمراً ضرورياً لا بديل له، وفق بيان الهيئة.

لكن فرغلي يرى أن «ما تعلنه الهيئة اليوم بمثابة محاولة لتبرير عملية الإخلاء والانتظار لحين تجهيز الخطوة التالية بتحويل المبنى إلى فندق»، متسائلاً عن «حقيقة الشراكة مع إحدى الشركات العالمية، وما إذا كانت هناك موافقة من الجهات الأمنية على تحويل مبنى في هذا الموقع الحيوي والهام على القناة إلى فندق يتردد عليه الزوار بشكل يومي».

وتعهد الفريق ربيع بالإعلان عن تفاصيل مشروع تطوير مبنى القبة فور الانتهاء من دراسات الجدوى الفنية والتوافق على المخطط الكامل للمشروع قبل بدء التنفيذ، مؤكداً أن «إعلاء المصلحة الوطنية والحفاظ على مقدَّرات الهيئة وتنمية أصولها هو أساس كل التعاقدات التي يجري إبرامها».

وقامت «هيئة قناة السويس» في السنوات السابقة بترميم المقر الإداري الأول لها في محافظة الإسماعيلية، وتحويله إلى متحف يسرد تاريخ القناة، بالإضافة إلى ترميم وتطوير استراحة ديليسبس المجاورة للمتحف، وتحويل المبنى الملحق بها إلى فندق.

وكانت مصر قد افتتحت في أغسطس (آب) 2015 مشروع ازدواج القناة، الذي اشتُهر باسم «قناة السويس الجديدة» بطول 35 كم، وجرى تنفيذه خلال عام واحد فقط بمشاركة كثير من الشركات الأجنبية لتنفيذ أعمال الحفر، وتجهيز المجرى الملاحي، في وقت تواصلت فيه أعمال التطوير من أجل تنفيذ الازدواج الكامل للقناة بشكل تدريجي.