نجوم التسعينات في مصر أشعلوا الذاكرة وأبهجوا بيروت

حفل ضخم قلَّب المواجع وحرَّك رائحة الأيام الحلوة

نجوم الأغنية المصرية في التسعينات غنّوا روائع الذاكرة (الشرق الأوسط)
نجوم الأغنية المصرية في التسعينات غنّوا روائع الذاكرة (الشرق الأوسط)
TT

نجوم التسعينات في مصر أشعلوا الذاكرة وأبهجوا بيروت

نجوم الأغنية المصرية في التسعينات غنّوا روائع الذاكرة (الشرق الأوسط)
نجوم الأغنية المصرية في التسعينات غنّوا روائع الذاكرة (الشرق الأوسط)

سبقت جَمعة نجوم أغنيات التسعين في مصر، استعادة لما يؤكد أنّ الجوّ سيشتعل. كانت الشمس تغرق في الأفق، عاكسةً ظلالاً خافتة على واجهة بيروت البحرية، حين شغَّل «دي جي» الأمسية ما يُذكّر بالماضي. ترافق امتلاء المدرّجات مع «ماكاباي» من اليونان، و«لفّي بينا يا دنيا» من مصر. وبين «قلبي عشقها» وموسيقى زياد الرحباني، عبَرَت «إدّتهم كلّ حاجة وهمَّ استغنوا عنّي». التاسعة والربع ليل الخميس بدأ الحفل وامتدّ إلى ما بعد الأولى والربع من يوم الجمعة. 4 ساعات من تقليب المواجع واستعادة الأيام الحلوة.

أطلَّ حسام حسني لتلمع في البال «كلّ البنات بتحبّك» (الشرق الأوسط)

نجوم الأغنية المصرية في التسعينات، حسام حسني وحميد الشاعري ومحمد فؤاد وهشام عباس وإيهاب توفيق، غنّوا روائع الذاكرة في حفل حضره الآلاف بتنظيم مُتقَن لـ«Velvet Productionz» والمتعهّد أحمد عيتاني. أكّدت الأمسية عودة الحياة إلى بيروت بعد الألم. المصفّقون والراقصون والمغنّون لما تخطّى الـ4 ساعات، يشاؤون استحالة موتها. ومثلهم الفنانون الأربعة، فقدَّروا مكانتها واحتفلوا بروح شعبها، وأطلق محمد فؤاد جديده أمام جمهورها الكبير.

4 ساعات من تقليب المواجع واستعادة الأيام الحلوة (الشرق الأوسط)

أطلَّ حسام حسني، لتلمع في البال «كلّ البنات بتحبّك، كلّ البنات حلوين». احتفظ بها حتى النهاية لإدراكه وَقْعها على المشتاقين. «يلا نفتكر الأيام الحلوة... جاهزين؟»، سأل، فأجابته الهيصة. ثمة جمرٌ تُهمده المراحل الناضجة، والأربعة الآتون من مصر يمتهنون مدَّه بما يُحرِق. ذلك جمرُ الذكريات. والمشاعر التي اتّقدت ذات زمن، فأحالها زمنٌ آخر على الخفوت. أجَّجت أغنيات الأمسية النوستالجيا المنسيّة. كانت «إيه الحلاوة دي» أكثر من مجرّد تعليق لحسام حسني على الصخب. ولمّا غنّى «أمونة» و«الدنيا حرّ والجوّ نار»، وبعدهما «تتجوّزيني»، تأكّدت الحلاوة. «لمّا شفتك حتى هاي ما قُلتلي/ أنا بحبّك وغيرك إنت نو بودي!». يقصد «لا أحد»، وللمصريين مهارة في اللمسة على الأغنية.

غنّى محمد فؤاد «الحب الحقيقي» ذاكرة الجيل (الشرق الأوسط)

حضور محمد فؤاد حرَّك طبقات الذاكرة، فصوته وأغنياته بهجة. بإمكان أغنية أن تسلخ متلقّيها من مكانه وتُسقِطه في أماكن أصبحت بعيدة. الأغنيات أحياناً ورطة. بأدائه «كمانانا»، ذكَّر بشكل الفرح حين كان أصدق. وبحُب «ناديا ولولو» والإعجاب البريء. قال للبنان إنه يعشقه ولناسه إنهم يستحقون الحياة. سعادته دفعته لتطويل فقرته، مُهملاً الإشارة إلى أوان دخول فنان آخر. وحماسته تسبَّبت بشيء من اختلال التوازن، فقدَّم حميد الشاعري الفقرة الأقصر. وفاء محمد فؤاد للبنان دفعه إلى تقديم أغنيات أمكن الاستغناء عنها، فقط لئلا يُغادر. هذا مُقدَّر، لولا أنّ 3 فنانين سواه ينتظرهم الآلاف في ليل حارّ ووقت بدأ يتقدّم، مُكرِّساً تعب الأجساد بفعل الجلوس والرطوبة.

مع ذلك، مُبهِر. في الخلفية شاشات عملاقة حرَّكت الدواخل باستعادتها صور الماضي: كاسيت وراديو و«ساكسفون» وديسكو؛ والأخير على اسم الحفل «ديسكو التسعينات». ولما بلغت المُغنّي أصوات نسائية تُطلق الحناجر، علَّق: «النساء يتقدّمن الرجال في المنزل والمطبخ وأيضاً الحفلات. أين الرجّالة؟». طلب سماع أصواتهم، لكنّ الغلبة بلون الزهر.

أطلق محمد فؤاد جديده أمام الجمهور اللبناني (الشرق الأوسط)

احتفظ بالروائع حتى النهاية: «كذاب مغرور»، «أنا لو حبيبك»، «فاكرك يا ناسيني»، و«الحب الحقيقي». الأخيرة ذاكرة جيل. غنّاها في أواخر التسعينات ولا تزال نابضة. مثل جميع المصريين أنَّث البلد: «لبنان ما بتموت»، فلقي حبّه الكبير أضعافَه بحرارة التصفيق وحفظ أرشيفه، بما يتعدّى أبناء التسعينات إلى مراهقي هذا العصر.

منح حميد الشاعري اللبنانيين بهجة (الشرق الأوسط)

أمكن أن يلقى حميد الشاعري مساحة أكثر إنصافاً، فلا يبدو أنه حضر ليغادر سريعاً. محترم في حرصه على شكر الموسيقيين ولطافة التفاعل. ارتدى ابتسامته تماماً مثل لباسه الأبيض، ومنح المسرح بهجة. ديو «لكان على الخاطر» مع هشام عباس، شكَّل نقلة. كان بعضٌ قد أوشك على الهمود لتقدُّم ساعات الليل، فألحقاه بمَن لا يأبهون سوى بالفرح. لا بالوقت ولا التعب ولا دوام العمل في اليوم التالي.

لافتٌ هشام عباس بامتلاكه أدوات المسرح (الشرق الأوسط)

لافتٌ هشام عباس بامتلاكه أدوات المسرح. يغنّي بِطاقة خاصة، ويُطلق رقصته الشهيرة بهزّ الكتفين وتحريك اليدين على طريقة «ناري نارين». غنّى روائعه: «بالحبّ هتاخدي عيني»، «بالليل تنام العيون»، «ليلة يا ليلة»، ووصل إلى «فينه» المُنتَظرة. الشاشة العملاقة تعرض مَشاهد من فيديو كليبات التسعينات لتأجيج الشوق، فتتأكّد الصلة العميقة بماضي الأشياء، وبكلّ قديم لا معنى لجديد من دونه.

كان الجميع في انتظار إيهاب توفيق نجم الذاكرة (الشرق الأوسط)

أجَّجت أغنيات الأمسية النوستالجيا المنسيّة (الشرق الأوسط)

الجميع في انتظار إيهاب توفيق، نجم الذاكرة. لم يغادر مُتعَبون لإدراكهم أنه مسك الختام. استقبله الآلاف بحرارة، لكأنه أطلق للتوّ رائعته «إزّي يعدّي يوم». تراءى حبٌّ كبير يحمله الجمهور اللبناني له، فردَّ بباقة بديعة من أرشيفه: «سحراني ليل ونهار»، «أكتر من كدة إيه»، «قلبي مش مرتحلو»، «ملهمش في الطيب»، «تترجّى فيي»، وتحفته «الله عليك يا سيدي». فرادة الحفل رفعته إلى بين الأهم هذا الصيف في لبنان. افتُقد فيه عزاء جراحنا ومُحاكي الآهات هاني شاكر.


مقالات ذات صلة

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)
يوميات الشرق فيروز في صورة غير مؤرّخة من أيام الصبا (أرشيف محمود الزيباوي)

فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

منذ سنوات، تحوّل الاحتفال بعيد ميلاد فيروز إلى تقليد راسخ يتجدّد يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث تنشغل وسائل الإعلام بمختلف فروعها بهذه المناسبة، بالتزامن

محمود الزيباوي ( بيروت)
خاص فيروز وسط عاصي الرحباني (يمين) وحليم الرومي (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

عشية عيدها الـ90 تلقي «الشرق الأوسط» بعض الأضواء غير المعروفة على تلك الصبية الخجولة والمجهولة التي كانت تدعى نهاد وديع حداد قبل أن يعرفها الناس باسم فيروز.

محمود الزيباوي (بيروت)

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته (إكس)
يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته (إكس)
TT

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته (إكس)
يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته (إكس)

أظهرت أول صورة مقرَّبة لنجم يُعرَف باسم «WOH G64» إحاطته بالغاز والغبار، مُبيِّنة، أيضاً، اللحظات الأخيرة من حياته، حيث سيموت قريباً في انفجار ضخم يُعرف باسم «النجوم المستعرة».

وهذه ليست الصورة الأولى من نوعها لنجم خارج مجرّتنا فحسب، وإنما تُعدّ المرّة الأولى التي يتمكّن فيها العلماء من رؤية الأحداث الفارقة في موت نجم كهذا.

يقع النجم المُحتضَر على بُعد نحو 160 ألف سنة ضوئية من الأرض في مجرّة مجاورة تُسمَّى «سحابة ماجلان الكبيرة».

كما تُعدُّ أول صورة مُقرَّبة لنجم ناضج في مجرّة أخرى، رغم أنّ نجماً حديث الولادة في «سحابة ماجلان الكبيرة» جرى اكتشافه في بحث نُشر العام الماضي. وكلمة «مُقرَّبة» هنا تعني أنّ الصورة تلتقط النجم ومحيطه المباشر.

التُقطت الصورة، الغامضة إلى حد ما، باستخدام التلسكوب التداخلي الكبير جداً بالمرصد الأوروبي الجنوبي الواقع في تشيلي. ويظهر النجم محوطاً بشرنقة بيضاوية متوهّجة من الغاز والغبار، كما شوهدت حلقة بيضاوية خافتة خلف تلك الشرنقة، ربما تتكوَّن من مزيد من الغبار.

أول صورة مُقرَّبة لنجم ناضج في مجرّة أخرى (إكس)

ونقلت «إندبندنت» عن المؤلِّف الرئيس للدراسة المنشورة في مجلة «الفلك والفلك الفيزيائي»، الفلكي كييشي أونكا، من جامعة «أندريس بيلو» في تشيلي، أنّ «النجم الآن يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته». وأضاف: «السبب في أننا نرى هذه الأشكال هو أنه يطرد مزيداً من المواد في بعض الاتجاهات أكثر من غيرها؛ وإلا لكانت الهياكل ستبدو كروية».

تفسير آخر مُحتمل لهذه الأشكال هو التأثير الجاذب لنجم مُرافق لم يُكتشف بعدُ، وفق كييشي أونكا.

قبل أن يبدأ في طرد المواد، اعتُقد أنّ النجم «WOH G64» يزن نحو 25 إلى 40 مرّة من كتلة الشمس، كما ذكر الفلكي المُشارك في الدراسة جاكو فان لون من جامعة «كيل» في إنجلترا. إنه نوع من النجوم الضخمة يُسمّى «العملاق الأحمر العظيم».

وأضاف: «كتلته، وفق التقديرات، تعني أنه عاش نحو 10 إلى 20 مليون سنة، وسيموت قريباً. هذه الصورة هي الأولى لنجم في هذه المرحلة المتأخّرة الذي ربما يمرّ بمرحلة تحوُّل غير مسبوقة قبل الانفجار. للمرّة الأولى، تمكنّا من رؤية الهياكل التي تحيط به في آخر مراحل حياته. وحتى في مجرّتنا (درب التبانة)، ليست لدينا صورة كهذه».