«أغاني المسلسلات»... سرد موسيقي يُعيد إحياء روائع الدراما العربية

المايسترو خالد نوري لـ«الشرق الأوسط»: قدمنا حفلات في الكويت والدوحة والرياض... وقريباً في الظهران

مقدمة مسلسل «عائلة الحاج متولي» (الشرق الأوسط)
مقدمة مسلسل «عائلة الحاج متولي» (الشرق الأوسط)
TT

«أغاني المسلسلات»... سرد موسيقي يُعيد إحياء روائع الدراما العربية

مقدمة مسلسل «عائلة الحاج متولي» (الشرق الأوسط)
مقدمة مسلسل «عائلة الحاج متولي» (الشرق الأوسط)

لطالما ارتبط الجمهور بأغنيات مقدمات أو نهايات مسلسلات عربية، وخلد كثيرٌ منها في ذاكرته، مثل المسلسل الكويتي «خالتي قماشة»، والمصري «عائلة الحاج متولي»، والسعودي «العاصوف» وغيرها من المسلسلات. وهو ما قامت عليه فكرة حفل «أغاني المسلسلات»، الذي يعود بالجمهور إلى الروائع الموسيقية في الدراما العربية، بعروض متنقلة في مدن خليجية عدّة.

تحظى حفلات (أغاني المسلسلات) بحضور جماهيري كبير (الشرق الأوسط)

يتحدث المايسترو الكويتي خالد نوري لـ«الشرق الأوسط» عن فكرة البرنامج فيقول: «الأغنيات المختارة في الحفلات التي نقدمها، سواء كانت خليجية أو عربية، هي حاضرة في الذاكرة، ويشعر الجمهور تجاهها بالحنين، وهو ما نلمسه في كل حفل، تجاه الأغنيات المقدمة أو البعض منها».

ويشير نوري إلى أن فرقته المكونة من نحو 45 شخصاً ما بين عازفين وكورال، قدّمت حتى الآن 13 حفلاً، ما بين الكويت والدوحة والرياض، وتستعد لحفلها المقبل في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) في الظهران (شرق السعودية)، حيث ستقدم الفرقة 5 عروض على مدى 3 أيام.

تبحث هذه الحفلات عن أعمال ارتبطت بذاكرة الجمهور (الشرق الأوسط)

ذاكرة الجمهور

لدى سؤاله عن تحدي التكرار، يجيب خالد نوري: «نحن نحاول تجديد المحتوى بشكلٍ دائم، وإضافة أعمالٍ جديدة ما بين حفل وآخر». ويشير إلى أن «حفلات الكويت قدّمت أعمالاً مرتبطة بالذاكرة الكويتية، في حين قدمت الفرقة في حفل الدوحة أعمالاً أخرى مرتبطة بذاكرة الجمهور القطري، وفي حفل الرياض أُضيفت أعمال تناسب الذاكرة السعودية؛ وذلك وفق ما يتناسب مع ذائقة الجمهور المستهدف في كل مدينة».

ويشير نوري إلى أن الفرقة نظّمت قبل نحو شهر حفل «مسلسلات 1.5» ليكون مختلفاً عمّا سبق، قائلاً: «في هذا الحفل تركنا الأعمال التي من الصعب تغييرها لتعلُّق الجمهور بها، وأضفنا على البرنامج أشياء جديدة، كما طوّرنا في طريقة تقديم هذه الأعمال، من ذلك عزف الموسيقى التصويرية لبعض الحلقات وليس فقط مقدمة أو نهاية المسلسل، وذلك من باب التجريب، وحيال ذلك لمسنا صدى جميلاً من الجمهور».

الفرقة الموسيقية أثناء تقديم أغنية مسلسل «خالتي قماشة» (الشرق الأوسط)

الثمانينات والتسعينات

هذه التجربة الفنيّة المليئة بالحنين إلى الماضي، ربما تشدّ الجيل الذي عاصر كلاسيكيات الدراما الخليجية والعربية التي قُدمت في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ويؤكّد نوري أن جمهور (أغاني المسلسلات) يأتي من جميع الفئات، مضيفاً: «في طبيعة الحال فإن التفاعل الأكبر هو ممن عايشوا فترة عرض هذه المسلسلات؛ ودائماً ما يميل الناس للجديد ويبحثون في الوقت نفسه عمّا ألفوه».

لدى سؤال نوري عن أكثر الأعمال التي يطلبها الجمهور، يشير إلى موسيقى ثلاثة مسلسلات، هي: الكويتي «إلى أبي وأمي مع التحية»، وهو عمل شهير عُرض الجزء الأول منه عام 1980، والمصري «عائلة الحاج متولي» الذي عُرض عام 2001، إلى جانب السوري «الجوارح» الذي بُث لأول مرة عام 1995، مضيفاً: «نحن نرى أن تصفيق الجمهور الحار هو مؤشر لإعجابه بالعمل، مما يجعلنا نحرص على تكرار مثل هذه الأعمال».

خالد نوري وفرقته يعزفون موسيقى مسلسل كويتي من الثمانينات (الشرق الأوسط)

تطوير الأعمال

يؤكّد نوري، الذي يقود الفرقة الموسيقية لشركة «سين للإنتاج الفني»، حرص الفريق على تقديم أعمال قريبة من الجمهور، لضمان نجاح الحفل قبل فتح شباك التذاكر، وفق قوله. وعن تطوير هذه الأعمال الكلاسيكية ومدى ضرورة ذلك لجعلها مواكبة للذائقة السمعية المعاصرة، يقول: «نغيّر أحياناً في العمل، لكننا لا نشوّهه، فمن المهم الحفاظ على هذه الأعمال كما هي».

ويختتم نوري حديثه مشيراً إلى أن هذه العروض الموسيقية التي تضمّ مجموعة من الأغنيات الأيقونية تقوم على فكرة مفادها أن هذه الأغنيات ليست مجرد ألحان، بل هي جزء من التراث الثقافي المليء بالذكريات الجميلة، الأمر الذي يجعل الجمهور متلهفاً لها، حسب ما تُظهره المسارح المكتظة لجميع حفلات «أغاني المسلسلات».


مقالات ذات صلة

«حورية بحر» بريطانية تحاول تحطيم الرقم القياسي العالمي للسباحة

يوميات الشرق السباقات الهادفة (حساب ليندسي كول في فيسبوك)

«حورية بحر» بريطانية تحاول تحطيم الرقم القياسي العالمي للسباحة

تُخطِّط امرأة من بريستول لتحطيم الرقم القياسي العالمي لأطول سباحة باستخدام «الزعنفة الواحدة» من خلال السباحة على طول نهر بريستول أفون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق سمُّها قاتل (د.ب.أ)

عالم برازيلي يدوس على الثعابين السامّة لفهم دوافعها للعضّ

استخدم عالم أحياء برازيلي طريقة جديدة لدراسة السلوك الذي يدفع الثعابين السامّة للعضّ؛ وهي دراسة تُسهم في إنقاذ أرواح البشر الذين يتعرّضون للدغاتها.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
يوميات الشرق أحد أشكال النهايات السعيدة (مواقع التواصل)

سلحفاة هاربة تُعطّل قطارات في بريطانيا

عطَّلت سلحفاة خدمات القطارات بعدما شرعت في محاولة هروب أوصلتها إلى قضبان السكك الحديدية... فماذا جرى؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «ماتيل» تطرح «باربي مكفوفة» بهدف تمكين الأطفال المكفوفين بالمجتمع (ماتيل)

إطلاق أول «باربي» كفيفة تستعين بعصا

أطلقت شركة «ماتيل» الأميركية لتصنيع الألعاب أول دمية «باربي مكفوفة»، موجِّهة بذلك رسالة إيجابية للأطفال الذين يعانون من ضعف النظر والعمى.

جوسلين إيليا (لندن)
يوميات الشرق مسرحياتها مطلوبة في بلاد المهجر لتعزيز العربية (ريم نعوم الخازن)

ريم نعوم الخازن لـ«الشرق الأوسط»: مسرح الأطفال يتلون بـ«سيري» وتقنية الـ«هاي تك»

يحافظ مسرح الأطفال في لبنان على مكانته عند الأهل والأولاد، فيعدّ المتنفس الترفيهي الوحيد الذي يمكنهم التفاعل معه مباشرة. وريم نعوم الخازن رائدة في هذا المجال.

فيفيان حداد (بيروت)

المايسترا مارانا سعد تقود الموسيقى نحو الحبّ الأعظم

أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل (الشرق الأوسط)
أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل (الشرق الأوسط)
TT

المايسترا مارانا سعد تقود الموسيقى نحو الحبّ الأعظم

أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل (الشرق الأوسط)
أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل (الشرق الأوسط)

تتّخذ الأماكنَ شاباتٌ يرتدين فساتين ملوَّنة بالأخضر الداكن، وشَعرهنّ يتطاير بهواء هبَّ في جبيل أضعاف هبوبه في بيروت، حيث يعتاد ممارسة الخجل. جوقة «عشتار» وأوركسترا فرقة «فيلوكاليا» بقيادة الأخت مارانا سعد، ارتقاءٌ إنساني بالموسيقى. شكّلت الاحتفالات المستمرّة في مئوية «الجامعة اللبنانية - الأميركية» فرصة لمتعة الإصغاء إلى النغم في المدينة المُجاورة للبحر وقلعتها التاريخية. وسط الهواء المُطعَّم بالبرودة، أقيمت أمسية تُحيل الروح على السموّ.

أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل وإتاحة المناجاة. اصطفَّ الكورال، وتأكّد العازفون من اتّخاذ آلاتهم وضعيتها المريحة. تلاعبت الأضواء بالجدران في الباحة الكبرى، مضيفة إليها ألواناً وحده الليل يسمح برؤية جمالها الكلّي، على عكس مكيدة الشمس المتفوّقة ببسْط ضوئها دون سواه. في هذا الجوّ الشاعري، حلَّت سكينة أرغمت أصوات المتحدّثين على الانخفاض تماشياً مع الصمت الساطع. عزفت الأوركسترا باقتها من عبقريات الرحابنة، وأشعار جبران خليل جبران ونزار قباني، وجماليات الأغنية الأجنبية المُحاكية للقيم.

جوقة «عشتار» وأوركسترا «فيلوكاليا» ارتقاءٌ إنساني بالموسيقى (الشرق الأوسط)

يحلو للمرء أحياناً ألا يبالي بمقعده فيتنازل عنه مُسلِّماً نفسه للصخب. ويحلو له أيضاً أن يشهد على ابتهاج روحه وسط استراحة اليدين وكل ما يُكمِل الهيصة. في حفل مارانا سعد، يحدُث التسليم للحبّ. ليس بهيئته المُتدَاولة، بل بكينونته. بالعظمة الكامنة في نبضه وجوهره وسُلطته على العناصر. تطلّ بثوب الرهبنة الأسود وقلب أبيض يسهُل استقاء بياضه من شغف فَهْم النغمة وإدراكها بالعمق الصافي.

الأصوات التي غنَّت أبهرت، واعدة بطموح كبير، وإن كانت أقلّ شهرة ممن يُعرَفون. نحو 15 حنجرة علَت بطبقاتها وأمتعت بالموهبة، مُذكّرة بأنّ الفرص أحياناً تمعن القسوة حين لا تُعطَى بإنصاف لمَن يستحقها.

تحرّكت عصا المايسترا ضابطة النغمات والحريصة على عدم إفلات نوتة من سكّتها، وكان لها ما أرادت. قُدِّم الحفل بعد تحضير كامل استعداداً لصفر خطأ. يتذكّر الهواء أننا في أواخر يوليو (تموز) وعليه الإذعان لواقع اللهب، ثم ينتفض مُطالباً بدوره، فيُنعش ويُفرح؛ بينما صوت ربيكا يوسف المُتقِن أدواته يغنّي لفيروز من كلمات الأخوين وألحانهما، «احكيلي عن بلدي احكيلي، يا نسيم لمارق عالشجر مقابيلي»... لقاء النسائم.

الأضواء تضيف الألوان إلى الجدران في الباحة الكبرى (الشرق الأوسط)

أُريد من الأمسية إعلاء الحبّ. العالم يقسو والقلوب تسودّ، وتُصوَّر المحبة على هيئة ضعف. حضرت مارانا سعد وكل مغنٍّ وموسيقي ليقولوا العكس. يستطيع الحبّ الشفاء والترميم واللملمة. بإمكانه أن يمنح اليباس حياة. تجلّت الذورة في «أومن»، تحفة الأخوين بصوت فيروز. غنّتها ربيكا يوسف كما يُوجِّه محتاج صلاة إلى الله. وقد تُرفَق بغصّة مخبّأة ودمعة تتوارى لئلا تبوح بكلّ شيء. «أومن أنْ في صمتِ الكون المقفلِ، مَن يصغي لي/ إني إذ ترنو عيناي للسماء، تصفو الأضواء، تعلو الألحان، كلّي إيمان». مناجاة بهذا النُبل تُحِدث في النفوس وَقْع العذوبة.

الجميع يُصغي سارحاً في اللحظة الخاصة. التأمُّل في الوجوه يُظهر شرودها أمام ما يجري. يقلُّ اليوم اعتماد خيارات مُشابهة لما تريده مارانا سعد والجوقة من الفنّ. يندُر مَن يراه حرّية روح وعناقاً لغيمات. والأخت ابنة جبيل، تُدرك هيبتها التاريخية، فاختارت للأمسية الجودة: تراث وموشّحات وفيروزيات حلوة. كانت «من عزّ النوم بتسرقني»، من كتابة الأخوين وألحان فيلمون وهبي، وردة الأمسية. كيف يعقل للكلام التحلّي بجناحَي ملائكة، فيحلّق ويحلّق نحو الارتفاع الأنيق؟ «مشلوحة على بحر النسيان/ فارقني النوم وكل شي كان/ وجّك ما كان يفارقني/ وجرِّب اسبح ويغرّقني...». الكلمة أعماق.

متعة الإصغاء إلى النغم في جبيل المُجاورة للبحر (الشرق الأوسط)

بين القصيدة وأغنيات لبنان، وقفت 3 أيقونات أميركية وإنجليزية تحية للأمل والغفران والمساواة. وكما سُرَّ الحضور بـ«دبكة لبنان» للأخوين، و«أهلا بهالطلّة» لزكي ناصيف، و«بصباح الألف الثالث» لمنصور الرحباني بتوزيع أسامة الرحباني، و«هيلا يا واسع» للأخوين، و«قلعة كبيرة»، شِعر موريس عواد ولحن وليد غلمية، و«ألحان القرية»، شِعر إلياس أبو شبكة وموسيقى إياد كنعان، و«نشيد الحبّ»، شِعر جبران خليل جبران ولحن جوزيف خليفة، مُبلّلة جميعها بالموشّح الأندلسي «بالذي أسكر»، و«مخمّس مردود» للأخوين، سُرُّوا أيضاً بثلاثية «You raise me up» و«March with me» و«Amazing grace». شكّلت تمجيداً لروح العدل الإنساني الهائمة في الكون الشاسع واستحالة انطفائها رغم المحاولات.

الختام لبيروت. أيقونة نزار قباني بلحن جمال سلامة وصوت ماجدة الرومي، أدّتها هيفاء النور يغيايان بذروة العطاء. «نعترفُ الآن/ بأنّا لم ننصفكِ ولم نرحمكِ/ بأنّا لم نفهمكِ ولم نعذركِ/ وأهديناكِ مكان الوردة سكيناً»... قبل صرخة الحرّية: «قومي يا بيروت قومي/ قومي إكراماً للإنسان». كُرِّمت الروح بهذا المستوى.